دفاع عن الوطنية والديمقراطية والعلمانية (تعقيب على حلياني وفياض)

محمد العمار

الحوار المتمدن-العدد: 2003 - 2007 / 8 / 10 - 07:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

لقد تعرفت منذ أمد بعيد وعبر (كلنا شركاء)على السيد حلياني وفياض من خلال بعض ما يكتبانه، وبعد الاطلاع على نماذج مما يكتبان، لم أعد أقرأ لهما إلا العناوين اللافتة، وكنت في الغالب أتوقع ما سيكتبان، والذي جعلني أسلك هذا المسلك معهما هو كثرة الغث فيما يكتبان وما تعزز لدي من قناعة في أنهما يصدران فيما يكتبان عن أجندة غير ظاهرة تشكل الخلفية العميقة لغالبية - إن لم يكن لجميع - ما ينتجان، لكن أكثر ما دفعني لكتابة هذا التعقيب إدعاء الرجلين أنهما يصدران عن أجندة وطنية وينتميان إلى تيار علماني ليبرالي ديمقراطي !!
وبداية يجب أن نقرر أننا لا يمكننا وليس من حقنا، أن نصادر حق أي مدع في ادعاء ما يشاء، فليس من حقنا وكذلك ليس من حق أحد، احتكار الوطن والاستئثار بصفة وطني، أو احتكار العلمانية وجعل صفة علماني ماركة مسجلة، أو احتكار الديمقراطية واستخدامها كأداة إقصاء لأي فصيل أو فريق وطني، ومصدر المؤاخذة على هذين الشخصين وما يبرر التعقيب عليهما من وجهة نظري، هو عدم الانسجام الذي يصل في الغالب درجة التناقض بين ما يعلنان من شعارات، وما يمكن قراءته فيما يكتبان، وما يتصور لهما من دور استنادا لما ينتجان من كتابات.
فالوطنية لم تمنع الفياض من زيارة أمريكا وإلتقاء العديد من المحافظين الجدد والعديد من رموز الصهيونية، كما كتب على صفحات (كلنا شركاء)، وعلمانيته لم تمنعه من الاعجاب المفرط بالحاخامات الصهاينة، مما جعله يكيل المديح لهم بلا حساب، في نفس الوقت الذي يتحدث فيه بنوع من التجني وعدم النزاهة (ونحن نريد أن نحافظ على لغة محترمة للتعقيب لذلك لا نستخدم الوصف المناسب تماما)عن العديد من الرموز الدينية الإسلامية، والواجب عليه كوطني أن ينظر للرموز الدينية لشركائه في الوطن بنوع من الاحترام الذي يسهل التعايش، وأن يتحدث عنهم كعلماني بلغة تسمح للحوار بأن يكون ناظم العلاقة بين العلماني وشركائه في الإنسانية، والواجب عليه كديمقراطي يكفر بالالغاء ولا يتبنى الإقصاء أن يدرك ويتفهم الاختلاف مع شركائه السياسيين الذي لا يمكنه أن يتجاهلهم، ولا تسمح له منطلقاته باستئصالهم (حتى لو أمكنه ذلك) فلا أحد يتوقع أن يحرص ويتطلع (عدل) (العلماني) (الليبرالي) (الديمقراطي) لنظام حكم يقوم على الاحكام العرفية وإلغاء الحياة السياسية، وإذا كان هذا التوقع صحيحا، فإن هؤلاء شركاء إجباريين. وكما ترى فإن الوطنية والعلمانية وحقائق الحياة توجب علينا حتى نتسق مع ما ندعي من علمانية ووطنية أن نعطي (للحاخامات الوطنيين نفس ما نعطي للحاخامات الأجانب من عين وأذن)، فإذا كان الجلوس مع أولئك ممكنا فهو مع هؤلاء واجب، وإذا كان الحوار مع أولئك جائزا فهو مع هؤلاء تقنية تفرضها متطلبات الحياة اليومية والمواطنة المشتركة التي يحرص عليها الجميع، وإذا كان تقبل أولئك ممكنا فإن تقبل هؤلاء من ضرورات الحياة وأبجديات التعايش.
نفس الدور الهدام الذي يتناقض مع العلمانية والديمقراطية والوطنية والليبرالية، يمارسه السيد حلياني، فهو رغم علمانيته ووطنيته وديمقراطيته، يشن حربا صليبية صريحة ضد كل ما هو إسلامي، وتكون الطلقات التمهيدية في هذه الحرب هي الطعن في الإخوان للإستفادة من المناخ السياسي الرسمي المعادي لهم إثر خصومتهم مع النظام في سوريا، وبعد أسطر يأخذ الهجوم منحا جديدا فتصل الحملة الصليبية الأخيرة التي يقودها إلياس - إلى القرآن للدخول إليه واستعراضه بطريقة صليبية تتجاهل أبسط قواعد ومقومات العلمانية، فالعلمانية مالم تكن في خدمة أجندة خارجية غير معلنة، لا يمكن أن تكون طرفا في نزاع طائفي أو ديني، فتهدد أسس الاستقرار ودعامات التعايش الوطني، فالعلمانية إنما هي وصفة استخدمت لتجاوز الصراع المذهبي في العالم الغربي، فكيف تستخدم عندنا لتأجيج وإثارة النعرات الطائفية وخلق استقطابات طائفية أو مذهبية على حساب الانتماء الوطني؟؟
فلا يمكن في إطار إدراك صحيح لمعنى المواطنة أن نتقصد إحداث مثل هذه الشقوق في البناء الاجتماعي الأمر الذي يعمل جميع العقلاء وكثير من المتدينين على ردمه، والعلماني ما لم يكن أسير مثل هذه الأجندة التي وصفنا، لا يمكن أن يدخل في مثل هذه السجالات، فالعلمانية مهما كان معناها تبرأ إلى الله من مسلك كهذا المسلك، فقد دخلت العلمانية الوعي البشري كأداة للخروج من الحروب الطائفية والمذهبية، وكدعوة لحل المشكلات من خلال العقل، وليس من خلال العضلات، من خلال الوقائع وليس من خلال التصورات، فهي وسيلة إطفاء للحرائق وليست وسيلة لإشعالها.
وحتى نتمكن من رصد مقدار المجازفة في المخالفة التي يرتكبها كل من السيدين، فيما ينتجان من كتابات لما يرفعان من شعارات، نعيد إلى الأذهان شيئا من المعاني الشائعة والمتداولة لكل من المفاهيم التي يستعملاها لإخفاء أجندتهما الحقيقية :
أولا - إن الوطنية تستدعي المشاركة و التعايش، والتعايش غير ممكن من غير الحوار، والحوار لا يمكن أن يقوم عندما يفتتح بالالغاء والاقصاء والتجني وكيل الشتائم والتهم.
ثانيا - إن الديمقراطية تقتضي الاعتراف بالاختلاف، ومن ثم بحق المختلف في الحياة، وجدراته بالمشاركة مهما تكن درجة الاختلاف وطبيعته، شريطة أن يقبل الجميع بحل المشكلات بواسطة الجمهور عبر صناديق الاقتراع.
ثالثا – إن العلمانية مهما كان مصدرها كلغة ومنشؤها كمصطلح توجب على مدعي الانتساب إليها سلوكا يختلف جذريا عن سلوك صاحبينا!
- فإذا كانت العلمانية من العلم فإن ما يقوم به هذان الرجلان جريمة يعاقب عليها القضاء، فكيف يمكن بدء مقال(كما فعل الحلياني) بالحديث عن الإخوان – رغم جدارتهم بالحديث عنهم ولكن في أفق مختلف- ثم يصل للقرآن وللرسول ويتعمد الدس، والتشويه وقراءة النصوص بطريقة تستند للجهل، وتتكئ عليه فيخلط بين الفرق والمذاهب وبين النصوص وتفسيراتها وبين التاريخ والجغرافيا، وبين الوهابيين والإخوان، ويستحضر النصوص(بطريقة فجة تتعمد الاساءة) التي تصف واقعا وظروفا تاريخية، لأسقاطها على واقع وظروف معاصرة، تختلف عنها كل الاختلاف، ويستشهد بالنصوص التي تحكم علاقات الناس زمن الحرب، ليحكّمها في علاقات الناس زمن السلم، والتي تحكم علاقة المختلفين المحاربين ليسقطها على علاقة المختلفين المواطنين، وهذا موضوع طويل يبدأ ولا ينتهي في كل ما كتباه من مغالطات وتطاولات على الإسلام كدين والمسلمين السنة(إن كان لهذه الكلمة دلالة في قاموس علماني حقيقي) كفصيل وطني أساسي في سوريا وفي كل الدول العربية.
- وإذا كانت العلمانية من اعتبار العالم مصدرا للمعرفة والواقع منطلقا لبحث المشكلات فلا يمكن لعلماني حقيقي أن يبحث أي موضوع دون اعتبار الواقع المعاش، والحقائق على الأرض، فكيف لمن يعيش في مجتمع متعدد الطوائف، أن يدق هذه الأسافين في جدر التعايش بين مواطنيه، وأن يتعمد الإساءة لفصيل أساسي في وطنه، بمثل هذه الطريقة غير المبررة.
- وإذا كانت العلمانية نقيض الاكليريكية، فإن السيد حلياني وصاحبه دخلا فيما ليس من اختصاصهما بتجرؤهما على النصوص الدينية، وبحثا ما لم يؤهلا لبحثه، وأعطيا الاعتبار لما لا اعتبار له عندهما بحسب المنطلقات التي ينطلقان منها.
وفي الختام نؤكد أن أول مقتضيات الديمقراطية احترام اختلاف الآخرين مهما بدت مبررات هذا الاختلاف سخيفة من وجهة نظرنا، وأن أول مقتضيات العلمية أو العلمانية دقة التمحيص، والقدرة على الفرز والتمييز، وأن نتجنب التأويلات الشاذة والاستنتاجات المتسرعة والتعميمات غير الدقيقة، وأن أول مقتضيات المشاركة الوطنية الحرص على مشاعر ومقدسات الشركاء واحترام ما لهم من مسالك ومقدسات دون أن يعني هذا أن نؤمن بها أو نقدسها، وأن نتطلع للمشترك الموحد أكثر مما نتطلع للمختلف المفرق وأن نميز بين التناقض الأساسي والتناقضات الثانونية، فلا تلهينا التناقضات الثانوية عن التحدي الرئيسي الذي يهدد وجودنا، ويعرقل نمونا.

#محمد_العمار (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات