نصر القوصى
الحوار المتمدن-العدد: 2006 - 2007 / 8 / 13 - 07:05
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا شك أن مشاكل أقباط مصر أصبحت فى الآونة الأخيرة كثيرة ومتفاقمة وهذا أدعى أن نتوقع أن البطرك القادم سوف يتحمل على كاهله هموم كثيرة وهى كما أطلق عليه المفكر القبطى نشأت عدلى هموم البطرك القادم الذى أوضح الآتى
لماذا تلتهب المشاعر بحماس مظهرى عندما يتم طرح أىًّ من المسائل الدينية طرحا عاما ،ً بالرغم من أن هذه الموضوعات غير خافية على أحد ،بل الكل وبدون أى إستئناء يتحدث عنها فى الأحاديث العادية وبشكل أوسع وأشمل من هذه الأطروحات المقيدة أحيانا بقيود لغوية أو تحفظات أدبية أو أمنيات قد تكون خيالية فى بعض الأحيان، وواقعية فى أحيان كثيرة ،ولكن كل هذه قد تختفى أو تموت فى دائرة الموروثات النمطية والعادات السلبية التى تكبل الفكر دون إعطائه الفرصة من أن يتحررويخرج من تلك القوالب الجامدة ،وكلما حاولنا الفكاك منها برهة تجد سياط من النقد اللاذع والسباب الغير مهذبة فى الموضوعات عينها التى يتحدثون عنها فى الخفاء بينهم وبين أنفسهم ،وعبثا نحاول أن نخرج هذا الفكر من ذاك السجن المنصوب بمهارة ناصبيها ،هؤلاء الذين جعلوا من الغيبيات ُحّراس لهذا السجن الذى لو حاول أحد الهروب منه ينال الغضب السامى وتنهال عليه اللعنات ،وأىُ حدّثٍ أو ظرفٍ ما تصادف حدوثه ،يكون دليلاً على أن غضبهم قد أتى بنتيجتهِ ،مما يجعل البسطاء يصرخون طلبا للعفو والسماح وأن يغفر الله خطايانا التى أخطأناها فى هذه الفئة المنزهة عن الأخطاء لأنهم ليسوا ببشر عاديين،وبهذا يزداد تحكمهم وتهكمهم ولا فكاك منهم إلا بالموت ،أو بما نعمل الأن، لأنه من المؤلم أن نكون واقفين على حياد الأفكار ،لا نستطيع أن نصرخ بالحقيقة الكاملة ،ولا نحتمل كتمانها فنصبح فى صراع ما بين التصريح والكتمان، والذى لانستطيع قوله اليوم ،ففى الغد سيقوله الجميع وبهذا نصبح نحن المقصرين، لأننا لم نعلن الحقيقة لأبنائنا، وللجيل الذى يعيش الأن فى الغيبيات التى يشحنون عقولهم بها.
أن الغد أتٍ سواء قبلناه أو لم نقبله ، كنا فيه أو لم نكن ،فهو على كل أت ،وأبنائنا سيحاسبونا لأننا لم نعد لهم غد أفضل ،أو لم نطلعهم على سلبيات اليوم لكى تصبح إيجابيات فى هذا الغد الآت،وغداً أفضل من اليوم ،هذا منطق الرجاء الموضوع فينا من السيد المسيح الذى هو رأس الكنيسة أيضا
والتى نتمنى أن تكون دائما فى أنتعاش مستمر بالنعمة ،فربما يحمل لنا الغد قيادة جديدة تستطيع أن تطيب الجروح المميتة التى أصابت قلوب الكثيرين وأولاً قلب الكنيسة ،وأن تسلمها للمسيح عروس مزينة ،غير مجروحة ،غير باكية على أولادها التى فقدتهم عبر هذا الزمن،على أساقفة ورهبان وراهبات لفظتهم وأبعدتهم عنها قهرا ،وعلمانين حُِرموا من فمها،وكهنة أبعدوا أو شُلِحوا، والبعض قد آثر السلامة وهجّرها إلى طوائف أخرى هربا من ظلم وحرم قد يقع عليهم، ولكن ما أن تمر هذه الفتره،بقيادة حكيمة محبة، إلا وستهب الكنيسة واقفة شامخه ،قويه ، تجمع أولادها فى جناباتها وتأخذهم فى حضنها ،تنسيهم كل ما عانوه ،وترفعهم وترتفع بهم إلى عنان السماء ،تطيب جروحهم التى أدمتها المحاكمات الظالمة وتجفف من عيونهم دموع الظلم والقهر الذى وقع عليهم ،وإلى أن يحدث هذا لابد أن نوضح بعض النقاط التى يمكن أن أكون مخطئا فيها أو من بعضا ولكنه على كلٍ أنا أعتبره نوعا من التنفيس عما يعتليه الصدر فى التطلع إلى غدٍ أفضل لقيادة سيكون عليها بعض الأعباء.
1 - الكنيسة والدولة
إن أى دولة تنعم بإستقرار سياسى وأقتصادى لابد من أن هذا سينعكس على جميع أبنية الدولة ومؤسساتها،والكنيسة كمؤسسة دينية لا نستطيع أن ننكر دورها فى تثبيت وتدعيم هذا الأستقرار ،متأثرة به ومؤثرة فيه أحيانا أخرى،لذا كانت العلاقة ما بين رئيس الدولة ورئيس الكنيسة هامة جدا فى تثبيت دعائم هذا الأستقرار خاصة إذا كانت العلاقة مبنية على الثقة المتناهية والتفهم الكامل لدور كل منهما وعدم تداخل الإختصاصات ،فالرئيس الدينى له دوره الدينى فى توعية شعبة الروحية وفى إدراك أن للدولة حقوق لابد من تأديتها ،وكلما كانت العلاقة جيدة مابين الأثنين كلما نشطت الكنيسة لدورها الدينى ،ونحن جيل عاش فترة ذهبية للكنيسة،إذ كان كلا من القطبين العظيمين الزعيم عبد الناصر والعظيم عند الله والناس البابا كيرلس السادس،كان كل منهما يعرف واجباتة نحو الأخر بدون أى تدخل فى إختصاصاتة وبدون أى محاولة منهم لإقهار الأخر أو إجباره على تنفيذة لأنه لم يكن بينهم تنافس المناصب وبالتالى لم يكن هناك مجال للضغط على الأخر لتحقيق مطالبه،كان الزعيم عبد الناصر يكفيه أن ُيلمّح للبابا عما يريده والبابا يستجيب فورا ،لا عن ضعف ،بل عن حب وإقتناع،وكذلك قداسة البابا كان له مطلق الحرية فى زيارة الرئيس فى أى وقت ،وأن يطلب منه مايشاء وكان الرئيس يستجيب عن حب ويلبى طلبه،كان هدف كل منهما الصالح العام وبينهما الثقة المطلقة ، ولم يكن قداسة البابا يريد شيئاً لنفسه حبا فى الظهور أو إملاء شروط لابد وأن تنفذ. لقد تخلى البابا كيرلس عن فكرة الرئاسة إلى فكرة الأبوة الحانية والرعاية الصادقة ،تخلى عن فكرة أن الكل لابد أن يخضع له كرئيس دين، إلى فكرة الحب والإحتواء ،لقد أحب الكل بصدق شديد ،وآحتوى الكل فى حنان جارف لذا أطاعه الكل بحب وخضع الكل له، ليس كبطريرك بل كأب ،وليس خوفا منه ولكن حبا فى إطاعته.إن الصراع الذى ظهر على سطح الأحداث عام 81 كان عبارة عن تراكمات من عام 72 لأن أساسها كانت فكرة الزعامه والرئاسة ،لم يتقبل الرئيس السادات أن يكون هناك رئيس غيره حتى لو كان رئيس دينى لأن الرئيس الدينى أيضا ضمن رعاياه مهما أكتسب من شعبية ونجومية صحفية وإعلامية ،والمشكلة أن الرئيس الدينى أصر على تنفيذ خططه للنهاية ،متوقعا أنه بالضغط الشعبى من خلال الخطاب الدينى سيؤدى بالنتيجة التى تدور فى مخيلته، ولم يعطى لنفسه الفرصة للمراجعة أو الإحلال والتبديل،وبالطبع كانت الغلبة للخطة السياسية. ان فكرة الزعامة وحب الرئاسة لرئيس الدين هى من الأفكار القاتلة روحيا للشعب بأكمله،وهى من الأسباب التى جعلت الود مفقودا الأن ما بين القيادة السياسية والقيادة الكنسية ،ماعدا الرسميات ،كذلك الدخول فى غمار السياسة سواء تلميحا أو تصريحا أو مناوشتها عن بعد ،كل ذلك يجعل الهدف الكنسى والدينى يقل، إن لم يضعف ويفتر، لأن الأهتمامات أصبحت فى غير مجال الهدف الموضوع على عاتق الرئيس الدينى، وهو الأهتمام الروحى أولا وأخراً وليس أى هدف أخر،إن المناصب الدينية موضوعة للأهداف الروحية ،وليست لأهداف عالمية أو سياسية.
لذا يجب على الراعى القادم أن يكون مشتاقا للمحبة لا للسلطة ،محبا للرعاية لا للزعامة ،أن يكون فى المقام الأول أبا لا زعيما دينيا "إن الزعامة مهما طالت أيامها فهى قليلة ،وسريعا ماتنسى ،أما الرعاية لا يستطيع الموت نفسه أن ينزعها من القلوب"لا زالت حلاوة عهد البابا كيرلس والزعيم عبد الناصر خالدة وحلوة فى دواخلنا نجترها كلما زادت مرارة هذا العصر فى حلوقنا.
#نصر_القوصى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟