"بشرى" من مجلس الحكم
حول فتوى اعادة حكم الاعدام
مجلس الحكم الذي اسسته امريكا تحت غطاء "الحكومة العراقية المؤقتة"، هو وجه للسيناريو الاسود الذي فرض على جماهير العراق. ها قد مضى 6 اشهر على اسقاط النظام البعثي و عدة اشهر على تشكيل مجلس الحكم، حدثت خلال هذة الفترة اكبر حملات التدمير و النهب، وفرضت اشكالا عديدة من الويلات و الضغوطات الرجعية على الجماهير، ولكن ما يسمى عملية البناء لم تفلح في اعادة الحياة حتى الى احد خطوط الهاتف المدمرة. ولكن يبدو بأنهم حريصين جدا على اعادة تشكيل اجهزة القمع، ولذلك يؤكدون على ضرورة اعادة حكم الاعدام قبل ان ينبسوا ببنت شفة عن تأمين الخبز و الماء النقي والامن و ابسط مستلزمات الحياة اليومية.
ففي الاوضاع المأساوية الراهنة تسارع ديمقراطية مجلس الحكم الهزيلة، على لسان احد اعضائه الى زف بشرى "اعادة العمل بحكم الاعدام بعد انتقال السلطة الى ايدي العراقيين". اياد علاوي الذي لم يكن يممثل سوى نفسه ولم يك له ابدا عملا او كلمة جدية، يفتى الان و بأسم اعضاء مجلسه بحكم الاعدام. وبالرغم من ان علاوي لم يكن شخصية جدية و ليس له كلمة جدية، و لم يكن يمثل أي توجه سياسي و أي بديل محدد، الا ان تصريحه هذا يجب ان يؤخذ بجدية و بوصفه نية مجلس الحكم.
طبعا يتظاهر هذا المحترم بأنه يعلن هذه الفتوى اخلاصا للعراقيين و يقول ان " مجلس الحكم يرى بان اعادة العمل بحكم الاعدام ضروري من اجل استقرار العراق". ان ابطال الدمقراطية هؤلاء والذين كانوا يشجبون نظام صدام بسحق حقوق الانسان لانه كان يمارس حكم الاعدام، الا انهم لا يجدون اية وسيلة لايجاد "الاستقرار" في العراق سوى الركون الى الموهبة و الاسلوب الوحشيان لنفس النظام الفاشي.
لندع الان جانبا بحث حكم الاعدام و لنحاول معرفة ما يقصد هذا المحترم بـ "الاستقرار"؟ هل يعني به القضاء المبرم على الارهاب و التفجير والقتل اللامتناهي؟ تنفذ الشراذم المتخلفة من البعث جزء من هذه الجرائم، و لكن ليس بأمكان مجلس الحكم ولا حكم الاعدام القضاء عليها. ان ذلك مرهون بخروج قوات امريكا و تحالف و قيام ظروف تنعم الجماهير في ظلها بسعادة و رفاهية، بحيث تعمل بكل جهودها للحفاظ عليها و لايضطر احد للانخداع ببقايا نظام البعث بدافع العوز. و هذا ما لا يشغل أي حيز في برنامج مجلس الحكم. و لذلك لايمكن القضاء على هذا حتى اذا اعدم علاوي و اصدقائه ضعف ما تقتله هجمات البعث.
الا ان علاوى و مجلسه يغضان الطرف عن حقيقة ان جزءا ملحوظا من هذا القتل والتفجير والاعمال الارهابية تنفذ على ايدي الزمر الاسلامية المشاركة في مجلس حكمه. و يتفاخر (ابناء لادن) المتواجدين داخل مجلس الحكم بصلافة من منابر الجوامع و يفتون من منابرهم. ويمارسون جرائم قتل النساء تحت طائلة الشرف، تماما كما فعل فدائي صدام سابقا، يفجرون دور السينما و محلات بيع المشروبات ويمنعون بهدير القنابل الشباب من الاستمتاع بالموسيقى والاغاني. والجزء الاخر من هذا الاقتتال هو نتيجة للقوموية التي تخوضها الاحزاب و الجماعات الكردية والتركمانية و العربية في المناطق المحيطة بمدبنة كركوك. ولان مجلس علاوي و هيئاته المختلفة تتكون من رؤوس هذه الجماعات المدانة فانها تشكل بذاتها احد اسباب عدم "الاستقرار".
ربما يدعى السادة حملة راية اعادة الاعدام بانهم يسعون من وارء ذلك وضع حد لعمليات السلب و النهب الذي يتعرض له المواطنين. هذا ايضا ادعاء فارغ. ذلك ان اكبر عمليات السلب التي ترتكب في هذا المجتمع تنفذ من قبل العصابات التابعة للاحزاب والجماعات المنظوية في مجلس الحكم. فالجماعات الاسلامية سلبت باسم "الخمس" مبالغ كبيرة تضخمت حتى صارت محورا لصراع كبير بينها يهدد بالانفجار في اية لحطة من اجل الحصول على سهم اكبر. والاحزاب القومية الكردية التي نهبت مدن كركوك والموصل، كلفوا مسئوليهم الكبار واستورد خبراء لامعين من الخارج لتنظيم اكبر عمليات النهب تحت يافطة وزارات وهيئات كردية متعددة. هيأت هذه الاجواء ارضية مناسبة لبروز مختلف اشكال العصابات لممارسة هذه المهنة القذرة.
يحاول علاوي ومجلسه اللذان يلعبان الدور الاكبر في هذه الاعمال تحويلها الى مبرر لفرض العمل بحكم الاعدام ضد الجماهير. هل بامكان هؤلاء سادة الديمقراطية المستوردة عن طريق الحرب ان يحددوا الكم الذي يجب اعدامه لخلق "الاستقرار"؟ ان ما يتهيأون لتنفيذه، هو اسلوب و تقليد الانظمة المتهورة والدموية ليس الا و ليس له اطلاقا أي دافع أو غرض انساني.
ولكن الحقيقة هي ان لا المسائل التي اشرنا اليها و لا القائمة الاخرى من مبررات "ضرورة حكم الاعدام" التي ربما يقوم السيد علاوي و زملائه بذكرها لنا، تمثلان الغرض الرئيسي من اعادة حكم الاعدام. اثبت التاريخ عمليا بان سوق أي تبرير لهذا التقليد الوحشي، سيحصد اولا الناشطين السياسين المعارضين للنظام و والجماهير المحتجة والمطالبة بتحقيق مطالبها. أولم يسق هتلر، موسولني و ستالين حججا اقوى من "استقرار" علاوي لبحور الدماء الانسانية التي أراقوها؟ و نظام صدام الذي يعتبر احد رموز الاعدام الجماعي كان يبرر تشريع حكم الاعدام بـ "الامن القومي" وما يشبه تخرصات علاي. و برر كذلك خميني و النظام الاسلامى الرجعي الملطخة اياديهم بدماء مئات الالوف بترهات مماثلة.
يجب على جماهير العراق ان تاخذ حكم و فتوى علاوي و مجلسه مأخذ الجد. ذلك ان هذا ما بامكانهم تنفيذه في اول خطوة. تتعطش زمرهم الاسلامية لسفك الدماء و ليس بامكانهم العيش دون ذلك. مارست الاحزاب القومية الكردية طوال اعمارها هذا التقليد في الجبال و في المدن، اعترف جلال الطالباني بنفسه من على شاشة التلفزة توقيع حكم الاعدام. و ملفات البقية الباقية من شركاء البعث القدامى و صنائع المخابرات الامريكية مكشوفة. و لذلك فان هذا المركب الخليط الذي لا يقبض على زمام السلطة حتى الان ليس الا بيدق لعبة امريكا يتناوبون على الرئاسة حسب الحروف الابجدية، اذا منحت الايام هؤلاء "العرفاء" السلطة فانهم سيجعلون الاعدام، دون شك، نصيب معارضيهم و كل من يواجههم بكلمة (لا). وليس بعيدا عليهم ان يكونوا قد اخفوا وسائل الاعدام التي كانت بحوزة صدام و عدي و قصي ليعودوا اليها عند الحاجة.
ان حكم الاعدام هو تقليد وحشي حتى النخاع ولاانساني ولا يمكن تبريره. كما يتحدث منصور حكت، قائد الشيوعية العمالية، ان قتل اسير حي يتطلع في وجهك هو قساوة لا متناهية. ان هذا الموروث هو تقليد الانسان الوحشى الذى كان يأكل بعضه البعض اثناء العصور الحجرية و حافطت عليه الانظمة الطبقية المستغلة من اجل الابقاء على العالم المقلوب. ان هذا التقليد البربري لا يلق بالانسان، فلم يولد الانسان من اجل القضاء عليه في يوم ما حسب الرغبات والمصالح الحقيرة لزمر متجردة من اية مشاعر و احساسات انسانية.
ان هذا تقليد وحشى و ليس افضع من الكذبة التي تبرره بوصفه اجرءا للقضاء على الجريمة. لم يتمكن أي من رموز الاعدام من الجلادين؛ هتلر، ستالين، موسولني، صدام و الخميني من القضاء على الظواهر التي كانوا يقصدونها رغم تسييرهم لبحور الدماء و امواج الاعدامات. بالعكس ان الاعدام هو بذاته جريمة صارخة وسبب اساسي لاشاعة الاجرام في المجتمع، انه سبب للترويض على قتل الانسان. ان النظام الذي يلجأ الى اعدام الانسان من اجل مراميه، يربي الناس على اللجوء الى قتل الاخرين من اجل مراميهم ايضا. ان العصابات التي تقوم بقتل الانسان يوميا لاتفه المرامي، هى رضيعة سنن نظام البعث و اشباهه.
يجب ان لايمر هذا الدجل على جماهير العراق، يجب منع حكم الاعدام نهائيا، ان لكل معضلات المجتمع الانساني حلول انسانية. اذا كان المقصود هو فعلا القضاء على الجريمة و توفير الاستقرار من اجل حياة وسعادة الناس، فان من المؤكد بان الحل الانساني يكلف اقل بكثير مما يتطلبه الصرف على تهيئة اجهزة و مؤسسات و وسائل الاعدام، و سيكون له بالتأكيد اثرا جديا و بالغا في القضاء على الجريمة. ولكن الواقع هو ان ليس بالامكان القضاء على اشكال الجرائم طالما بقي نظام اجرامي يسود على المجتمع البشري. ان منع عقوبة الاعدام هو خطوة جدية و ضرورية في سبيل القضاء على الجريمة واقامة نظام ومجتمع انساني يخلو من الظلم والجريمة.