أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - و. السرغيني - فقهاء -النهج الديمقراطي- وعلاقتهم بالماركسية من التبشير إلى -الاجتهاد-















المزيد.....



فقهاء -النهج الديمقراطي- وعلاقتهم بالماركسية من التبشير إلى -الاجتهاد-


و. السرغيني

الحوار المتمدن-العدد: 2006 - 2007 / 8 / 13 - 02:14
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


I. تقديم:
على إثر الندوة التي نظمتها جريدة "النهج الديمقراطي" المغربية، لسان حال حزب "النهج الديمقراطي"، أحد مكونات الحركة اليسارية الاشتراكية المغربية، و الذي يعتبر نفسه امتدادا واستمرارية للحركة الماركسية اللينينية المغربية لسنوات السبعينات من القرن الماضي، و بشكل خاص منظمة "إلى الأمام" التي يشكل البعض من أطرها و قدمائها النواة القيادية لتجربة حزب وحركة "النهج".
و بغض النظر عن الدواعي و الدوافع الحقيقية التي دفعت بـ"النهج" كجريدة و كحزب، لفتح هذا النقاش و عقد هذه الندوة، فالموضوع كان لا بد من فتحه من زمان ليتقدم الجميع من مختلف مكونات الحركة اليسارية الاشتراكية بنظرتهم للمشروع الاشتراكي و بتصوراتهم لسبل تحقيقه.. الشيء الذي سيشكل تعبيرا حقيقيا عن مرجعيتهم و بالتالي موقفهم من المرجعية الماركسية اللينينية التي أطرت اليساريين الاشتراكيين لأزيد من قرن من الزمن في كافة بقاع العالم، و لحوالي أربعين سنة على الأقل بالنسبة للشباب اليساري المغربي.
ونظرا لأهمية الصراع الذي تخوضه مكونات الحملم الجديدة، على الجبهة الفكرية الإيديولوجية ارتأينا أن نقدم وجهة نظرنا في كل ما يتعلق بالمشروع الاشتراكي و بالنظرية المرجعية المؤطرة له مع تقديم بعض الملاحظات النقدية لما تفضل به الرفاق في "النهج".. "من أجل تطوير الفكر.. من أجل معرفة الواقع.. و من أجل التغيير.." .. على أن لا تحسب عنا أية أستاذية و لا أية مساهمة في "التجديد" و لا "التطوير".. ليس هذا من تواضعنا فحسب، بل هي الحقيقة عارية التي نود من خلالها أن ندافع عن نظرتنا للاشتراكية و كيف اتخذنا الماركسية اللينينية مرجعية لها.

II. ملاحظات منهجية حول مسار الندوة
أشرنا في بداية المقال إلى أن هناك دوافع أخرى شكلت المحفز و المنشط للنقاش الذي دار على صفحات "النهج" و هي دوافع يريد من خلالها قادة "النهج" التبرير وليس الشرح لتراجعاتهم النظرية والسياسية في العديد من القضايا التي أصبحت تمس بالثوابت المبدئية للماركسية اللينينية و التي لا يحتاج فيها المنتقدون و خاصة الشباب منهم سوى ربطها بالإطار المرجعي و الفكري الماركسي اللينيني.
و في سياق مسلسل الردة و التراجعات، اتخذ القادة السياسيون و الفِكريون لحركة "النهج" العديد من المواقف والمراجعات النظرية والمبادرات السياسية التي بدت أحيانا غريبة حتى عن الاشتراكية.. الشيء الذي سهل الهجوم على "النهج" من طرف العديد من الأصوات و الأقلام، بما فيها الأصوات التي طلٌقت الماركسية و الاشتراكية و النضال الديمقراطي منذ عقود، بل أصبحت من أشرس المهاجمين ضد الاشتراكية و ضد التجربة السبعينية.
إلاٌ أن الخطير في الأمر، هو كون هذه الأقلام المسمومة ملمٌة بمسار المواقف والأطروحة منذ بروزها وإلى الآن.. الشيء الذي ييسٌر لها ضبط التناقضات و الشطحات النظرية والسياسية في العديد من مبادرات واجتهادات "النهج".
من هنا نود أن نهمس في أذن غالبية المتدخلين في ندوة "النهج" بأن لا يتخذوا هذا المعطى ذريعة للتهرب من النقاش.. وأن لا يضعوا المنتقدين لتراجعاتهم في سلة واحدة.. فصراحة ومن خلال الاطلاع على جميع المداخلات، لاحظنا الإجماع والتركيز على إدانة المنتقدين دون أدنى تقديم لأرائهم ولا حتى إشارة لنظرتهم ولتصوراتهم حول نقط الخلاف الحقيقية.. بل هناك من انخرط في النقاش متواعدا ومهددا في شكل "أقول لمن يحاول أن ينهش لحمنا، إن لحم "النهج" مر".. تصوروا أن تتحول ندوة فكرية إلى هذا القدر من الإسفاف و تهبط إلى هذا المستوى من السوقية الساقطة!. لنقول أنه، من هذا الجانب و أمام هذا النموذج من "المفكرين" لم تكن إدارة الجريدة موفقة بالمرة في انتقاء الأسماء المؤهلة لتبليغ الرأي والدفاع عن أطروحة "النهج" قبل الدفاع عن أية نظرية، ماركسية كانت أو لبرالية حداثية.
فمن حيث المنهجية كنا نتمنى أن يتقدم "النهج" ولو بتلخيص وتركيز لنظرته للاشتراكية التي يريد، إذا كانت ما زالت حاضرة في إستراتيجيته، مع توضيح السبل المقترحة للوصول إليها.. آنذاك وبدون وجع الدماغ سيتوصل القارئ والمتتبع لفهم المرجعية الحقيقية لـ"النهج".. ولن يكون المرء مضطرا ولا بحاجة للإنصات لاعترافاتكم وقسمكم بأنكم فعلا انتميتم ذات مرة إلى منظمة اتخذت لنفسها مرجعية ادعت بأنها هي الماركسية اللينينية.
فكثيرا ما تتجابه المجموعات الماركسية في الساحة الطلابية من خلال التظاهرات والوقفات الاحتجاجية على أهلية وأحقية الانتماء للماركسية اللينينية كخط وكمرجعية.. وهو أمر يُضحك صراحة، لكن المضحك أكثر هو أن لا تختلف في شيء عن جوهر التصريحات التي يلوكها دون عياء قادة ومنظري "النهج" المصنفين في خانة المرتدين والمتراجعين، التحريفيين..الخ
فما نحتاجه الآن هو الشرح المبسط والدقيق لحد الملل لما يريده اليساريين المغاربة في ارتباط مع تطلعات و مصالح الكادحين عامة والطبقة العاملة بشكل خاص فمن يريد تطوير الرأسمالية وتحريرها من قبضة الإمبريالية وبناء الاقتصاد الوطني وتوزيع الثروات بشكل عادل..الخ فمطلوب منه وواجب عليه شرح تصوره وشرح السبل الكفيلة لتحقيق برنامجه ومشروعه..، ومن يريد ويدافع عن الاشتراكية كمخرج لا بد منه بعد القضاء على رأسمالية قائمة الذات.. في شكل السيطرة والتملك الجماعي للمنتجين على جميع الثروات ومصادر الخيرات وتدبيرها وفق التخطيط الاشتراكي المرتبط بالسلطة الثورية للطبقة العاملة في إطار مجالسها الديمقراطية والمسنودة بشكل ديمقراطي من طرف مجالس الكادحين الشعبية في المدن والأرياف، وعبر قيادتها الطليعية المنظمة في حزب سياسي شيوعي ماركسي لينيني.. فواجبه كذلك التفسير والتوضيح والتدقيق في جميع الأمور التاكتيكية والشعارات والبرامج والتحالفات وآليات التنظيم..الخ.
دون أن ننسى أن بداخل هذا التصنيف الأولي ستتفرع لا محالة، الاختيارات الثورية من جهة، والاختيارات الإصلاحية السلمية من جهة أخرى.. يعني أن هنالك تيارات ترى ضرورة الثورة وعنف الجماهير المنظم كعملية حاسمة وكشرط لا بد منه للتغيير ولافتضاض السلطة.. وهناك تيارات وأحزاب تعتبر أن مسلسل الإصلاحات قادر على تغيير موازين القوى بشكل تدريجي، بين حلف المستغِلين وحلف المستغَلين مع التقليل من الاهتمام بشرط السلطة السياسية.

III. اشتراكيتنا و اشتراكيتهم
فإلى جانب مهمتنا في الدفاع عن مرجعيتنا ومسؤوليتنا في الصراع على مستوى الجبهة الفكرية، سنحاول تقديم نظرتنا تبعا للمنهجية التي ستقربنا لا محالة من الشباب المتعطش للخروج من التيه النظري الذي لا يمكنه إلا أن ينتج الضبابية والخلط والانتقائية.. في النظرية، والانتهازية والردة والانبطاح في السياسة.
فأهدافنا المتوخاة من هذا الرد تتجه نحو خلق و إشاعة الثقافة الاشتراكية العِلمية وسط الشباب المناضل، الثقافة التي يمكن من خلالها وبها شرح مختلف التناقضات والفضاعات التي تعيشها طبقات شعبنا الكادح، ثقافة تُمكن من فهم أسباب الفقر والبؤس و الاضطهاد والتهميش والحرمان، مفسرة أسباب التقسيم الطبقي للمجتمع وفيما بين الشعوب وشرح كيفية تقسيم الثروات عبر عملية السلب والنهب التي تتعرض لها الخيرات. ثقافة تقدم الشروحات الكافية للكيفية وللوسائل التي تحافظ وتسهر على عملية النهب والاستغلال، من خلال سلطة طبقية مستبدة وبأشكال حكم متنوعة، سلط قمعية مباشرة من جيش، بوليس، درك، إدارة و مخابرات.. أو غير مباشرة من صحافة، إعلام سمعي وبصري، مدرسة وفقهاء الجوامع..الخ.
ثقافة ستمكن الشباب من مواجهة الفكر الرجعي، اللبرالي والظلامي.. ستمكنهم من فضح الخلفية الطبقية لهذه المنظومات الفكرية ومن فضح أدوارها في الدفاع وفي الحفاظ على الأوضاع المختلة القائمة، أوضاع البذخ والثراء الخيالي الناتج عن الاستغلال والسلب والنهب.. ومضاعفاتها، حالات التفقير والتجهيل والتهميش العامة والمروعة في صفوف الجماهير الكادحة البائسة.
فاشتراكيتنا، اشتراكية عِلمية متميزة عن مختلف الاشتراكيات الطوباوية الكلاسيكية السابقة عن عهد ماركس و الماركسية، وكذا عن مختلف التلاوين المجددة التي ظهرت بعد هزائم وأزمات العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي أو خلال نزاعات الحركة الشيوعية خلال العقدين الخمسيني والستيني.. وكذا بعد إخفاق التجربة السوفياتية وملحقاتها.. بعد سقوط جدار برلين.
فالاشتراكية التي ندافع عنها هي الاشتراكية العِلمية كما سماها مؤسساها ماركس وإنجلز، هي الماركسية خلال عصر المنافسة الحرة داخل نمط الإنتاج الرأسمالي قبل توسعه وعولمته، هي الماركسية اللينينية في عصر الإمبريالية عصر الرأسمال الاحتكاري وهيمنة الرأسمال المالي داخل نمط الإنتاج الرأسمالي وعبر دولة الاحتكار. مصادرها ليست سوى الفلسفة الكلاسيكية الألمانية، والاقتصاد السياسي الانجليزي الكلاسيكي والاشتراكية الفرنسية الطوباوية، يعني كما اعتبر ذلك مجموع الماركسيين فيما بعد، أنها الوريث الشرعي لخير ما أبدعته الإنسانية قبل القرن التاسع عشر.
وبما أن الموضوع والنقاش فرض علينا استظهار وبسط وتبسيط ما تعلمناه من الأدب الماركسي اللينيني من أطروحات ومفاهيم.. فسنقدم بعض التلخيصات لما استوعبناه، حتى تعم الفائدة على الجميع.
1. فعن الفلسفة الألمانية يمكن الاقتصار عن اسمين بارزين في عالم الفلسفة الكلاسيكية الألمانية هيغل و فيورباخ، مع الإشارة للدور الذي لعبته الأفكار المادية الفرنسية أواخر القرن الثامن عشر من خلال فلاسفة الأنوار الذين واجهوا بحزم التفسير المثالي للعالم مما فتح نار المواجهة بينهم وبين المؤسسة الدينية و حماتها.
لكن مادية فيورباخ كانت أقوى وأقرب للعِلمية أكثر من سابقاتها خاصة بعد استفادتها من الاجتهاد العظيم الذي قدمه مذهب هيغل.
وما هو مذهب هيغل يا ترى؟ إنه الدياليكتيك ـ الذي لا نريد خلطه بالترجمة المبتذلة "الجدل" ـ أو نظرية التطور الدائم للمادة، إنما نظرية النسبية في المعارف الإنسانية إنها الانسجام العِلمي مع كل الاكتشافات التي تتقدم بها جميع فروع العلوم الطبيعية.
وطبيعي جدا أن يتقدم ماركس ورفاقه الهيغليين اليساريين بمن فيهم فيورباخ، عن هيغل.. قبل أن يستقل هو ورفيقه إنجلز على درب التأسيس والتعميق والتطوير للمادية الفلسفية.. بعد أن وسعا نطاقها ومجالها من معرفة للطبيعة ـ المادية الدياليكتيكية ـ إلى معرفة للمجتمع البشري ـ المادية التاريخية ـ ..
2. بالنسبة للاقتصاد السياسي الانجليزي ودوره، يمكن الإشارة لما عانته مجموع التيارات الاشتراكية قبل ماركس، من الضعف والعجز عن تفسير ميكانيزمات نمط الإنتاج الرأسمالي.. بحيث، لم تكن لهم القدرة على تفسير كيف يسير ويتطور هذا النظام الاقتصادي، وكيف تتم عملية الاستغلال ومراكمة الأرباح مع التفقير لغالبية المجتمع..الخ لكن الاقتصاديون الإنجليز، خاصة أدام سميث ودافيد ريكاردو، خطو خطوات متقدمة في هذا الاتجاه قبل أن يطور ماركس مفاهيمهم الناقصة، من خلال بحثه القيٌم "رأس المال".
وطبيعي أن يكون السبق للإنجليز، على اعتبار أن إنجلترا كانت في ذلك الوقت أكثر البلدان الرأسمالية تطورا.
فإذا كان ماركس قد بين أن قيمة كل بضاعة منوطة بوقت العمل الضروري اجتماعيا لإنتاجها، فيرجع الفضل لسميث وريكاردو في اكتشاف وتحديد نظرية القيمة ـ العمل.
وقد تابع ماركس بحثه موضحا طبيعة العلاقات بين الناس و نوع الصلات بينهم ودور السوق والمال وكيف تتحول قوة عمل الإنسان إلى بضاعة وكيف يستغلها صاحب المال محتكر أدوات الإنتاج، حين يقدم له أجرة تكفيه فقط لتغطية نفقات أسرته منتزعا القسم الأخر لصالحه ولصالح الدورة الرأسمالية، حيث يشتغل العامل مجانا مخلفا للرأسمالي فائضا، أسماه بفائض القيمة أو القيمة الزائدة التي هي مصدر ربح واغتناء للرأسمالي ولطبقته البرجوازية.
ويمكن اعتبار القيمة الزائدة بمثابة حجر الزاوية في نظرية ماركس الاقتصادية، إذ بدونها لم يكن بمستطاع أي من المفكرين والاقتصاديين الاشتراكيين تفسير كيف تتم عملية مراكمة رأس المال ولا من أين تأتي الأرباح ومن أين يأتي بؤس الفقراء.. ولا لتفسير أسباب نزوح الفقراء من البوادي إلى المدن وكيف تسلب منهم أراضيهم و ماشيتهم.. ولا لأسباب إغلاق الورشات الصغيرة وكيف يتحول معلميها إلى عمال أو عاطلين وكيف تتشكل ضواحي المدن ببراريكها وبأحيائها المهمشة.. كيف تخلق البطالة جيش العمل الاحتياطي وكيف يتحول العاطلون إلى متسكعين ومتسولين ومنتجين للإجرام والدعارة.. يعني البروليتاريا الرثة كما سيسميها ماركس..الخ
3. وعن الاشتراكية الفرنسية، وعن ظهورها وعن مختلف تعبيراتها.. فعلى أنقاض النظام الإقطاعي المستغل للفلاح القِن، ذلك الفلاح المستعبد والمرهون بخدمة أرض الفلاح الإقطاعي مقابل حصة من المنتوج أو قطعة أرضية يستغلها لصالحه دون أن تكون له الحرية في الاستقلال بنفسه وبأسرته.. محكوم عليه بالعيش على هذا المنوال إلى أن يموت ويورث لأبنائه نفس وضعية الاضطهاد والاستغلال، وهكذا دواليك لسنوات وقرون عاشت غالبية أقطار وشعوب أوربا والصين واليابان.
وكانت فرنسا أول مهد تم فيه القضاء على النظام الإقطاعي وشكل حكمه المَلكي، في شكل ثورة اجتماعية قادتها الطبقة البرجوازية الصاعدة مسنودة من الطبقة العاملة وسائر الكادحين في المدن والأرياف.
كان ذلك سنة 1789، و تحت شعار "الحرية، الإخاء والمساواة" أقنعت البرجوازية حلفائها من عمال، حرفيين، فقراء الفلاحين، صغار ومتوسطي التجار.. بحسنات المجتمع الرأسمالي "الحر" الذي ادٌعته.
لكن سرعان ما تبينت حقيقة وحرية المجتمع الرأسمالي ونظامه، التي انبنت على تغيير استغلال باستغلال، واستبداد باستبداد.. ولم تكن حقيقة الجمهورية وديمقراطيتها المغشوشة سوى ديمقراطية للمالكين من أصحاب المعامل والمصانع و الرأسمال.. لكنها بدت بوضوح كدكتاتورية ضد غالبية الشعب الكادح.. وفورا بدأت شتى المذاهب الاشتراكية في الانبثاق، انعكاسا لهذا الاضطهاد واحتجاجا عليه. لقد كانت اشتراكية طوباوية أو خيالية، مناهضة ومنتقدة للمجتمع الرأسمالي لكن في حدود الإدانة و الشجب، مع محاولاتها الساذجة لإقناع الرأسماليين الأغنياء بأن الاستغلال مناف للأخلاق ومعاد للإنسانية ولحقوق الإنسان.
ومن أبرز الأسماء نذكر فورييه، سان سيمون وأوين.. فبالرغم من عطاءاتهم ونداءاتهم وحلمهم بإزالة النظام الرأسمالي واستبداله بالاشتراكية.. فلم يكن بمقدورهم تفسير العبودية المأجورة أو عبودية العمل المأجور ـ عامل/أجرة ـ التي يقوم عليها هذا النظام، ولم يتمكنوا بالتالي من إعطاء التفسير لقوانين التطور الرأسمالي ولقواه المحركة وللقوة الاجتماعية المؤهلة لدك النظام ولخلق النظام الاشتراكي البديل.
لم يفهموا صراع الطبقات كقوة محركة في اتجاه التغيير، فالتجؤوا للوعظ ولنسج النظريات الخيالية ليس إلاٌ.
لقد توصل ماركس و إنجلز ورفاقهم الشيوعيين أي الماركسيين.. إلى مفتاح تناقضات مجتمع الاستغلال والاستبداد والديكتاتورية.. الرأسمالي إنها الطبقة العاملة أو البروليتاريا، الطبقة التي تعيش من بيع قوة عملها للرأسمالي ولا تملك سواها، الطبقة التي تخلق فائض القيمة المسروق من عرقها، دمها وراحتها، الطبقة التي تنتج الثروات وتُنمي وتُراكم الأرباح لفائدة الطبقة البرجوازية والرأسمال وخدٌام دولة الرأسمال.. إنها الطبقة التي في نهوضها و انتفاضها وتحررها، تحرر ليس نفسها وحسب بل تحرر جميع المضطهدين وتحرر المجتمع من نظام الطبقات.. إنها فاتحة الطريق نحو مجتمع الحرية والمساواة بين الجنسين والأعراق ومختلف القوميات، مجتمع بلا اضطهاد ولا استبداد ولا طبقات، مجتمع بلا استغلال للإنسان من طرف رفيقه الإنسان.
بهذا نكون قدمنا وباختصار شديد، تلخيص لما قدمه الأدب الماركسي عن الماركسية نفسها وعن الاشتراكية العِلمية التي تميزت بالدعوة إليها.. وسنحاول قدر الإمكان والمستطاع، متابعة "اجتهادات" و"إضافات" و"اكتشافات" فقهاء "النهج" لتتبين طبيعة وحقيقة اشتراكيتهم الإنسانية. فاشتراكية "النهج"، اشتراكية غير ماركسية، اشتراكية انتقائية وتلفيقية تنتف من هنا وهناك، اشتراكية لا تؤمن بالدور التاريخي للطبقة العاملة ولا بالتناقضات في صفوف الشعب وعموم الكادحين ولا بـ"الشرط الذي لا بدٌ منه" والذي ذكٌر به ماركس في العديد من المناسبات أي حزب الطبقة العاملة المستقل عن جميع الطبقات المتضررة أو المناهضة للنظام الرأسمالي ولطبقاته البرجوازية والمتملِكة، في المستويات التنظيمية الفكرية والسياسية.
إنها الاشتراكية التي لا تؤمن بـ"البيان الشيوعي" ولا بخلاصاته.. اشتراكية حقوق الإنسان المدافعة وبشراسة عن حق المِلكية الفردية، مناهضة لجميع أشكال العنف والحروب، منادية بالسِلم والسلام في العالم وفي المنطقة، قومجية عروبية أحيانا وأمازيغية شوفينية أحيانا أخرى!.. لا يستحيي روادها ودهاقنتها في الإعلان عن مرجعيتهم الحقيقية ألى وهي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكافة المواثيق الدولية التي أنتجتها الملتقيات والمؤتمرات الدولية الحقوقية.
اشتراكية لا تؤمن بدولة العمال، دولة الديمقراطية الجديدة بل مناهضة لديكتاتورية البروليتاريا ولمركزة السلطة المجالسية الشعبية تحت قيادة المجالس العمالية.. بل إنها اشتراكية تبشر بدولة "الحق والقانون" وبالدولة المحايدة أو ما فوق الطبقات.
اشتراكية تحلم بتوزيع الثروات بما فيها الأراضي على الفلاحين عوض المصادرة والتأميم والتدبير والتخطيط الاشتراكي يعني اشتراكية برجوازية صغيرة تؤمن أشد الإيمان بالمِلكية وحق التملك على الشكل البرودوني القديم فتصريحات الفقهاء الخالية من أي ديالكتيك غنية عن أي تعليق فهي تشوه الماركسية بتعمد وعن سابق إصرار ابتداءا من تزوير المعطيات و انتهاءا بالتلفيق والتضبيب عن ماهية الماركسية وما حملته من بذرات تقدمية إنسانية منافية للظلم والطغيان والاستغلال والتملك واللامساواة..الخ وعن ماهية الفكر الاشتراكي، وبالدعاية للفكر التقدمي الإنساني الذي يتبناه حقيقة "النهج" من خلال "نضاله الحقوقي".
فالتعامل مع الفكر التقدمي الإنساني لا يمكن احتسابه كاكتشاف جديد وخاص بفقهاء "النهج"، لأنه حضر وبقوة في فكر وأدب ماركس السياسي والنظري، إذ لا يمكن لأي اشتراكي نكران تبني الحركة الاشتراكية ومنذ بزوغ تنظيماتها الشيوعية الأولى، يعني في حياة ماركس وإنجلز عبر العصبة والأممية واجتهاداتهما الخاصة، بتبني الجمهورية الديمقراطية البرجوازية وبالعمل داخل مؤسساتها التمثيلية المحلية والبرلمانية وبالقبول بدساتيرها وما تتيحه من حريات للعمل السياسي..الخ. دون أن يحصل هناك تنازل منها عن مهمات الحركة العمالية الاشتراكية في الدعاية للمجتمع الاشتراكي ولدولته اللادولة ـ ديكتاتورية البروليتاريا ـ وفي العمل وبحزم على الإطاحة بنظام دولة الرأسمال والملاكين، البرجوازية.
ويمكن الرجوع للدرس الكبير الذي قدمته إحدى رسائل ماركس لرفيقه إنجلز، يشرح فيها بامتعاض كيف اضطر من خلال صياغته للنظام الداخلي ولبرنامج الأممية خلال مؤتمراتها الأولى "بعض الكلمات من أشباه "الحق"، "الأخلاق" و"العدالة" دون أن ينجم عن العملية أي ضرر".
بالرغم من التحفظ والإنكار الواضح لفقهاء "النهج" من اللينينية، تحفظ لحد المعاداة، نذكرهم بما قاله لينين عن "الحقوق": "فليخدع الكذابون والمنافقون والأغبياء والعميان، والبرجوازيون وأنصارهم، الشعب متشدقين بالحرية بوجه عام، بالمساواة بوجه عام.
أما نحن، فإننا نقول للعمل والفلاحين، انزعوا القناع عن هؤلاء الكذابين، افتحوا عيون هؤلاء العميان.
اسألوا: - مساواة أي جنس مع أي جنس؟
- أية أمة مع أية امة؟
- أية طبقة مع أية طبقة؟
- الحرية من أي نير، أو من نير أية طبقة؟ الحرية لأية طبقة؟
إن من يتحدث عن السياسة، والديمقراطية، والحرية، والمساواة، والاشتراكية ولا يطرح، لا يضع هذه الأسئلة في المرتبة الأولى، ولا يناضل ضد إخفاء هذه الأسئلة وتمويهها، إنما هو ألدٌ أعداء الشغيلة، إنه ذئب ارتدى ثوب الحمل، وخصم عنيد ضار للعمال والفلاحين، وخادم للملاكين العقاريين، والقياصرة، والرأسماليين" لينين.

IV. اللينينية كما فهمها الماركسيون
هي الماركسية في عصرنا، عصر الإمبريالية، عصر دخول الرأسمالية أزمتها الدائمة والمتواصلة، عصر انتقال الرأسمالية من حالة المنافسة الحرة إلى حالة الاحتكار، ومن حالة الاحتكار إلى سيطرة الدولة الاحتكارية وهيمنة الرأسمال المالي.. بما تشكله من حالة للصراعات الدموية العنيفة والحروب بين الضواري الإمبريالية وضد الشعوب التواقة للتحرر و الانعتاق.
إنها عصر الاشتراكية أو عشية الاشتراكية على حد تعبير لينين.
فماذا عنى لينين بعشية الثورة الاشتراكية؟ ماذا عنت كل التيارات البروليتارية البلشفية اللينينية بهذه الخلاصة؟ عنت فيما عنت وجوب التحضير العَملي للثورة الاشتراكية داخل البلدان الرأسمالية المتقدمة بما فيها من أسبقية لحلقاتها الضعيفة، مع المساندة المبدئية والفعلية لحق الشعوب والأمم في تقرير مصيرها بما يعني ذلك من مساندة لحركات التحرر الوطنية والقومية الثورية المناهضة للإمبريالية والاستعمار.
فمع اشتداد الأزمة الرأسمالية أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، عمٌ البؤس والبطالة وتصاعدت موجة الإضرابات والعنف والإرهاب الفردي.. مما فاقم أزمة الحركة الثورية العمالية، حيث تعددت الاتجاهات والمجموعات والحلقات والانشقاقات بشكل رهيب.
فكان أن برز لينين كمنظر لوجهة نظر متميزة داخل الحركة العمالية الاشتراكية وداخل الحركة الثورية بشكل عام.. مسلطا انتقاده ضد الفوضوية والشعبوية وخط الإرهاب الفردي.. وضد الإقتصادوية التحريفية و خط الانعزالية اليسراوية..الخ بأن فتح النقاش العميق والمعمق مع وضد أساتذته من شيوخ الحركة الماركسية برنشتاين، بليخانوف، كاوتسكي واكسلورد..الخ ومع وضد أقرانه روزا وتروتسكي وبارفوس..الخ ومن أهم الموضوعات التي انصب عليها النقاش وتعددت بصددها وجهات النظر، التنظيم ومهمة بناء حزب الطبقة العاملة المستقل وعلاقته بالنقابات والمنظمات الجماهيرية، البرنامج، التاكتيكات، التحالفات، القوميات..الخ من خلال إسهاماته القيٌمة بم نبدأ؟، رسالة إلى رفيق، ما العمل؟، خطوتان، خطتان..الخ
فبعد أن استنفدت إمكانية بناء حزب الطبقة العاملة الأممي بالشكل الذي أسهم فيه كل من ماركس وإنجلز أي من خلال الانخراط في الأممية وتنشيطها وتطوير إمكانياتها النظرية، التنظيمية والبرنامجية الثورية.. ساد الانخراط في بناء أحزاب عمالية قومية خاصة بعد التجربة اللاسالية في ألمانيا، ولم يعد من بد للدخول في التأسيس لأحزاب عمالية اشتراكية محلية.. لينتهي عهد الحلقية والانتساب للأممية، عهد طفولة الحركة البروليتارية كما سماه ماركس لتنضج الحركة العمالية الحزبية ولتنتشر أحزاب عديدة تحت نفس التسمية اللاسالية، أحزاب اشتراكية-ديمقراطية اتخذت الماركسية مرجعية لها والاشتراكية هدفا لها.
وبعد الانتشار والانتعاش المؤقت، ظهرت بوادر التراخي من جديد، في صفوف الحركة العمالية وتفاقمت الأزمة لتشمل جميع مناحي العمل في التنظيم والنظرية والبرنامج السياسي.. ودبٌت الخلافات حول التنظيم وشكل التنظيم الأكثر فاعلية في العملية الثورية وحول التاكتيك والإستراتيجية وحول الدولة الرأسمالية وطبيعة مؤسساتها البرجوازية.. يعني كل ما يتعلق بالنضال وأشكاله وكل ما يتعلق بمدى الاستفادة من الديمقراطية البرجوازية المحدودة، ومن مؤسساتها الانتخابية والبرلمانية وكيفية التعامل مع الأنظمة الاستبدادية.. بالنضال السلمي أو العنف الثوري، باستعمال السرية أم العلنية أم المزاوجة بينها.. أم باستعمال التحليل الملموس للواقع الملموس لدراسة شروط الثورة. واستعدادات الجماهير العمالية والكادحة، المنظمة وغير المنظمة للانخراط فيها بوعي.
خلال هذه الأزمة قدم لينين نموذجه التنظيمي المنسجم مع أفكاره ومنطلقاته البروليتارية الماركسية، بعد صراعات ضارية داخل صفوف الماركسيين الروس وغيرهم موضحا المضمون الثوري الذي يجب أن يتخذه نشاط حزب البروليتاريا ألا وهو تنظيم التشهير والتحريض في كل المجالات الاقتصادية، السياسية والاجتماعية بين كل الفئات والطبقات البائسة والمتضررة من وجود وهيمنة نمط الإنتاج الرأسمالي، وتنمية وتطوير وعي البروليتاريا والجماهير وتنظيمها ودعم احتجاجاتها وتطوير بؤر الاحتجاج لتتخذ أبعادا ثورية مع القيادة الفعلية الميدانية لكل مجالات النضال، من أدنى أشكاله الاحتجاجية الاقتصادية إلى قمته السياسية الانتفاضية.. دون التنازل عن جوهر الطرح الماركسي في التنظيم عن "الشرط الذي لا بد منه" كما كان يسميه ماركس وإنجلز ألا وهو بناء حزب الطبقة العاملة المستقل في مناحيه ومجالات عمله واختصاصاته يعني الاستقلال النظري، السياسي والتنظيمي.
فلا ماركس ولا لينين، ولا جميع القادة الماركسيين من رفاق وخصوم لينين، خلال تلك المرحلة شكك في هذه الأطروحة بالطريقة التي يدعو لها "النهج" في شكل "التنظيم السياسي لحزب الطبقة العالمة وعموم الكادحين" هذا التنظيم الذي لن يكون بالضرورة، حسب رأيهم، حزبا سياسيا!! الشيء الذي يشكل تراجعا نظريا واضحا عن الماركسية وليس عن اللينينية فحسب.
فمن غير المعقول، ومن غير المقبول أن تصل التشويهات والافتراءات لهذا الحد، من غير المقبول كذلك أن يخلط الفقهاء بين الحزب والجبهة السياسية الطبقية التي يمكن أن تضم إلى جانب الطبقة العاملة، طبقات وفئات اجتماعية كادحة وغير كادحة، متضررة من وجود وسيطرة وهيمنة نمط الإنتاج الرأسمالي والأنظمة الاستبدادية الداعمة له.
من غير المعقول أيضا أن يصل الخلط للحد الذي حاول من خلاله أحد دهاقنة "النهج" الدمج التعسفي بين موضوعتين، موضوعة الحزب وموضوعة ديكتاتورية البروليتاريا لحد التماثل بينها ووضعها بين قوسين، بأن جاء على لسانه "توجد كذلك نظرية الحزب (ديكتاتورية البروليتاريا) والتي طرحت بتدقيقات متعددة لكن تطبيقها شهد عدة مشاكل".
صحيح أن لينين الذي استفاد من تجربة الحركة العمالية والحركة الثورية في مجال التنظيم قد استند لهذه الخبرة ولمنظريها كاوتسكي، بليخانوف، لاسال و بلانكي بدرجة أقل.. إلا أنه لم يؤسس لنظرية ديكتاتورية البروليتاريا والتي سبق وأن تكلم عنها ماركس وإنجلز من خلال "البيان الشيوعي" لأول مرة ودون شرحها كفاية، إلى أن تحققت في الميدان من خلال كمونة أو عامية باريس الثورية كأول دولة عمالية في العصر الرأسمالي، ليتم شرحها بتفصيل من خلال تقييم "الحرب الأهلية" ولتتأصل بقوة في الفكر الماركسي.
هذه التجربة العمالية العملية الحية التي ساعدت بهذا القدر أو ذاك على تعميق النقاش في مجال نظرية الحزب، حيث اعتبر لينين وعن حق في تقديمه لتجربة الكمونة ولانعكاساتها على تنظيم الأممية الذي عرف الانشقاق تلو الانشقاق، لتعلن الأحداث والوقائع عن استنفاد إمكانياتها التنظيمية في حدود ما وبنسبة ما "مفسحة المجال لمرحلة من النمو في الحركة العمالية في جميع البلدان نموا أقوى وأشد مما مضى إلى ما لا قياس له ـ مرحلة تطور هذه الحركة من حيث الاتساع، مرحلة تأليف أحزاب عمالية اشتراكية جماهيرية، في نطاق كل من الدول القومية" لينين.
معطيات نظرية لا نظنها غابت عن تكوين قدماء وقادة أول وأقوى منظمة مغربية أعلنت عن الماركسية اللينينية كمرجعية لها.. ولا نظن أن التاريخ أو الزمن أنساهم الفرق بين أساسيات وثوابت الماركسية وبين الإضافات اللينينية لحد الخلط بين المستويين.
وفي مجال التاكتيك، تفوقت اللينينية عن جميع الأطروحات الماركسية العمالية وعن جميع الأطروحات الثورية الأخرى، كالفوضوية، الشعبوية، الفوضوية النقابية..الخ و كذا عن جميع التيارات الاشتراكية الإصلاحية الأخرى متقدمة بنظرتها النقدية للتحريفيتين الانتهازيتين، اليمينية واليسارية سواء بسواء..
استوعب الخط البروليتاري اللينيني، الدور الجديد الذي اتخذته البرجوازية خلال مرحلة الإمبريالية، واستخلص بالتالي من المواقع الجديدة التي اتخذتها في تحالفها مع أعتى الرجعيات الدينية والإقطاعية أو ما تبقى منها، ليعارض بعدها الرهان على مشاركتها أو قيادتها للثورة الديمقراطية البرجوازية مصارعا خلالها جميع الخطوط الماركسية والاتجاهات العمالية الانتهازية والانتظارية وبشكل خاص تروتسكي وأنصاره الذين رفعوا شعار "الحكومة العمالية الخالصة" أو بليخانوف وأنصاره المناشفة الذين عارضوا مشاركة الحركة العمالية الاشتراكية في أية ثورة ديمقراطية تحت مبررات الحفاظ على موقع أقصى المعارضة وعدم المشاركة في ثورة مندرجة في إطار مهام الطبقة البرجوازية!
أنصف التاريخ والتجربة الميدانية الخط اللينيني وتصوره البروليتاري، وقد خدم البرنامج وشعاراته مطامح الكادحين لفترة طويلة بل حفزها وجيٌشها لخوض المعركة الثورية الحاسمة وراء الطبقة العاملة وحزبها اللينيني المستقل.
ومن خلال تاكتيكاته المعروفة والتي أشاد له التاريخ بها، كقبوله بالتحالفات السياسية، قبوله بالعمل في الشرعية ومن داخل المؤسسات وفي النقابات الرجعية والجمعيات الاستهلاكية والسكنية..الخ دون أن يتنازل عن حقه في النقد والانتقاد والصراع مع القيادات الإصلاحية والانتهازية ودون أن يخفي شعاراته الثورية الجمهورية والاشتراكية والدعوة للحرب الأهلية والدفاع عن حق الشعوب والأمم في تقرير مصيرها بما يسمح لها ذلك بإقامة الدولة المستقلة والإعلان عن الانفصال.
لقد نبٌهنا وفي أكثر من مقال، وسنستمر في التنبيه وتحذير القارئين من الشباب على أن الفرق بين الحقيقة والادعاء، شاسع وشاسع جدا، خاصة في مجال الفكر والمرجعية التي ندافع عنها.. مستبعدين في تقديراتنا أن يكون أصل الافتراءات والتشويهات هو عدم الاطلاع والإلمام بالنصوص والأدب الماركسي اللينيني .. فالخطاب الذي اعتمده الرفاق القدماء انبنى في أغلبه بل ومجمله على الخطط تارة وعلى الانتقاء تارة أخرى وعلى التبرير في أقصى حالات الاجتهاد.
وسنحاول مرة أخرى توضيح هذا، من خلال أحد الشعارات اللينينية التي حاول القادة جاهدون ليٌ عنقها بنقلها من مستوى يعبر عن مهام المرحلة من الصراع خاضتها القوى المناهضة والمعادية للإمبريالية وللاستعمار، لمستوى تنظيمي آخر خاص بالآلية التنظيمية اللينينية كقيادة ثورية مهتمة وذات المهمة لحل التناقضات داخل بلد محدد. لقد أشار فقهاء "النهج" أكثر من مرة لإسهامات لينين القيٌمة في مجال دراسته وبحثه في الإمبريالية وطبيعة الإمبريالية وما تشكله من مرحلة في تطور نمط الإنتاج الرأسمالي، وفي الصراع بين القوى المتحكمة آنذاك في مصير البشرية.. دون أدنى إشارة لخلاصته واستنتاجه الثوري والعملي باعتبارها أي المرحلة تشكل عشية الثورة الاشتراكية وبالتالي بات من مصلحة ومن مهام الطبقة العاملة تغيير البندقية من كتفها الأيمن إلى كتفها الأيسر وإدارة الظهر لمواجهة برجوازيتها عوض مواجهة ومحاربة عمال وكادحي البلد المجاور.
فالإشارة لشعار "يا عمال العالم ويا شعوبه المضطهدة اتحدوا" لا يمكن أن تخرج عن هذا السياق، أما التلويح بالشعار وكيفما اتفق، فنعتبره افتراء وتشويه للشعار اللينيني.
فإذا كان لا بد من الاتحاد فضد من أيها الرفاق؟ ومن أجل ماذا أيها الرفاق؟
ألم يكن الاتحاد المعني هو الاتحاد بين الحركات العمالية الأممية المنظمة من خلال أحزابها وتياراتها الاشتراكية الثورية، وبين الحركات القومية الثورية المناهضة للاستعمار والإمبريالية والمطالبة باستقلال بلدانها كتمثيلية للشعوب المضطهدة والكادحة التواقة للتحرير والتحرر.
لقد تفوق على الجميع في تلمس الشعارات والبرامج مستخرجا الخلاصات العملية لأن مناهضة الإمبريالية يجب أن تكون موحدة وبقيادة البروليتاريا صاحبة المشروع الوحيد والكفيل بإخراج الكادحين من البؤس والأمراض والحروب الإمبريالية والرجعية.. لم يشر أحدهم لإحدى روائع لينين والتي تميزه عن العديد من الماركسيين من أقرانه ومن أساتذته سواء بسواء، "الدولة والثورة" و"الثورة البروليتارية والمرتد كاوتسكي".. حيث الشرح المستفيض لديكتاتورية البروليتاريا التي ليست هي نظرية الحزب كما ادعى ذلك أحد الفقهاء! بل هي التقييم العِلمي والعملي لتجارب ثورية أنشأت الطبقة العاملة من خلالها سلطتها الديمقراطية الجديدة، مرتكزا في أهم أطروحاته وصراعاته ضد الفوضوية بما سبق وأنتجته الماركسية والماركسيون منذ إعلان بيان الشيوعيين من طرف ماركس وإنجلز ورفاقهم.
وغني عن البيان أن المؤلف ارتكز على أحد المراجع المهمة لإنجلز "أصل العائلة، الدولة والمِلكية الخاصة" لكن إضافات ماركس عن تجربة أول دولة عمالية في عصر الرأسمالية "كمونة باريس" واستفادة لينين كذلك من الخبرة التاريخية الروسية وما شكلته مجالسها العمالية سنة 1905 ومجالس الجنود والفلاحين وكذا المجالس الشعبية بين ثورتي 1917.. كلها شكلت الأساس للإضافات اللينينية التي عمٌقت النقاش والصراع ضد الفوضويين وقدمت التصور لمفهوم الدولة من طراز جديد، دولة الديمقراطية الجديدة، يعني ديكتاتورية البروليتاريا، ديكتاتورية المجالس العمالية المسنودة بمجالس الكادحين والمهمشين والمحرومين في المدن والأرياف.
فالديكتاتورية في القاموس الماركسي "هي استعمال القوة لقمع كل مقاومة بالقوة، هي تسليح طبقات الشعب الثورية.." تتأسس على سلطة المجالس العمالية كهيئات منظِمة للعمال وقائدة لجماهير الشعب الكادحة، سند الطبقة العاملة وحليفها وشريكها في الديمقراطية الجديدة "هيئات للانتفاضة وللسلطة الثورية.. وجنين الحكومة العمالية".
"هي "دولة ـ اللادولة" التي ليست سوى البروليتاريا السائدة كطبقة".. هي "الشكل السياسي الذي اكتُشف أخيرا، والذي يمكن ويجب أن يحل محل آلة الدولة البرجوازية المحطمة".
هي دكتاتورية لا يمكن أن تحققها وتمارسها سوى البروليتاريا المنظمة في مجالسها السوفياتية والديمقراطية، وطبيعي جدا أن البروليتاريا لا يمكن أن تحقق هذا الإنجاز بالشكل الذي يوفر ويضمن لها الصمود والاستمرارية إلاٌ بقيادة حزب ثوري ماركسي لينيني واعٍ لدور العنف والقمع في حق البرجوازية وحلفاءها من المالكين والإمبرياليين والذين لن يظلوا مكتوفي الأيدي أمام "سلطة الكادحين الجديدة": "إن كل دولة هي آلة لقمع طبقة من قبل طبقة أخرى وإن أوفر الجمهوريات البرجوازية ديمقراطية هي آلة لاضطهاد البروليتاريا من قبل البرجوازية.
إن دكتاتورية البروليتاريا، الدولة البروليتارية، آلة قمع البرجوازية من قبل البروليتاريا، ليست "شكلا للحكم"، بل دولة من طراز آخر. إن القمع ضروري لأن البرجوازية تبدي دائما مقاومة مستميتة في وجه مصادرة أموالها" هكذا ردٌ لينين على منتقدي دكتاتورية البروليتاريا المرتدين والمنحرفين ـ كاوتسكي وشركاءه - فكما نبه لينين رفاقه من الخطابات التحريفية المراجعاتية، خطابات وأطروحات "أصدقاء الماركسية" ومشوهيها.. التي يجب الاحتياط والنقد لها لخطورتها التي فاقت وتفوق خطورة خطابات العداء للماركسية الصريحة والسافرة.
فالتلميح من جديد لهذه النقطة بالذات، من تصور وبرنامج الشيوعيين قصد التراجع عنها وشطبها نهائيا من مهام الطبقة العاملة.. عبر خلط المفاهيم الماركسية بالمفاهيم اللبرالية المبتذلة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان.. ليست له من مهمة سوى التشكيك في جدوى الديكتاتورية الطبقية وخلطها بدكتاتورية الزّّّّّّّّّّّّّمَر والأفراد.. بما يشكله من تشويه وانتهازية من طرف الفقهاء..
إن مجرد فتح النقاش في هذه النقطة بطريقة السبق النظري، يمكن اعتباره افتراءا وتزييفا واضحا لتاريخ الحركة الماركسية والعمالية "إن مجرد عرض المسألة ـ دكتاتورية الحزب أم دكتاتورية الطبقة، دكتاتورية (الحزب) الزعماء أم دكتاتورية (الحزب) الجماهير؟ ـ يشهد على اضطراب ذهني لا يصدق، ميؤوس منه تماما.
إن هؤلاء الناس يجهدون أنفسهم كي يبتكروا شيئا ما خارقا، وفي حماستهم لإظهار ذكائهم يجعلون أنفسهم أضحوكة".. هكذا أخلص لينين لخطه البروليتاري الطبقي ضد الشعبوية والفوضوية واليسراوية.. منتقدا ومعارضا لجميع الاتجاهات الفوضوية المعارضة للدكتاتورية وللدولة، أو المقدسة للديمقراطية البرجوازية باسم الدفاع عن "الديمقراطية الصافية"- كاوتسكي -، أو اليسراوية السبارتاكية ـ روزا ورفاقها وأتباعهم فيما بعد ـ المشككة لدور الحزب داخل الدكتاتورية مخافة أن يتحول لدكتاتورية القادة ثم لدكتاتورية الزعيم.
فالتصور لبناء الحزب مرتبط بالمرجعية وبالالتزام الطبقي إلى جانب البروليتاريا ومصالحها ضمن مصالح عموم الكادحين، وإذا غابت المرجعية الواضحة انتفت كل إمكانية "للنقد الموضوعي الذي تستوجب دراسته" حسب الفقهاء، الذين لم يخفوا اعترافهم الصريح "بأن حزبهم لا يتوفر عليه الآن".. ومع ذلك يتوجب عليهم "هذا النقد"، لكي يصبحوا مجددين ولكي يدخلوا عالم موضة "التجديد والتطوير للماركسية"!!
"ليست المرة الأولى التي ترتفع فيها عقيرة المراجعين والمجددين للماركسية وليست المرة الأولى التي تنتصب فيها النزعات التجديدية التي ترمي إلى قتل الماركسية عن "طريق اللطافة" وخنقها بالمعانقة، بالاعتراف المزعوم "بجميع" الجوانب "العلمية فعلا" في الماركسية، باستثناء جانبها "الدعائي" و"الديماغوجي" و"الطوباوي البلانكي" وبتعبير آخر، تقصد هذه النزعة أن تأخذ من الماركسية كل ما هو مقبول بنظر البرجوازية اللبرالية، بما في ذلك النضال من أجل الإصلاحات، والصراع الطبقي (بدون دكتاتورية البروليتاريا) والاعتراف "العام" بـ"المثل العليا الاشتراكية"، والاستعاضة عن الرأسمالية بـ"نظام جديد" وأن تنبذ "فقط" روح الماركسية الحي، روحها الثوري فقط"
بهذه الطريقة الصريحة والواضحة انتقد لينين أسلافكم التجديديين والمراجعين، وليس بطريقة "واجب النقد لللينينية.. لكن لا نتوفر عليه الآن!!"
فليست نظرية الحزب هي دكتاتورية البروليتاريا، وليست دكتاتورية البروليتاريا ولا المركزية الديمقراطية في الحزب والدولة.. من إنتاج لينين، كما ادعى ذلك فقهاء "النهج" النجباء، فحبل الكذب قصير والافتراء قصير و مقررات ومحاضر الأممية الأولى ما زالت لم تحرق بعد، وكتابات ماركس وإنجلز وتقييمهما للكمونة وصراعهما ضد الفوضويتين البرودونية و الباكونينية، ما زالت في متناول الجميع.
كان الخط اللينيني يمثل دون غيره خط الانتفاضة ويعتبرها فنا، متجاوزا بتصوره التيارات العفوية المنبهرة بقدرات الجماهير الخارقة، والتآمرية البلانكية المعتمدة على بطولات المناضلين الأسطورية.. خط الانتفاضة الذي تبناه بعد الخبرة والبحث و التمحيص.. الانتفاضة التي دعا إليها محددا شروط نجاحها كالتالي بـ"ألا تعتمد على مؤامرة أو على حزب، بل على الطبقة الطليعية" كشرط أول، وبـ"أن تعتمد على النهوض الثوري عند الشعب" كشرط ثاني، وبـ"أن تعتمد على انعطاف حاسم في تاريخ الثورة الصاعدة" كشرط ثالث.
أثقلنا المقال بالنصوص اللينينية عنوة لتبيان أن الخطأ يوجد في أصول ماركسيتكم السبعينية المخلوطة بالشعبوية الماوية وبرفضوية حركة الشباب الطلابي الماركيوزي.. وليس الخطأ في أصول ماركسية لينين..
فمن يدٌعي أن لينين "لم يثوٌر" بل "أمٌم" دون أن يتكلم عن أدوار الجماهير والطبقة والحزب.. وعن صراع الطبقات و المصالح والتدخلات الإمبريالية والحرب الأهلية.. مكانه خارج الماركسية نظرية الطبقات و خارج الفكر التقدمي و فكر الأنوار..الخ
تقدم لينين كما ذكرنا، على رفاقه البلاشفة القدماء والجدد وعلى جميع منظري التيارات الاشتراكية الأخرى من مناشفة وشعبويين، ومن فوضويين وعفويين، وكذا التآمريين والاقتصادويين.. في أمور شتى، صاغ نظرية الحزب في إطار نظرته الديالكتيكية التي تجمع بين الحزب الجماهيري ومنظمة المحترفين الثوريين، وبين حَمَلة الفكر الثوري والطلائع الثورية الميدانية التي أفرزتها ساحات الصراع الطبقي.. صاغها وبتدرج ـ بما نبدأ؟، رسالة إلى رفيق، ما العمل؟، خطوة..، خطوتان.. ـ بعد مناقشة وصراع وتجربة ميدانية ونظرية مريرة، معتمدا أسلوب الاحتراف الثوري والمركزية الديمقراطية والصلابة التنظيمية الحديدية والنقد والنقد الذاتي.. دون فك الارتباط مع منظمات العمل الجماهيري العمالية كأساس، وبأسلوب الاختراق النضالي لمواقع الاحتجاج الجماهيرية الطلابية، الشبابية، النسائية، الحرفية والفلاحين عبر البادية.. يعني كافة القلاع الجماهيرية المتضررة من سياسات البطش والاضطهاد والاستغلال والاستبداد.
فمن الصعب جدا أن نقبل بتخريجات "الأساتذة"، وبأن نستسهل أسئلتهم الملغومة التي يا ما خلطت بين مركزية الحزب والدولة، وبين مركزية الدولة في ظل قيادة لينين وحزب البلاشفة المدعوم بمجالس السوفييتات وبين مركزية الدولة نقيض الأولى في ظل خلافة ستالين وما صاحبها من أجواء مطبوعة أساسا بتصفية البلاشفة المعارضين من داخل المعارضة العمالية وخارجها.. تصفية لم يسلم أي من التيارات الثورية العمالية منها.. تصفية لاحقت المناضلين داخل بلد الاشتراكية اللينيني وخارجه إلى أن امتدت إلى ما وراء البحار!!
من الصعب كذلك أن يرفض الناقدون سياسة ستالين ويؤيدون سياسة ماو تسي تونغ "الذي قدر التناقضات وعرف كيفية حلها" والحال أن جميع التيارات المنبهرة بتجربة ماو يكابدون ويجاهدون من أجل بناء حزب فلاحي بمرجعية شيوعية، حزب لا علاقة له بالاتحادات والنقابات والنضال النقابي والإضرابات.. إلاٌ في إطار السند المشجع والمنبهر أمام انتصارات الحزب الحاسمة التي تتم في قمم الجبال وسط جيش من الفلاحين المسلحين والمشكلين من كل شاكلة وصنف.. بشرط وحيد وأوحد ألا و هو المعاداة للنظام القائم! ويمكن الرجوع لتجارب الفلبين والنيبال ولتجربة البيرو بشكل أقل.. فقبل الاستشهاد بتجربة ماو وبثورته الثقافية وجب توضيح علاقة التجربة بالنظرية الماركسية كنظرية طبقية عمالية أفرزها واقع التناقضات داخل المجتمع الرأسمالي.. ووجب كذلك ارتباطا بالموضوع وبالديمقراطية التي انتفت حسب ادعاءهم عن التجربة اللينينية الحزبية قبل السلطة وبعدها.. توضيح علاقة الثورة الثقافية بالديمقراطية المنشودة و بالقبول بالتيارات في تصورها تصور ماو وحزبه الشيوعي الصيني.
وسأقدم بعض المعطيات عن نموذج "حزب البروليتاريا" حسب تصور الحزب الشيوعي الصيني قبل الثورة الثقافية "البروليتارية الكبرى" وبعدها، ومعطيات أخرى عن أوضاع التيارات داخل الحزب نفسه.
فعن كيفية الانتظام في الحزب أي العضوية، يقول بابها في مقرر المؤتمر الثامن لسنة 1956 أي السابق عن الثورة المعلومة.
المادة الأولى: يمكن أن يكون عضوا في الحزب كل مواطن شغيل في الصين، لا يستغل عمل الغير.
وفي أوج ما سمي بالثورة الثقافية البروليتارية الكبرى، أي في سنة 1969 وخلال المؤتمر التاسع تحولت العضوية من خلال مادته الأولى ومواد أخرى بالشكل التالي:
المادة الأولى: يمكن أن يكون عضوا في الحزب الشيوعي الصيني كل صيني من العمال والفلاحين الفقراء والشرائح الدنيا من الفلاحين المتوسطين وأفراد الجيش الثوريين وسائر العناصر الثورية.
فإذا كان الحزب قد عرٌف ثورته بأنها "نوع من توطيد ديكتاتورية البروليتاريا عبر مواصلة الثورة في ظلها".. وبأنه يومن أشد الإيمان بنظرة الماركسية اللينينية التي "ترى النضال داخل الحزب بأنه انعكاس للصراع الطبقي الجاري في المجتمع".. فكيف تفسرون، وأنتم المنبهرون قديما بالماوية.. والمكتفون الآن بالتشبث ببعض الإسهامات الماوية المحدودة.. هذا التراجع في تصور وعلاقة الحزب بالطبقة العاملة أو بالشغيلة التي لا تستغل عمل الغير!؟
كيف تحول الحزب من المؤتمر الثامن إلى المؤتمر التاسع إلى إطار يتسع للجميع، للعمال والفلاحين الفقراء والمتوسطين المرتبطين بالتملك وباستغلال الطبقة العاملة؟ كيف يمكن أن تجمع في حزب بين من يملك وبين من لا يملك، بين الطبقة العاملة وبعض من مستغليها إذا لم تكن تعتمد نظرية الدجل والتبرير الائتلافي والشعبوية..؟ أيشكل هذا في نظركم تقدم وانتصار لمصلحة البروليتاريا أو تراجع وانحلال لحزب حلم بأن يكون شيوعيا وماركسيا لينينيا يعبر عن هموم ومصالح الطبقة العاملة الصينية.. كما نقدر نحن أنصار الخط البروليتاري داخل الحركة الماركسية اللينينية.
وفي تقدير التيارات ودورها داخل الحزب، لكم أن تحكموا على حكمة وحنكة ماو وحزبه في تدبير ومعالجة الصراع بين التيارات، ولكم أن تفيدونا في الفروقات بين سياسات ستالين وحزبه إبان المحاكمات الكبرى وبين سياسات ماو وحزبه إبان "الثورة الثقافية الكبرى".
لكم أن تحكموا و تقدروا، بعد مقارنة تقدير الحزب لأحد زعمائه الذين ساهموا في تصفية تيار ليوتشاوتشي ـ ومن بين مؤسسي الحزب الزعماء ـ ومن معه، في خضم الثورة الثقافية، وكيف سيتحول الحزب ضده سنوات قليلة بعد هذا التقدير.
إنه لين بياو "إن الرفيق بياو يرفع على الدوام عاليا الراية الحمراء العظيمة لأفكار ماو تسي تونغ، وينفد و يدافع عن الخط البروليتاري للرفيق ماو تسي تونغ بأعظم الإخلاص وأشد الثبات. إن الرفيق لين بياو وهو الرفيق الحميم في السلاح للرفيق ماو تسي تونغ وهو الخلف له"
هذا ما قيل في حق لين بياو سنة 1969 أي إبان الثورة الثقافية وخلال المؤتمر التاسع للحزب، فما هي التعديلات التي جرت خلال سنة 1973 أي خلال التقرير الذي تقدم به شوان لاي خلال المؤتمر العاشر للحزب والذي صرح إبّانه بأن الصياغة جرت تحت إشراف ماو شخصيا.
فبالنيابة عن اللجنة المركزية للحزب تقدم شوان لاي بالتقرير الذي يقول في حق لين بياو الزعيم الحميم، والخلف لماو..!
"إن المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني ينعقد في الوقت الذي تم فيه سحق طغمة لين بياو المعادية للحزب.."
"كان لين بياو قبل المؤتمر التاسع يعارض مواصلة الثورة في ظل ديكتاتورية البروليتاريا ويعتبر المهمة الرئيسية هي تنمية الإنتاج .. وبان التناقض الحالي هو تناقض بين النظام الاشتراكي المتقدم والقوى المنتجة المتأخرة.. وسيستمر لين بياو في نشاطاته التآمرية والتخريبية.. بأن وضع خطة للانقلاب المسلح.. وللاغتيال الرئيس.. هرب للارتماء في أحضان التحريفية السوفياتية.. ومات عندما تحطمت طائرته فوق جمهورية منغوليا.."!! تبريرات غير كافية بالمرة، لا للعزل ولا للبطش و المطاردة.. ولا للاغتيال.. ألا توافقونا أيها الرفاق الذين يروجون للثورة الثقافية دون أن ينتبهوا لخلاصاتها العملية.

V. بين الخط اللينيني و "الاجتهادات" الماركسية الأخرى
أحد الرفاق الفقهاء انتظر حتى تاريخ انهيار الاتحاد السوفياتي "ليأخذ المسافة ويتحفظ عن اللينينية رغم أنه ليس ضدها "! و الحقيقة أن انهيار الاتحاد السوفياتي ومنظومته لم يفعل سوى التعجيل بكشف عورات الماركسيين المزيفين الذين كانوا ينتظرون هذه الفرصة على أحرّ من الجمر ليعلنوا عن توبتهم وتنصلهم من الماركسية ومن مهمة بناء حزب الطبقة العاملة المستقل وفق التصور اللينيني. فقضية فتح المجال لاجتهادات ماركسيين آخرين ليست سوى نوع من الذرائعية والهروبية.. لان كتابات روزا و تروتسكي و بليخانوف وماو و غرا مشي.. واجتهاداتهم ليست بالمجهولة ولا بالبعيدة المنال عن الماركسيين، واللينينية كوجهة نظر وكخط سياسي، انتصرت عن الخطوط الأخرى قبل توليها السلطة بحوالي العشرين سنة ليتكرس هذا الانتصار الذي هو في نفس الوقت هزيمة واندحار للخطوط الأخرى المعاصرة لللينينية، بعد استلام الطبقة العاملة للسلطة وتحقيق ثورتها ودكتاتوريتها.. أما الاجتهادات الأخرى التي أتت بعد وفاة لينين، فمن حق أي كان أن يعتبرها إسهامات تدخل في مجال تعزيز مرجعيته الحزبية الخاصة، لكن أن يربطها بالماركسية فذلك ما يحتاج إلى النقاش و التدعيم النصي و النظري بما يحتاج من وضوح ودقة وليس بإطلاق الكلام والخلاصات السطحية على عواهنه في شكل "روزا أعطت أهمية للحزب الجماهيري وغرامشي أعطى أهمية في نظريته للمجتمع المدني.. وماو أعطى دورا قويا وكبيرا للفلاحين في نظريته للتغيير الثوري"
فلنبدأ مثلا بروزا لكسمبورغ، "التي أعطت أهمية للحزب الجماهيري.." يعني عمليا وكما فهمنا وفهم المتتبعون والقارئون على أن لينين لم يعطي أهمية للحزب الجماهيري، في أقل تقدير وعارضه ورفضه وأدانه في أقصى الحالات.. الشيء الذي يتطلب لا محالة إلى إثبات و إلى جرأة نظرية وسياسية ستفتح الباب مباشرة وبالضرورة لإعلان التخلي عن اللينينية وعمّا تبقى من ماركسية رفاق سعيدة و زروال.
فمنظمة المحترفين الثوريين حسب التصور اللينيني من خلال إسهاماته وكتاباته - بم نبدأ؟، ما العمل؟ ورسالة إلى رفيق ..ـ لم تعوض بشكل من الأشكال الحزب الجماهيري، الذي لم يناهضه و لم يتخلى عنه قط، لينين.. فعلى العكس، أي بالنسبة لخصومه أنصار الحزب العمالي الجماهيري، و هو بالمناسبة التصور الكلاسيكي الماركسي الذي كاد و يكاد أن يخلط بين الطبقة العاملة و حزبها! و الذي تشبثت به روزا و تروتسكي خلال مسيرتهما السياسية رغم بعض الانتقادات الذاتية المحتشمة والمشكوك فيها.. التي أعلن عنها هذا الأخير، بعد انتصار الثورة وخطها البلشفي اللينيني.. ليكرر نفس الممارسات و نفس الفهم داخل حزب السلطة و من خلال أمميته الرابعة الفاشلة بكل المقاييس النظرية، السياسية والتنظيمية.. أما روزا، فمن خلال اجتهادها وارتباطها الثوري بالميدان وبالطبقة العاملة، و رغم هجوماتها النظرية على التصور اللينيني في التنظيم و القوميات.. فقد اعتبرها لينين دائما، في عداد الماركسيات القويمات.. وكان أن غيرت من مواقفها واقتنعت في آخر تجاربها الميدانية و العملية بالنموذج اللينيني من خلال إسهامها في التأسيس لمجموعة سبارتاكوس التي يمكن أن نعتبرها جناحا ماركسيا لينينيا داخل الحزب الاشتراكي ـ الديمقراطي الألماني بقيادة كل من زتكين ومهرينغ، و ليبكنخت وروزا الذين سقطا شهيدين، بعد اختطافهما واغتيالهما، لهذا الخط وللخط العمالي الاشتراكي الثوري عامة، سنة 1919.
فلا يوجد داخل التصور اللينيني اختيار على أساس التعارض بين منظمة المحترفين الثوريين والسرية و بين الحزب الجماهيري العلني بل هناك جمع ودياليكتيك بين المستويين لم يستوعبه سوى الماركسيون اللينينيون.. مع التذكير لمن يذكر بإسهامات روزا و تروتسكي و بليخانوف في التنظيم، بأن النقاش يخص حزب الطبقة العاملة والنظرة الماركسية الطبقية لآليات التغيير بما شكلته داخل بيانها التأسيسي و إعلان مبادئ "البيان الشيوعي" حزب الطبقة العاملة المستقل عن الطبقات الأخرى، المناهضة و المعارضة للطبقة أو الطبقات الحاكمة. "إن المهمة الملحة المباشرة لحزبنا ليست دعوة القوى المتوفرة الآن لشن هجوم فوري في هذه اللحظة. وإنما هي الدعوة لتشكيل منظمة ثورية قادرة على توحيد كل القوى، وقادرة على قيادة الحركة الثورية عمليا في التطبيق لا بالاسم فقط" بما نبدأـ لينين
استشهاد لابد منه لتوضيح الفرق بين الحزب الجماهيري و منظمة المحترفين الثوريين كمنظمة سرية تكاملية وليست بديلة عن الحزب الذي استمر إلى عشية أكتوبر دون نفي أو معارضة من لينين، بل هاجم و بشدة معارضيه من اليسراويين في جميع بلدان أوربا ـ راجعوا في هذا الشأن مرض اليسارية الطفولي ـ
بهذا نكون سهلنا الانتقال لماو و لإسهاماته الغزيرة على قلوب أنصار "إلى الأمام" القدماء و الجدد.. و هو "الذي أعطى دورا قويا و كبيرا للفلاحين في نظريته للتغيير الثوري"
لاحظوا العرض و التلخيص السيئ لنظرية أساءت و ما زالت تسيء للماركسية و لانتصاراتها ضد الشعبوية و الانتقائية و التلفيق الانتهازي.. فمن المعلوم أن أياً من منظري الحركة الاشتراكية لم ينكر أبدا دور الفلاحين في نظرية التغيير الثوري، بمن فيهم ماركس و إنجلز و السابقين عنهما من دعاة الاشتراكية الطوباوية و الفوضويين و التآمريين..الخ و يمكن الرجوع لتقييمات ماركس لتجربة الكمونة حيث عبر عن غياب الفلاحين عن مسرح الكمونة باللحن الحزين، الذي سهل بدون شك الهجوم على باريس و بالتالي هزيمة الحكومة العمالية الكمونية.
فالماركسيون لم يؤسسوا نظرية للتغيير الثوري و فقط، بل نبهوا لنقصان جميع النظريات الثورية و عجزها عن القضاء على البؤس و الحرمان و الاستغلال بشكل جذري و نهائي.. إذا لم تتوفر النظرية على فهم سليم و عميق لتناقضات الطبقات و لصراعها و لمصالحها المختلفة، الشيء الذي توصلت إليه الماركسية لوحدها بوضعها اليد على الطبقة قائدة التغيير، الطبقة التي لا مصلحة لها في التغيير، سوى في القضاء على الاستغلال و على الطبقية و على المجتمع الطبقي.
أما الطبقات الأخرى بما فيها الفلاحين فتتطلع لتغييرات و ثورات تحقق مصالحها بشكل خاص و ضيق، و فاتحة الباب و الطريق لتنميتها و توسيعها.. طبقات متطلعة و مناصرة للحفاظ على الاستغلال لما له من ارتباط بطبيعتها الطبقية المرتبطة بالمِلكية الخاصة و العمل المأجور.
فما عجز هؤلاء عن قوله في حق ماو تسي تونغ و الماوية، سنحاول الإشارة إليه و بتلخيص كبير مع إمكانية الرجوع لمقالات أخرى لنا، مفصلة أكثر، في هذا الباب.. و هو:
 نظرية حزب قاعدته فلاحية و نظريته عمالية، و هو طرح شعبوي لا علاقة له بماركس و لا لينين الذين نادا و نظٌرا لحزب الطبقة العاملة المستقل، مع الإشارة و الإشادة بمجهودات لينين في هذا الباب التي دحضت و انتصرت على النظريات الشعبوية و الفوضوية و التآمرية البلانكية المعتمدة على الفلاحين و قطاع الطرق و المشردين و العاطلين و البروليتاريا الرثة.. كأساس لبناء تنظيماتها!
و دون أن نكرر ما قلناه في مجالات أخرى بخصوص الخلاصات البروليتارية الماركسية اللينينية فيما يرتبط بالحزب و علاقته بالنظرية الثورية و الطبقة الثورية.. التي لن يتسع المقال لها، بل سيتشعب لنقاشات أخرى عن الطبقات الاجتماعية مثلا، و هل يمكن على أساس التعريفات و المفاهيم الماركسية اعتبار الفلاحين طبقة اجتماعية؟ و هل يمكن لطبقة أن تستعير فكر، إيديولوجية و نظرية للتغيير خاصة بطبقة متناقضة المصالح معها؟..الخ
و دون أن يُعتبر ذلك تجنيا أو قدحا مجانيا، فهل يمكن الحكم على دهاقنة "النهج" بالمحرفين و بناشري الزيف و المغالطات في مجال النظرية؟ بطريقة تذويب الفروقات و طمسها بين التصور الماركسي اللينيني و بين التصور الماوي، للحزب.. هل يمكن أن يغفلوا، أو يتغافلوا ليستغلوا القراء الشباب، بمن فيهم شبيبة "النهج" التي ترفع شعارات "شبيبة ثورية لا إصلاح، لا رجعية"، نقاشات لينين حول الأوضاع داخل روسيا الفلاحية الشاسعة و المتعددة القوميات و أنماط الإنتاج.. التي لم تدفع به و بخطه البروليتاري، بأي شكل من الأشكال، سوى إلى المزيد من التشبث و الثبات على الخيار الاشتراكي و على حزب الاشتراكية الثورية، حزب الطبقة العاملة المستقل الذي عبر برنامجيا و على طول تجربته السياسية على مصالح عموم الكادحين بمن فيهم السواد الأعظم من الفلاحين الفقراء منهم بشكل أساس؟
حيث سيلاحظ المناضلون التعبيرات الكثيرة و المتكررة هنا و هناك لصيغ لينينية ديالكتيكية لن يفهمها سوى الماركسيون اللينينيون، كمثلا حزب العمال و الفلاحين، التحالف العمالي الفلاحي، الدكتاتورية الديمقراطية الثورية للعمال و الفلاحين..الخ و كلها تعبيرات وصيغ تحالفية برنامجية تاكتيكية.. بالأساس، لم تعن قط، أية نظرة للاندماج الطبقي، ينفي الصراع و تناقض المصالح.
".. لم تكن الفكرة الأساسية لبرنامجهم تدور حول ضرورة وجود تحالف للقوى بين البروليتاريا و الطبقة الفلاحية، بل كانت تدور حول عدم وجود هوة طبقية بين هذه و تلك، و عدم ضرورة رسم خط فاصل طبقي بينهما، و خطأ فكرة الاشتراكيين الثوريين عن الطبيعة البرجوازية الصغيرة للطبقة الفلاحية، تلك الطبيعة التي تميزها عن البروليتاريا"
"نصيحة أخيرة: أيها البروليتاريون، و أنصاف البروليتاريون في المدن و الأرياف، نظموا أنفسكم بشكل منفصل، ولا تثقوا بأي مالك صغير، مهما كان صغيرا، ولو كان من العاملين"
"ليس من الممكن في أي حال من الأحوال اعتبار تحالف البروليتاريا و الطبقة الفلاحية كاندماج طبقتين مختلفتين أو حزبين للبروليتاريا و الفلاحين. وليس فقط الاندماج، بل أن مجرد الاتفاق الدائم سيكون ضارا بحزب الطبقة العمالية، و سيضعف النضال الديمقراطي الثوري"
"إننا ندعم تماما الحركة الفلاحية و لكن علينا أن نذكر بأنها حركة طبقة أخرى و ليست الطبقة القادرة على إنجاز، و التي ستنجز الثورة الاشتراكية"
مواقف لينينية واضحة و لا تحتاج إلى تعليق.. فقط تستوجب القراءة المتأنية لتتيسر مقارنتها مع إسهامات ماو الشعبوية و الثورية في نفس الوقت.
 حزب ـ الحزب الماوي ـ يومن بالجبهات الطبقية و بذوبان حزب الطبقة العاملة خدمة "للصالح العام" و للمعركة "الوطنية" و "التحريرية"..الخ و هي جوهر النظرية التي يدافع عنها "النهج" بشكل براغماتي بطريقة "بناء التنظيم السياسي المستقل للطبقة العاملة و عموم الكادحين وليس الحزب لأننا لا نجزم منذ الآن في الشكل الذي قد يتخذه التدبير السياسي للطبقة العاملة و عموم الكادحين، هل هو حزب واحد أم حزب يضم تيارات أو في عدة أحزاب تجتمع في إطار جبهة" والتعريف هنا واضح كل الوضوح و غني عن أي تعليق يعفيه من أية شبهة للانتماء لماركس وبالأحرى للينين.. إنها الشعبوية في أنصع تجلياتها التي لا تقبل التأويل و لا التباكي عن حملات التشويه و التشويش و التجني التي يدٌعي "النهج" استهداف حزبه و حركته بها.. إنها شعبوية ستالين التي يدٌعي أطر "النهج" معاداته و معارضة سياسته و اختياراته قبل أن تتطور إلى نظرية، سرقت الأضواء داخل الحركات الثورية الشبابية لعقدين من الزمن على الأقل، الأطروحة الماوية خلال سنوات الستينات و السبعينات!
 لنصل لسلطة "الطبقات الأربعة" أو "الديمقراطية الجديدة" كتعويض عن دكتاتورية البروليتاريا و هو ما عبٌر عنه "النهج" بصيغة "التفكير في مسألة الديمقراطية لمواجهة الأخطاء، فيجب القول بالتعددية و التنافس في الاشتراكية. لماذا لا تتنافس أحزاب على خدمة مصالح الطبقة العاملة و عموم الكادحين؟" أو من خلال شعار "بناء جبهة الطبقات الشعبية".. صيغ و شعارات كثيرة لا نعرف هل تدخل في باب الاجتهادات أم في باب التضبيب لإخفاء الفراغات النظرية للماوية المقدسة.. على اعتبار أن منظري الطبقة العاملة، الأساتذة الذين شرحوا و شرٌحوا نمط الإنتاج الرأسمالي و مجتمعه الطبقي بأن فككوه إلى طبقات متعارضة و متناقضة المصالح، طبقات لا تلبث أن تخوض الصراع ضد بعضها بشكل رئيسي أو ثانوي، منفردة أو متحالفة..الخ حسموا الأمر نظريا و سياسيا و عبر التجربة الميدانية الملموسة.
فما معنى الكادحين و عموم الكادحين، من الناحية النظرية الماركسية؟ فهل تشير الصيغة والمفهوم لطبقة اجتماعية قائمة الذات، لها مصالحها و تطلعاتها الخاصة و الثابتة..؟ أم هي صيغة للجمع بين طبقات و فئات متضررة من وجود و هيمنة نمط الإنتاج الرأسمالي و من سيطرة و حكم أنظمته السياسية المستبدة و الدكتاتورية.. طبقات و فئات، منها من أنتجته الرأسمالية و منها من عاش على ذلك الحال منذ الأزمان الغابرة أو على الأقل قبل دخول الرأسمالية لبلادنا.
فالكادحون في المدن و الأرياف، فئات و طبقات، منهم من يملك و منهم من لا يملك.. لكن حتى غير المالكين فلا يشبهون في شيء الطبقة العاملة التي لا تتطلع إلى المِلكية و لا لتوسيعها و لا للاستفادة منها.. و داخل المالكين نجد من يستغل و من لا يستغل عمل الآخرين.. و نجد فروقات في المِلكية و في نسبة الانتفاع من استغلال الآخرين، الأجراء أي الطبقة العاملة.. الشيء الذي يتنافى ويتناقض بقوة مع تجميع الجميع في حزب أو منظمة سياسية.. و هو ما جابهه ماركس بقوة و من بعده لينين الذي عارض أيضا التمثيليات المنتخبة و المبنية على هذا الأساس، خلال الثورة أو بعدها، قصد تشكيل السلطة الديمقراطية، سلطة المجالس.. أما الزعيم ماو، تلميذ أب الشعوب ستالين.. الذي اقتفى خطه و خطاه، مناديا و مطالبا "بوجوب اتحاد البروليتاريا مع جميع الشغيلة و مع جميع المظلومين، البرجوازية الوطنية و المثقفون الوطنيون الآخرون (بمن فيهم الإقطاعيون المستنيرون الذين لا يعارضون الإصلاح الزراعي).." انسجاما مع التوجيهات الستالينية "أن على الشيوعيين أن ينتقلوا من سياسة الجبهة الوطنية الواحدة إلى سياسة الكتلة الثورية للعمال و البرجوازية الصغيرة. و تستطيع الكتلة أن تأخذ في مثل هذه البلدان شكل حزب وحيد، حزب عمالي و فلاحي على غرار الكيومنتانغ"
و على الشباب أن يطلع عن تاريخ و طبيعة حزب الكيومنتانغ و عن سياسته تجاه البروليتاريا وتجاه الحزب الشيوعي الصيني نفسه، ليعرف جيدا مآل "الكتلة الثورية" و "الحزب العمالي الفلاحي" و توجيهات ستالين.
فدكتاتورية البروليتاريا، أطروحة يمكن نسبها لصلب الماركسية، و لا بديل عنها كسلطة للحكم البروليتاري و كديمقراطية للكادحين و من اجل الكادحين.. و إذا تم الاجتهاد خلال فترة من الفترات، كمثلا 1905/1907 بالنسبة لروسيا القيصرية، فالتاكتيكات لها خاصياتها و ظرفيتها و عمرها وجغرافيتها.. المحدودة، لها زمنها التاريخي الذي تحكمه ظروف الطبقات و صراعاتها خلال مرحلة محددة و داخل بلد محدد، محاط ببلدان محددة.. التي يجب فهمها و معالجتها وفق منهجية التحليل الملموس للواقع الملموس.. و لولا هذا لما تنازل عنها مبدعها خلال أبريل 1917 معوضا خلالها "دكتاتورية العمال و الفلاحين الديمقراطية الثورية" بـ"دكتاتورية البروليتاريا" و ناصحا منبها جميع المتشبثين بها من البلاشفة القدماء و من أمثال ستالين بالانزواء داخل المتاحف جنبا إلى جنب الكنغر الأسترالي لكي يتفرج عليهم التقدميون و الثوريون الماركسيون من العمال.
و ماذا عن غرامشي الذي "أعطى أهميته في نظريته للمجتمع المدني"؟
كان حريا بالرفاق أن يتقدموا بتعريفهم "للمجتمع المدني" عامة، قبل أن يطرحوا تعريف غرامشي له.. لكي يتضح مرة أخرى هل أن ما تناوله غرامشي بخصوص الجمعيات و المنظمات الجماهيرية المدنية و المتنوعة.. سبق و أن عارضه أو أغفله لينين على طول تجربته؟
"إن المنظمات الجماهيرية على اختلافها يجب أن توجد في كل مكان و على أوسع نطاق و تضم أكبر عدد من الجماهير و تقوم بوظائف كثيرة التنوع ما أمكن و لكن من الخطأ و الضرر أن نخلط بينها و بين منظمة الثوريين أو أن نطمس الحد الفاصل بينهما"
"إننا لن نكون ساسة و اشتراكيين ـ ديمقراطيين إلاٌ بالقول، إذا لم ندرك أن من واجبنا أن نستفيد من جميع مظاهر الاستياء على اختلافها، أن نجمع و أن ندرس جميع بذور الاحتجاج و لو كان في حالة جنينية"
"الدعوة لتشكيل منظمة ثورية قادرة على توحيد كل القوى، و قادرة على قيادة الحركة الثورية عمليا في التطبيق لا بالاسم فقط.. منظمة مستعدة في كل الأوقات.. لدعم كل احتجاج و كل انفجار.."
مجرد نتف من توجيهات لينين و من مسيرة تياره البروليتاري، فمن الغرابة جدا أن يلتجأ الفقهاء لغرامشي، فبغض النظر عن نظريته للحزب و الدولة و لعملية التغيير التي لا نتفق معها، فلا يمكن لأحد أن ينكر عن غرامشي اهتمامه بالتنظيم و الحزب العماليين متصورا نفسه أنه يدافع و بقوة عن تصور لينين و نموذجه.
لقد ذهب لحد التشدد العسكري في تصوره للانضباط و الصرامة و محاربة التكتلات ـ أنظر نموذجه الشبه عسكري الذي قسٌم فيه الحزب لضباط و عرفاء و جنود ـ كانت له نظرة عمالية لبناء الحزب منع بها انتساب غير العمال، من الفلاحين و البرجوازيين الصغار للحزب، بل أنكر بشدة وصراحة حق الفلاحين في الانتماء له، معتبرا أن من بين أسباب فشل الحزب الاشتراكي الإيطالي للتقدم في مسلسل الثورة هو الانضمام الواسع للفلاحين إلى الحزب، و هو ضرر لحزب عمالي يضم بين صفوفه مالكين صغار و غير مالكين.
و في علاقة المثقفين و العمال بالحزب، فقد أوضح بما لا يدع الشك، الواقع الموضوعي و الذاتي الذي تعيشه الطبقة العاملة، مستخلصا أن قاعدة "الجنود" لا بد و أن تكون غالبيتها الساحقة عمالية، و بأن دور المثقفين يعني الأطر و القادة أو "الضباط و العرفاء" بأن يعيدوا تربية الحزب وفق منظوره الخاص الذي أسماه "بالمثقف العضوي" في اتجاه "المثقف الجمعي".. و الجنود هو تعبير غرامشي لقاعدة الحزب من المناضلين الميدانيين و المنفذين، عكس الأطر و المنظرين القادة الذين سماهم بـ"العرفاء" و "الضباط"، مشكلين وسط و قمة الهرم التنظيمي.

VI. تنبيه أخير و خلاصة
يبقى و من باب التكرار، الإشارة إلى أن هناك فرق شاسع و جوهري بين الصراعات داخل الحركة العمالية الاشتراكية التي تجمع الماركسيين اللينينيين و التروتسكيين و المنبهرين بأطروحات روزا، غرامشي..الخ و بين الصراعات داخل الحركة الثورية المناهضة للإمبريالية و التي يمكنها أن تستوعب التيارات الماوية و الغيفارية و الماركيوزية و الفوضوية..الخ
الشيء الذي يفرض علينا توضيح مواقفنا و مواقعنا و تقييمنا.. لكل وجهات النظر المناضلة والتقدمية العاملة في الساحة. فما رفضناه و نرفضه هو الخلط المتعمد الذي يذهب له أطر و نقاد "النهج" باسم "التجديد" أو باسم "الدوغمائية الأرثوذوكسية".. بين الماركسية اللينينية كفكر و كنظرية خاصة بالطبقة العاملة و كإفراز و تعبير عن التناقضات الطبقية داخل المجتمع الرأسمالي، و بين كافة النظريات الثورية الأخرى التي ناهضت الاستبداد الطبقي الماقبل رأسمالي في البادية، و اضطهاد الأقليات القومية داخل الوطن الواحد، و سياسات التوسع الاستعماري الإمبريالي خلال القرنين الماضيين..الخ
فالتجديد الذي يطمح له "النهج" لن يخرج و لن يتجاوز المرجعية الأصل أي ما ساد و انتشر منذ بداية السبعينات في المغرب و في بلدان أخرى، و هي "الماركسية اللينينية" كما شرحها و طالب بتطبيقها ستالين، و هي "الماركسية اللينينية أفكار ماو تسي تونغ" كما روٌج لها الماويون القدماء والجدد، قبل أن تتقلص فجأة لتصبح "إسهامات ماو" و فقط..
و الآن تقلصت أكثر فأصبحت إسهامات ماو، لينين، روزا، بليخانوف، كاوتسكي، غرامشي.. واللائحة مفتوحة! بهذا يمكن للجميع أن يفهم أن "التجديد" الحالي ليس سوى انقضاض عن اللينينية ماركسية عصر الإمبريالية، ليحتفظ "العقلاء" بماركسية مرنة ملائمة للأوضاع و للصيحات الجديدة و للمفاهيم الغريبة..الخ ماركسية تجديدية ـ اقرأ تحريفية و انحرافية ـ تفتح الباب لجميع الإسهامات من كل حدب و صوب.. و تنهل من النظريات العفوية، الفوضوية و الشعبوية.. إنه زمن الكوكتيل النظري، أيها الرفاق الشباب.



#و._السرغيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شكاية ضد الجلاد -لعنيكري- أم مطالبة -بالحماية الحقوقية-ا
- التروتسكيون -المغاربة- و اطاك التروتسكية
- قضية الصحراء الغربية و مبادرة -النهج الديمقراطي- للوساطة
- الملتقى الثالث لتنسيقيات مناهضة الغلاء ملتقى فاشل بكل المقاي ...
- تصريحات عبد الله الحريف غباوة أم استغباء
- حول قضية -المس بالمقدسات-
- منطلقات و أهداف الخط البروليتاري
- بيان التأسيس للتيار الماركسي اللينيني المغربي أنصار الخط الب ...
- الاحتجاجات الجماهيرية بين المبدئية و الحسابات الضيقة الفاضحة
- جميعا ضد المحاولات اليائسة لكبح جماح الحركة الطلابية المغربي ...
- 8 مارس و الكلمة للطبقة العاملة
- يساريو طنجة يتباكون على فقدان صدام
- اليسار.. و اليسار.. ثم اليسار، بطنجة
- الحركة الاحتجاجية بطنجة بين التقاعس و الإحباط
- الممارسات الفاشية داخل الجامعة انزلاق أم نزعة
- الحماقات الصبيانية و صراع الإخوة الأعداء
- انفضاح أم انتصار للخط الانتخابي داخل -النهج الديمقراطي-
- إلى أين يسير -النهج الديمقراطي- بطنجة
- طنجة التضامن مع الشعبين الفلسطيني و اللبناني يعني الاحتجاج ...


المزيد.....




- من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد ...
- نجل شاه إيران الراحل لـCNN: ترامب و-الضغط الأقصى- فرصة لإنشا ...
- -لقد قتلت اثنين من أطفالي، فهل ستقتل الثالث أيضا؟-: فضيحة وف ...
- كيم: المفاوضات السابقة مع واشنطن لم تؤكد سوى سياستها العدائي ...
- الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص ...
- ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
- مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
- إيران متهمة بنشاط نووي سري
- ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟ ...
- هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - و. السرغيني - فقهاء -النهج الديمقراطي- وعلاقتهم بالماركسية من التبشير إلى -الاجتهاد-