محمود شادي
الحوار المتمدن-العدد: 2003 - 2007 / 8 / 10 - 07:53
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يعجبني التخلف الذي يجتاح دولنا العربية والإسلامية المتمثل بالحضارة والمجالات العلمية بجميع أطايب الحياة , فلقد رأينا تلك الحضارة في عصر صدر الإسلام ثم تلاها أبان العصر الأموي والعباسي ثم العثماني و الأندلسي ...الخ , لكنه تراجع بشكل كبير في العصور الحديثة , مما يبني استنتاج بأن العقل أستخدم بشكل خاطئ , لأنه أستخدم في مجال واحد فقط , وهو المجال الديني , فالحياة هنا أصبحت أن لم تكن 100% دينيه , أذهب إلى خطب الجمعة لكي أري الخطيب يخطب ويقول بأن الغناء حرام , وتارة يقول بأن السفر إلى دول الكفار حرام ....الخ , لا أعلم من أتى بهذا التشديد , وما أثار اندهاشي أنه يوم من الأيام قد كان الخطيب جهز خطبته في فتاة سعودية أصبحت طيارة مستشهداً في حديثه على خبر نشر في أحدى الصحف , ومتهماً تلك الفتاة بالتعري والتبرج وقلة الحياة ...الخ , فوقتها تمنيت أن أقوم من مكاني وأبصق في وجه ذلك الشيخ ولست مهتماً كثيراً في أجر الجمعة , هذا الشيخ الذي يدعي نفسه صاحب العلم والتحضر , لكنه في الحقيقة صاحب اكبر جهالة ودعاة إلى الجهل والتخلف , يا أخي في الله أليس مهنة التدريس والطيران والدكتوراه ...الخ مضمونها يكون واحد بغض النظر عن طريقتها , ولماذا كل هذا الحقد والغضب على الفتيات المسلمات , وكأنها فعلت أمراً شنيعاً مخرجاً من الملة , أن كنت يا الشيخ متشدد فهذا أمر يخصك ويخص جهلك , لكن لا يخص تلك الفئة المثقفة التي رفعت رأس الأمة والبلاد , نعم نريدهم طيارين ونريدهم أطباء ونريدهم مفكرين ونريدهم سياسيين ...الخ , ليس كوننا أمة مسلمة متخلفة , لكن كوننا مسلمين يجب أن نواجه بقية الأمم , ولعل الاستهزاء الدنمركي الذي نال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم نصيب الأسد منه هو نتيجة حتمية لواقع الأمة التعيس , وهنا لا ألوم الدنمرك , لكنني ألوم تلك البشر التي تدعو إلى التخلف وهم يتحملون كل شيء , لأنهم ينظرون إلى الأمة الإسلامية كأمة متخلفة وهذا ما رمي به الرسول صلى الله عليه وسلم ( الجاهل ) , أتذكر قصة حصلت لي في أحدى مراحل دراستي , عندما كان معلم الدين يتحدث عن الحضارات , وأعتقد بأنه لا يفقه معنى الحضارات , قمت بسؤاله يا أستاذ : ( لماذا الكفار متفوقين على المسلمين علمياً وتقنياً وحضارياً ؟ ) , فجاوبني ويا ليته لم يجبني فقال : ( أن الله قد خلق الكفار لخدمة المسلمين فهم خدم عند المسلمين والله سخرهم لنا ) , فأجبته فقلت له يا أستاذ إذاً أنت تقول أنهم خدم للمسلمين فلماذا لا تعاملوهم بالحسنى ولماذا تأمرونا بقتل كل ما هو ليس مسلم أليس الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بحسن معاملة الخدم .! , فلا يقتصر الكلام على هذا وذاك بل تعدى ذلك , أنظر لغباء أمتنا أحد المرات وأنا أشاهد التلفاز وفي أحدى برامج الإفتاء أتفاجئ من تلك الأسئلة الغبية والأجوبة الأغبى , فاتصلت أحدى النسوة فقالت يا الشيخ أريد أن أسألك هل اللعبة الأونو حرام أم حلال , فأنظر لعجب العجاب رد عليها بقول ما هذا الأونو فقاطع مقدم البرنامج المفتي فقال يا الشيخ هذه لعبة أتاري كالكمبيوتر , سبحان الله نريد أن نرتقي ولا نعلم صياغة أسئلة جيدة تفيد الأمة ولا نعلم الإجابة عليها أصلاً , وأيضاً أحدى الأسئلة قال فيها الرجل يا الشيخ أنا لحست زوجتي فما الحكم , في الحقيقة أنا لا أعلم من أي لحسها لكن أسألكم يا أهل العلم والعقل أهذا سؤال يستوجب فتوى , وأيضاً هناك امرأة اتصلت على الشيخ فسألته يا الشيخ هل الفلفل حرام , فكان الجواب أضحى وأمر فقال أن كان للأكل فهو جائز فكان لغيرك ذلك فأنه لا يجوز ! , الحقيقة أني استوقفت كثيراً هنا وتساءلت في نفسي وقلت هل الفلفل متعدد الاستخدامات باستثناء الأكل فلا أعلم أن يستخدم في صنع قنابل وما شابه , ولعل ظهور فتوة أرضاع زميل العمل كانت الأقرب إلى أذهاننا وكانت محض سخرية , فذات يوماً فوجئت من رسالة من صحفي بريطاني كان يسخر من ديني بسبب هذه الفتوة , ولم أدري ماذا سأجيبه أم أقول له أن علمائنا خانهم التعبير وربما التفكير أن وجد لديهم عنصر التفكير , وكلامي هنا لا يقتصر على العقل المتدين ولكن أيضاً بالعقل العربي بصفة عامة , هناك دولة عربية تتبجج بأنها دولة متقدمة وأنها دولة رفاهية وغنية ومتقدمة حضارياً وتقنياً حتى من الدول الغربية , ولكن الحقيقة أننا لو وقفنا وتأملنا قليلاً لوجدنا بأن أكثر من ثلثي ذلك التقدم وتلك المشاريع هي من صنع الأجنبي والغير عربي ولكنها استثمرت بالأموال , وعندما تأتي وتسأل ماذا قدم أهل البلد سيجيبونك بكل شموخ لا شيء , طبعاً لأن عقلهم وفكرهم المحدود مشغول في أشياء أخرى أنتم تعلمونها , فلو كانت دولتي متأخرة ولكن مشاريعها من أفكار أبناء وطني خير ألف مرة من دولة متقدمة ومشاريعها أن لم تكن جميعها بأفكار أجنبية لا تسمن ولا تغني من جوع .
عذراً على هذا المقال ستقولون بأني استهدفت علماء الأمة , طبعاً عندما أقول علماء الأمة يراود إلى أذهانكم بأني أستفد العلماء المشايخ , لكن الحقيقة هي بأني تحدثت من منطق وواقع أمتنا التعيس , الذي لا يكاد يخرج من حفرة إلا ويسقط في الأخرى , وكم نرى ونسمع كل يوم وما ينظر إليه لأمتنا الإسلامية ونعتها بالمتخلفة والمتأخرة حضارياً , أسألكم بالله ما السبب الذي دفع أعداء الأمة للسخرية من نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم , أليس الإرهاب , نحن المسلمين أو بعض من محدودي الفكر والمبادئ نأمر بقتل كل من هو غير مسلم , رغم أن الكتاب والسنة تجنبت ذلك ولم تأمر بقتل الناس بدون سبب كالدفاع عن النفس ...الخ , ونريد أن تكون الأمة على الكرة الأرضية كلها مسلمة وفي نفس الوقت نريد حيتنا دينية ولو تطرقنا إلى العلم لقالوا حرام , فإذا أسلم جميع من على الأرض وبقي جميعهم يخطبون في الدين ويصعدون المنابر , فمن سيبقى من يصنع لنا الطائرات والسيارات والكمبيوترات ...الخ , والحقيقة التي لا نستطيع أناكرها بأن المسلمون حتى الحذاء الذي نرتديه أكرمكم الله لا نستطيع صنعه بل هو من صنع غربي , فماذا بقي لأمتنا لكي ترفع رأسها بين الأمم , صحيح بأننا لا نختلف على توحيد الله عزوجل ولا نشرك به شيئاً ونعبده حق عبادته نصلي ونزكي ونصوم ...الخ , ولكن علينا أن لا ننسى نصيبنا من الدنيا , ألم ينزل الله تعالى أدم الأرض لعبادته ولأعمارها أيضاً , قال تعالى : ( ٌ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ) (البقرة:36) , فلماذا إذاً ينطبق علينا القول يا أمة ضحكت من جهلها الأمم , ومتى نرى أمتنا الإسلامية تعيد سطر حضارتها كما كان في السابق .
#محمود_شادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟