|
- قومنة - الماركسية !! (2)
فؤاد النمري
الحوار المتمدن-العدد: 2004 - 2007 / 8 / 11 - 11:16
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
/ الماركسية في الجنوب ، في أطراف الإمبريالية
ظل شهيد الفكر الماركسي الدكتور مهدي عامل قبل أن يغتاله حزب الله بأمر من الخميني نفسه عام 1987، كما نقلت الأخبار، ظل مهموماً بشدة في إشكاليةٍ طرحها عليه بعض القوميين البورجوازيين المعجبين بالفكر الماركسي وقد بذلوا جهوداً كبيرة في تحريف الماركسية وإقحامها على الحركة القومية. وتتمثل الإشكالية في عدم التجانس بين مهدي عامل الملتصق بالماركسية التصاقاً حميمياً من جهة، ومهدي عامل المناضل من أجل المشروع القومي النهضوي من جهة أخرى. كان مهدي عامل يعلم تماماً أن ما عنيَ به كارل ماركس طيلة حياته هو تشريح نظام الإنتاج الرأسمالي، الذي يقوم أساساً على الإستغلال الوحشي للعمال، واكتشاف تناقضاته الرئيسية القاتلة التي يمكن توظيفها في تفكيك هذا النظام واستبداله بنظام آخر أكثر عدلاً وإنسانية. وفي مثل هذا الإطار بدا ماركس الحقيقي ينزع كل شرعية من ماركسية الشيوعي المناضل من أجل التحرر الوطني.
من هنا انطلق مهدي عامل يتفحص جدارة (!!) الماركسية في أن تكون إيديولوجية الشيوعي المناضل الوطني وفاته أن يتفحص جدارة الشيوعي المناضل الوطني لأن يكون ماركسياً. لكنه وقبل أن يهمّ بالشروع في البحث عن جدارة الماركسية طمأن رفاقه الماركسيين بأنه لن ينحرف بالماركسية تحت أية شروط طارئة. تعهد بذلك لكن دون تقديم أية ضمانات !! إذ ليس من أحدٍ غير بناة الماركسية الأوائل، ماركس وإنجلز تحديداً، يستطيع أن يقدم أية ضمانات في عدم الإنحراف بالماركسية. حتى لينين وهو المتفقه الأكبر في الماركسية تم الطعن فيه منحرفاً من قبل إبي الماركسية في روسيا جيورجي بليخانوف وزعماء الأممية الثانية ومنهم كارل كاوتسكي.
إننا ونحن ما زلنا نحس بحرارة دم الشهيد مهدي عامل ونحيي ذكراه في مواجهة القوى الظلامية المتسربلة بأردية الألوهية وبطقوس طواطمها، إننا نحسب أننا إنما نخدم الهدف الأكبر للشهيد، وهو البحث في " جدارة الماركسية " ، من خلال مراجعة اجتهاداته. ولنا أن نشير هنا إلى أننا إنما نبعث الشهيد إلى الحياة من جديد بقيامنا بهذه المراجعة حتى وهي تعارض استخلاصات شهيد الفكر الماركسي حسن حمدان أو مهدي عامل.
التصق رفيقنا مهدي عامل بحضن أمه الماركسية إلتصاقاً حميمياً لا يقبل الإنفصال. وكان أن ابتعد بأمّه إلى غير مرابعها وراح بها إلى الإمبراطوريات البطريركية القديمة التي اقتصرت مواردها على ما تنهبه من البلدان الخاضعة لها. النهب الذي مارسته مراكز الإمبراطوريات البطريركية الفارسية والإغريقية والرومانية والبيزنطية والعربية والمملوكية والعثمانية، هو ما يمكن تسميته مجازاً بالاقتصاد الكولونيالي. كان لينين قد استعمل مجازاً تعبير " الكولونيالي" في الحديث عن خصائص الإنتاج في البلد الطرف التابع للمركز الرأسمالي الإمبريالي، لكن يستحسن هنا أن نفارق بين الكولونيالية التي اتصفت بها الإمبراطوريات البطريركية القديمة وبين الإمبريالية التي هي من طبيعة " الإمبراطوريات " الرأسمالية الإستعمارية في أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأميركية حديثاً وذلك ليس من أجل تحريم استخدام تعبير "الكولونيالي" في بحث مهدي عامل بل من أجل احتفاظ مقاربتنا بالدقة العلمية والإضاءة الكافية حتى الوصول إلى نتائج ملموسة وواضحة.
كان مركز الإمبراطورية البطريركية القديمة لا ينتج أي شيء غير العسكرة التي هي المنتوج الوحيد الذي يؤهل صاحبه وهو المركز الإمبراطوري من نهب البلدان الأطراف. والإقتصاد الإمبراطوري، إن صحت التسمية، يقوم شكلاً وشكلاً فقط، على مبادلة الأمن مقابل الضرائب والأتاوات التي يجبيها المركز من شعوب الأطراف. كما يبعث المركز إلى الطرف ليس العسكر والجندرما فقط بل وموظفيه يحتلون المراكز الإدارية بمختلف درجاتها ومجموعات بشرية تحتل أراضي زراعية ودساكر يتوفر لها أفضل الخدمات.
أما الإقتصاد الرأسمالي الإمبريالي فمختلف كل الإختلاف حيث أن التبادل بين المراكز والأطراف يجري سلعاً مقابل سلع، منتوجات صناعية مقابل مواد خام، أو هو في الجوهر سلع فيها الكثير من العمل البشري والقليل من المواد الخام مقابل سلع فيها القليل من العمل البشري والكثير من المواد الخام. ولو فرضنا أن سبع وحدات سلعية من المركز تم مبادلتها بسبع وحدات سلعية من الطرف لكان ست وحدات من المركز هي عمل بشري مقابل وحدة واحدة من العمل البشري من الطرف والعكس بالعكس بالنسبة إلى المواد الخام . صحيح أن المراكز الرأسمالية الإمبريالية تنتج أمناً أيضاً لكنها تتبرع بالأمن دون مقابل للأطراف فلا هي تجبي ضرائب أو تفرض أتاوات ، ولو أن أمنها ينتهي بالتالي إلى إخضاع دورة الإنتاج لشروط تصب في صالح المركز.
البلد الطرف الكولونيالي (colonized) ، فيما يسمى مجازاً بالإقتصاد الكولونيالي، كانت تتم فيه كامل دورة الإنتاج، إنتاجاً وتوزيعاً واستهلاكاً، دون أدنى مساهمة من المركز الكولونيالي باستثناء نهب جزء غير قليل من الإنتاج مما يعيق تطور الإنتاج وتقدم وسائل الإنتاج والطبقات المنتجة. أما البلد الطرف الإمبريالي (imperialized) فأمره مختلف تماماً حيث لا تتم فيه دورة الإنتاج. يتم فيه إنتاج المواد الخام الفاقدة لكل قيمة استعمالية (Use Value) قبل وصولها إلى المركز الإمبريالي حيث يتم تصنيعها وإعادة تصديرها إلى الطرف سلعاً ذات قيمة استعمالية وقيمة تبادلية (Exchange Value) تبعاً لذلك. نتمثل في هذا السياق المملكة العربية السعودية التي تنتج يومياً ما يقارب العشرة ملايين برميلاً من النفط ، فلو بقيت هذه الكميات الهائلة من النفط في المملكة ولم يتم تصديرها حال إنتاجها فما عسى أن تكون قيمتها إذّاك ؟ لا شيء بل ستعود بالضرر على الشعب . وذات الشيء كان ينطبق على القطن المصري في خمسينيات القرن الماضي حين عمدت بريطانيا إلى وقف استيراد القطن المصري كإجراء عقابي لمصر بإدارة عبد الناصر.
وهكذا فإننا أمام حقيقة لا يمكن تجاوزها وهي أن الأطراف لا تستطيع أن تنفصل عن المراكز الرأسمالية وتستغني مرة واحدة عن كامل عائدات صناعاتها الإستخراجية التي تشكل الحصة الكبرى في مجمل إنتاجها القومي بعكس الأطراف الكولونيالية التي كان بإمكانها أن تستقل تماماً لولا تسلط المركز العسكري. لم يكن بإمكان الهند أن تستقل عن بريطانيا أو الصين عن بريطانيا وعن اليابان قبل عام 1946 وهما من حيث المساحة أو من حيث السكان تساويان عشرة أضعاف المركز المتروبول. ما يجب ألاّ يغيب عن بال وفكر أصحاب النظريات السياسية والإيديولوجيات المختلفة هو أن وسائل الإنتاج العرجاء في الأطراف الإمبريالية لا تسمح إطلاقاً لهذه الأطراف بالانفصال والاستقلال بعيداً عن الهيمنة العسكرية.
ست خلايا رأسمالية إمبريالية كبرى كانت تسيطر على أكثر من 60% من مساحة العالم لدى نشوب الحرب العالمية الأولى 1914 من أجل إعادة تقسيم المستعمرات ـ خلية لها نواة وهي المركز ويحيط بها بروتوبلازم وهو الأطراف ـ وهي بالتسلسل : بريطانيا ، روسيا ، فرنسا ، ألمانيا ، الولايات المتحدة واليابان ، هذا بالإضافة إلى عدد من الخلايا الصغرى كهولندا وبلجيكا تستولي على 10% . أما ما تبقى من العالم وهو زهاء 30% فقد ضمّ بلداناً تابعة لكن بصورة غير مباشرة .
جابه كارل ماركس وفريدريك إنجلز مثل هذه الحالة البائسة، اختطاف شعوب العالم جميعها إلى مطحنة الإستغلال الرأسمالي البشع، بإطلاق ندائهما الشهير عام 1847 .. " يا عمال العالم اتحدوا فليس لكم ما تفقدون إلا أغلالكم " ؛ دعوا عمال العالم إلى التعاون في القيام بثورة إشتراكية عالمية تضع حداً لنظام الإنتاج الرأسمالي بكل تداعياته. ومن أجل القيام بهذه الثورة شكّل ماركس الأممية الأولى عام 1864 لكن سقوط كومونة باريس عام 1871 أكّد لماركس أن البروليتاريا العالمية وفي مقدمتها البروليتاريا الفرنسية لم تكن بمستوى الثورة الإشتراكية المطلوبة فكان أن قام بحل الأممية عام 1873 ولم يعد إلى تبني وسيلة أخرى للثورة حتى رحيله عام 1883. في العام 1889 قام فريدريك إنجلز بتشكيل الأممية الثانية لتضم أحزاباً إشتراكية مستقلة في البلدان الرأسمالية المتطورة. ظل ماركس وإنجلز يريان الثورة الإشتراكية ثورة عالمية تقوم في نفس الوقت وفي مختلف البلدان المتطورة . وتنطوي هذه الرؤية على أن البلدان المستعمرة والتابعة سوف تتحرر تلقائياً فور نجاح الثورة الإشتراكية العالمية في المراكز دون أن تحرك ساكناً.
من بين أحزاب الأممية الثانية برز فلاديمير إيلتش لينين يتقدم في مسألة الثورة واقترح على أحزاب الأممية الثانية الإشتراكية عام 1913 تحويل جبهات القتال في الحرب الوشيكة الوقوع إلى ثورة بحيث تقوم الأحزاب الإشتراكية إلى استلام السلطة ووقف الحرب والانسحاب منها. غير أن مجمل الأحزاب سحبت موافقتها السابقة على الإقتراح وجنحت إلى الإشتراك في الحرب ؛ وتقاتل الإشتراكيون وقتل بعضهم بعضاً. تقدم لينين أكثر باتجاه الثورة ورأى أن تفكيك النظام الرأسمالي العالمي يمكن أن يبدأ من أضعف حلقاته وأن عوامل الثورة لا تتأتى فقط من التناقض الرئيس في النظام، تناقض الرأسماليين / البروليتاريا، بل ومن تناقضين آخرين وهما تناقض المركز الإمبريالي مع البلدان التابعة والمستعمرة، وتناقض المركز الإمبريالي مع المركز الإمبريالي الآخر المنافس.
لقد أثبت التاريخ صحة نظرية لينين في الثورة فقد نجحت الثورة في روسيا القيصرية وهي أضعف حلقة في السلسلة الرأسمالية الإمبريالية وتم ذلك خلال الحرب في أكتوبر 1917 حين انتفض البلاشفة واستلموا السلطة وانسحبوا من الحرب؛ كما تم ذلك من خلال التناقض بين طرفي الإمبريالية المتحاربين، ألمانيا وبريطانيا. ومن خلال التناقض بين الإمبراطوريتين الإمبرياليتين، بريطانيا وفرنسا، مع ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية تقدمت الثورة الإشتراكية في أوروبا الشرقية والصين وبرزت الدولة السوفياتية كأقوى قوة في الأرض عام 1945 مما سمح لثورة التحرر الوطني أن تنطلق على المستوى العالمي. ومن خلال تطوير التناقض بين مراكز الإمبريالية في واشنطن ولندن وباريس من جهة والبلدان المستعمرة والتابعة لهذه المراكز وقيام شعوبها بثورة التحرر الوطني العالمية 1946 ـ 1972 من جهة أخرى، انهار النظام الرأسمالي العالمي في مراكزه الكلاسيكية في منتصف السبعينيات وما بعد دون أن تنتقل هذه المراكز إلى مرحلة الإشتراكية لأسباب ليست من موضوعنا.
ماركسية القرن العشرين ومنذ مطلعه تمثلت بالقراءة اللينينية لماركس. كان قد أضحى تفكيك النظام الرأسمالي العالمي يتم بفعل الصراع المحتدم في التناقضات الكبرى الثلاثة المشار إليها أعلاه . إنطلاقاً من هذه القراءة اللينينية المكملة لقراءة ماركس وليس المختلفة معها قامت أحزاب الأممية الثالثة (Comintern)، الأحزاب الشيوعية ليس في البلدان المتطورة فقط حيث أوكل إليها تطوير التناقض رأسماليون/بروليتاريا، بل أيضاً في البلدان الأطراف المستعمرة والتابعة ليوكل إليها تطوير التناقض المركز/ الطرف. الوظيفة الأولى والأخيرة للأحزاب الشيوعية في الأطراف هي فك الروابط مع مراكز الرأسمالية الإمبريالية وليس الإنتقال إلى الإشتراكية، وهي ذات المهمة التي تقوم بها الأحزاب البورجوازية. الإشتراكية في الأطراف ستورّد إليها من خارجها وليست من صناعة أحزابها الشيوعية، وهذا حقيقة لا يجوز إغفالها بكل الأحوال.
لم يكن وارداً في ذهن كل من ماركس وإنجلز أن نداءهما " يا عمال العالم اتحدوا " موجه في حال من الأحوال إلى شعوب البلدان المستعمرة والتابعة وذلك بكل بساطة لأن وسائل الإنتاج في هذه البلدان لم تكن متطورة ولم تكن وسائل رأسمالية تستخدم طبقة عاملة بروليتارية. نداؤهما للثورة البروليتارية انطوى على إفتراض مسبق يقول أن الإشتراكية ستصل البلدان المستعمرة والتابعة من المراكز أي أنها سترد إليها من خارجها. لم يضف لينين أية إضافة إلى هذا الإفتراض الصحيح .
الإقتصاد الرأسمالي نشأ بداية في البلدان المتقدمة لكنه ما كان ليتطور ويعمّر لأكثر من مائة عام أو نحو ذلك إلاّ بطرح فائض إنتاجه فيما وراء الحدود أي في إلحاق بلدان أخرى إلى المركز. ما كان نظام الإنتاج الرأسمالي ليتطور إلا على طريق الإمبريالية. اقتصاد الطرف هو إقتصاد ملحق باقتصاد المركز وهو ليس إقتصاداً رأسمالياً بحال من الأحوال طالما أنه لا يرتكز على ذاته ولا ينتج إحتياجات شعبه. وطالما أن الإشتراكية هي الوليد للأم الرأسمالية فقط فليس من المنتظر رؤية الإشتراكية واقفة على عتبة الدولة الطرفية التابعة بغض النظر عن حجمها. الشغيلة في البلدان التابعة ليسوا من البروليتاريا وشغلهم يحتفظ بالروح البورجوازية حيث هو أقرب إلى الشغل بالقطعة كما تنحو الصناعات الإستخراجية .
الأحزاب الشيوعية في أطراف الإمبريالية وبسبب الغياب التام للبروليتاريا، بتعريفها الماركسي الدقيق، من هذه البلدان فقد تشكلت بصورة رئيسية من البورجوازية الوضيعة غير الأمينة بطبيعتها على تقدم الثورة الإشتراكية. إنها لذلك تفتقد الشرعية الوطنية طالما أن الإشتراكية لا يمكن ولا يجوز أن تكون على أجندة وطنها. إنها تستمد شرعيتها من مشروع لينين، مشروع تفكيك النظام الرأسمالي بدءاً من أضعف حلقاته من موسكو، حيث تم وضع قانونها الأساسي في الإجتماع التأسيسي الأول للأممية الثالثة عام 1919. قيام الأحزاب الشيوعية في البلدان المستعمرة والتابعة لم يتأتَ من مفاعيل قوى الإنتاج الوطنية. أن التنمية الإشتراكية في البلدان الطرفية لا بدّ وأن تستورد من خارجها، من مركز الثورة، إذ ليس من عوامل إقتصادية داخل الأطراف تدفع باتجاه التقدم الإشتراكي. لقد ساهمت الأحزاب الشيوعية في حركة التحرر الوطني ليس لأن شغيلة الأطراف ذوو مصالح حقيقية مباشرة في التحرر والإستقلال بل لأن المشروع اللينيني إقتضى ذلك فكانت مساهمتها من باب التعاون في تفكيك الرأسمالية الإمبريالية لا أكثر ولا أقل. وما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق هو أن التنمية الرأسمالية الوطنية المستقلة من شأنها أن تعتصر من دماء الشغيلة أكثر بكثير مما تعتصر الإمبريالية. أضف إلى ذلك أن الصناعات الإستخراجية بمجملها ستنتهي تماماً في حالة الإستقلال وهو ما يودي بالعاملين في هذه الصناعات إلى البطالة الكليّة والتامة.
البورجوازية الكبيرة هي الطبقة ذات المصلحة الحقيقية في الإستقلال وفك الروابط مع المتروبول؛ ولذلك رأيناها تقود حركات التحرر الوطني في مختلف أطراف الإمبريالية. وبالمقابل فإن انتفاء أية مصالح حقيقية مباشرة سواء للشغيلة أم للبورجوازية الوضيعة في حركة التحرر والإستقلال امتنع بالطبيعة على الأحزاب الشيوعية قيادة حركات التحرر الوطني. لو كانت شرعية الأحزاب الشيوعية في الأطراف هي شرعية وطنية لما رأيناها تمتنع عن تأجيج الصراع الطبقي داخل الوطن إبّان ثورة التحرر الوطني. البورجوازية الكبيرة قادت حركات التحرر الوطني ليس لأنها أكثر قدرة وإمكانيات من طبقة الشغيلة ومن البورجوازية الوضيعة فقط بل ولأنها أيضاً صاحبة المصلحة الحقيقية المباشرة في التحرر والإستقلال. وهكذا فإن بورجوازيات الأطراف وخلال ثورة التحرر الوطني 1946 ـ 1972 كانت أكثر نفعاً ودفعاً لمشروع لينين في تفكيك النظام الرأسمالي العالمي من شيوعيي الأطراف بل وحتى من شيوعيي المركز، موسكو، بعد رحيل ستالين. دخل كاسترو هافانا عام 1959 ولم يكن شيوعياً آنذاك وكان أن إعتقل قادة الحزب الشيوعي لأنهم لم يكونوا حقاً شيوعيين! وتقدم عبد الناصر نحو الإشتراكية بغير مساعدة الشيوعيين المصريين؛ وكذلك فعل قادة جبهة التحرير الجزائرية. بل إن " شيوعيي " المركز المرتدين من خلفاء خروتشوف هم الذين شجعوا الهواري بومدين للإنقلاب على الرئيس أحمد بن بللا في العام 1965 بعد أن أعلن هذا الأخير التزامه بالإشتراكية الماركسية؛ وهم الذين شجعوا حافظ الأسد للإتقلاب على رفاقه اليساريين في القيادة عام 1970 بعد أن أعلنوا التزامهم بالإشتراكية العلمية. حدث هذا بينما كان الشيوعيون في الجزائر وفي سوريا يؤكدون ولاءهم للمرتدين في موسكو من أيتام خروتشوف .
المأخوذون بالمشاعر القومية يتحسسون جداً من فكرة إستيراد النظام السياسي أو الإقتصادي أو الإجتماعي من خارج الوطن. وهم ليسوا ملومين كثيراً على ذلك بعد أن عرفوا ما عانته شعوبهم جراء إستيراد النظام السياسي من المركز العثماني والقيود الثقيلة التي حالت دون تقدم الشعوب على طريق التنمية، تلك القيود المتمثلة بالنظامين السياسي والإقتصادي المستوردين من مراكز الرأسمالية الإمبريالية. لكن على هؤلاء القوميين بالمقابل أن يعترفوا بأن التحاق اقتصادهم " القومي " باقتصاد المتروبول الرأسمالي الإمبريالي لم يكن خياراً بأي معنى من المعاني؛ لقد كان حتمية لا مناص منها فرضتها خاصية العالمية(universality) لنظام الإنتاج الرأسمالي وهو أول نظام إنتاج عالمي ترتب على البشرية أن تأخذ به في مسار تطورها. على القوميين أن يعترفوا بأنهم هم أنفسهم ليسوا إلا من نتاج النظام الرأسمالي العالمي، كما أن طموحاتهم بحدودها القصوى لا تتجاوز آفاق الرأسمالية المعروفة. بل أكثر من ذلك، إذ يمكن القول أن ثورة التحرر الوطني بكل مفرداتها مستوردة في الأصل من خارج الوطن. وبالمثل فإن الثورة الإشتراكية في أطراف الإمبريالية لا بد وأن تستورد من خارج الوطن ومن خارج المجتمع. الصين وهي الدولة العظمى لم يكن بإمكانها أن تتقدم على طريق الإشتراكية إلا بمساعدة الإتحاد السوفياتي؛ كما أنها ما كانت لترجع على طريق الإشتراكية لولا انهيار الثورة الإشتراكية في مركزها، موسكو.
فـؤاد النمـري www.geocities.com/fuadnimri01
#فؤاد_النمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
- قومنة - الماركسية !! (1)
-
من ينقض ماركس ! (3)
-
لماذا الديموقراطية لغير الديموقراطيين؟
-
إنتفاضة أكتوبر لم تكن ثورة ولم تكن إشتراكية
-
أين هي الشيوعية اليوم ؟ (2)
-
الأفكار الثلاث الأهم حول ثورة أكتوبر
-
كارل ماركس في السودان !!
-
أين هي الشيوعية اليوم
-
وهل ارتفعت الإيديولوجيا يوماً لتسقط؟
-
الدين والدولة
-
الخمسة الكبار وأزمة العالم
-
المأزق التاريخي الفاصل
-
الصراع الطبقي وراء انهيار الإتحاد السوفياتي
-
تكعيك) أو تفكيك الماركسية )
-
ماهيّة -الصحوة- الإسلامية
-
ما هي الحرية
-
نهاية التاريخ وفرانسس فوكوياما
-
الجديد في - النظام - الدولي
-
الحق- ليس إلا مفهوماً بورجوازياً باطلاً -
-
الإشتراكية ليست نظاماً اجتماعياً
المزيد.....
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|