|
الكلمات المتقاطعة والطرق الفرعية
المنصور جعفر
(Al-mansour Jaafar)
الحوار المتمدن-العدد: 2004 - 2007 / 8 / 11 - 03:46
المحور:
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
هذا المقال شجن في طبيعة بعض المعاني السياسية لبعض المفردات المتداولة ومحاولة سبر لبعض سياقاتها. وهو مقال يحاول البعد عن الموضوعية البرجوازية المسيطرة على ثقافتنا التي تساوي شكلاً بين كل الطبقات وبين كل العناصر بينما يقوم بنائها على الإستغلال والإستلاب الطبقي، وتعيش حياتها على الميز العنصري. وفي هذا البعد يحاول المقال الإقتراب من النزعة الثورية في الكتابة السياسية، رافضاً المسلمات المقدمة في أواسط الأجهزة الإعلامية الرسمية والشعبية عن ما يسمى بتجديد الحزب والديمقراطية كطريق لتجديد آخر أبقي مجهولاً إذ لم تحدد الطروح نوع هذا لتجديد أو أبعاده أو طبيعته، بل إكتفى بعضها بتحديد سمات هي نفسها تخريب لا تجديد، وأهمها تلك السمات المرفوضة هي التخلص من الحزب الشيوعي إسماً وبرنامجاً أو مايمكن منهما، والتخلص من كامل قيادته بمنطق عنصري هو منطق العمر والسن، وإن كان للسن أحكامها، لا بمعيار البرنامج والإنجاز والإخفاق، أو معيار الموقف الموجب أو السالب من العمليات الثورية المختلفة التي نشأت وتطورت ضد أشكال الظلامات الرأسمالية.
شجر الكلام وشجن المعاني في طبيعة الحياة وتونعاتها تتوالد المفردات والمعاني كأشجار وأشجان فهي تتفرع وتتفرع حتى ترقى بالأذهان في بعض الموضوعات إلى سدرة المنتهى أو إلى ما بعدها من معان، ولا محالة في إن أوسع الحدود والقواميس لا تستطيع أن تحصر أو تضم معاني أي مفردة أو كلمة مادامت الحياة ثرية بالبشر والعناصر التي تفيض بالمعاني والفهوم على كل كلمة ، ولكن معان الكلمات عادة ما توضع أو تؤخذ من الفهم السائد في ثقافة المجتمع عنها، وفي هذا الأخذ تدور المعارك حول صحة أو خطأ الأخذ من بين المعاني المختلفة، أو صحة الفرز بين المعاني القريبة والمعاني البعيدة والمباشرة وغير المباشرة لكل مفردة وكلمة.
وفي أمور المجتمع والإقتصاد والسياسة تتوارد الإصطلاحات، وتختلف أو تتواشج، أو تتعاضد أو تتوالى المفردات والمعاني حسب عدد من العوامل من بينها المصالح الطبقية الكامنة أو المشكلة لطبيعة عرضها أو تناولها. ووفق طبيعة هذا التأثير يمكن أن نلحظ كم من كلمة طيبة تحور كلمة خبيثة، وكم من كلمة تبدو خبيثةً تكن في دواخلها وسياقاتها خيراً عميماً عقلاً وعلماً وجمالاً.
وفي أمور الصراع الطبقي تبدو شجون هذه المعاني على أنحاء متنوعة مختلفة حسب طبيعة إطلاق أو جب مفرداتها وحسب طبيعة سياقاتها وتراوحها بين ما هو موضوعي وما هو ذاتي وما هو أثير بينهما أو سديم، حسب طبيعة الموقف الثوري أو النفعي من القوة المهيمنة. في هذه الشجون والألوان تبدو أهمية تحليل بعض التقاطعات في كلام السياسة أو طرح ضرورة فك شفرة الكلمات المتقاطعة.
الحزب الشيوعي، والحزب اللاشيوعي: الدعوات الخاطئة المقلوبة إلى الإهتمام بالحزب الشيوعي وتجديده أولاً كطريق لتجديد الوطن بدعوى أن تجديد أدوات السياسة يقود إلى تجديد الواقع القديم والتخلص من أزماته أو إشكالاته تنظوي على أخطاء أساسية بداية من النهج الذاتي المقلوب لهذه الدعوات وهو نهج فاشل سقيم، يبتدي من النتيجة والمعلول محاولاً علاج السبب والعلة! فالحزب الجديد ليس هو الحزب الذي يملأ بعض الشباب مقاعده أو يملأون أوراقه بالحلول العجوز الإصلاحية والأمريكية التي كال البنك الدولي صندوق النقد الدولي ومؤسساتهما منها على العالم خمسون سنة وأكثر، بل الحزب الشاب هو الذي يقدم الحل الشاب الثوري لأزمة المجتمع الطبقية في أشكالها العمالية والإقليمية والإجتماعية والثقافية. وهي الأزمة المعروفة الآن بعنوان (أزمة توزيع السلطة والثروة)
النهج الأنجع لحل أزمات السودان وما فيه من أحزاب يرتبط بمعرفة الجذور الطبقية لهذه الأزمة وتحديد طبيعة العملية الثورية اللازمة لحلها ثم تأتي بعد ذلك عملية تحديد طبيعة الحزب اللازم للقيام بهذه الثورة وكذلك المستوى الثوري اللازم في العمل لعضويته شباباً كانوا أو شيوخاً. أما الحديث بالصورة المقلوبة عن تجديد الحزب مع تغبيش الأزمة الرئيسة في المجتمع وطبيعتها الطبقية، فيقود فعلاً إلى إضعاف الحزب الشيوعي القديم وتكوين حزب جديد في المدن القديمة، بعيداً عن شباب الدينكا وشباب البجا وعن شباب دارفور وشباب النوبة، وقضاياهم الرئيسة إلا بعضهم أو بعضها للبهار أو الزينة.
تقسيم الثروة أم تغيير النظام الطبقي للخلل في توزيع الموارد والجهود والثمرات : السياق العام لإجراء إصطلاح تقسيم الثورة هو تحويل قضية الإنتاج وعلاقاته إلى مسألة إقليمية لإعادة توزيع الدخل القومي على نفس الأسس الطبقية القديمة، وهو سياق يمثل عملية إلتفاف على مسألة الفوارق الطبقية في توزيع الموارد الضرورة لحياة الناس ومعيشتهم، ومجارات هذه الفروق كـ(مسألة طبيعية) أو كـ(حل إقليمي) للأزمة الطبقية، وهذا جزء أصيل من حالة تغبيش الوعي التي تكرس بعض أسسها النظرات الجزئية للأمور.
الفاعلية في الديمقراطية لأي طبقة؟: عادةً ما تقدم "الديمقراطية" كياناً لحقوق التعبير والتنظيم وكبداية ومقدمة لحل كل المشكلات الرئيسة في المجتمع دون عناية بمدى فاعلية هذه الديمقراطية وقدرتها على البقاء دون ترسيخ الأسس الإقتصادية والإجتماعية اللازمة لتحقيق فاعلية أي نوع منها. فعادة ما تقدم الديمقراطية في وسائط الإعلام كسيدة فاضلة وصراع أصوات نزيه بين أحزاب أو قوى سياسية فنانة، بينما الديمقراطية -في الواقع- غير ذلك فالديمقراطية هي: 1- النهج السياسي الشكلي لإستبداد القوى التجارية وتحكمها في قوى المجتمع وطبقاته المحرومة من موارد الإنتاج الضرورة لعيشها وحياتها، وهو النهج المكمل لسيطرتها الفعلية على الإقتصاد وأجهزة الدولة. 2- الشكل الإعلامي لتحوير وبلف وكتم وخنق أصوات الأكثرية الطبقية، ووأد مطالبها الأولية، 3- النظام القانوني لتأمين ملكية بعض الأفراد لموارد المجتمع وحرمان الجماهير المستغلة والمهمشة من حق الثورة على الظلم الإجتماعي، بدعوى إن كل مواطن حر! بينما الحقيقة إن الطبقة المالكة لموارد حياة الناس ووسائل عيشهم هي الحرة والسيدة على الطبقات المنتجة. 4- النظام العام لتحوير عرض طبيعة أزمات المجتمع الرئيسة من حالتها الطبقية وتفتيتها إلى مجرد مشكلات فنية وتقنية جانبية تتوزعها برامج وأساليب قادة أحزاب شبه الإقطاع والبرجوازية وتكثر فيها الكلام واللجان والرئاسات والسفريات والعلاوات، أو تضعها كمحاور للمساعادات والإغاثات الخارجية أو الإثنين معاً.
كلمات متقاطعة: بفلسفة أصوله ومفاهيمه الأسمية يسوق الإعلام البرجوازي في مجرى التاريخ سلعة "الخـروج من الأزمـة" ، بمفردات وعبارات غضة مختلفة متناقضة يأكل بعضها بعضاً ويتلف تاليها سالفها مثل: الأنا، قوى السوق، العلم، الحظ، حرية العمل ، منع الإحتكار، غريزة التملك الخاص، الأجر، الرزق، المعجزة، المسئولية الفردية، الثمن، القوة، المساواة، الإستقرار، التغيير، حفظ الأمن والنظام، الحرية، الردع، تأمين منابع النفط،، التدين، العلمانية، العلمية، الأطباق الطائرة، اللوتري، الحرية، الإستعمار، حقوق الإنسان، تأمين المصالح الحيوية، تخصيص الموارد، حرية الهجرة، الحد من المهاجرين، حرية السوق، حرية الفكر والسياسة، الحرب على الشيوعية، الربح السريع، المرونة في اللوائح، مكافحة الفساد، غسيل الأموال، الحسابات السرية، أزمة البورصة، تحرير الأسعار تقييد الأجور، المجتمع الدولي، الإرهاب، السلام، الحرب الوقائية، قوات التحالف الدولي، المتعاقدين، المقاتلين الأجانب، مندوبو شركات، حرية الإقتصاد، خصخصة النفط، إزالة الحواجز، منع تأشيرات الدخول، الإنفتاح حوائط الأمن والفصل العنصري !! وهي كما ترى مفاهيم ومفردات يتعارض معظمها واقعياً وعقلانياً مع بعضه وتعطي جانباً من الحقيقة المادية والفكرية للبرجوازية وانتقاداتها. ومقابل هذه المفردات المتناقضة نجد المفردات الأولية في الثقافة البروليتارية من نوع: نحن، الشعب، الطبقة العاملة، التشكيلة الإقتصادية الإجتماعيةالسياسية، قوى وعلاقات ونمط الإنتاج، تحرر المجتمع بتغيير بنية الإنتاج وعلاقاته، التغيير، التاريخ، الجدل، التطور، مركز الأزمة، نقطة التغيير، الثورة، السلطة الشعبية، إزالة نظم الإغتراب والإستلاب، محوالأمية، عداوة الدجل، تنظيم المنتجين للإنتاج، من كل حسب قدرته ولكل حسب حاجته|عمله، المساواة، الفن للمجتمع، الإنتاج والتوزيع المخطط إجتماعياً، التعليم والعلاج والسكن والإنتقال وخدمات الثقافة والترفيه، إمكانات الزواج والحياة الأسرية رعاية الأمومة والطفولة كحقوق أصيلة للمواطن وليست سلعا تباع له، وحدة قضايا الكادحين في العالم، تفضيل المصلحة الدولية على المصلحة المحلية، والتضامن الأممي، والسلام..إلخ وهي مفاهيم متناسقة موضوعياً إلى حد كبير، وتكشف عن آيديولوجيا علمية ثورية، وعن معرفة مقاربة للواقع يتسق بتحققها وجدان الفرد وعقله ووجوده والوجود الإجتماعي والوطني والدولي.
خاتمة: إن السياقات العامة لتكوين اللجان النظرية والتنظيمية ولإستخدام الإصطلاحات ووضع حدود او معالم السياقات تتحدد بالمصالح الطبقية المسيطرة على صياغة هذا الموقف أو ذاك النص. حيث تضمر كثير من السياقات والإصطلاحات إزواجات وغباشات طبقية قد تؤدي لنتائج خطيرة على المستوى الحزبي أو الوطني أو الإقليمي أو الدولي تتطلب لتنقيتها فحصاً دقيقياً لمستوى دقة الإصطلاح ودقة صياغته، وسن السؤال عن طبيعة إيراد النص أو السياق بهذه الصورة أو تلك، إجلاء للمعاني والحقوق والطرق الرئيسة ضداً للإستسهال الذي يقود إلى صعوبات وأزمات كبرى وضداً للتصعيب والقول بالإستحالة والمحال والعجز الذي يقود إلى إنبهامات وقفلة غماء يسوقها المتصعب على نفسه بينما الحياة حول الحزب واسعة ملأى بالمواقف النبيلة والعظات والعبر وإمكانات الإبداع وتواشج التاريخ وتفرهد شجونه. . إنتهى المقال
#المنصور_جعفر (هاشتاغ)
Al-mansour_Jaafar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شذرات
-
أطلقوا سراح البلد
-
نقاط من تاريخ الثقافة الرأسمالية في بريطانيا، بعض تفاعلات ال
...
-
دراسة لأحد ملخصات المناقشة العامة
-
الأزمة العالمية و الأزمة السودانية في دارفور
-
أهمية العملية الثورية في تكريب القيادة وأهمية القيادة في تكر
...
-
مشارق الأنوار... نقاط عن الحركة الإسماعيلية وجماعات إخوان ال
...
-
ثلاثة أسئلة
-
الماركسية الجديدة وصناعة تجميد الإشتراكية في القالب الفطير ل
...
-
مشروع دراسة: -نقاط في تاريخ أمريكا الجنوبية وبعض المعالم الس
...
-
بعد إعدام صدام، أهناك سبيل لقيام جبهة وطنية بين أحزاب الكورد
...
-
الحزب الشيوعي العراقي والنضال المسلح ضد الإحتلال الأمريكي ال
...
-
الحوار المسلح
-
نقد عقلية -جرِب حظك- في تقويم وجود الحزب وافكاره
-
في رحاب الأنفال الصليبية .....له الجلال ... قائدنا القتيل مي
...
-
مقدمات تلخيص ستالين للفلسفة المادية التاريخية ونتائج الهجوم
...
-
نقاط في التاريخ الثوري للسوفيتات والعوامل الإصلاحية والرأسما
...
-
العولمة والخصخصة في تأثيل الفكر التنموي
-
ما بعد الإيمان
-
نقاط في علاقة المعرفة والمنطق والفلسفة والعلم والسياسة
المزيد.....
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
المزيد.....
-
نَقْد شِعَار المَلَكِيَة البَرْلَمانية 1/2
/ عبد الرحمان النوضة
-
اللينينية والفوضوية فى التنظيم الحزبى - جدال مع العفيف الأخض
...
/ سعيد العليمى
-
هل يمكن الوثوق في المتطلعين؟...
/ محمد الحنفي
-
عندما نراهن على إقناع المقتنع.....
/ محمد الحنفي
-
في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
هل أنجزت 8 ماي كل مهامها؟...
/ محمد الحنفي
-
حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى ( المخطوط ك
...
/ سعيد العليمى
-
نَقْد أَحْزاب اليَسار بالمغرب
/ عبد الرحمان النوضة
-
حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس
...
/ سعيد العليمى
-
نَقد تَعامل الأَحْزاب مَع الجَبْهَة
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|