أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - - قومنة - الماركسية !! (1)















المزيد.....


- قومنة - الماركسية !! (1)


فؤاد النمري

الحوار المتمدن-العدد: 2003 - 2007 / 8 / 10 - 11:55
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


مثلما اكتشف دارون قوانين تطور الحياة الطبيعية على الأرض ، اكتشف ماركس قوانين تطور الحياة الاجتماعية وذلك من خلال الإلتفات إلى حقيقة بديهية وهي أن إنسانية الإنسان تتحقق قبل كل شيء عن طريق الإنتاج الذي هو عصب الحياة في المجتمع ، أي مجتمع مهما كانت هويته أو قوميته . وبذلك يكون شرط الإنتاج سابقا لكل خصائص الإنسانية الأخرى كالقومية مثلاً ، وسابقا لتشكل المجتمعات البشرية وتشكل الأمم . ولما كان الإنتاج بهذه الأهمية فقد أولاه ماركس كل اهتمامه طيلة حياته الغنية بالبحث والتحليل ليكتشف خلال ذلك قوانين تطور الإنتاج وأساليبه وتبعا له تطور الحياة الاجتماعية بكل جوانبها .
لقد وجد ماركس أن تقدم المجتمعات البشرية يتحقق في خط مواز تماما لتطور وسائل الإنتاج وأن القانون العام لتطورها ، تطور وسائل الإنتاج كما تطور سائر الأشياء الأخرى ، يقوم على تطورات كمية بسيطة مستمرة وغير مدركة آنيا تتراكم لتصل إلى نقطة حرجة حيث يتعذر التقدم إلى ما بعدها قبل أن ينفجر التناقض الرئيسي داخل هذه الوسائل في ثورة عاصفة تطيح بكل الثوابت لتبرز من وسط أوارها وسائل جديدة مختلفة نوعا قادرة على استئناف مسيرة التقدم كما تقضي سنة الحياة . وتتشكل في موازاة ذلك مجتمعات جديدة تتهيكل وفقا لمقتضيات الوسائل الجديدة للإنتاج . هذه هي االماركسية في الشمال كما في الجنوب ، في الشرق كما في الغرب . إنها نظرية علمية بدون قومية وبدون وطن ، بدون هوية اجتماعية سواء كانت إقطاعية أم رأسمالية أم اشتراكية .
وبعد تحليل دقيق وشامل لوسائل الإنتاج الرأسمالية وجد ماركس أن النظام الرأسمالي نظام عالمي بخلاف كل الأنظمة السابقة له ، لا ينمو ولا يعيش إلا إذا تيسر له مد أذرعه الطويلة خارج حدوده القومية ليطوي بها العالم كله وذلك بسبب فائض القيمة المتحقق قوميا والذي يجب تصديره إلى خارج الحدود ، إلى البلدان التابعة ، قبل أن يتراكم ويخنق النظام نفسه ، مثله مثل الأجسام المضادة التي من شأنها أن تقتل البكتيريا التي أنتجتها أو أفرزتها . وهكذا يبدو واضحا بصورة جلية لا غبار عليها أن التناقض الأساسي في وسائل الإنتاج ، بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج ، بين العمال والرأسماليين ، يعبر الحدود بصورة فائض الإنتاج المصدر ليأخذ صورة أخرى تتمثل بالتناقض بين شعوب البلدان التابعة والمستعمرة من جهة والاستعمار من جهة أخرى . الخطوط البارزة لهذه الصورة تبين بوضوح عالمية الرأسمالية وتبعا لذلك عالمية الصراع ، تلك العالمية التي عبر عنها ماركس بندائه الشهير : يا عمال العالم اتحدوا
تناول ماركس ولينين للعالم كله كمسرح واحد يجري فوقه صراع واحد موحد بين العمال والرأسماليين ، بين الشعوب والاستعمار ، هذا التناول ليس رواية مسرحية أبدعها ماركس أو لينين ، بل هو الوصف الدقيق والمباشر لواقع الحال ـ الرأسماليون يراكمون أرباحهم من خلال دفعهم لأجور أقل من قيمة العمل الموظف لديهم وبذلك يتوجب عليهم تصدير السلع التي تمثل الفرق بين مجمل الأجور من جهة وقيمة العمل من جهة أخرى إلى أسواق شعوب ليس لديها القدرة المستمرة على دفع تلك الفروق طالما أن كل ما لديها هو المواد الخام التي تعود عليها بفروق أخرى وبقيمة العمل المضاف ، ناهيك عن أن رأسماليي المركز يستطيعون أن يفرضوا أسعار أجور عمالهم بصورة تمكنهم من المحافظة على استمرار علاقات الإنتاج الرأسمالية في الوطن أو المتروبول . هذه الحلقة الاستعمارية العالمية ليست من تصميم أحد بل إنها من طبيعة التكوين لبنى النظام الرأسمالي والاستجابة الإنسانية الايجابية لهذا النظام . لذلك فإن التحرر أو الإفلات من هذه الحلقة إن هو إلا ضرب من الأوهام طالما أن حلقة بديلة ، حلقة عالمية ديموقراطية تتجه بتصميم ثوري إلى تنمية البلدان المتخلفة ، لا وجود لها في عالم نهاية القرن العشرين وإطلالة القرن الحادي والعشرين . مثل هذه الحلقة الثورية الديموقراطية لا يمكن أن يصنعها أي مشروع تحرري نهضوي في أي بلد أو أكثر من بلدان المحيط كالبلدان العربية وذلك بسبب القدرة الكامنة المحدودة في هذه البلدان .
لم يتوصل الماركسيون إلى مثل هذه المفاهيم من خلال التحليل الدقيق للاقتصاد السياسي فقط بل إن الفلسفة الماركسية أيضا تصل بنا إلى نفس المفاهيم . فالقانون العام فيها يقول أن الأشياء تنحل وتتلاشى بانفجار التناقض الأساسي فيها في ثورة مدمرة والتناقض الأساسي في النظام الرأسمالي هو التناقض بين قـوى الإنتاج من جهة وعلاقات الإنتاج من جهة أخرى ، بين العمال والرأسماليين . المهندس الذي درس النظام الرأسمالي الشامخ الراسخ دراسة مفصلة وعرف كيف يتم تدمـيره بلغم واحد في أضعف حـلقاته كان لينين ، مهندس ثورة أكتوبر الاشـتراكية .
كان ضروريا الاستهلال بهذه المقدمة المختصرة قبل التعرض لمداخلة أحد الذين يدعون أنهم من " الماركسيين المجددين " والتي نشرها في إحدى الصحف المحلية تحت عنوان " الماركسية ..فلسفة الثورة القومية البورجوازية " . المثقفون العرب لا تأخذهم العزة بالإثم ، لكن عندما تأخـذهم العزة يأثمون . يأثمون وهم يتحدثون عن دولة قومية عربية في عصر الخلافة الأموية ، يأثمون وهم يتحدثون عن دولة القومية العربية في عصر الخلافة االعباسية . أخونا الماركسي المجدد أخذته العزة .. " بدولة السوق القومية القائمة على المؤسسات والحق والحق العام والبنية القادرة على إنتاج وإعادة إنتاج الديموقراطية البورجوازية " فأثم إثمين غليظين ـ أثم باستغبائه لينين وأثم باستخطائه ماركس . استغبى لينين حين زعم أن مسؤولية فشل التجربة السوفياتية تقع على .. " القراءة الملتبسة للاشتراكية وإمكانية نجاحها عبر كسر الحلقة الضعيفة وبقية الأوهام ( !! ) التي رافقتها " ، واستخطأ ماركس حين أعلن أن الماركسية ليست فلسفة " دكتاتورية البروليتاريا الموهومة " . لن تعيقنا هذه الآثام الاستفزازية والتي سنتعرض لها فيما بعد عن التعامل مباشرة مع مشروع أخينا الماركسي المجدد ، مشروع " الثورة القومية البورجوازية " الذي أقامه على قاعدة ما أسماه ب " الضرورة القومية " خاصة وأنه اقترف آثاما غليظة من أجله .
يوافق أخونا على أن ما أسماه ب " الضرورة القومية " هو تحديدا حاجة البورجوازية المتطورة نحو الرأسمالية إلى سوق قادرة على تصريف منتوجاتها . هذا يعني أن تطور الرأسمالية الوطنية في أقطارها العربية المختلفة بلغ حدا تضيق به هذه الأقطار . فهل هذا هو ما لدينا اليوم ؟! الجـواب بالطبع هو النفي التام بل العكس تماما هو الصحـيح . فالنشوء والارتقاء العضويان الطبيعيان للرأسمالية الوطنية العربية ـ وغير العربية في البلدان الموازية ـ كانا قد توقفا في سبيعينيات القرن العشرين حين بدت علائم الانهيار واضحة على المعسكر الاشتراكي وتلا ذلك بالطبع الذبول والتلاشي . بل لقد جرى ذلك في البلدان العربية بصورة دراماتيكية مجلجلة . جميعنا يتذكر تسليم أنور السادات ، وارث المشروع الناصري ، جميع أوراقه إلى الإمبريالية الأمريكية . البورجوازيات في العالم العربي وفي دول العالم الثالث عموما باعت ثوراتها إلى الإمبريالية وقبضت ثمنها من صندوق النقد الدولي فتحولت بذلك إلى كومـبرادور وضيع مطواع لا يلوي حراكا بل يشد بكل عزيمته على الروابط مع السوق الدولية أو سوق التجارة الحرة كما في أبجديات منظمة التجارة العالمية ( WTO ). اليـوم وبعد انهيار معسكر الثورة الوطنية في السبعينيات ثم انهيار معسكر الثورة الاشتراكية في الثمانينيات لم يعد بوسع أحد حتى مجرد الحديث عن ثورة قومية أو حتى وطنية . أما أصداء الماضي التي ما زال البعض من السياسيين قصيري النظر يصر على ترديدها فإنها وكما نرى على أرض الواقـع لا تجد أذانا صاغية ويعرض عنها العامة بعفوية صادقة . ومع كل ذلـك فما زلنا نجد من يصفون أنفسهم ب " الماركسيين المجددين " يتحدثون عن " ثورة قومية " !!
أما إذا تعدت " الضرورة القومية " مفهوم السوق وقاربت مفاهيم المثقفين القوميين عن الوحدة العربية فيلزم التأكيد هنا على أن الوحدة ليست ضرورة قومية طالما أنها خارج حسابات السوق وضروراته وأقوى دليل على ذلك هو أن التناظر الاقتصادي بين الدول العربية هو أكبر عقبة الآن أمام تنفيذ أي مشروع سياسي وحدوي . وما فشل الوحدة المصرية السورية إلا بسبب ذلك . أما إدعاء المثقفين والساسة القوميين بأن العرب كانوا أمة واحدة متحدة إلى أن جاء الاستعمار الحديث وقسمهم فإنما هو شهادة زور يتبرع بها البعض لصالح الحكم الأسود البغيض الذي أذل العرب لعدة قرون حكمها المماليك والعثمانيون . لم يكن يوحد العرب خلال تلك القرون الطويلة السوداء سوى البطش والقمع العرقي العنصري . الدولة التي كانتها الدولة المملوكية والدولة العثمانية هي الدولة البطريركية الريعية . والصورة البشعة لهذه الدولة تقول أن الحكم الأوتوقراطي فيها ينحصر في عرق معين أو الأحرى في عائلة محددة . وأن علاقة الدولة بمواطنيها من خارج جلدتها تنحصر في أمرين فقط ـ دفع الضرائب وحتى الأتاوات بغير حساب ، ثم التجنيد في الحروب التي لا تنتهي بحكم عدوانية الدولة . يستحيل من خلال هذه الصورة البشعة تصور الشعوب العربية في ظل العثمانيين أو المماليك تقيم تواصلا من أي نوع سواء كان اقتصادياً أم ثقافياً أم سياسياً . الدولة الريعية تمتص ريع العملية الانتاجية من الأطراف إلى المركز حيث يستهلك كله ولا يعود أي جزء منه وبأية صورة إلى أي طرف من الأطراف . من هنا علينا أن ندرك استحالة وجود أي رابط ايجابي يربط الطرف بالمركز بل العكس هو الصحيح حيث يرفض الطرف ارتباطه بالمركز . في مثل هذه العلاقات فقط كان يمكن للدولة الريعية أن تبسط حـدودها إلى ما هـو أبعد من الوجـود القومي . كانت حـدودها تتجاوز حدود القوميات والأجناس .
دول الخلافـة الراشدة ثم الأموية ثم العباسية كانت أيضا دولا ريعية . أساس الخلافة الراشدة الذي وضع في " سقيفة بني ساعدة " نص بكل صراحة على أن .. " الخلافة في قريش " . قبائـل قريش هي التي تحـكم وليس أي قبيلة عربية أخرى . ولنا أن نذكر هنا أن قريش هي العائلة التي وقفت بقوة ضد الدعوة للإسلام بخلاف أهل المدينة من الأوس والخزرج الذين انتصر الإسلام بهم ورغم ذلك طردهم القرشيون من السقيفة . لم تعمر الخلافة الراشدة لثلاثة عقود حتى انتقل الحكم إلى بني أمية الذين بالتالي افترسهم بنو عباس . كيف يمكن أن توصف مثل هذه الصورة العرقية القبلية أنها صورة قومية من قريب أو بعيد ؟ انتهت دولة بني العباس إلى دول عرقية مختلفة ـ دولة للبويهيين وأخرى للسلاجقة وثالثة للفاطميين ورابعة للحمدانيين .. دول بأسماء قبائل ! بل ما زال بعض الدول العربية يعرف رسميا حتى يومنا هذا بأسماء قبائل كالهاشميين والسعوديين والبعض الآخر يعرف فعليا بأسماء العائلات الحاكمة . لم يتقدم العرب أبداً إلى مرحلة الدولة القومية . يستطيع من لا يزال يشك بقومية دولة الخلافة أن يعود إلى تفاصيل توزيع الريع على عائلـة الخـليفة ليتأكد نهائيا بأن أي شعور قومي لم يكن واردا إطلاقا في تلـك الكيانات .
أمام هذه الحقائق التاريخية التي لا سبيل إلى إنكارها يمكن القول بكل ثقة أن العرب في القرن العشرين أمسوا أقرب إلى الوحدة منهم إليها في أي وقت مضى . لقد برزت " الضرورة القومية " على سطح التاريخ العربي كله مرة واحدة ووحيدة وكان ذلك حين أعلنت البورجوازية الشامية ثورتها القومية في المشرق العربي فقط وسلمت قيادة الثورة إلى الشريف حسين بن علي . ولأن هذه الثورة هي الثورة القومية الوحيدة التي قام بها العرب فقد سموها بحق " الثورة العربية الكبرى " بالرغم من أن مشروعها استثنى كلا من مصر والسودان وشمال أفريقيا الأمر الذي يقطع بالتأكيد أن الروح القومية لم تكن حتى مطلع القرن العشرين قد اكتملت بعد . البورجوازية الشامية الرثة لم تستطع حماية ثورتها مع أن قائدها الشريف حسين دافع عنها بكل بطولة وتضحية .
بعد سايكس ـ بيكو وخضوع البلدان العربية إلى الاستعمار الأنجلو ـ فرنسي ممثلا بمركزي الرأسمالية الأقوى آنذاك ، لندن وباريس ، قامت في البلدان العربية اقتصادات مستقلة عن بعضها البعض بسبب ارتباطها محوريا بالمركز الرأسمالي الاستعماري . وهذا يعني أن الاقتصادات العر بية قامت أصلا كأنصاف حلقات يستحيل أن يكمل النصف منها أي نصف آخر حيث أن الأنصاف المكملة لها قائمة في مراكز الدول الرأسمالية الامبريالية . ولذلك تأسست الاقتصادات العربية جميعها على الصناعات التعدينية والصناعات التكميلية وطبيعة هاتين الصناعتين هي الاعتماد على إنتاج المركز الإمبريالي وعدم القدرة على الاستقلال . في مثل هذه الحالة من العولمة ، أي عالمية عملية الإنتاج الرأسمالي ، ينتفي نهائيا ما يمكن أن يسمى ب " الضرورة القومية " .
صحيح أن عبدالناصر تحدث في بدايات الثورة المصرية عن مجال حيوي لمصر في البلدان العربية ـ ولو أنه ساوى ما بين البلدان العربية والبلدان الإقريقية غير العربية ـ لكنه سرعان ما اكتشف أن هذا مجرد أوهام خاصة بعد انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة عام 1961 وهو نفس العام الذي أصدر فيه عبدالناصر المراسيم الاشتراكية وميثاق الاتحاد الاشتراكي حيث بدا واضحا أن الهم الناصري قد انعطف نحو الثورة الاجتماعية والتنمية الشاملة للمجتمع المصري اعتمادا على القوى الحقيقية للانتاج وهي العمال والفلاحون والرأسمالية الوطنية وأن وهـم ضغط الإنـتاج الرأسـمالي المصري على السوق المحلية ومعه وهم المجالات الحيوية قد انقشعا تماما .
إدراك كنه " الضرورة القومية " يقتضينا العودة إلى التاريخ . لقد قدم التاريخ " الضرورة القومية " كحالة تتهيأ حال اجتياز البورجوازية النامية عتبة النظام الرأسمالي المكتمل . واليوم وبعد سيادة قانون " القطيعة الرأسمالية " في العالم كله واستحالة تطور أي بلد غير رأسمالي إلى رأسمالي مكتمل فإن صفحـة " الضرورة القومية " قد طويت تماما في سجل التاريخ ، والتاريخ بالطبع لا يعود إلى الوراء . أما أولئك القوميون الذين يعتقدون أن الفعل القومي يظل ثابتا في التاريخ كما يبدو عليه الحال مع الجنس واللغة والدين ـ علما بأن هذه العناصر للهوية القومية ليست ثابتة أبدا كما تبدو في الظاهر ـ فعليهم أن يعتبروا من بريطانيا والولايات المتحدة وكندا واستراليا حيث شعوب هذه البلدان تنحدر من عرق واحد بصورة عامة وتتكلم ذات اللغة وهي الانجليزية وتدين بدين واحد وهو البروتستانتية الأنجليكانية ، إلا أنها مع ذلك ترفض رفضا باتا الإنخراط في قومية واحدة وتظل أفعالها القومية متضادة .
أخونا الماركسي المجدد رأى في اقتراف تجـاوزات عديدة لما يـعتبره حتى رفاقه خطوطا حـمراء إنما هو انتصار مستحق لمشروع " الثورة القومية البورجوازية " . لقد وصل به الأمر إلى أن يستغبي لينين ويخطىء ماركس .
يرى ماركس أن الطبقة الوسطى من فلاحين وصناع وحرفيين ـ ويضيف إليهم إنجلز المثقفين ـ هي رجعية بحكم طبيعة أساليب إنتاجها . إنها تبدأ بالوقوف في وجه البورجوازية الكبيرة المتطورة نحو الرأسمالية المكتملة وذلك دفاعا عن تقسيم العمل الذي يكرس لها انتماءها الطبقي ، وتنتهي بالوقوف في وجه الطبقة العاملة المتطورة نحو الشيوعية ولذات السبب . فما إن بدت علائم الانهيار على المعسكر الاشتراكي حتى تدافع المثقفون المتمركسون مستلين خناجرهم لإعمالها في جسد الماركسية بحجة تجديدها أو تحديثها أو أحيانا أنسنتها يساعدهم على ذلك أن العالم لم يدرك بعد أن الانهيار الاشتراكي كان من صناعتهم وحدهم دون سواهم . هم الذين اغتالوا الاشتراكية وهم الذين يتدافعون اليوم لإجراء عمليات الإنقاذ للاشتراكية ـ بهدف الإجهاز عليها في غرفة العمليات ! أي نفاق هذا ؟! إنهم الأدهى مناورة في حـربهم دفاعا عن تقسيم العمل .
وهكذا يذيع أخونا الماركسي المجدد بيانه الثوري للعالم يعلن فيه ( غباء ) لينين و ( خطأ ) ماركس . فلينين كما يفاجئنا إعلانه لم يكن على مستوى فهم ماركس والتبست عليه قراءة الماركسية (كذا!) حتى توهم أن كسر السلسلة الرأسمالية العالمية في أضعف حلقاتها يمكن أن يكون انطلاقة الثورة الاشتراكية العالمية . فكانت ثورة أكتوبر 1917 قي روسيا التي ، كما أعلن ، لم تستطع أن توفر شروطا تتجاوز الشروط التي توفرها الحلقات الرأسمالية المتطورة ـ معللا أن الإيديولوجيا لا تحل محل الآليات ( وهو الكلام الحق لكن في غير محله ) . وهو لذلك يتمنى لو لم يؤيد الاشتراكيون لينين والبلاشفة بل كاوتسكي والمناشفة ـ إن أمنيته ليست في محلها فعامة الاشتراكيين الأوروبيين لم يؤيدوا لينين والبلاشفة بل كاوتسكي والمناشفة ولا عجب فهؤلاء قومنوا الماركسية مثله وأيدوا الاشتراك في الحرب العالمية الأولى لإعادة تقسيم المستعمرات ـ ثم تمنى أخيرا لو أن ثورة أكتوبر لم تقم أصلا ! ! ـ ولعل أخانا لم يفطن هنا إلى أن دهاقنة الإمبريالية وزعماء النازية والفاشية كانوا بالطبع قد شاركوه في هذه الأمنية .‍‍
زيف التجديد في الماركسية يظهر أولا في الإنزياح عن المادية الديالكتيكية ، القانون العلمي للتطور، سواء باتجاه المثالية كما في حالة الدكتور سمير أمين الذي يعطي للإيديولوجيا دورا أكبر من دورها الحقيقي ، أم باتجاه المادية الميكانيكية كما في حالة أخينا المجدد . لن نتوقف أمام إنكاره للعلاقة الجدلية بين الواقع الاجتماعي والإيديولوجيا والدور الأساسي للإيديولوجيا في تطوير أدوات الإنتاج ثم في إعادة تشكيل علاقات جديدة للإنتاج ، لكننا يجب ألا نتجاهل الإنجازات العظمى التي حققتها ثورة أكتوبر تلك الإنجازات التي ما زالت مثار دهشة العالم كله والتي لم يكن يتوقعها حتى لينين نفسه . ففي نهاية الثلاثينيات كانت ألمانيا النازية أقوى حلقات الرأسمالية العالمية وفي بداية الأربعينيات وحتى أواسطها جرت مواجهة شاملة بين النظامين الرأسمالي النازي في ألمانيا مجندا خلفه كل الموارد الأوروبية المادية والبشرية من جهة وبين النظام الاشتراكي في الاتحاد السوفياتي ولم يكن قد مضى على شروعه في التنمية الاشتراكية أكثر من إثني عشر عاما من جهة أخرى . فماذا كانت النتيجة ؟ الاتحاد السوفياتي الذي كانت شعوبه تبيت على الطوى حتى منتف العشرينيات والذي لم يكن قد نفذ أية برامج تسليحية مكثفة قبل الحرب ، استطاع خلال عام واحد فقط بعد العدوان الهتلري أن يلقي في ساحة المعركة أسلحة تبز الأسلحة الألمانية كما ونوعا رغم امتناع الولايات المتحدة وبريطانيا عن تزويده ببعض المعادن الضرورية كالألمنيوم . وأخيرا استطاع الاتحاد السوفياتي وحيدا تقريبا وفي وقت قصير نسبيا أن يدمر ألمانيا النازية التي استكانت أمامها كل الدول الرأسمالية العظمى وأن يدك برلين ووكر هتلر ليصون لكل شعوب الأرض حريتها ويدفع عنها العبودية التي كان هتلر يخـطط لفرضها على كل رقـاب بني البشـر لألـف عام . لقد أجمع كل خبراء الاستراتيجيات العسكرية على أن الفضل الأول والأخير في تحطيم النازية يعود فقط لثورة أكتوبـر الاشتراكية .
هذا فقط يكفي لابطال أية مزاعم حول القراءة الملتبسة للينين ويجدر هنا أن نعيد أخانا إلى شهادة الكاتب البريطاني الشهير برناردشو حين وصف المجتمع السوفياتي بعد رحلة طاف بها أرجاء الاتحاد عام 1933 قائلا .. " هذا هو المجتمع الذي تحلم به البشرية " ، وأعيده أيضا إلى ذات الصحافة الأميركية عام 1936 وقد أفاضت في الحديث حول رغد العيش في الاتحاد السوفياتي . ثم جميعنا يعلم تماما أنه لولا وجود الاتحاد السوفياتي قاعدة راسخة للثورة الاشتراكية العالمية فيما بعد الحرب العالمية الثانية لما قامت وتطورت حركة التحرر الوطني في كل أرجـاء العالم الثالث . إنجازات الإتحاد السوفياتي أكثر من أن تحصى غير أننا هنا يجب أن نعترف بالحقيقة المرة التي تقول بكل بساطة أن الاتحاد السوفياتي وخلال فترة وقوعه فريسة لعصابات المرتدين والمجددين 1960ـ1990 كان ينتج من أسلحة الدمار الشامل والتقليدي أكثر مما ينتجه العالم كل العالم . المجددون المرتدون فرضوا على الطبقة العاملة السوفياتية أن تنتج الأسلحة مادة الموت التي تتعارض وطبيعة الاشتراكية بدلا عن البضائع المدنية مادة الحياة والنسغ الصاعد لشجرة الاشتراكية . بهذا الإسار التآمري القذر حوصرت الطبقة العاملة السوفياتية وقضي على مشروعها وحافظ المتآمرون ، طلائعيو الطبقة الوسطى ، على تقسيم العمل .
أما استخطاء ماركس فإنه يطرح أول ما يطرح مسألة إنتماء أخينا المجدد للماركسية أصلا ليحرمه بعدئـذ من التـبرع بتأييد الماركسيين العرب لمشروع " الثورة القومية البورجوازية " حيث لا يكفيه القبول بالماركسية تعمل داخل القانون الرأسمالي فقط طالما أن رفضه للماركسية تعمل خارج القانون الرأسمالي يجعل منه خصما للماركسية . يظهر ذلك ليس من خلال تأييده ل " الثورة القومية البورجوازية " ول " آليات السوق " التي تسحق العمال دائما فقط ، بل أيضاً من خلال فهمه للديموقراطية البورجوازية التي تقوم على .. " المؤسسات والحق والحق العام " . لقد سخر ماركس بحدة من " الحق " و " الحق العام " ومن مثل هذه التعابير البورجوازية الجوفاء تماما إذا ما جردت من قرينتها الطبقية . فالحق هو مفهوم بورجـوازي ولـد بولادة البورجـوازية . والحق العام هو حق الطبقة البورجوازية المهيمنة . كما أن "المؤسسات " هي بالتالي دوائـر قمع طبقية . الديموقراطية البورجوازية هي اسم لمسمى خاصته الأساسية القمع الذي لا يتوقف للطبقة العاملة . وبذلك تكون دولة الديموقراطية البورجوازية هي ذاتها دكتاتورية البورجوازية بلا روتوش . وما دام الأمر كذلك فإن أي تحول ثوري في االمجتمع الرأسـمالي يستدعي بالضرورة أن تخـلف دكتاتورية البروليتاريـا دكتاتورية البورجوازية. وعليه يقول ماركس في نقده لبرنامج " غوتا " .. " هناك فترة انتقالية بين المجتمع الرأسمالي والمجتمع الشيوعي يتم فيها التحول من الأول إلى الثاني ، ويتطابق مع هذا عبور سياسي تكون الدولة فيه دكتاتورية البروليتاريا وليس أي دولة أخـرى " .
دكتاتورية البروليتاريا هي ركن أساسي من أركان الماركسية ورفضها يعني بالتأكيد رفض الماركسية جملة وتفصيلا. الآلية الرأسمالية تبني مجتمعا رأسماليا يختلف في كل شيء عن المجتمع الشيوعي . فما هي السلطة المؤهلة لفكفكة كل بنى المجتمع الرأسمالي وإعادة بنائها مجتمعا شيوعيا ؟ إنها دكتاتورية البروليتاريا دون شك . الطبقة الوسطى الوضيعة التي تضم الفلاحين والحرفيين والمهنيين والمثقفين ترفض بالطبع وتقاوم انتقالها إلى المجتمع الشيوعي مستخدمة كل صنوف الأسلحة لديها بما فيها المكر والخديعة اللذين تحسنهما حفاظا على التقسيم الاجتماعي للعمل ونموذجها الخاص في الإنتاج . فما هي السلطة المؤهلة للانتصار في مثل هذه المواجهة الشرسة حتى النهاية ؟ إنها دون شك دكتاتورية البروليتاريا . الوقائع التاريخية القريبة برهنت على صحة هذا المبدأ الماركسي اللينيني الأساسي . فما إن تخلى الحزب الشيوعي السوفياتي عن دكتاتورية البروليتاريا رسميا عام 1959 حتى حدث أول انهيار لخطة تنموية سوفياتية 1959ـ1965 وكان انهيارا فضائحيا استحق على إثره خروتشوف الطرد من الحزب .
ما يثير السخرية أكثر من أي شيء آخر هو تحول " الماركسيين المجددين " عن المشروع الماركسي المعروف للبحث في دفاتر التاريخ القديمة عن بقايا المشروع ليبدأوا بمضغها حتى ولو كان مذاقها دم البروليتاريا .
مشروع " الثورة القومية البورجوازية " ليس أكثر من ردة فعل غاضبة على الإفـلاس الثوري . الرد العاقـل المحسوب على الانحسـار الثوري وعلى الضغوط المختلفة التي تهدد مسيرة التنمية الوطنية سواء من جهة صندوق النقد الدولي أو من جهة منظمة التجارة الحرة أو من الدول الصناعية السبع الكبار ، الرد العاقل فقط يجب أن يتركز في بناء دولة " الديموقراطية الشعبية " لأنها الدولة الوحـيدة القـادرة على مواجهة مختلف التحديات . فالمنتجون الحقيقيون ، العمال والفلاحون والرأسمالية الوطنية ، هم أدرى الناس بحل مشاكلهم التي هي مشاكل الانتاج والتنمية الوطنية . لهم أن يدخلوا في شراكة عادلـة يقتسمون فيها السلطة بموجب ميثاق وطني. دولة الديموقراطية الشعبية هي الدولة الوحيدة من بين كل أشكال الدولة التي تستغني عن آلة الدكتاتورية في مساحات واسعة لكنها مع ذلك لم تُستثن من رفض أخينا الماركسي المجدد .

فؤاد النمري
www.geocities.com/fuadnimri01



#فؤاد_النمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من ينقض ماركس ! (3)
- لماذا الديموقراطية لغير الديموقراطيين؟
- إنتفاضة أكتوبر لم تكن ثورة ولم تكن إشتراكية
- أين هي الشيوعية اليوم ؟ (2)
- الأفكار الثلاث الأهم حول ثورة أكتوبر
- كارل ماركس في السودان !!
- أين هي الشيوعية اليوم
- وهل ارتفعت الإيديولوجيا يوماً لتسقط؟
- الدين والدولة
- الخمسة الكبار وأزمة العالم
- المأزق التاريخي الفاصل
- الصراع الطبقي وراء انهيار الإتحاد السوفياتي
- تكعيك) أو تفكيك الماركسية )
- ماهيّة -الصحوة- الإسلامية
- ما هي الحرية
- نهاية التاريخ وفرانسس فوكوياما
- الجديد في - النظام - الدولي
- الحق- ليس إلا مفهوماً بورجوازياً باطلاً -
- الإشتراكية ليست نظاماً اجتماعياً
- المفهوم الغائب للفكر


المزيد.....




- هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال ...
- الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف ...
- السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا ...
- بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو ...
- حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء ...
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ...
- جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر ...
- بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
- «الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد ...
- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»


المزيد.....

- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات ... / شادي الشماوي
- المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب - ... / شادي الشماوي
- ماركس الثورة واليسار / محمد الهلالي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - - قومنة - الماركسية !! (1)