|
العقود محددة المدة في ضوء الاتفاقية «111»
كريم رضي
الحوار المتمدن-العدد: 2007 - 2007 / 8 / 14 - 11:31
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
كان لي في الأسبوع الماضي شرف أن أتحدث مع الأخوين مستشار الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين محمد المرباطي ورئيس نقابة المصرفيين عضو المجلس المركزي إبراهيم القصاب في ندوة جمعية الشبيبة بمقر المنبر التقدمي بشأن موضوع ‘’عقود العمل محددة المدة’’ ودور النقابات في مواجهة هذه الظاهرة، والمشكلات التي يعانيها العاملون بموجب هذه العقود من غياب الأمن الوظيفي والحماية الاجتماعية وغير ذلك من صور التمييز التي يتعرض لها هؤلاء العاملون. وفي البدء لابد من الإشادة بقيام جمعية شبابية بوضع موضوع مهم وأساس مثل هذا على أجندة عملها، ما يذكرنا بثورة الشباب الفرنسي في النصف الأول من العام 2006 احتجاجا على قانون العمل الجديد الذي أعطى لصاحب العمل حق تسريح العامل في السنتين الأوليين من دون إبداء الأسباب، ويأتي تقديرنا لهذه المبادرة أولا لأن التركيز على محور معين من محاور تحولات عالم العمل اليوم أفضل من تشتيت الجهود في مسارات عدة لن تؤدي إلى نتيجة وثانيا لأن هذا الموضوع بالذات هو موضوع شبابي بالدرجة الأولى، حيث أن نسبة أكثر من 90% ممن يعملون بالعقود محددة المدة هم من الفئة العمرية 18 - 35 سنة وهي فئة الشباب حسب تصنيف المنظمات الدولية وهو ما يعكس من جهة أخرى حداثة هذه الظاهرة في سوق العمل. في العام 1993 ونتيجة لنفوذ أصحاب العمل أدخلت مجموعة من التعديلات جعلت سوق العمل أكثر قابلية لإدخال العقود محددة المدة حتى لأعمال دائمة بطبيعتها، وكان أصحاب العمل يشتكون دائما مما يرون أنه مشكلة في ظل سريان العقد المفتوح عموما في سوق العمل من ناحية صعوبة التخلص من العامل حتى لو لم يرض صاحب العمل عن أدائه، حيث يعتبر الاستغناء عن العامل في هذه الحالة غالبا فصلا تعسفيا على صاحب العمل أن يعوض العامل بسببه. غير أن ظاهرة العقود محددة المدة هي ظاهرة عالمية بالطبع أكبر من مساحة اقتصادنا الضئيل الحجم والتأثير في الاقتصاد العالمي، وهي تعكس ما يسمى اليوم بعالم متغير للعملChanging World of Work وقد دأبت منظمة العمل الدولية الآن على استخدام هذه العبارة ملحقة بالحديث عن بعض مبادئ المنظمة، مثل ‘’إعلان المبادئ الدولية - في عالم متغير للعمل’’ و’’مفهوم العمل اللائق - في عالم متغير للعمل’’ و’’الحماية الاجتماعية - في عالم متغير للعمل’’ وهكذا، لكن ما هي سمات هذا العالم المتغير للعمل؟ إن أبرز سمات هذا العالم هي ظاهرة انتقال رؤوس الأموال على صعيد أصحاب الأعمال Capital Mobility وانتقال العمل على صعيد العمال Labor Mobility وما تؤدي له هذه من نتائج أهمها قانون أو عرف سوق العمل الجديد ‘’استخدم وسرح Hire and Fire ‘’ وهو يعني حماية أقل للعامل ومرونة أكبر لصاحب العمل في التخلص من العمال الذين لا يرغب فيهم. ومن سمات هذا العالم المتغير للعمل أيضا هو التحول من ولاية تشريعات العمل إلى ولاية عقود العمل وهو ما ذكره خبير قوانين العمل الدكتور يوسف إلياس في ندوته بنادي العروبة عن أزمة قانون العمل المعاصر. ويعني هذا التحول في الولاية أن سوق العمل اليوم عالميا ينزع نحو استبدال الحماية التشريعية بالحماية عبر العقد الفردي أو العقد الجماعي (في حالة النقابات) وهو ربما ما عبر عنه عنوان هذه الندوة الرئيس بتركيزه على دور النقابات وما أكد عليه أثناء الندوة الأستاذ محمد المرباطي من أن على النقابات دورا تلعبه عبر المفاوضة الجماعية في حالة ما إذا كان تشغيل العمالة بعقود محددة المدة يتم في أعمال دائمة بطبيعتها، وهنا يمضي بنا الحديث إلى مدى قوة هذا النقابات وقدرتها على مواجهة هذه الظاهرة وهي قوة متفاوتة بين نقابة وأخرى كما أنها قوة تعتمد على قدرة هذه المنظمات النقابية في تجاوز إشكالاتها الذاتية وتعزيز قدرتها التفاوضية وإشاعة الديمقراطية الداخلية كما أشار إلى ذلك الأخ إبراهيم القصاب. ويذكر هنا الإشارة إلى أن هناك من النقابات من تمكن من مواجهة هذه المشكلة فقد استطاعت نقابة عمال شركة خدمات البحرين باس من خلال التفاوض مع إدارة الشركة من تحويل ما يقرب من 400 عامل من عقود محددة المدة إلى عقود مفتوحة المدة وهو ما يعادل 20% تقريبا من مجموع العمالة بالشركة واستطاعت نقابة عمال شركة نفط البحرين (بابكو) من تحويل 60 عاملا أيضا إلى عقود مفتوحة. وفي الحالتين كانت العمالة بعقود محددة المدة تخضع لتمييز ضدها بحرمانها من مشاريع الإسكان أو الادخار أو الترقيات والعلاوات أو تعمل عددا أكبر من ساعات العمل، وهو ما يتعارض بوضوح مع الاتفاقية (111) بشأن التمييز في الاستخدام والمهنة والتي صادقت عليها مملكة البحرين وملزمة بتطبيق أحكامها. وفي مفهوم هذه الاتفاقية يعني مفهوم التمييز أي تفريق أو استبعاد أو تفضيل يكون من أثره إبطال أو إضعاف تكافؤ الفرص أو المساواة في الاستخدام والمهنة. ومن هنا نرى أن التحدي الرئيس في التعامل مع هذه الظاهرة هو التركيز أولا على المساواة في شروط وظروف الاستخدام والمهنة من ناحية الحماية الاجتماعية والترقيات ومستوى الأجر للعمل المتماثل والامتيازات التي يحصل عليها بقية العاملين في الشركة المعنية، ليبقى على الأقل فارق واحد فقط في المرحلة الأولى هو موضوع الأمان الوظيفي. قامت نقابة عمال باس مثلا بالإضافة إلى تحويلهم إلى عقود مفتوحة بالاتفاق مع الشركة على أن كل من سيعملون بعقود محددة المدة مستقبلا لا تقل ظروفهم وشروط عملهم عن زملائهم العاملين بعقود مفتوحة. وهناك اليوم مؤسسات يعمل فيها العمال بعقود محددة المدة بنسبة 100% تقريبا وفي الحكومة بدأت هذه الظاهرة تأخذ مكانها وهناك من قضى ما يقرب من عشرين سنة في القطاع الحكومي بعقد محدد المدة من دون تأمين اجتماعي ومن دون تغيير في وضعه الوظيفي. سيكون ربما من غير المعقول حاليا تصور أننا سوف نعود إلى الأمان الوظيفي السابق يوم كان كل عقد عمل يبرم هو تلقائيا عقد عمل مفتوح المدة لكن يجب الضغط أولا باتجاه المساواة ورفع كلفة العقد محدد المدة لتساوي كلفة العقد مفتوح المدة، وثانيا باتجاه تحويل كل من يعمل في عمل دائم بطبيعته إلى عقد مفتوح مع الاستفادة من نصوص قانون العمل الحالي التي تنص على تحول كل عقد محدد المدة إلى عقد مفتوح إذا استمر طرفاه في تنفيذه من دون اتفاق صريح بعد انتهاء مدته.
#كريم_رضي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إذا نطقت مصر أصغى العالم
-
مدد يا شيخ إمام مدد
-
وقائع يوم عادي - الى الماغوط
-
تلويحة خاسر لعام مضى
-
في مديح الاصلاح من الخارج
-
خواطر
-
حكاية ثيران العصور والأسد الهصور - نظارات وشوارب وعمائم ولحى
...
-
ما الذي يفعلون بحرية فات ميعادها
-
يعيش الطريق ..تسقط الغاية
-
ضحية ترأف بجلادها
-
إن لم نستطع منع الحروب فلا أقل من أن نكرهها- نحو ثقافة مضادة
...
-
كم أحتقركِ أيتها الحرب
-
رسالة لأصدقاء بغداديين
-
توبة الغراب
المزيد.....
-
الفينيق يُطلق حملته السنوية بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة ال
...
-
الفينيق يُطلق حملته السنوية بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة ال
...
-
نقابة الصحفيين الفلسطينيين تطلق حملة صحفيات بزمن الحرب
-
الحكومة الجزائرية : حقيقة زيادة رواتب المتقاعدين في الجزائر
...
-
تأكيد المواقف الديمقراطية من الممارسة المهنية وعزم على النهو
...
-
وزارة المالية العراقية : موعــد صرف رواتب المتقاعدين في العر
...
-
“اعرف الآن” وزارة المالية تكشف حقيقة زيادة رواتب المتقاعدين
...
-
مركز الفينيق: رفع الحد الأدنى للأجور في الأردن: استثمار في ا
...
-
تعرف على موعد صرف رواتب الموظفين شهر ديسمبر 2024 العراق
-
تغطية إعلامية: اليوم الأول من النسخة الأولى لأيام السينما ال
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|