الشتواني عبد القادر أحد عناصر القوات المساعدة, عمره 53 سنة التحق بتخوم الصحراء مند انضمامه إلى الجندية سنة 1975. و في حادثة هجوم قامت به القوات الجزائرية أسر مع بعض رفاقه و كانوا 47 فردا تم تنقيلهم فور اعتقالهم إلى مخيم تندوف. و قضى هناك ربع قرن, 25 سنة, و بعد عودته إلى البلد الذي ضحى من أجله لم يلق إلا الإحباط تلو الإحباط و إحساسه بالمرارة, و لا أمر من حكرة الوطن كما يقال. و ها هي حكايته على لسانه و بعفوية تامة.
فور اعتقاله شرع الضباط الجزائريون في استنطاقه, و كانوا يسألونه عن أشياء لا علم له بها بالمرة و هو الجندي البسيط في صفوف القوات المساعدة المغربية. و كان بعض أعضاء جبهة التحرير الجزائرية يخضرون بعض حصص الاستنطاق و التحقيق. تلقى الشتواني الضرب و اللكم و الكي بأعقاب السجائر و لمختلف أشكال التعذيب قصد الإجابة على أشياء لا علم له بها بالمرة. و بعد أيام نقلوه إلى بشار و عزلوه عن المجموعة بوضعه بزنزانة انفرادية لمدة 48 ساعة بدون أكل و لا ماء.
و حسب شهادة الشتواني عبد القادر و غيره, فان واقع الاعتقال كان محنة إنسانية غير مقبولة باعتبار ما تضمنته من تعديي جسدي و معنوي و من تعامل لا يليق بمن يحمل صفة إنسان, ناهيك عن الضرب عرض الحائط بكل مقتضيات الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتعامل مع أسرى الحرب. انه في واقع الأمر لا يمكن و صفه اعتبارا لجسامة التجاوزات في حق الصفة الإنسانية عموما. لقد تنوعت أساليب التعذيب و التنكيل بسجون جنوب الجزائر, إنها فضاء لا يمكن وصفه اعتبارا للتجاوزات في حق الصفة الإنسانية.
تعددت فيه طرق التعذيب و تنوعت, تعصيب العينين و تكبيل اليدين و الرجلين و الصدمات الكهربائية و الكي بأعقاب السجائر و قلع الأسنان و الأضافر و الحرمان من النوم لمدة طويلة و الضرب بالسوط و اللكم و الركل و الرفس و العزل و الخنق بالرمل أو المياه النتنة...
كان التعذيب حصة يومية لا مناص من حضورها, و بعد مدة تم تنقيل المجموعة إلى الجزائر العاصمة بمركز يدعى بوغار و هو مركز كان يتدرب فيه عناصر البوليزاريو, و احتفظ بها هنا من 1976 إلى عام 1994 و أحيانا كانت المجموعة ترحل إلى المكان المدعو الجلفة أو إلى قصر البوخاري أو إلى تندوف.
لقد خضعت المجموعة على امتداد سنوات إلى الاستنطاق كل يوم سبت و أحد و اثنين. و قد صرح عبد القادر الشتواني أن الهواري بومدين زار المجموعة و كانت تضم آنذاك 86 شخصا مودعين بزنازين ضيقة, و بعد زيارته نقلت المجموعة إلى بنايات أخرى أكثر اتساعا.
و من مجمل ما قاله الشتواني أن ضابطا جزائريا يدعى ياسين قال لهم يوما, نحن عندما نلج الأكاديمية العسكرية أول ما يلقنوه لنا هو أن عدو الجزائر هو المغرب, و كان ادن من الطبيعي أن تكون معاملتهم للمغاربة المحتجزين سيئة حيث أنهم كانوا لأبسط الأسباب و لأتفهها عرضة للتعذيب و التنكيل.
كان التعذيب على مر السنة, و كانت الأسئلة غالبا ما تدور حول أشياء لا علم للمحتجزين بها مثل أين يوجد الأمريكيون بالمغرب؟ و أين يوجد الفرنسيون؟ و من يدرب الجنود المغاربة و ضباطهم؟ و من يدرسهم؟...
و حسب الشتواني كان الجزائريون يشككون في قدرة المغاربة و كفاءتهم أد كانت لهم قناعة راسخة أن الأمريكيين هم الدين يدربون الجيش المغربي. و الغريب في الأمر, يقول عبد القادر الشتواني هو أنه كلما برز المغرب على الصعيد الدولي كان المحتجزون يؤدون الضريبة على دلك. فمثلا عندما شاركت القوات المسلحة الملكية المغربية ضمن القوات الدولية المتدخلة في أنغولا تضاعفت حصص التعذيب و شدته و زاد التنكيل و ساءت المعاملة أكثر من السابق.
و كل تلك التصرفات منافية و مناهضة لمعاهدة جنيف لسنة 1949 التي تنص على تسريح سجناء الحرب مباشرة بعد وقف إطلاق النار و هدا ما لم يتم اد ظل ما يناهز 1500 سجين حرب بالسجون الجزائرية.
و كان هؤلاء يحاولون التعالي عن الواقع المر و المزري بخلق اهتمامات كتلقين القرآن الكريم فيما بينهم, كل واحد يلقن الآخر ما يحمله من الكتاب, و تبادل المعارف و تعلم اللغات و اللهجات, و بدلك حسب تصريح عبد القادر الشتواني تعلم العديد منهم القراءة و الكتابة بعدما كانوا أميين.
و عندما علم الحراس بهده الأنشطة تم تغيير جميع الضباط و جيء بضباط جدد قرروا هم نفسهم أخد زمام الأمور فيما يخص ملء الفراغ حيث أخذوا حسب زعمهم يقومون بتوعية المحتجزين. و من هؤلاء الضباط هناك واحد, حسب عبد القادر, قيل أنه اختصاصي في غسل الأدمغة سبق له و أن تلقى تكوينه بالاتحاد السوفيتي. و شرع على التو في توعيتهم. و كانت خطاباته تدور بالأساس حول فكرة أن الجزائر لا تريد للمغاربة إلا أن يتحرروا من الظلم. و بموازاة مع مجيء الضباط الجدد تحسنت نوعية الأكل نسبيا و شرعوا في منح التمر و الحليب.
و فيما يخص الاستنطاق, تذكر عبد القادر الشتواني, أنهم عندما كانوا بتند وف, قبل نقلهم إلى الجزائر العاصمة, جاءهم إبراهيم غالي ليس لاستنطاقهم و إنما لمحاولة تمرير خطابه الرامي إلى إظهار أن المغاربة هم المعتدين و ليس غيرهم. و قال عبد القادر الشتواني أن تلك هي المرة الوحيدة التي جاء فيها مسؤول من البوليزاريو, اد أن الجنود الجزائريين هم الدين كانوا يقومون بحراستهم و باستنطاقهم و بتعدييهم.
و بخصوص الضباط المغاربة المحتجزين, يقول عبد القادر الشتواني, كانوا يذهبون بهم إلى سجن البليدة بالجزائر العاصمة, و قد قاسوا أكثر من الجنود العاديين و ضباط الصف, و كثير منهم فقد صوابه و عقله من جراء التعذيب و التنكيل كما تم تسليم بعضهم للبوليزاريو.
و عن أحوال إطلاق سراح المجموعة التي كان الشتواني يتواجد ضمنها, كانت تضم 86 فردا كلهم مرضى و في حالة صحية سيئة. ذهبوا بهم إلى الحدود المالية الجزائرية قالوا لهم أنتم طلقاء. و ظلوا هناك في مخيم بمكان يدعى جلفة من سنة 1997 إلى سنة 2000 إلى أن تم ترحيلهم إلى الوطن في غضون نفس السنة.
بالمغرب استقبلهم ضباط مغاربة و قادوهم إلى ثكنة بمدينة أكاد ير بجنوب المغرب, و بعد شهرين منحوا لكل واحد منهم ما يناهز 350 دولارا و توجه كل واحد منهم إلى عائلته و ذوبه.
قبل المضي في كلامه سألته عن كيف كانوا يقضون يومهم عندما كانوا في تند وف, لاسيما بعد نهاية التحقيقات و حصص التعذيب و بعد أن طال بهم الأمد هناك. فأجاب قائلا, قبل انتفاضة المخيمات في سنة 1986 لم يكن هناك أي اتصال بيننا و بين الصحراويين هناك, و بعدها بدأ البعض منهم يقتربون منا من حين لآخر. آنذاك قال عبد القادر الشتواني سمعنا أن لقاء تم بمراكش بين الملك و بعض الصحراويين, و فور عودتهم رفضت الجزائر الاتفاق الذي أبرموه. و يضيف الشتواني و هذا ما وقع كذلك بعد نيروبي عندما وافقوا على الاستفتاء, إذ قال لهم الجزائريون عليكم المطالبة بالمفاوضات المباشرة. هذا ما كان الصحراويون يخبرون به بعض المغاربة المحتجزين عندما كانوا بتند وف. و قد حدث هذا بعد انطلاقة الانتفاضة من مخيم الداخلة بالحمادة.
أما عن كيفية قضاء يومهم, يقول عبد القادر الشتواني, فقد كان محكوم عليهم بالأشغال الشاقة على الدوام, ترحيل أتلال الرمل من مكانها و الحفر و ترصيص الطرقات. و كان هذا هو حالهم من 1976 إلى 1986. أما بعد 1987, فكان العمل بالعطش أي أنهم يكلفون بعمل و بعد الانتهاء منه و إنجازه يرتاحون لمهلة إلى حين تكليفهم بعمل آخر. و في السنوات الأولى من الاحتجاز كان البرنامج اليومي كالتالي, الاستيقاظ باكرا ثم حضور المحاضرة أي غسل الذماع حسب تعبير الشتواني, ثم النقل إلى عين المكان لممارسة الأشغال الشاقة. و ظل هذا حالهم على امتداد السنة دون انقطاع, و كانت حصص الاستنطاق آنذاك يومي السبت و الأحد. و ذكر عبد القادر أنه توفى بمجموعته ما يناهز 500 شخص.
و واصل عبد القادر حديثه عن رجوعه إلى الوطن بعد غياب قسري دام أكثر من 20 سنة, قائلا أنه اعتبر نفسه و كأنه ولد من جديد, و كانت أول مشكلة صادفته هي محاولة إثبات أنه لازال حيا يرزق و ليس ميتا كما تنص على ذلك الوثائق الرسمية, و قد تملكه الإحباط اعتبارا لطول الإجراءات و للخصاص المادي الفظيع الذي سيعيشه لا سيما و أنه كان بدون مورد, إذ لم يكن يتقاضى أجرا باعتبار أنه من عداد الموتى رسميا. و كانت الصدمة الأولى عندما تمكن من الحصول على قرض, كان ينوي أنه مساعدة, فطولب بإرجاعه بل تم اقتطاعه من معاشه الضئيل أصلا.
كما طولب بإرجاع ما تسلمته عائلته عندما أعلن أنه ميتا منذ سنوات. و هكذا توصل في نهاية المطاف ب 30 ألف دولار أرجع منها 1500 دولار للصندوق لكي يتمكن من الاستفادة من التقاعد و اضطر كذلك لإرجاع القرض الذي كان يعتقد أنها مساعدة و قدره 350 دولار تقريبا و ما بقي لديه صرفه للحصول على بعض ضروريات الحيات الأولية و هو الآن يتقاضى 130 دولار شهريا كمورد للعيش هو و زوجته يؤدي منها 60 دولارا كسومة كرائية للمسكن المتواضع الذي يقطنه و ما يبقى له لا يساعفه حتى على الحياة. و هذا وضع دفعه إلى الإحساس بالغبن و الظلم و القهر و الدونية لاسيما و أنه يعاني من جملة من الأمراض و أحس باحباط لم يشعر مثله حتى عندما كان أسيرا.
يقول و هو يبكي لقد حرمت من حريتي مدة 24 سنة و حرمت من حقوقي على قلتها و علتها, فما ذنبي إذا كانت الإدارة قد اعتبرتني متوفيا فصرفت لأهلي منحة دون علمي و في غيابي, و اعتبار لفقرها تصرفت الأسرة في المبلغ الممنوح لها فهل يعقل مطالبتي بإرجاعه و أنا لكل خير فقير و لكل مساعدة محتاج. فكيف للوطن أن يظلم أحد أبنائه بكل برودة دم من هذا القبيل؟ و أضاف عبد القادر قائلا, لقد أسرت و أنا جندي بسيط و عندما رجعت إلى وطني بعد المحنة في سبيله بقي الحال هو الحال, علما أن رفاقي من نفس دفعتي الذين التحقوا بالخدمة معي و لم يتم أسرهم تحسنت رتبهم و وضعيتهم بفعل الترقية و الأقدمية و أنا الذي ضحى بأكثر من 20 سنه من عمره في الأسر رغما عني و في سبيل وطني و في إطار القيام بمهمة الدفاع عن حوزة البلاد ألج الخدمة جنديا بسيطا و رغم مرور ربع قرن من التضحيات الجسام أظل جنديا بسيطا, فهل تضحياتي ذهبت سدى بهذه السهولة؟
و عبد القادر الشتواني لا يطلب المستحيل انه لا يطلب إلا بالإنصاف و بتوفير شروط العيش اللائق. و ختم كلامه قائلا حسبي الله و نعم الوكيل و لم ينبس بكلمة إضافية.
إدريس ولد القابلة