|
الدستور العراقي ..ومشكلة الاقليات
فواز فرحان
الحوار المتمدن-العدد: 2006 - 2007 / 8 / 13 - 11:07
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
التركيبه السكانيه التي تشكل النسيج الاجتماعي في العراق مثلت حاله فريده من الانسجام منذ عهد الدوله الاشوريه وحتى يومنا هذا ,فبعد انهيار الدوله البابليه انتشرت في بابل الكثير من الاديان التي قامت على انقاض ديانة الدوله البابليه التي تحكمت فيها القوى الثيوقراطيه بقوة ادت الى تداعيات اخرى ساهمت في بلورة افكار جديده دينينه نابعه من نفس المنهل الديني للبابليين ,وامتدت هذه التركيبه لعصرنا الحالي وحملت معها معالم حضارة العراق القديم والكثير من العادات والتقاليد والاعراف الاجتماعيه والدينيه وحتى معالم من اللغات التي كانت متداوله في ذلك العصر وعبر قرون طويله من الزمن تعرضت هذه التركيبه لحملات من الاباده وفرض التغيير عليها لكنها جميعها باءت بالفشل حتى وان تمكنت من التأثير في اغلبيه لا باس بها من سكانه, وتشكل اليوم هذه التركيبه عقده للكثير من السياسيين الذين ينظرون الى مجتمعهم العراقي فقط من الزاويه الدينيه التي يقفوا فيها والتي ادخلتهم الى اللعبه السياسيه بعد احتلال العراق , كان من المفترض ان تؤدي الاطاحه بالدكتاتوريه الى بناء عراق بوجه جديد يعبر عن عمق جذوره في تاريخ الحضارة الانسانيه لا ان يتحول الى مرتعا لقتل ابناءه لاسباب مختلفه.. فصعود التيارات الدينيه دفع الى الواجهه من جديد التركيز على مكونات هذا الشعب والطريقه التي تدار بها حياتهم وعاداتهم وتقاليدهم لتتمزق الهويه الوطنيه بين اوصال هذه النظرة التي اختصرت ملامح وتاريخ العراق فيها ولا يمكن القول ان الاغلبيه في العراق متعصبه دينيا كما تحاول الكثير من وسائل الاعلام العربيه اظهار ذلك لكن الواقع الذي فرضته مصالح الدول الكبرى وصراعها على المنطقه ادى الى نشر هذه الصورة وهي مختلفه حتما عما يشعر به المواطن العراقي , لم ترتق جميع الحكومات في العراق منذ تأسيس الدوله العراقيه الحديثه الى المستوى الذي تستطيع فيه نشر ثقافه وطنيه تسمح بتفهم مطالب الاقليات الدينيه والقوميه كما انها لم تبحث بجديه هذه المطالب رغم انها كانت تبرز دائما للسطح مع وصول كل حكومه للسلطه في العراق وباستثناء الفترة الاولى من قيام الجمهوريه والتي راحت تبحث بحد عن خلق صيغه حضاريه لعراق متعدد فان الفترات الاخرى استخدمت فيها الجزرة والعصا تجاه الاقليات , واذا ما اردنا التقرب من المشاكل التي تحيط بحياة الاقليات في العراق فاننا بلا ادنى شك سنتوقف عند الحمله التي تستهدفهم بعد انتشار المد الديني والارهاب في طول البلاد وعرضها والدستور الذي لم يعط هذه القضايا اهميه الا من الزاويه التي نظر بها التكتل الذي شكل الاغلبيه في البرلمان والحكومه وهي قاصره الى حد بعيد في اعطاءهم الشعور بالمواطنه الحقيقيه وافتقدت الى حد بعيد الى القيم الحضاريه في التعامل معها وهذه هي المرحله الحاليه التي يعيشها العراق بعد احتلاله وفرض قوانين جديده عليه ولا تراعي حقوق ابناء شعبه بل تراعي مصالح الدول المحتله له والاحزاب التي تعمل معه.. ومشروع الدوله الفدراليه اليوم رغم انه يتمتع بتعريف يفوق ما يحقق على ارض الواقع الا انه يساهم في تعميق الهوة بين ابناء هذا الشعب بدلا من ان يساهم في صهرهم في بوتقة الهويه الوطنيه الواحده فبدلا من الاستفاده من هذا التعدد الذي تحاول الدول المتقدمه زرعه في بلادها لاحداث نقله حضاريه متقدمه فان العراق يعود بهذه المسأله الى الوراء وتحاول قوى الارهاب والقوى السياسيه الاخرى المشتركه في الحكومه افراغ البلاد من هذه الحاله لخلق دوله ذات وجه واحد كما يعتقدوا وقانون واحد هي خرافه ربما لا يمكن تحقيقها مثلما فشل صدام والحكومات الاخرى في استأصال الشعب الكردي وكذلك فشله في افراغ العراق من مواطنيه من الكرد الفيليين بحجة تبعيتهم الايرانيه , ان التعامل مع هذا الموضوع في تقديري يجب ان ينطلق من التشريعات القضائيه التي تحدد حقوقهم وواجباتهم في اطار هويتهم الوطنيه التي يتوجب على واضعي التشريعات اعادة النظر بها لانها لا تتفق مع التطور الذي تعيشه البشريه والاغلبيه من العراقيين الذين غادروا بلادهم عاشوا في بلدان متطوره وقادرين على رفد بلادهم بنماذج من دساتير او قوانين تجعل العراق يتغلب على التحديات التي تواجهه لاسيما وان هناك الكثير من الحقوقيين والاكاديميين المتخصصين في مجال التشريع وسن القوانين ولا يمكن الاعتراف بقانون تم سنه في عهد الاحتلال وتحت اشراف الاحزاب المواليه له او لايران لانها بلا شك ستفتقد لتعميم مفهوم العداله في التشريع وتفهم الحاله التي تعيشها البلاد واعطاء مواطنيه حقهم الطبيعي في العيش في بلادهم تحت قانون لا يميز بينهم وبين الاخرين ولا يعطي امتياز لاحد على حساب الاخر... نعم ان هناك مشكله في التعامل مع موضوع الاقليات ليست وليدة هذه الفتره بل تعود لعقود طويله لم يتمكن من خلالها الكردي من اخذ مكانه الطبيعي في بلاده ولا التركماني من التعبير عن مواهبه وطاقاته ولا الاقليات الدينيه من اعتلاء مراكز متقدمه في مجالات الحياة المختلفه بحجه انتماءهم الديني الذي يقف الدستور عائقا امام تحقيق مواكنتهم بالشكل الصحيح ..ان الاستناد الى مصدر وحيد في التشريع وهو الشريعه الاسلاميه يجعل فئات واسعه من الشعب تتعرض للحرمان من حقوقها ويجعلها تشعر بانها منتقصة الحقوق في وطنها وتعيش كمواطنين من الدرجه الثانيه ان لم يكن اقل..وعبر تاريخ العراق الطويل لم تشكل هذه الاقليات الا عاملا مساعدا في اعطاء صوره حضاريه للبلاد من شأنها دفع عجلة التطور فيه الى الامام من خلال تنوعها فرسم لوحه بلون واحد يبدو عقيما ومقززا لكل من يطلع عليها ويحاول دراسه رموزها وتفاصيلها والتنوع في الاعراق قد يساهم ايضا في بناء دوله ذات ملامح حضاريه قويه ان تمكن التعامل معها بأسلوب متحضر ينبع من تفهم طبيعتها.. والحقيقه ان الاقليات الموجوده في العراق بحاجه الى ان تحدد مواقفها جيدا من قضيه الدستور وتعمل على ايصال اعتراضاتها وصوتها لا من خلال الاحتلال بل من خلال تبنيها لافكار تسهم في خلق عراق دستوري متمدن لا تسيطر عليه الصراعات المذهبيه والعرقيه ..وهذه الخطوه لا يمكن تحقيقها الا من خلال دستور علماني يفصل الدين عن الدوله ويخلق وجه جديد للحياة في هذا البلد ويبعد من ساحته الاحتقان الذي تسبب بالحرب الطائفيه التي تقتل ابناءه اليوم فتسليم العراق الى أئمة المذاهب والمراجع والشيوخ سيعني القضاء على كل التضحيات التي قدمها احرار العراق من اجل خلق العراق التعددي الديمقراطي , وقد اثبتت الاحداث منذ احتلال العراق وانشاء مجلس الحكم فشل القوانين والتشريعات التي تم تبنيها في هذه الفترة السوداء من تاريخ العراق وادت الى عدم اعتراف الكثير من دول العالم بحكومته ومن اهد زيارة المالكي لتركيا يستطيع ان يحكم على مدى اعتراف تركيا بهذه الحكومه فالمالكي لم يستقبله اردوغان حسب الاعراف الدبلوماسيه السائده وهذا بحد ذاته يكشف للمالكي قبل غيره طبيعه الشرعيه التي يمثلها والكثير من الدول الاخرى حتى ادت بالمسؤولين العراقيين الى التقليل من زياراتهم للبلدان العربيه والاجنبيه بعد ان عاشوا هذه الحاله من التهميش وعدم الاعتراف مرارا .. ان الدور الذي يعول عليه العراقيون من الامم المتحده يجب ان ينصب قبل كل شئ الى البدء بمحاوله تغيير الدستور العراقي الحالي الذي يفتقد الى النظره الصحيحه للمواطنه العراقيه ومساعدة العراقيين على القيام بذلك من خلال الاشراف على العمليه وفسح المجال امام قضاته لصياغه دستور عراقي يراعي حقوق جميع ابناءه لا ان يراعي مصالح الولايات المتحده والاحزاب التي جاءت بها لانها في هذه الحاله تجعل الشعب يعيش مراحلا اخرى من النضال للقضاء عليه وعلى واضعيه.. فعمليه تهجير الاقليات وفتح الباب امامهم للجوء الى الغرب ليس حلا ولن يساهم في تمزيق هويتهم وصهرهم في المجتمعات الغربيه لان طبقات واسعه منهم لا ترغب في الهجرة حتى وان كلفها ذلك حياتها وهذا ما يحدث على ارض الواقع اليوم للكثيرين منهم , ان افضل حل يمكن ان تقدمه الامم المتحده للعراق هو صياغة دستور يبعد الاحزاب والهيئات الدينيه من امتلاك سلطه القرارفي هذا البلد وعدم الاعتراف باي حكومه دينيه فيه وهي امنية الكثير من العراقيين الذين يطمحون في رؤية بلادهم تبني نفسها تدريجيا وتواكب التطور الذي تعيشه البشريه باسرها لا ان تعود بالبلاد الى القوانين الظلاميه التي لا تعطي الا صورة سيئه عن البلد وسكانه..
#فواز_فرحان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراق والحل الايراني المرتقب..
-
الولايات المتحده...وتجار الموصل..!!
-
أحباب في العالم الاخر...2
-
العراق...وصندوق النقد الدولي
-
عمال العراق..وفتوى وزير النفط !!
-
شتان ما بين المستطيل الاخضر ..والساحه الخضراء !
-
اتحاد العمال...والعمل النقابي
-
علم يمثل العراقيين..!!
-
تركيا بين العلمانيه والاسلام السياسي..
-
الحد الادنى من مطالب العمال..
-
قانون النفط...ونقابات العمال
-
حرب العراق...والتحولات المرتقبه
-
حكم دكتاتوري عسكري..
-
ألاصوليه العلمانيه...
-
العنف...والمؤسسات التعليميه
-
المواطنه المتفوقه..والدستور العلماني
-
حرب الافكار...والمشروع الامريكي للشرق الاوسط
-
المجتمع المدني..واسس الديمقراطيه
-
الدولة..والطفوله المعذبه
-
علامات انهيار مرتقب....
المزيد.....
-
الأمم المتحدة: مقتل عدد قياسي من موظفي الإغاثة في 2024 أغلبه
...
-
الداخلية العراقية تنفي اعتقال المئات من منتسبيها في كركوك بس
...
-
دلالات اصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق نتنيا
...
-
قرار المحكمة الجنائية الدولية: هل يكبّل نتانياهو؟
-
بعد صدور مذكرة اعتقال بحقه..رئيس الوزراء المجري أوربان يبعث
...
-
مفوضة حقوق الطفل الروسية تعلن إعادة مجموعة أخرى من الأطفال
...
-
هل تواجه إسرائيل عزلة دولية بعد أمر اعتقال نتنياهو وغالانت؟
...
-
دول تعلن استعدادها لاعتقال نتنياهو وزعيم أوروبي يدعوه لزيارت
...
-
قيادي بحماس: هكذا تمنع إسرائيل إغاثة غزة
-
مذكرتا اعتقال نتنياهو وغالانت.. إسرائيل تتخبط
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|