|
الفصام ( الشيزوفرينيا )( 2 4 )
قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 2003 - 2007 / 8 / 10 - 11:31
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
- اضطرابات الإدراك هنالك أدلة واضحة على ان الفصاميين يدركون العالم بشكل مختلف عن الناس الآخرين . فهم يفيدون او يتحدثون وبشكل مستمر عن ادراكات شاذة للعالم المحيط بهم . ففي دراسة مقارنة بين الفصاميين وغير الفصاميين أجراها فريدمان وجامبمان (1973) تبين منها أن الفصاميين وفي بداية دخولهم المستشفى ، قد ذكروا عدداً كبيراً من التغيرات في وظائفهم الادراكية ، يختلف وبشكل جوهري عن غير الفصاميين ، من بينه: خداعات بصرية ، ادراكات سمعية مضطربة بشكل حاد، عدم القدرة على التركيز، صعوبة في تحديد أو معرفة الناس ، وصعوبة في فهم كلام الآخرين (Fteedman وChanpman، 1973). وافاد الفصاميون كذلك بتغيرات غريبة في أجسامهم ، مدعين حصول تقطيع في أحد أعضاء جسمهم، فالكبد أو القلب مثلاً. وقد تأيد بالاختبارات الادراكية المختبرية وجود هذه الاضطرابات لدى الفصاميين ، منها انهم لم يستطيعوا تقدير أحجام الأشياء بشكل صحيح (Strauss، واخرون ، 1974) ، ولا تقدير الوقت أيضا (Johnson وPetzel، 1971). ولم يستطيعوا تمييز اتجاهات الجسم في المكان (Ritzlar واخرون، 1974). مما يعني انهم يعانون من نوعين أساسيين من الاضطرابات هما : تعطل او انهيار الانتباه الانتقائي ، وخبرة الهلاوس ((Lahey , 2000. - انهيار الانتباه الانتقائي : أشرنا فيما سبق الى وجود جدل بخصوص العرض (الأساسي) للفصام ، وما العرض الذي تنشأ منه الأعراض الأخرى . غير أن عدداً من الباحثين المعاصرين يعتقدون بأن الجواب يكمن في الانتباه (Nolen , 2001 ، Maher، 1977، 1979) . فالناس الأسوياء يمارسون الانتباه الانتقائي من دون التفكير به . بمعنى انهم يقررون ما يرغبون في التركيز عليه . فيوجهون انتباههم اليه لتلتقط أجهزتهم الحسية المعلومات الخاصة بذلك الشيء المهتمين به ، ويهملون المعلومات الأخرى غير الضرورية (مثل صوت مكيف الهواء في الغرفة، او الإضاءة، او لون القميص الذي يرتديه الشخص...). أما الفصاميون فأنهم يبدون غير قادرين على ممارسة هذه العملية الانتقائية العادية أو السوية ، وهي حقيقة أشار لها كريبلين وبلولر منذ قرنين . غير أن الباحثين المعاصرين يرون بأن هذا الخلل أو الضعف الاستثنائي يمكن أن يكون أساس معظم الأعراض المرضية الأخرى المرافقة للفصام . وهذا افتراض جديد طرحه ماكي وجامبمان (1961) . ولتوضيح ذلك ، فهما يدعوانك الى ان تتصور ما يحدث في العقل في حالة انهيار الانتباه الانتقائي : (إن الوعي أو الشعور سيفيض بكميات هائلة ومختلفة من المعلومات والبيانات الحسية ، التي تنتقل من البيئة الى الكائن الحي عبر أجهزته الحسية . وسيضاف الى هذه المعلومات انطباعات أخرى وصور عقلية داخلية متنوعة ، والترابطات فيما بينها التي لا تستمر في التناسق او التساوق ما بين المعلومات القادمة من البيئة والصور العقلية الداخلية . مما تؤدي بالإدراك الى ان يرتد أو ينقلب الى الحالة السلبية ، فيتحول الى عملية تمثّلٍ لا إرادية تشبه ما يحدث في الطفولة المبكرة . وإذا ما حصل طوفان في المعلومات الحسية القادمة من البيئة ، فإنها تؤدي تدريجياً الى ان تزيح من العقل (او الإدراك) تلك البناءات المستقرة فيه عن الواقع السابق) (1961، ص 105، Nolen 2001 , P .543) . ونتيجة لذلك ، فأننا نفترض ان الفرد يرى عالماً آخر، فيعمل ترابطاته الغريبة ، وكلامه الشاذ ، وانفعالاته غير المناسبة . وانه لمن السهل أن تتصور بأنه سيؤمن بمعقتدات غريبة ، ويتعرف بأنماط سلوكية غير مألوفة ، كوسيلة دفاعية ضد هذا التدفق المتلاحق من المعلومات الحسية. وباختصار، فأن الحالة الناتجة نضفي عليها نحن مصطلح (الفصام). - الهلاوس يمكن اعتبار الهلاوس أنها صور عقلية قوية يخبرها الفرد كما لو كانت مدركات عن العالم الخارجي (Crider واخرون، 1986) . فالكثير من الفصاميين يدركون أشياء غير موجودة في الواقع . ويطلق على هذه المدركات التي تحدث من دون وجود تنبيهات خارجية، الهلاوس . وقد يكون الكثير منا قادراً على أن يسمع أصوات متخيلة او متصورة ، ويكوّن صوراً بعينه العقلية (mind s eye) وحتى لمسَ او شم أشياء في غياب وجود الاستثارة المناسبة . ولكننا حين نفعل ذلك فأننا نكون على دراية بأمرين أساسيين هما : 1- إننا نسيطر على هذه الصور الحسية . 2- إنها ناتجة عن تصورات نتخيلها وليست استجابات لتنبيهات خارجية فعلية . أما بالنسبة للفصاميين فأن عدداً منهم قد يدرك أن الأصوات التي يسمعونها موجودة فقط ( في داخل رؤوسهم ) فيما يكون عدد آخر منهم ليس متأكدا ما اذا كانت هلوساتهم حقيقية أم متصورة ، وتبقى نسبة كبيرة منهم، وبخاصة الحالات الذهانية الحادة ، يعتقدون (بحقيقة) أن هلاوسهم هي مدركات لأحداث الواقع الموضوعي . وتفيد الملاحظات السريرية من أن الهلاوس السمعية هي الأكثر شيوعاً بين الفصاميين ، تليها الهلاوس البصرية ، تليهما الهلاوس الحسية الأخرى . وفيما يأتي مثال عن هلوسة سمعية لفصامي يعاني من أوهام الموت والفناء. (أنت تدري بموت فرجينيا، أنت تدري بموت والدك، أنت تدري بان العالم قد انتهى. أنت تدري بأنك ميت. أنت تدري بأنك قتلت الكثير من الناس. أنت تدري بأنك مسؤول عن الهزة الأرضية التي أصابت كاليفورنيا وموت الكوكب الأرضي. أنت تدري بأنك صاحب رسالة. أنت تدري بأنك المسيح (Vonnegut،1975، ص139). - اضطرابات المزاج والوجدان يتصف الوجدان الطبيعي للأنسان بالدفء والانسجام الداخلي والتوافق مع العالم الخارجي ، ومن السهولة النسبية أن نقرأ على ملامحه ما يجول في وجدانه من حزن او سعادة. أما المصاب بالفصام فقد يفشل الفاحص في قراءة ملامحه وتعابيره. فوجهه يفقد القدرة على التعبير، وعواطفه تبدو جامدة او باهتة او مسطحة وبليدة . فإذا ما قال المريض انه سعيد جدا ً، لم يجد الفاحص آثرا من تلك السعادة لا في بريق عينيه ولا في سحنته . فالبرود والقصور الذاتي والسطحية وعدم الاكتراث واللامبالاة كلها من صفات الاضطرابات الوجدانية للمصابين بالفصام . فضلاً عن ذلك ، فأن استجابات المصاب بالفصام للعالم الخارجي او لعالمه الداخلي غير متوازنة ولا منسجمة ، اذ يعبر عن انفعالاته بأساليب غير مناسبة . فالمريض قد يضحك او يبتسم عندما يتحدث عن الكيفية التي جرى بها تعذيبه من قبل مجهولين . وقد يضحك على حين غره أو يبكي دون سبب ، أو ينتقل من حالة الى أخرى بسرعة غير معقولة وغير منسجمة . وهذا التقلب الوجداني السريع وكذلك التفكك العاطفي هما من الصفات المميزة للمصاب بالفصام . ويتجلى البرود العاطفي او اللامبالاة في حالة المصاب الذي احرق غرفته وجلس يتفرج عليها. فلما سئل عما فعل أجاب ببساطة وبرود بأنه احرق الدار. بل ان بعض المرضى يشعرون وكأنهم يعيشون في كابوس يموج بالأشباح والمخاوف والرعب والنشوة والطرب والغموض فيهمل المريض أصدقاءه ويتخلى عن اهتماماته وهواياته (الدباغ ، 1977). غير ان الاضطرابات الوجدانية لدى الفصاميين تختلف عن تلك التي يتصف بها الذهانيون في جانبين مهمين : الأول : ان الاضطرابات الوجدانية الأساسية ، وكما رأينا في فصل الاضطرابات الوجدانية ، تشمل إما الكآبة الحادة أو الاكتئاب الهوسي ، او التغيرات والتقلبات بين الحالتين . أما بالنسبة للفصاميين فهي تكون في العادة إما نقص في الوجدان ، او حالة وجدانية لا تتناسب مع سياقها المباشر الذي تحدث فيه . والثاني : ان الاضطرابات الوجدانية الأساسية (الكآبة والهوس بشكل خاص) قد تتضمن تقلبات مفاجئة ومتطرفة في المزاج، فيما لا تحدث تقلبات مزاجية مستمرة لدى الفصاميين بنفس الإيقاع الذي تحدث فيه لدى الذهانيين الآخرين Bootzin & Acocella , 1984) ( Weiten , 2004 ,. وباختصار، يمكن ان تجمع الاضطرابات الوجدانية لدى الفصاميين بنوعين شائعين هما : الوجدان الساذج او المسطح (Flat Affect) الذي يعتمد على هذه الدرجة او تلك من اللاابالية وعدم الاكتراث والجمود او التحجر الانفعالي ، والوجدان غير المناسب الذي يعني أن استجاباتهم الانفعالية غير مناسبة للموقف الذي تحدث فيه . - اضطرابات السلوك الحركي تتنوع اضطرابات السلوك الحركي لدى الفصاميين وتأخذ أشكالا وأوضاعا مختلفة ، من أكثرها وضوحاً هي : السلوك النمطي او التكرار الحركي (Stereo type) ، الذي يتمثل في انشغال المريض بأفعال تكرارية لا معنى لها من قبيل : هز الرأس لعدة ساعات او تأرجح الجذع او تدوير الأيدي ، او تحريك الأذرع . والنوع الثاني ، فيه شيء من الغرابة ، أن جسم الفصامي يكتسب مطاوعة لأن يحرك عضلاته ومفاصله بليونة كما لو كانت من الشمع . ولهذا يطلق عليها (الليونة او المرونة الشمعية Waxy Flexibility) ، بحيث يمكن للطبيب الفاحص ان يصوغ وضع أطراف وجسم المريض مثلما يقولب الطين . والنوع الثالث المميز من الاضطرابات الحركية ، وهو أكثرها حدة ، هو الجمود او الثبات التخشبي (Catatonic Immobility) حيث يبقى واقفاً على ساق واحدة ،مثلا ، لساعات او يوم بكامله دون ان يتحرك ودون أن يتكلم . أما النوع الرابع فهو الهيجان أو الاستثارة (Excitement) حيث تزداد حركة المريض فيأخذ بالصراخ أو التهديد أو التحطيم والاعتداء على الآخرين. - الانسحاب الاجتماعي إن العلاقة المبكرة للإصابة بالفصام هي الانفصال الانفعالي الذي يتمثل بنقص او تضاؤل الانتباه بما يجري في العالم الخارجي . إذ يبدأ المصاب بالانسحاب تدريجياً من الانشغال والاهتمام بالبيئة ، وفي مقدمتها الانعزال عن الناس الآخرين من حوله . وبالرغم من ان مفهوم الانعزال عن الآخرين يأخذ مدى واسعاً ، من العادي الى غير العادي ، إلا ان ما يميز عزلة الفصامي هو عدم وجود تفاعل اجتماعي بينه وبين شخص آخر. فنادراً ما ينشغل الفصاميون في حديث قصير مع الآخرين . فهم غالباً ما يتصرفون كما لو أن الآخرين غير موجودين . وتظهر العزلة الاجتماعية بأوضح صورها في الحالات الفصامية المزمنة. فقد وجد دك (Duke) وميولنز (Mullins) (1973)، في سبيل المثال، ان الفصاميين المزمنين يفضلون ان يكونوا على مسافة بعيدة من الآخرين بالمقارنة مع المرضى الذهانيين او الناس العاديين. فيما وجد باحثون آخرون أن الفصاميين يميلون الى أن ينظروا الى الناس الآخرين بأقل مما يفعله الناس العاديون (Rutter،1973) كما يتجنبون نظرة او تحديق أي شخص ينظر لهم بشكل مباشرLahey,2000) ). لنتذكر ما كنا أشرنا اليه بخصوص انهيار الانتباه الانتقائي لدى الفصاميين ، والتدفق المتلاحق من المعلومات الحسية التي يستلمونها من البيئة ، ولنطرح هذا التساؤل : أيمكن أن يكون تجنب الفصاميين لنظرة او (خزرة) الآخرين إليهم لا تعني اتقاء الانتباهات الاجتماعية بقدر ما تعني محاولة لخفض التدفق الحسي من التنبيهات البيئية ؟. لقد تحقق وليمز Williams (1974) من الإجابة عن هذا السؤال وعمد الى مقارنة مقدار الوقت الذي يقضيه المفحوصون في ثلاث مجموعات ( فصاميون، وذهانيون غير فصاميين ، وعاديون ) في مشاهدة برنامج تلفزيوني او النظر الى شخص يحاول ان يجرهم الى مناقشة وعيناه مركزتان نحوهم ، فلم يجد فروقاً بين الناس العاديين والذهانيين او المرضى من غير الفصاميين . فيما كان الفصاميون قد قضوا وقتاً اقل في النظر الى الشخص الآخر، ووقتاً أطول في النظر الى البرنامج التلفزيوني . وهكذا فأن تجنب التحديق او النظر لدى الفصامي يبدو في الحقيقة على انه (تجنب شخص) وليس مجرد (تجنب تنبيهات) . ومع ذلك فأن هذا لا يعني أن الانسحاب الاجتماعي لدى الفصاميين لا يرتبط بمشكلاتهم الانتباهية . بل ان كليهما في الواقع مرتبطان بشكل وثيق. فالتشوش العقلي المفترض انه ينتج من الخلل او العجز في الانتباه يجعل التواصل مسألة في غاية الصعوبة . وكما رأينا فأن الاتصال لدى الفصاميين يكون ضعيفاً للغاية . ففيما يتعلق بمشاهدة التلفزيون فان الوضع فيه لا يتطلب ان تكون مفهوماً من قبل التلفزيون ، فيما يكون الأمر كذلك بالنسبة للكائن البشري، حيث يحاول ان يفهمك . وعليه فان الفصاميين يعرفون بالخبرة من ان الناس يميلون الى فهمهم (وفي الواقع انهم يقسون معهم في العلاج ) ولهذا فأنهم يفضلون النظر الى التلفزيون، ويتجنبون النظر الى الإنسان. - المراحل التطورية للفصام يأخذ الفصام ، كما هو الحال في بعض الاضطرابات النفسية ، مساراً منتظما ً، او مراحل تطورية عبر الزمن . ولقد جرى تقليدياً تقسم هذا المسار الذي يتطور به الفصام الى ثلاث مراحل هي : - المرحلة الاستهلالية (الأولية) إن بدايات الفصام غالباً ما تحدث في أثناء مرحلة المراهقة او في بدايات الرشد . وقد تحدث أحيانا بشكل مفاجئ جدا ً. ففي غضون أيام قليلة يتحول الفرد من إنسان سوّي وعاقل ومتكيف بشكل جيد الى شخص آخر ذهاني . فيما يحدث الفصام في حالات أخرى بشكل بطيء واختلالات وظيفية خفية او غير بينه قد تستغرق سنوات حتى تظهر على شكل اضطرابات ذهانية واضحة . ويطلق على هذه المرحلة التدريجية من النشوء والتطور بالمرحلة الاستهلالية او الأولية . ولعل أهم ما تتصف به هذه المرحلة هو ميل الفصامي الى الانسحاب والعزلة الاجتماعية. وغالباً ما يهمل مظهره وصحته ، وينسى أن يذهب الى الحمام، وينام بملابسه... وما الى ذلك . كما أن أداءه في المدرسة او في العمل يختل ويضعف . فهو إن نهض في الصباح فأنه ينهض متأخراً. ويبدو في أدائه مهمل. وتبدو انفعالاته ، في الوقت نفسه ، سطحية وساذجة وغير مناسبة . وتحصل في بعض الحالات أن الاضطراب يظل يتابع تطوره بصورة تدريجية ولكن بشكل غير واضح للآخرين ، الى أن يبدأ الفرد بإظهار تصرفات شاذة وغريبة ، كأن يقوم بجمع القمامة أو التحدث الى نفسه ، أو الانشغال بتصرفات سلوكية أخرى غير مألوفة . وعندها يكون هذا الفرد مهيئاً للدخول في المرحلة الثانية للفصام . - المرحلة النشطة يبدأ المريض في المرحلة النشطة هذه (Active Phase) بتصرفات سلوكية ذهانية ، حيث تظهر عليه أعراض متنوعة من قبيل : الهلاوس ، الأوهام ، الكلام غير المترابط ، الانسحاب الحاد ، وما الى ذلك . وليس من الضروري بطبيعة الحال ان تظهر كل هذه الأعراض على مريض واحد . - المرحلة المتبقية قد يحصل شفاء تدريجي لبعض حالات الفصام . غير أن معظم المرضى الذين يبلغون المرحلة النشطة او الحادة يواصلون مسيرتهم التطورية في المرض ويدخلون المرحلة الثالثة المسماة بالمرحلة المتبقية (Residual Phase)، حيث يكون السلوك فيها مشابهاً للمرحلة الأولى ، الاستهلالية ، ويغلب عليه الجمود في العواطف ، وتكون انفعالاته ووجداناته مسطحة وبليدة ، وقد يبقى كلامه مفككا ً، وصحته متدهورة . وبالرغم من أن هلاوسه وأوهامه قد تتبدد ، فأنه يظل يمر بخبرة ادراكية غير عادية ، وأفكار غريبة، وادعاءات من قبيل القدرة على التنبوء بالمستقبل او السيطرة على الأحداث من خلال التفكير السحري . ونتيجة لذلك ، فان الفصامي في هذه المرحلة يبقى غير قادر على تحملّ مهمات بيتيه او القيام بعمل وظيفي . وتحصل في بعض الحالات ان تنتهي المرحلة المتبقية بالعودة الى ممارسة الفرد لوظائفه العادية بشكل تام . غير ان هذا لا يحدث ، لسوء الحظ، إلا نادرا ً، أما غالبية المرضى فأنهم يبقون على أوضاعهم . وقد ينحدر بعضهم الى حال أسوأ فتعاوده الذهانات الحادة التي كانت تظهر عليه في المرحلة النشطة للفصام . ولقد أشارت دراسة تتبعيه قام بها مانفر (ابن الطبيب النفساني المعروف بلولر) لاكثر من ألف فرد مصاب بالفصام ، تبين منها أن حوالي 10% منهم ظلوا على حالهم لما تبقى من حياتهم ، و 25% منهم عادوا ليمارسوا وظائفهم العادية ، فيما بقي 50% الى 65% منهم تتأرجح او تتغير حالتهم بين المرحلتين ، النشطة والمتبقية (Manfred، 1978). - أبعاد الفصام كانت البحوث الأولى في ميدان الفصام تعمد الى إجراء مقارنات بين مجموعات غير متجانسة من الفصاميين بمجموعات من الأفراد الأسوياء. غير ان هذه البحوث وجدت ان عدم التجانس بين الفصاميين أنفسهم لا يخدم الغرض الرئيس الذي سعت هذه البحوث الى التحقق منه . وقد دفعهم هذا الى البحث عن تصنيف يمكن بموجبه فرز الفصاميين الى مجموعات فرعية، يكون أفراد كل مجموعة منها متجانسين فيما بينهم بشكل افضل مما لو بقي جميع الفصاميين في مجموعة واحدة . وكان لابد للباحثين ان يحددوا أبعادا تسهّل أمر هذا التصنيف ، فتوصلوا الى اقتراح عدة أبعاد ، غير ان البعدين اللذين لفتا انتباه واهتمام المعنيين بالفصام هما كانا : بعد (التدريجي- الفجائي) وبعد (الزوّر (البارنويا)- اللازور). - الأول : بُعد (التدريجي- الفجائي Process- Reactive) مرَّ بنا أن بدايات الإصابة بالفصام تكون متنوعة ، فبعض المرضى تكون بداياتها طويلة وتدريجيه ، فيما تحدث لدى الآخرين بصورة مفاجئة قد تكون بين يوم وليلة ، فيتحولون من أفراد أسوياء عاديين الى آخرين ذهانيين تماما ً. وقد أطلق على بُعد التنوع هذا مصطلح (التدريجي- الفجائي Process- Reactive) . اذ يطلق على تلك الحالات التي ينمو فيها الفصام بصورة تدريجية (التدريجي Process Schizophrenia) فيما يطلق على تلك الحالات التي تحدث بصورة مفاجئة بسبب أحداث مؤلمة : (الفصام الفجائي Reactive Schizophrenia). ويبدو أن لهذا البعد تاريخياً علمياً طويلاً يعود الى كريبلين وبلولر. حيث اعتقد هذان المنظّران ان بداية الإصابة بالذهان تزودنا بإشارات او معلومات عن أسبابه المرضية . وبما أن الذهانات الحيوية العضوية (Biogenic) تنتج من بعض العمليات الفسيولوجية الشاذة، فأنه يفترض ان تستغرق بداياتها مدة طويلة من الزمن. أما الذهانات الوظيفية فأنها تكون ناجمة في العادة عن أحداث او خبرات صادمة او مؤلمة ، فتحدث بصورة مفاجئة كردود فعل (Reactions) لهذا الصدمات . وعلى هذا الأساس جرى تصنيف حالات الفصام على وفق هذا البُعد المؤلف من قطبين : التدريجي والفجائي. غير أن الباحثين المعاصرين لم يحبذوا أن يكون هذا البعد بقطبين منفصلين، وفضلوا أن يكون البعد متصلاً، ليسمحوا بان تأخذ حالات الفصام نقاطاً على هذا المتصل ، تقترب من هذا القطب او ذاك . فيما فضّل باحثون آخرون تجنب مصطلحي (التدريجي Process والفجائي Reactive) وفضلوا تصنيف المرضى على أساس بعد بديل آخر هو (التكيف الجيد مقابل التكيف الضعيف او العاجز الذي يسبق المرض (Good- Poor Premorbid Adjustment) اي انه يقوم على أساس نوعية تكيفات المرضى الفصاميين قبل بداية دخولهم المرحلة النشطة او الحادة (Active Phase) . وتفيد الممارسة الفعلية ان هذا البعد لا يختلف كثيراً في عملية التصنيف عن بعد (التدريجي- الفجائي) (Bootzin & Acocella,1984). ولقد توصلت البحوث الحديثة الى تحديد ستة أنواع مختلفة من الفصام على وفق بعد التكيف السابق للمرض (الجيد مقابل الضعيف) تبين منها ان الذكور يصابون بالفصام ويدخلون المصحات العقلية قبل الإناث . وان الذكور يتعرضون للإصابة بالفصام قبل سن الخامسة والعشرين ، فيما تتعرض الإناث للإصابة بالفصام بعد الخامسة والعشرين . وتظهر على الذكور أعراض الانسحاب الاجتماعي وفقر الكلام والجمود العاطفي والبلادة ، واللاابالية وغيرها من الأعراض الحادة التي تجمعها صفة فقدان شيء معين او خاصية معينة . فيما تظهر على الإناث صفة وجود شيء معين او خاصية معينة من قبيل الهلاوس والسلوك الشاذ والغريب. فضلاً عن ذلك فأن التكيف السابق للمرض لدى الرجال يكون اكثر ضعفاً بالموازنة مع الإناث (Lewine، 1981) . وتوحي هذه النتائج ان الرجال والنساء قد يختلفون في تصنيفهم على هذا البعد . فالرجال اكثر ميلاً لان يقعوا على نقطة قريبة من قطب (التدريجي، Process او التكيف الضعيف Poor) فيما تميل النساء الى الاقتراب من بعد (الفجائي Reactive او التكيف الجيد Good) الذي يسبق الإصابة بالفصام. - الثاني : بُعد الزَور- اللازَور استعمل الباحثون بُعد الزَور (البارنويا)- اللازور (اللابارنويا) لخفض التنوع الواسع في أسباب وأعراض الفصام ، وتصنيف الفصاميين بموجبه الى مجموعات فرعية . وكان المعيار المعتمد في هذا التصنيف على أساس هذا البعد هو توفر الأوهام الاضطهادية و/ أو أوهام العظمة في وجود الزور (البارانويا) او عدم وجوده. وبالرغم من أن بعض الدراسات وجدت أن هذا البُعد يختلف عن بُعد (التدريجي- الفجائي) ومستقلاً عنه (انظر مثلاً:, Lahey , 2000 Zigier و Levine 1973) فأن دراسات أخرى قدمت أدلتها على وجود علاقة بين هذين البعدين . فلقد أشار بص Buss، على سبيل المثال ، أن الفصاميين الزوريين ، مثل الفصاميين التدريجيين (Reactive) هم (افضل سلامة ذهنية، واحسن أداء في مختلف المهمات ، ولديهم مستوى أعلى من النضج (1966، ص 230) . وفي ضوء هذه النتائج فقد لا يبدو مدهشاً أن الفصاميين الزوريين كانوا من بين الذين يقضون مدة اقل في المستشفى ، وان عدد الذين يعودون اليه كان اقل ، وان مراجعتهم الأولى للمستشفى تأتي في عمر متأخر نسبياً (Zigler و Levine، 1981). ولقد نُظر الى هذا البُعد على انه يمتلك قيمة تشخيصية وانه ربما يساعد في تطوير نظريات بخصوص الأسباب المرضية للفصام والزَور. - الانماط الفرعية للفصام منذ أيام (كريبلين) و(بلولر) فقد جرى تصنيف الفصام الى عدة أنماط او أنواع فرعية ، على اعتبار أن الأعراض التي ذكرناها آنفاً لا توجد جميعها في المريض الواحد . ولا يشترط وجودها جميعاً لتشخيص الفصام . إذ لوحظ أن بعض الأعراض تظهر بشكل بارز في مريض وتنعدم في مريض آخر، بينما تتجمع غيرها في مريض ثالث . ولقد جرى تصنيف المصابين ، ليس على أنهم مجرد فصاميين ولكن على أنواع منها : الفصاميون التخشبيون Catatonic والفصاميين الزَوريون Paranoid، وما الى ذلك . ولقد افرز هذا التصنيف مشكلات جوهرية على صعيد التشخيص لأنها قائمة اساساً على علامات او إشارات Signs سلوكية . وأنها قد تتغير من أسبوع الى آخر. فأذا ما ادعى مريض بأنه مرصود من قبل آخرين يريدون إلحاق الأذى او الإيقاع به ، وصّنف على انه فصامي زوري Paranoid، فانه قد يتحول بعد أسبوعين الى صنف آخر عندما لم يعد يشير الى الآخرين على انهم أعداء يتحينون الفرصة للإيقاع به وقد تظهر عليه أعراض جديدة بان يظل مستقراً في مكانه دون حركة ، وعندها يعاد تصنيفه مرة اخرى على انه فصامي تخشبي Catatonic. وبالرغم من هذه الصعوبات ، فأن مسألة تصنيف الفصام الى أنواع او أنماط فرعية تبقى ذات قيمة جوهرية وأساسية في التشخيص . وبالرغم من أننا لا نعرف في الوقت الحاضر على وجه اليقين ما اذا كانت الأعراض المرضية للفصام بكل أنواعه المختلفة تنبع من أسباب مختلفة وتستدعي طرائق علاجية مختلفة ، فأننا لن نستطيع مطلقاً تحقيق ذلك مالم ندرس مجموعات من المرضى يشتركون في أعراض مرضية متشابهة. وهذا يعني ببساطة ، تصنيفهم الى أنماط وأنواع فرعية Subtypes. وبما أن المرشد الطبي النفسي الأمريكي (DSM) هو الأكثر استعمالاً في هذا الميدان ، فأننا سنعتمد عليه في تحديد الأنماط الفرعية للفصام . يحدد هذا المرشد خمسة أنماط فرعية هي: النمط غير المميز (Undifferentiated) وهو صنف متنوع يجمع خصائص ومظاهر مختلفة (Miscellaneous) ينضوي تحته أولئك المرضى الذين لا ينطبق عليهم اي صنف من الأصناف الأربعة الأخرى ، وينطبق عليهم اكثر من صنف واحد من هذه الأصناف . وبما ان معظم المرضى تظهر عليهم أعراض من اكثر من نمط فرعي واحد ، فأن (الفصام غير المميز) يستعمل كثيراً على صعيد التشخيص . اي ان المريض الذي لا يمكن وضعه في اي صنف او نمط من الأصناف الأربعة الأخرى، يجري تشخيصه على انه من نمط (الفصام غير المميز) . ويطلق على الصنف الثاني (النمط المتبقي Residual) وينضوي تحته المرضى الذين اجتازوا المرحلة النشطة أو الحادة Active، التي ذكرنا أعراضها آنفاً. أما الأصناف الثلاثة الأخرى فتوصف جميعها بأعراض المرحلة النشطة او الحادة في الفصام ، وتشمل: الفصام التفككي او الاختلالي Disorganized، والفصام التخشبي Catatonic، والفصام الزَوري Paranoid. وفيما يأتي وصف لهذه الأنواع الثلاثة الأخيرة. - الفصام التفككي (الهيبفرينيا) كان المصطلح التقليدي لهذا النوع من الفصام هو (الهيبفرينيا Hebephtenia) المأخوذ أصلا من مفردة إغريقية هي الاسم الذي يطلق على آله الشباب . إذ تعني Hebe شباب فيما تعني Phrenia العقل . وينسب اليه في العادة المرح او السلوك الطفولي من قبيل القهقهة ، وتشكيل الوجه بحركات ضاحكة، واتخاذ وقفات او جلسات سخيفة او متغرطسة او غير مألوفة . وفي الواقع فأن الفصام التفككي لا يعدو في أعراضه الظاهرة اكثر من تصرفات ولد عادي سخيف بعمر سبع سنوات ، يحاول أن يتخلص من والديه . وطبقاً للمرشد الطبي المشار اليه آنفاً فأن هناك نوعين من الأعراض يتصف بهما الفصام التفككي بشكل جوهري هما : الأول : عدم الترابط او التماسك المنطقي في الكلام . ففي هذا النوع من الفصام يظهر استعمال الكلمات او (اللغة) الجديدة Neologisms والترابطات التي لا معنى لها ، وسلاطة الكلام Word Salad. والثاني : هو اضطراب الوجدان ، الذي يأخذ في العادة شكل القهقهات غير المناسبة، والسخافة Silliness المستمرة. وبالرغم من أن هذين العرضين قد يحددان هذا النمط الفرعي من الفصام ، إلا أن معظم الذين يصّنفون تحته قد تظهر عليهم أعراض أخرى من التي سبق ذكرها في أعراض الفصام بشكل عام من بينها : السلوك الحركي الغريب ، واضطرابات الفكر والإدراك بما فيها الأوهام والهلاوس التي غالباً ما تتركز حول الجنس والدين والاضطهاد او الأذى الجسمي ، ولكن ليس من ذلك النوع الذي يتركز حول فكرة محددة كما هي الحال بالنسبة الى تصورات المصابين بالزَور . فضلاً عن ذلك ، فأن معظم الفصاميين من هذا الصنف ينسحبون بشكل حاد من الآخرين ويعيشون في عالم خاص بهم . وقد لا يكترثون مطلقاً بما يحدث من حولهم مهما كانت طبيعته او شدته . إن بداية الإصابة بالفصام التفككي او الاختلالي تكون بصورة تدريجية وتميل الى أن تحدث في سن مبكرة نسبياً. وتكون العلاقة المميزة لبدايته هي الانسحاب الى (عالم) الخيالات الطفولية والشاذة . وهذا مثال ذكره معالج نفسي عن زوجة تصف فيه ما جرى لزوجها : (قالت دوريس ، زوجة سام ، أنها شعرت بالانزعاج من سلوك زوجها. وعزت ذلك في البدء الى ما يعانيه من ضغوط العمل . إلا أنها تشعر بالقلق عندما حاولت الاقتراب منه غير أنها فشلت في ذلك ولم تعرف ماذا تفعل لتحقيق التواصل معه . وأضافت قائلة : إنني أريد أن أتكلم معه ولكن عندما انظر اليه أجده غير مصغٍ ألي. وعندما أتكلم اليه أجده انه لم يسمع ولا كلمة واحدة مما قلت . وعندما استيقظ في منتصف الليل أجده قد غادر الفراش. ولقد وجدته في إحدى الليالي جالساً على العشب وكان الوقت الساعة الرابعة فجراً ، ولم يبدو عليه انه كان عارفاً أين هو وماذا يفعل . كان مضطرباً جدا ً، غير انه كان عادياً في اليوم الثاني ، لكنه لم يذكر اي شيء بخصوص الليلة الماضية . وبعد ثلاثة أسابيع ألقت الشرطة القبض على سام لأنه كان يسوق سيارته في الساعة الثالثة بعد منتصف الليل بسرعة تجاوزت (120كم) في الساعة . ولما استجوبته الشرطة أجابهم بأنه ذاهب في رحلة الى المريخ . ولقد تحدث سام الى أطبائه فيما بعد ، ( كشف لهم سرا ً) خاصاً به من انه (روبن هود). وكان مقتنعاً تماماً بأنه كذلك (NcNeil، 1970). هذا وقد أستبدل مصطلح ال (hebephrenic ) في الأدبيات الصادرة بعد عام 2000 الى disorganized)). والعرض الرئيس فيه هو تفكك أو عدم انتظام في: الأفكار والسلوك والانفعال . ويميل الى أن تكون بدايته مبكرة ، ولا يستجيب ، في الغالب ، للعلاج (Nolen , 2001.) - الفصام التخشبي إن العرض المميز في الفصام التخشبي Catatonic هو اضطراب السلوك الحركي . اذ يأخذ هذا الاضطراب في بعض الأحيان شكل الخدر او الذهول Stupor التخشبي ، او الجمود التام عن الحركة ، المصحوب بالصمت عادة . وقد يظل المريض على هذه الحالة لأسابيع . فقد يظل واقفاً ويده على رأسه لمدة طويلة من الزمن . ويطلق على هذه الظاهرة (الوقفة التخشبية، Catatonic Posturing). وقد يظهر بعضهم نوعاً من المرونة الشمعية Waxy Flexibility، حيث يمكن تحريك الذراعين مثلاً من قبل أحد الأشخاص وجعلهما في وضعية جديدة ، ويبقى المريض محافظاً على الوضع الجديد لذراعيه . ومع ذلك فأن أعراض هذا النمط ليست محصورة باضطراب السلوك الحركي . فالكثير من الفصاميين التخشبيين يتنقلون من حالات الجمود في الحركة الى حالات من النشاط الحركي الزائد الذي يتضمن أحيانا العنف والهيجان . وفي حالات أخرى قد يبدو الفصاميون التخشبيون من خلال الأوضاع التي يتخذونها، وكأنهم مقطوعون تماماً عن الواقع . غير انهم قد يفعلون ذلك في نوع من الخداع . فهناك مؤشرات تفيد بان هذا النوع من المرضى قد يكونون عارفين بما يدور من حولهم . ففي سبيل المثال، يظهر الكثير من المرضى الذين يطلق على حالتهم بالتخشبية السلبية Catatonic Negativism، أي أولئك الذين لا يرفضون فقط عمل ما يطلب منهم ، بل يعملون عكس ذلك تماماً ، بأنهم يعرفون جيداً طبيعة الطلبات الموجهة إليهم . - الفصام الزَوَري يمكن تحديد الخصائص التي يّعرف بها الفصام الزوري ، بالأوهام و/ أو الهلاوس ذات الصلة بأفكار الاضطهاد والعظمة . وإذا وصفناهما بدلالة الاستمرارية، فان الأوهام الاضطهادية للفصام الزوري يمكن ان يكون مداها من شكوك ساذجة وغامضة ومتناقضة ، الى تصورات منتظمة ، وكأنها مدروسة بعناية لخطط تآمرية تحاك ضد حامل هذه الأوهام . وفي كل الأحوال ، فأنها تكون مصحوبة في العادة بالهلاوس ، (سماع أصوات في الليل ، او رؤية وجه يخطف خلف نافذة..) تقوي معتقداته الوهمية . وفي كلتا الحالتين ، الأوهام والهلوسة ، فان فكرة الاضطهاد غالباً ما تكون مصحوبة بفكرة العظمة. فالمريض قد يدعي بقوة خارقة ، وبالحكمة والعبقرية . وفي حالات متطرفة قد يدعي المريض بأنه توحد في شخص آخر كأن يكون نابليون مثل اً، او المسيح ، أو مصلحاً اجتماعياً كان موجوداً، او موعوداً به. ويبدو أن الفصام الزوري من اكثر أنماط الفصام شيوعاً. ففي المسح الذي أجرى في عام (1974) وشمل اكثر من ثمانية آلاف فصامي من الراقدين في المستشفيات ، تبين ان ما يقرب النصف منهم كانوا قد شخّصوا على انهم مصابون بالزور (البارنويا) (Guggenheim و Babigian، 1974). وبالرغم من أن الحالة الحادة لا تظهر في العادة حتى الخامسة والعشرين من العمر، فأنها تكون مسبوقة في الغالب بسنوات من الشعور بالخوف والشك ، الذي يقود الى علاقات شخصية متوترة او هشة . وهناك صنفان من الاضطرابات لهما علاقة بالفصام الزوري هما: الذهان الارتكاسي القصير (Brtief Reactive Psychosis) والاضطراب الذي يأخذ شكل الفصام (Schizophreniform). وقد ميز (DSM-) بينهما وبين اضطراب الفصام . فإذا كانت الحادثة قد استمرت لأقل من أسبوعين ، تبعتها ضغوط قابلة لأن يُقر بها ( كالتي تواجه الكثير من الناس من قبيل الخيانة الزوجية مثلاً...) فأنه يطلق عليها الذهان الارتكاسي القصير. أما اذا استمرت الحادثة لأكثر من أسبوعين ولكن لأقل من ستة اشهر، مصحوبة او غير مصحوبة بآلام او صدمات ، فأنه يطلق عليها الاضطراب الشبيه بالفصام . أما اذا استمرت الحادثة لأكثر من ستة شهور فأنها تشخص حينئذٍ على أنها فصام. ويبدو أن اضطرابات الزور (Paranoid Disorders) هي اكثر أنواع الذهان الوظيفي شيوعاً في مجالي الأدب والفن . فالشخصيات الزورية غالباً ما تتضمنها القصص والروايات ، وتصورها الدراما السينمائية والتلفزيونية. وهذا النوع من الذهان هو الأكثر احتمالاً لان يتضمن العنف ضد الآخرين. ومع ذلك فان النظام الوهمي (Delusional System) من الفصام الزوري هو ببساطة فقرة واحدة ، او حبه واحدة في عنقود من شذوذات أخرى ، جميعها قد تعمل الواحدة فيه بصورة مستقلة عن الأخرى . أما في اضطرابات الزور فان النظام الوهمي هو الشذوذ الأساسي فيه . وطبقاً الى (DSM-) فأن أعراضها الأساسية هي أوهام اضطهادية مستمرة ، وأوهام الغيرة التي تتضمن في الغالب أوهاما بان الزوج او المحب لم يعد مخلصاً لصاحبه . وفي كثير من الحالات فأن مثل هذه الأوهام ليست هي العرض الرئيس فقط ، إنما العرض الوحيد ، فيما عداها يبدو الشخص عادياً تماماً. وقد تظهر على بعض المرضى بعض الاضطرابات في المزاج ، غير أنها ليست سوى نتيجة لنظام الأوهام لديهم (مثال: قد يتملكهم الغضب ضد الناس الغرباء، ليس لانهم غرباء ، ولكن لانهم يشكون في كونهم يتجسسون عليهم لصالح شخص او جماعة معينة ). ولهذا افترض بأن هؤلاء الأفراد اذا لم تكن لديهم مثل هذه الأعراض ، فانهم أسوياء مثل الآخرين . والأكثر من هذا، فأنه مهما ظهرت من أعراض على المصابين باضطراب الزور، فأنها لا تنضوي تحت تلك الأعراض التي تظهر على الفصاميين من قبيل : الهلاوس ، فقدان الترابط ، عدم التماسك المنطقي ، وبث الأفكار. واخيراً، فأنه ينظر الى الأوهام في اضطرابات الزور على أنها اقل غرابة من تلك التي تصاحب الفصام الزوري . فالمصاب قد يعتقد بوجود أعداء يتعقبونه ، ولكن هؤلاء الأعداء ليسوا قادمين اليه من المريخ مثلاً. على انه من الصعب جداً رسم خط فاصل بين اضطرابات الزور، كما أشرنا إليها في أعلاه ، واضطرابات الشخصية الزورية التي تحدثنا عنها في فصل سابق . وطبقاً الى (DSM-IV) فأن الفرق بينهما هو ان الشخص المصاب باضطرابات الشخصية الزورية هو، ببساطة ، شاذ في شكوكه غير ان شكوكه لا تتخللها أوهام فعلية او معتقدات خاطئة . والأكثر من هذا فان شكوك الشخصية الزورية تكون اكثر واقعية من الأوهام الذهانية . فاعتقاد المريض الموجود في عيادة طبية ، مثلاً، بان القهوة المقدمة اليه يمكن ان تكون مسمومة هي بعيدة عن تصور الشخصية الزورية . ومع ذلك، فأن هذه الفروق يمكن ان تكون سهلة وواضحة على الصعيد النظري ، غير أنها قد لا تكون كذلك على الصعيد التطبيقي .
خـلاصــة تناولنا في هذين القسمين مجموعتين من الذهان : اضطرابات الفصام ، واضطرابات الزور. وتنضوي تحت اسم الفصام مجموعة من الذهانات التي تتصف بالسلوك الغريب ، والانسحاب الاجتماعي ، والاضطراب الحاد في التفكير والإدراك والمزاج. والفصام يكاد يكون اضطراباً شائعا ً، وقد مرّ المصطلح (الشيزوفرينيا) بتفسيرات وتعديلات. ومن بين أعراض الفصام فأنه نُظر الى عدم انتظام العمليات الفكرية على أنها العرض الأساسي فيه ، والدليل على ذلك لغة الفصاميين التي تتصف بالأوهام والمعتقدات الخاطئة وفقدان الترابط... غير انه جرى مؤخراً أن عُدَّ اضطراب الفكر على انه يمثل جانباً من جوانب الفصام ، وان انهيار الانتباه الانتقائي هو السبب الرئيسي على ما يرى المعاصرون من الاختصاصيين ، وقد تم بحث ذلك بشيء من التفصيل في هذا الفصل . كما تم استعراض المسار الذي يمر به اضطراب الفصام عبر ثلاث مراحل وخصائص كل مرحلة منها. كما جرى تصنيف الفصام على وفق أبعاد معينة ، وتم أيضا تصنيف المرضى الى فئات او أصناف فرعية خمسة. كما استعرض القسمان نوعاً آخر من أصناف الذهان ، هو اضطرابات الزور التي تشبه في أعراضها اضطراب الشخصية الزورية، وتلك التي تختلف عنها، والتمييز بين أعراض هذه الاضطرابات الذهانية الثلاثة. والمهم أن نعرف أن الفصام يتضمن مجموعة من الأعراض أهمها: الأوهام، الهلاوس، التفكير المضطرب، الجمود الانفعالي. ويميل البعض الى تصنيفها في نوعين: الأعراض السلبية: وتشمل: - تلاشي الذات. - فقدان الاهتمام بالحياة. - عدم مناسبة الاستجابات للتنبيهات. - نقص الوجدان أو البرود العاطفي. اللامبالاة والانسحاب الاجتماعي (الضحك في موقف محزن مثلاً). الأعراض الإيجابية: وتتضمن: - الأوهام - الهلاوس - التفكير المضطرب والرأي الراجح –على ما نرى- أن الفصام لا ينجم عن سبب واحدة بمفرده، إنما في أسباب متعددة: جينية (وراثية)، أسرية، اجتماعية، اقتصادية، ثقافية،.. تعمل بصيغة تفاعلية لتقدح زناد المرض. المصادر - Bleuler, E. Dementia praccox or the group of schizophrenias (1911). J. Zinkin, tr. New York: International University Press, 1950. - Cohen, B.D., et al. Referent communication disturbunces in acute schizophrenia. Journal of Abnormal psychology. 1974, (I), 1- 13. - Crider, A.B., et al. Psychology. London, scott foresman and company. 1986. - Cormwell , R. L., and Dokeckl, P. R. Schizophrenic Language: Adisattention interpretion. In S. Rosenberg and J.H. Koplin (eds), Developmental applied psycholinguistics. reseacrch. New York, Macmillam, 1968. - Fish, J.F. The classification of schizophrenia. Journal of Mental science, 1957, 103, 443- 465. - Freedman, B., and Chapman, L.J. Early Subjective experience in Schizophrenic episodes..Journal of Abnormal Psychology. 1973, (1), 46- 59. - Johnson, J.E., and Petzel, T.P. Temporal orientation and time setimation in chronic schizophrenic. Journal of Clinical Psychology. 1971, (2), 194- 196. - Kleist, K. Schizophrenic symptoms and cerebral pathology. Journal of Mental science, 1960, 106, 246- 254. - Kleinmuntz, B., & Szucko, J.J. Lie detection in ancient and modern times. American psychologist, 1984, 39, 766- 776. - Kraft, D.P., and Babigain, H. Somatic delusion or Self- mutilation in a schizophrenic woman- American Journal of psychiatry, 1972, (7), 127- 129. -Lahey B.B. Psychology.McGraw-Hill , 2000 . - Moher, B.A. ed. Contribution in the Psychopathology of schizophrenia. New York. Academic press, 1977. -Nolen-Hoeksema , S. Abnormal Psychology . 2001 . - Ritzler, B. and Rosenham, G. Proprloception in schizophrenics and normals. Journal of Abnormal Psychology, 1974, (2), 106- III. - Shapiro, D., and Goldstein I.B. Biobenavioral perspectives on bepertension. Journal of Counsulting and Clinical Psychology. 1982, 841- 858. - Sheehan, S. Is there no place on earth for mez Boston: Houghton Mifflin, 1982. - Vonnegut, M. The Eden Express. New York: Praeger, 1975. - Zigler. E., and Levine, J. Age an first hospitalization of Schizophrenics. Journal of Abnormal Psychology. 1981, 90. 458- 467. - Weiten , W. Psychology .McGraw-Hill ,2004 .
#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)
Qassim_Hussein_Salih#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفصام ( الشيزوفرينيا )( 1 4 )
-
سيكولوجيا فوز الفريق العراقي
-
المجتمع العراقي.. والكارثة الخفية
-
تصنيف الأكتئاب وعلاجه
-
أنا أنافق ..إذن أنا موجود!
-
التوحّد- القسم الثاني -د
-
التوحّد- القسم الاول
-
لماذا يحصل هذا للعراق والعراقيين ؟!
-
أستاذ ( مجنون ) يحصل على جائزة نوبل !
-
العراقيون ..وسيكولوجية الاحتماء
-
الرهاب ( الخوف المرضي )
-
الاضطرابات النفسية الجسمية ( السيكوسوماتك )
-
لسيكولوجية الفتنه...قوانين !
-
العربي..والهوس بالسلطة
-
العرب .. أكثر المجتمعات تعرضا- للاصابه بالشيزوفرينيا
-
الحول الإدراكي...في العقل العربي
-
أحقا... أننا خير أمّة ؟
-
روح فهمّه للديج!
-
الهوس والاكتئاب
-
الاضطرابات الانشطارية ( التفككية ) أو ( التفارقية )
المزيد.....
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|