|
مارتن لوثر كنج , مصطفي كمال اتاتورك ومناخ جمنال اسعد الذي لا يسمح .......
اسامة عطالله
الحوار المتمدن-العدد: 2008 - 2007 / 8 / 15 - 11:46
المحور:
حقوق الانسان
أولا أريد أن أبدأ هذا المقال بالتعبير عن أسفي الشديد لوضع تلك المقارنة الغريبة بين ثلاثه شخصيات منهم شخصية لا تستحق أن نذكرها حتى في مناقشاتنا، فهي شخصية لا تصلح إلا لمناقشات (المصاطب) إنطلاقا من مبدأ علو الصوت فقط لا غير دون الإستناد إلى أي فكر أو مضمون هادف ولن أذكر اسمه لأنه جلي .لكني أردت من هذه المقارنه إيضاح نقطة واحدة لفتت إنتباهي أثناء مشاهدتي لبرنامج الحقيقه على قناة دريم الفضائية السبت الماضي بمشاركة كل من المهندس/ مايكل منير، والمحامي/مختار نوح، والسيد/ جمال أسعد تحت إشراف معد البرنامج ومقدمه السيد/ وائل الإبراشي. النقطة التي لفتت إنتياهي في هذه الحلقة والتي ذكرها السيد جمال أسعد وأخذ يرددها مرارا وتكرارا في تبريره لعدم المساس بالمادة الثانية من الدستور (دين الدولة الإسلام والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع) وهي أن المناخ لا يسمح للمساس بالمادة الثانية لأنها تعبر عن عاطفة دينية جياشة للغالبية العظمى من السكان..... والحقيقه إن هذه الجملة في رأيي الشخصي هي أحد العوامل الهامة من ضعف أو عدم إرساء مبدأ المساواة والمواطنة.. ولكي نكون أكثر فهما للمناخ المصري وما مدى خطورته على دعم أو إقصاء العديد من التعديلات الدستورية الجارية حاليا في المجتمع المصري، يجب أن نكون أكثر وعيا وإدراكا بحركات مماثله ومجتمعات أخرى مرت بتعديلات دستورية كان من شأنها ترسيخ مبدأ المواطنة الصحيحة والكاملة على أرض الواقع وإستيعاب كافة أطياف الشعب بمختلف التوجهات.. ولدي هنا مثالان أحدهما مشابه والأخر قد يكون متطابقا مع المناخ المصري... المثال الأول وهو زعيم مشهور يدعى مارتن لوثر كنج وهو شاب أسود من أصل أفريقي ينتمي إلى هؤلاء الأفارقة الذين إستقطبتهم القارة الجديدة لإعمارها بالعمل في الزراعة والوظائف الدنيا ولكن سرعان ما تحول الأمر إلى إستعباد كل ما لونه أسود في الولايات المتحدة الأمريكية إنطلاقا من مبدأ أن الجنس الأبيض هو الذي له السيادة في كل نواحي الحياة وبالتالي فإن كل ما لونه أسود فهو مسخر فقط لخدمة المواطنين البيض من الأمريكين ومع تنامي الإحساس بالأفضلية لدى الأجيال ذات اللون الأبيض زادت ممارسات العنف والقسوة والعنصرية ضد المواطنين السود في البلاد حتى بات من الطبيعي شنق أي زنجي يتجرأ أن يشرب من صنبور المياه الخاص بالبيض بل وفي بعض الأحيان كان يتم تعذيب السود وقتلهم لمجرد التسلية وقد إستمر هذا الوضع العنصري الغير آدمي المقيت لفترة طويلة في الولايات المتحدة إلى أن بدأ هذا الشاب (مارتن لوثر كنج) بالتعبير عن مقته وسخطه لهذا المناخ المشبع بالكراهية والعنصرية ضد كل ما هو لونه أسود وبدأ بالمطالبة بإسترداد الحقوق المسلوبة من المواطنين السود ومعاملتهم كمواطنين من الدرجة الأولى لهم نفس الحقوق وعليهم كامل الواجبات ولكن نظرا لأن الغالبية من السكان كانوا من ذوي البشرة البيضاء فقد كان تحقيق الحلم بالمساواة الكاملة من المستحيل (وهذا أحد أوجه التشابه بين المجتمع الأمريكي في ذلك الوقت ومصر حاليا وهو مبدأ النسبة والتناسب العددي مع ملاحظة أن الإنتماء في أمريكا كان عرقيا أما في مصر فهو دينيا) وترتب على تفاوت النسبة العددية أن إتخذت العنصرية أشكالا أبشع وأكثر قبحا من ذي قبل وألقي بـ مارتن لوثر كنج في المعتقلات عده مرات ومع ذلك ولإيمانه بقضيته وبرغم كل الضغوط التي واجهها في المعتقلات لم يستسلم وظل يناشد المجتمع الأمريكي ككل من خلف القضبان إلى أن أفرج عنه وكانت قد تنامت شعبيته بصورة مذهلة حتى أن الملايين من الأمريكيين البيض باتوا يؤمنون بقضيته وبضروره تمكين جميع أطياف المجتمع الأمريكي من حقوق المواطنة كاملة وتفعيلها علة أرض الواقع للوصول إلى التطبيق الصحيح للمواطنة في الممارسات اليومية وبهذا أصبحت السمة الأساسية في المجتمع الأمريكي تستند إلى التعددية الفكرية، العرقية, الدينية والثقافية التي مكنت أمريكا من أن تصبح القطب الأوحد في عالمنا الآن وبهذا إنتصرت الولايات المتحدة الأمريكية في أن تكون من أوائل الدول التي طبقت المواطنة الكاملة بمفهومها الصحيح وهو التطبيق العملي في الحياه اليومية كسلوك عام وعامود أساسي للثقافة والهوية الأمريكية. فهل سألت نفسك يا سيد جمال أسعد كيف إستطاعت الأقلية السوداء تحقيق هذا النصر على الأغلبية البيضاء الرافضة للإعتراف بالمساواة معهم؟ في حين أن المناخ لم يكن يسمح باثارة هذا الموضوع الشائك تماما كما لا يسمح في مصر الآن.. الجواب يتمثل في عنصرين أساسيين هما 1- إصرار المجتمع الأسود داخل أمريكا على إنتزاع حقه في المواطنه والمساواه الكامله مع باقي المواطنين الأمريكيين 2- الإرادة السياسية وإجماع الطبقة المثقفة من الأمريكين بأهمية مبادئ المساواة والمواطنة وتساوي الفرص بين جميع أطياف المجتمع الأمريكي كل طبقا لإمكانياته العلمية ومهاراته الخاصة وإبداعاته الشخصية في مجاله دون النظر إلى خلفيته العرقية,, الثقافية,, الدينية أو إتجاهاته السياسية وذلك للوصول إلى التنوع الثقافي والمعرفي الذي من شأنه رقي وتقدم البلاد مع حرص الزعامة السياسية بالتأكد من تطبيق كل هذه التشريعات والقوانين المدعمة لتفعيل المساواة والمواطنة الكاملة في الحياه العملية والحياة اليومية إيمانا منها أن تلك الأقليات سوف يكون لها دورها الفعال وإنجازاتها الخاصة كجانب ثقافي من جوانب الحياة الأمريكية وثروتها الثقافية لتعيش كل أطياف الشعب في تناغم وتفاهم ينتج عنه إرساء الهوية الثقافية الأمريكية من سلوكيات وقيم ... على عكس الطبقة المثقفة المصرية التي تخشى أن تتهم بالكفر والإلحاد ويستباح دمها إذا تجرأت وساندت الأقليات على المطالبة بحقوقها ومواطنتها الكاملة في بلدانها التي تغربت داخلها وما يتبعه من إحترام حقوق الإنسان والتعبير الحر وحق الإعتراض على وجود مادة عنصرية داخل الدستور المصري تقف حائلا بيننا وبين الآدمية والمساواة والرقي والإنفصال عن العالم الثالث والإنضمام إلى ركب الدول المتقدمة.. هل هذا هو المناخ الذي تريد أن تظل مصر تعاني من عنصريته يا سيد جمال أسعد؟ المثال الثاني الذي يجب أن نخطو خطاه وهو مصطفى كمال أتاتورك وتحويل تركيا من من دولة ذات مرجعية دينية تعود إلى عصر الخلافة الإسلامية إلى دولة علمانية تؤمن بمبدأ تكافؤ الفرص بين أفراد الشعب مستندة في قوامها إلى فصل الدين عن الدولة وتحجيم دور الدين داخل دور العبادة من مساجد وكنائس ومعابد إيمانا منه بأن الدولة مؤسسة مدنية من واجبها رعاية جميع أطياف الشعب بكل توجهاتهم الدينية الفكرية والعرقية وبما أن أتاتورك كان من المؤمنين بأن إستناد الدولة ومؤسساتها إلى مرجعية دينية مسيحية كانت أم إسلامية من شأنه أن يخل بمبادئ المساواة والمواطنة الكاملة التي كانت قد بدأت ترسي قواعدها في القارة الأوروبية في ذلك الوقت فقد قرر أتاتورك ألا يكون خلف الأوروبيين أو تابعا لهم بل جنبا إلى جنب معهم، فقام بتقديم إقتراح على مجلس النواب في ذلك الوقت يقضي بالفصل التام بين الدين والدولة وإلغاء المواد التي تربط بينهما من قريب أو بعيد ولكن هذا الإقتراح مني بالرفض وذلك للأغلبية المسلمة المتشددة في تركيا، ولكنه ولإيمانه الشديد بحتمية الفصل بينهما فقد قام بإحالة الإقتراح إلى ما يسمى بالجمعية الوطنية حيث أن غالبية أعضائها كانوا علمانيين ويشاطرونه نفس النظرة المستقبلية لمتطلبات العصر القادم وقد تمت الموافقة على الفصل النهائي بين الدين والدولة وها نحن نرى تركيا وهي العاصمة الأولى للخلافة الإسلامية قديما ومظهر مشرف للحضارة الإسلامية وقد باتت على أعتاب العالم المتقدم وتصارع حاليا للإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي وقريبا ستتمكن من إقتناص هذا الحق وبمجرد إنضمامها إلى الإتحاد الأوروبي سيكون هذا بمثابة إعتراف كامل من الدول الأوروبية والمجتمع الدولي أن تركيا هي أول دولة إسلامية إستطاعت أن تفصل بين الدين والدولة وإرساء مبادئ المواطنة والمساواة بين ديانات, وأعراق وأجناس المجتمع التركي مع الحفاظ على هويتها الإسلامية في نفس الوقت مما يعطي مثالا لدول المنطقة جميعا ويعتبر أيضا بمثابة إعتراف دولي بتنامي الوعي السياسي والثقافي والشعبي التركي بما يتناسب والتعامل مع العالم الخارجي والمجتمع الدولي الأوروبي بنفس مفاهيمه التي ترتكز على الفرد كبنيان أساسي لمجتمع متحضر طبقا لإمكانياته ومهاراته دون أي إعتبارات أخرى والتعامل مع قضايا المجتمع بما يتناسب ومصلحة الجميع وليس لعرق أو دين أو جنس معين على حساب شركاء أخرين.... وحقيقة الأمر أن المناخ التركي مثال يجب أن يحتذي به المجتمع المصري لسبب في غاية الأهمية وهو أن الغالبية العظمى في المجتمعين لا تجرؤ على المساس بالمرجعية الإسلامية للدولة لأن الدولتين تستندان في تشريعاتهما إلى الشريعة الإسلامية وغالبية السكان في الدولتين من أتباع الدين الإسلامي لكن تركيا قد إستطاعت عبور تلك البوابة، أما نحن فلا تعليق.. نخلص من هذان المثلان يا سيد جمال أسعد إلى أن التغيير ليس بالضروره يتطلب إرادة شعبية أو غالبية شعبية عظمى لتصوت عليه وتقر بصحته أو خطأه بقدر ما هي تحتاج إلى إرادة سياسية حكيمة متفتحة وواعية تتابع عن كثب التطورات العالمية وركب الحضارة والتطور والنية الخالصة لعمل المستحيل من أجل تحقيق الرخاء والرفاهية لشعوبها وليس الإنصياع إلى المطالب الشعبية الخاطئة خوفا من فقد جماهيريتها حتى ولو كان في ذلك ضرر للمصلحة العليا للبلاد ويتمثل هذا الوعي السياسي في رصد مواطن الخلل في الدولة وأسباب التراجع الحضاري والثقافي الذي منينا به والإقرار بالمشكلات التي نعاني منها على أرض الواقع بعيدا عن الشعارات الجوفاء الرنانة الخالية من أي حلول منطقية ذات طابع علمي لحلها ووضع الأيدي على مواطن الضعف في الشخصية المستقبلية للكيان المصري ومحاولة إيجاد الحلول الفعالة لها وإعادة تقويمها وبلورتها بما يتناسب مع العصر الذي نعيش فيه والتركيز على مواطن القوة لإستغلالها الإستغلال الأمثل فيما يتماشى والمصلحة العامة للوطن ككل.. فليس المناخ هو الذي يتحكم فينا يا سيد جمال بل نحن من صنعنا هذا المناخ الكريه بجهلنا وتخلفنا ونظرتنا إلى الأمور من منظور واحد وهو المنظور الديني وعدم إيماننا بالمنظور العلمي والمنطقي للأمور لتصحيح الأوضاع فبدلا من لوم المناخ الذي نعيش فيه لا بد أن نفكر في حلول عملية وعلمية لتبديل هذا المناخ لإيجاد مناخ أفضل يتساوى فيه الجميع ويكون فيه الحكم الفيصل للإمكانيات والمهارات وليس لأي إعتبارات أخرى ووجوب الإستفادة مما نمتلكه من عقول مصرية مبدعة ومفكرة بدلا من تكفيرها وإستباحة دمها بدعوى مخالفة الدين والعقائد التي باتت تتحكم في ملكة الإبداع عند الكثيرين... فالدين شأنه الوحيد هو إكتمال وسمو علاقة الفرد بالخالق... هذا المقال يعبر عن رأيي الشخصي فقط وأرحب بأي نقد بناء، فهدفنا جميعا مصر واحدة تظلل بسمائها جميع أطياف الشعب المصري على مختلف دياناتهم وأعراقهم وتوجهاتهم الفكرية بعيدا عن الشعارات الدينية الزائفة التي يستعملها البعض للتأثير على عقول البسطاء من المصريين لتحقيق أغراض معينة في نفوسهم المريضة والتي بالتأكيد ستعصف بوحدة ومصالح مصر.. فالدين في رأيي كما قلت من قبل ما هو إلا تصحيح لمسار حياة الفرد الروحية مع الخالق وتصحيح مسارها بما ينعكس إيجابا على معاملاته مع المجتمع أما الحياة الإجتماعية فهي تفاعل يومي بين أفراد المجتمع من جميع الأعراق والأجناس والديانات ولكي تكون الحياة الإجتماعية عادلة للجميع تحت مظلة حكم عادل أن تستقي شرعيتها قوانينها وتشريعاتها من مبادئ حقوق الإنسان لأنها الأرضية الوحيدة المشتركة بين جميع أجناس الأرض (كل ما هو آدمي فهو متساوٍ)...
#اسامة_عطالله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إعلام الاحتلال: اشتباكات واعتقالات مستمرة في الخليل ونابلس و
...
-
قوات الاحتلال تشن حملة اعتقالات خلال اقتحامها بلدة قفين شمال
...
-
مجزرة في بيت لاهيا وشهداء من النازحين بدير البلح وخان يونس
-
تصويت تاريخي: 172 دولة تدعم حق الفلسطينيين في تقرير المصير
-
الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارا روسيا بشأن مكافحة ت
...
-
أثار غضبا في مصر.. أكاديمية تابعة للجامعة العربية تعلق على ر
...
-
السويد تعد مشروعا يشدد القيود على طالبي اللجوء
-
الأمم المتحدة:-إسرائيل-لا تزال ترفض جهود توصيل المساعدات لشم
...
-
المغرب وتونس والجزائر تصوت على وقف تنفيذ عقوبة الإعدام وليبي
...
-
عراقجي يبحث مع ممثل امين عام الامم المتحدة محمد الحسان اوضاع
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|