|
التحاق الشجعان بالقوى السياسية
حسن أحراث
الحوار المتمدن-العدد: 2001 - 2007 / 8 / 8 - 05:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تحت إلحاح كثير من الرفاق، قررت أن أنشر مقالا هاجمه الكثيرون دون قراءته، وإذ أعتذر لصاحبه لأنه يتعذر علي أخد موافقته على هذا النشر، وأؤكد بأن هدفي أولا وأخيرا يبقى نضاليا وبعيدا عن الحسابات الضيقة.
كاتب المقال هو الرفيق حسن أحراث، مناضل مستقل ومعتقل سابق على اثر انتفاضة 1984 الشعبية، قبل اعتقاله كان يناضل في صفوف الطلبة القاعديين وحاليا يشتغل كموظف ولا تربطه أي علاقة تنظيمية بالنهج الديمقراطي القاعدي، وتعامل الطلبة القاعديين معه كتعاملهم مع باقي مناضلي الشعب المغربي قد يتفقون معهم في بعض الأفكار والمواقف، وقد يختلفون معهم، ومن تعنيه مواقف النهج الديمقراطي القاعدي فهي مسجلة في بياناته ووثائقه، ومن تعنيه مواقف هؤلاء المناضلين فهي مسجلة في المقالات التي يوقعونها بأسمائهم، ومن يعنيه تهيئ الملفات البوليسية فهذا الخطاب غير موجه له.
المقال عنونه الرفيق "وجهة نظر... التحاق الشجعان بالقوى السياسية"، كتبه للمشاركة في ندوة سياسية نظمتها جريدة "اليسار الديمقراطي" في النصف الأول من تسعينات القرن الماضي حول تجمع ما يسمى مناضلي اليسار الجديد، وتناول المقال نقطة واحدة هي العلاقة مع الأحزاب القائمة آنذاك بالمغرب، ووجه الدعوة بطريقة لا تخلو من السخرية إلى المتحمسين لتشكيل تنظيمات سياسية لا تحمل مشاريع بديلة عن هذه الأحزاب بتقصير المسافة والالتحاق بها ، وتسمية هذا ب "التحاق الشجعان". ودعا مناضلي الشعب الحقيقيين إلى تضمين خوض الصراع ضد هذه الأحزاب في برنامجهم، كون الصراع ضد النظام والقوى الظلامية تحصيل حاصل.
بعض الذين هاجموا المقال قدموه كوجهة نظر من داخل الحركة الطلابية تتعارض مع البرنامج المرحلي الذي طرحه الطلبة القاعديون. وكما يتضح من المقال فهو لم يتناول الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ولا الحركة الطلابية ولم يضع لنفسه مهمة الإجابة على أزمتها ولا رسم آفاقها لأن هذا يخرج عن محور نقاش الندوة التي تقدم خلالها.
البعض كذلك هاجم المقال انطلاقا من العنوان، واعتبر المقال دعوة للطلبة القاعديين للالتحاق بالأحزاب السياسية القائمة، هؤلاء الذين قرؤوا وهاجموا المقال بهاتين الطريقتين لم يتسموا بالموضوعية والمبدئية في تعاطيهم وعملوا على نشر الأكاذيب والتلفيقات واعتمدوا على الدعاية الشفوية التي تتقلب بسرعة قياسية حسب المتلقي ولا يمكنون هذا الأخير من الاطلاع على المقال حتى لا تنفضح أكاذيبهم. هذه الدعاية انطلقت من الحركة الطلابية من طرف مناضلين استغلوا الاختباء وراء راية الاختلاف للهروب من محاسبة رفاقهم في النهج الديمقراطي القاعدي سجلوا عليهم إما مخالفات أخلاقية أو أخطاء فادحة أو إخلالا بالالتزامات النضالية داخل الجامعة.الواقع النضالي كان يفرض على هؤلاء أن يقبلوا بالمحاسبة النضالية والقيام بمحاولات جادة لتصحيح أخطائهم إذا ثبتت. وان كان هناك اختلاف أن يضعوه في الموقع الصحيح. فالرفيق حسن أحراث مواقفه تلزمه ولا تلزم الطلبة القاعديين،أما النضال في الجامعة تحت لواء النهج الديمقراطي القاعدي يحدده الالتزام بالماركسية اللينينية كمرجعية فكرية والالتزام بالثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية في المغرب والالتزام بالبرنامج المرحلي كإجابة علمية على الأزمة الحالية للحركة الطلابية المغربية. إن الاحتكام إلى هذه العناصر هو الذي يجنب المناضلين القاعديين الصراعات القاتلة التي يتمناها أعداؤهم.
البعض الآخر من الذين هاجموا المقال لم يقرؤوه وهم كثيرون واستسلموا للدعاية الشفوية. لهؤلاء أنشر هذا المقال لقراءته والتعقيب عليه شريطة الالتزام بأدبيات النقاش المتعارف
عليها في الساحة النضالية، تكون الاستفادة من ردودهم جماعية وهادفة.
مقدمـــــــــــــــــــــــــة:
أولا : لا أدعي محاصرة هذا الموضوع من كل جوانبه لأن ذلك من بعض الزوايا يتطلب عملا جماعيا منتظما وانسجاما كبيرا بين المعنيين، كما لا أدعي الإدلاء بالجديد بهذا الشأن لأن ما قمت به ليس في الواقع سوى تجميعا أوليا لأفكار مشتتة في مواقع مختلفة. وأتمنى أن يكون هذا العمل حافزا/استفزازا لأصحابها (أعني أصحاب الأفكار المشار إليها) لإعمال ما يكفي من الإمكانيات لصياغة وجهة نظر نهائية ومتكاملة.
سأحاول إذن تسطير الخطوط العريضة لرؤية أعتقد اعتمادا على معطيات مادية أنها سترسم البوابة الواسعة لتخصيب الصراع الطبقي ببلادنا ولتطوير أدواته بما في ذلك من إرباك للنظام وقلب لحساباته الرامية إلى خلق توازنات جديدة مسايرة للتطورات التي تعرفها الساحة السياسية وطنيا ودوليا ومواجهة للتحديات التي تحاصره اقتصاديا وسياسيا وعسكريا ودبلوماسيا(علاقات متوترة مع السوق التقليدية، حضور باهت في المحافل الدولية، عدم ارتياح- خارجي- لسير "عملية الإصلاح السياسي والدستوري"، حملات التنديد بالوضعية المتردية التي عليها الحال في مجال حقوق الإنسان...)
ثانيا: لا أحد يستطيع أن ينكر- إلا عن جهل أو مزايدة- أنه قد سكب من المداد الكثير حول ما يعرف ب"اليسار الجديد" وللدقة الحركة الماركسية- اللينينية)الحملم(. وهذا بالطبع أي مضمون هذا المداد لا يشرف هذه الحركة ولا الغيورين عليها كتجربة غنية وتراث نضالي كتب بالدم والتضحيات العظيمة، خاصة وأنه إلى حد الآن لم تلح في الأفق أية بارقة أمل حقيقية نحو مغادرة دوائر التساؤل والوصف والمزايدات وكذلك ردود الفعل المتسرعة وحتى التحالفات المشبوهة والبحث عن الزعامة ولو على أكتاف أعداء هذا اليسار بما يستدعيه ذلك من تنازلات وطعن في التجربة وتسميمها، مع العلم أن المداد الذي سكب حتى الآن لم يتناول صلب التجربة ولم يسطر خلاصاتها العلمية ودروسها الثمينة. وإن حظوظ نجاح أية محاولة في هذا الاتجاه لا يمكن أن تكبر إلا عندما يتم ذلك أي التناول في الظل للتخلص من كافة أنواع الرقابة ومن طرف جهة منسجمة سياسيا وإيديولوجيا وذات سلاح نقذي علمي وبعد تجميع ما يكفي من الأدبيات والوثائق والأخذ بكافة الخيوط.
لذا أقترح بكامل المسؤولية:
- إما الالتحاق بأي شكل من الأشكال بالقوى السياسية التقليدية.
- أو خوض الصراع ضدها على اعتبار أن الصراع ضد النظام والقوى الظلامية والرجعية من تحصيل الحاصل. ولا أعتبر هذا الصراع رغم ذلك سوى أحد النقط التي قد يتضمنها برنامج نضالي مرحلي.
الالتحاق بالقوى السياسية:
لقد تحلى بعض شيوخ "اليسار الجديد" وشبابه بجرأة ناذرة وأعلنوا مبكرا عن مواقف وأفكار بدت غريبة حتى عهد قريب وتوج بعضهم ذلك إما بالانسحاب أو بتأسيس حزب جديد (حالة منظمة العمل) أو بالانخراط في الأحزاب السياسية. وقد تريث جيل آخر حتى السنين الأخيرة حيث مهدت له التحولات الدولية المعروفة للقيام بذلك. والآن ما فتئت الجرأة (المريحة) تتوسع مما يعني أن عدد الجريئين في تزايد مطرد، ومن بين الأفكار التي لم يخل مقال أو بيان من رائحتها وفي أحيان كثيرة من لحمها ودمها هناك الإشادة إلى حد الافتنان بأداء ما يسمى ب"القوى الوطنية والديمقراطية" وعطائها والإجماع على ضرورة التنسيق معها والعمل بجانبها وبصيغة أخرى التكامل معها.
وما دامت الحال هكذا، فالجرأة كل الجرأة تقتضي إعلان التفكير الجماعي في الالتحاق اكتساح/إغراق هذه القوى وإحداث الاختلال في موازين القوى داخلها وبالتالي تجسيد المشاريع المقترحة داخل حضيرتها على اعتبار أن المشاريع المذكورة تتقاطع في جل نقطها مع برامج هذه القوى ومادام هناك أيضا استعداد للتعامل معها جنبا إلى جنب داخل الإطارات الجماهيرية وبدون أي مركب بل ورهن أي فعل بمشاركتها وإسهاماتها أو على الأقل استشارتها ( لا ننفي وجود نقط خلاف معها، لكنها في أسوء الحالات خلافات من حجم الخلاف بين مكونات"اليسار الجديد" أو بين أعضاء هذه القوى أنفسهم). وأكثر من هذا فالنقطتان الحساستان المتعلقتان باحترام المقدسات واللتان قد تعوقا فرصة الالتحاق قد وجدت مخارج لهما: فالكل يتبنى بهذا المعنى أو ذاك قرارات الأمم المتحدة بخصوص الصحراء أي إجراء الاستفتاء، أما بخصوص الملكية فما قال به نوبير الأموي بوضوح "الملك يسود ولا يحكم" هو عينه ما يتردد الآن وإن بشيء من الغموض والتردد، وهناك من لا يعتبر هذا مشكلا أو عائقا، بل ذهب إلى حد الدعوة لإقامة علاقات طبيعية مع الكيان الصهيوني ودون حتى أن يطلب منه ذلك.
ومن باب الفضيلة إعادة الاعتبار للشباب الذي فطن إلى هذا المخرج من مثل موقعي "بيان إلى الشباب المغربي"، هذا الأخير الذي أثار سخط الكثيرين (منظمة "إلى الأمام" مثلا عبر جريدتها المركزية) عندما دعا وبدون لبس وبيقينية إلى الانخراط في الأحزاب السياسية، وتعبر هذه الدعوة على نضج أصحابها وعلى تفوقهم في قمع أنانية البورجوازية الصغيرة في ذواتهم والتخلص من عقدة "الخطيئة الأصلية" أي الانتماء الطبقي للبورجوازية، وقد يساهم الانخراط المقترح في"دمقرطة" القوى التي تنادي ب" دمقرطة" المجتمع والسلطة ويجسد التعايش مع الآخر (تعدد الآراء) ويرسخ قواعد الحوار الديمقراطي( المتحضر). ولأفتح باب التفاؤل على مصراعيه، أدرج الفقرة التالية من خطاب محمد بنسعيد أمام المؤتمرين( الشق الثاني من مؤتمر المنظمة) :
"يعنينا في منظمة العمل أن نجد للخلافات الطبيعية أسسا ديمقراطية بإشراك أوسع المناضلين والمناضلات في الحوار والقرار والنضال"( أنوال، العدد 1528).
وأذكر باعترافه بل بتقبله في نفس الخطاب المشار إليه لوجود تيارات وأطراف داخل المنظمة، هذه الأخيرة التي ليس أسلم لإنقاذها من الالتحاق بها والعمل تحت لوائها، وهو في نفس الوقت اعتراف لأطرها بسبقهم وبحسهم السياسي الرفيع عندما عانقوا الشرعية في وقت مبكر وأداروا ظهرهم ل"تجربة الحلم والغبار" (كما راق لعبد القادر الشاوي أن يختزل تجربة الحملم) وتحملوا كل الصفات القبيحة التي نعتوا بها وكل الإهانات وأشكال التجريح. وأضيف لتأكيد اعتراف أمين عام المنظمة وتقبله، ما ورد في جريدة أنوال (العدد 1529) :
«...وعاد الرفيق- أي بنسعيد- للتنبيه ? الذي تعرفه حركة التحرر الوطني في العالم العربي...وأعطى مثالا بالحركات الفلسطينية وما تعج به من تنظيمات وصلت إلى العشرات "مؤكدا على ما يكتسيه العمل الوحدوي من أهمية وحساسية" وعلى ضرورة نموه وتطوره باعتبار ذلك المدخل الأمثل لتخرج حركات التحرر من وضع التشرذم والضعف والتردي وتتجه نحو النماء والعطاء...»
وعلى مستوى آخر فالالتحاق قد ينمي حظوظ بناء أدوات المجتمع المدني كما أرادها المعنيون أو حتى كما أرادها غرامشي وسيدعم مواقع الأعضاء الأكثر جذرية في صفوف لأحزاب( يتم الحديث عن تيارات جذرية في الأحزاب: تيار الأموي مثلا) كما أنه سيفتح أبواب الالتحام/التواصل مع قاعدة الأحزاب التي نسمع بأنها واسعة، وعن طريق شيء من التأني(انضبط الأموي داخل السجن وخارجه ومازال منضبطا رغم كل التجاوزات التي مارستها قيادة حزبه والتناقضات التي اتسمت بها. والحديث هنا عن الانضباط ينطلق من أو يعتمد على التحليل الذي يقول/يخلص/يصل إلى أن الأموي يشكل تيارا داخل الاتحاد الاشتراكي) يمكن تحقيق ما تم العجز عن تحقيقه خارج الأحزاب ويكون المعنيون بهذا المنحى قد أجابوا فعليا عن أسئلة مؤرقة كثيرة من مثل خلق الإطار السياسي، هذا الأخير الذي يكفي لدحض مبررات التشبث به - بالمقاييس المعلنة في "الأرضيات والأرضيات المضادة"- الإدلاء ب "ظاهرة" منظمة العمل وبملفاتها وبما وصلت إليه حالتها إن الداخلية، اقرأ مثلا «رسالة توضيحية مفتوحة: في "مسألة تشكيل الكتابة الوطنية"» أو في علاقتها سواء مع الجماهير أو مع القوى السياسية الأخرى أو مع النظام (عجز على مستوى اختراق الواقع ودونية مفروضة من طرف العملاقين الاتحاد والاستقلال وتهميش من طرف النظام) . مع العلم أن الانسجام الذي كان سائدا داخل المنظمة لا يتوفر منه لدى أطراف النقاشات (القديمة – الجديدة) حتى النزر القليل، وأكثر من هذا فالقطع مع الإرث الذي خلفته الحملم يجعل "أصحابنا" بدون مرجعية وبدون تاريخ وقد نقول بدون هوية. والأخطر أنه حرب شنيعة ضد الإرث المذكور ومحاولة لوأده وفي نفس الآن تدمير للطاقات النضالية وتشكيك في إمكانية أي نهوض جذري. وأدرج ما حصل في فرع الدار البيضاء أثناء انتخاب المؤتمرين(وأعني تحالف/تنسيق بعض الأطراف مع حزب الطليعة بدل التنسيق مع الأطراف الأخرى التي تخوض معها النقاش من أجل تشكيل الإطار) لأعطي للتساؤل التالي مشروعيته: أليس أولى وأسلم أن يلتحق المعنيون بالتنسيق بحزب الطليعة؟ أما الحديث عن التكتيك فيبقى لاغيا مادام الأمر يخص تشكيل إطار سياسي لمجابهة التحديات المطروحة والتي عجزت القوى السياسية التقليدية عن النهوض بها. وحتى القول بالتكامل فلا يجيب بل لا يقنعنا بوجود الجديد.إذن فهذا الالتحاق الذي يجب أن نسميه "التحاق الشجعان" قياسا على مقولة "سلام الشجعان" نظرا للعوامل النفسية والأخلاقية التي تطوقه سيختزل المسافات إلى المرمى ويحد من حرب "الأرضيات" ويقلص الأتعاب (ابتزاز القوى السياسية- بمقاييس" أصحابنا"- أرحم من ابتزاز النظام خاصة في صفقة منح الشرعية). وسيمكن من رسم الملامح الدقيقة للصراع مستقبلا وستستطيع كل الأطراف صياغة برامجها بالشفافية المطلوبة ورسم حدودها بطمأنينة على عكس الوضع الحالي اللزج (لا تعرف من معك ولا من ضدك) والذي لا يستفيد منه سوى النظام والقوى الرجعية بكافة تلاوينها. ورغم ذلك فالصراع يبقى هو دائما هو الصراع: مفتوح على كل الاحتمالات ولا تعرف الشفقة إلى ساحته سبيلا، أما النية الحسنة فعملة صدئة لا قيمة لها. وكلما تقدم الصراع كلما برزت الصعوبات والتعقيدات، إلا أنها تعد معضلات أو إشكالات حقيقية قد نقيس من خلالها قوتنا وأهليتنا لمعانقة الطموحات الكبيرة، عكس ما هي عليه الحال الآن: معارك هامشية وإشكالات مزيفة وأوهام...الخ. وحتى إذا لم يحصل هذا الالتحاق في الظرف الراهن لسبب من الأسباب وعلى رأسها الذاتية المفرطة، فسيفرض في إحدى المراحل المتقدمة من الصراع الطبقي والتي ستكون فيها أزمة الذات قد حلت. ولحسن الحظ فببلادنا تنوع سياسي مثالي يترك المجال مفتوحا للاختيار: فمن التجمع الوطني للأحرار والحركة الوطنية الشعبية مرورا بالاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية وحزب الاستقلال، إلى منظمة العمل وحزب الطليعة.
ورغم ذلك فلن يجعلنا ما ذكر نغفل المأزق الذي قد يجد فيه المعنيون أنفسهم، حالة المنظمة مثلا. إلا أن ليونتهم وتسامحهم الكبيرين واعتبارا للأهداف الإستراتيجية المشتركة، يجعلنا نرجح إمكانية الاندماج والتفاعل.
الصراع ضد القوى السياسية:
إن خوض الصراع ضد القوى ليس جهلا بموازين القوى (حركات التحرر الوطني وحلفاؤها في مواجهة الرجعية والصهيونية والإمبريالية) أو بواقع الحال الذاتي والموضوعي أو بألف باء الصراع (العدوالرئيسي، الثانوي، التكتيك، الإستراتيجية...) كما أنه ليس افتقادا للحس السياسي أو تنطعا أو مغامرة. إنه اقتناع راسخ بكونه في ظل التردي الاقتصادي والاجتماعي الراهن أحد أركان القفزة النوعية المنشودة لإعادة الاعتبار والمصداقية للفعل النضالي سياسيا كان أو نقابيا أو ثقافيا. ففقدان الثقة في القوى السياسية التقليدية من طرف أوسع الجماهير الشعبية ولأن ذاكرة هذه الجماهير أقوى من أن يدمرها عامل الوقت أو أن يستبد بها الخرف سيجعل المراهنة عليها أي على القوى السياسية حسابا خاطئا ويعطل بل يعدم حظوظ النهوض الذي سيضع حدا للمأساة التي ترجع جذورها إلى "إيكس- لي – بان" المشؤومة والمحطات الملحقة بها. ونعرف جيدا طبيعة القرابة التي ربطت القوى السياسية المتحدث عنها وتلك المحطات ودورها التاريخي في صنع المسار الذي ذهبت فيه بلادنا.
وسيخلق الصراع المرغوب فيه دينامية ستصحح المسار المنحرف للصراع الحالي الذي يعتبر في أحد أدواته مجموعة من ردود الفعل العشوائية التي تتحكم فيها من جهة المناورة و المساومة الراميتان في أبعادهما الكبرى إلى طرز التوافق الأبدي (تمثين الجبهة الداخلية، حماية المصالح المشتركة...) ومن جهة أخرى غياب آليات عمل قادرة على اختراق الواقع والحواجز المبثوثة في كل أرجائه. وسيستقطب طاقات عديدة عبارة حتى الآن عن مادة خام وسيقيها شر الانزلاق إلى الهامش أو إلى "دفء" القوى الظلامية أحد المستفيدين الكبار من الغياب الفظيع للفعل النضالي المنتظم ومن انتكاس حركة التغيير الجذري وانحسار الممارسة والأفكار الثورية ومن توسع الأفكار الانهزامية والتضليلية وانحطاط الممارسة (أي الجرأة) حتى صارت السياسة سمسرة والنقابة ارتزاقا والمناضل شيطانا ماردا لا يسلم له جانب.
وحتى الإبداع النظري سيكون له معنى لأنه سيتخلص من الضبابية والسطحية وسيجد طريقه للاختبار( لا ممارسة ثورية بدون نظرية ثورية: لينين) على قاعدة (التحليل الملموس للواقع الملموس). فجل الكتابات المتداولة في الساحة تفتقد هي الأخرى إلى المصداقية إما بفعل تعفن أيادي أصحابها أو بفعل ابتعادهم عن حقل الممارسة، وقد زاد من حذر المتتبعين غياب أو نذرة المراجع التاريخية السليمة التي يمكن العودة إليها والاستفادة منها، حتى أصبحت أية مراجعة (سلبية كانت أو إيجابية) محط ارتياب وقد تنعت بالردة. وبمعنى آخر فالساحة على هذا المستوى بحاجة ماسة إلى المثقف الثوري كعنصر/عامل أساسي في رسم الطريق إلى جانب العامل والفلاح الفقير وفي التصدي النظري لتنظيرات الهزيمة والردة ولأشكال التحريف المختلفة وفي تصحيح الأخطاء الحقيقية، أقول الأخطاء الحقيقية لأنه يتم تلبيس مجموعة من المبادئ والأفكار جلباب الخطأ كما يحصل مثلا بالنسبة للمركزية الديمقراطية حيث يوجد الخلل في كيفية تطبيقها وليس فيها هي، تماما كما يتم إسقاط فشل التجربة "الشرقية" على النظرية العلمية( أي الماركسية اللينينية).
ويمكن التركيز في هذا الصراع إلى جانب دحض أفكار الهزيمة والردة والقبول بالأمر الواقع، على فضح ممارستها البعيدة عن أن تكون معبرة عن طموحات ومصالح الجماهير الكادحة. ولاتخاذ موقف صحيح من هذه المواقف نجد أنفسنا ملزمين ليس فقط بدراسة تصوراتها وتقييم برامجها بل أيضا بتتبع ممارستها المتناقضة حتى مع شعاراتها وبرامجها(تعتبر هذه النقطة مصدر إزعاج لشبيبتها). وإن اعتمادها المساومة وإخفاء الحقائق عن الجماهير واللجوء إلى الكواليس «لجمع ما لا يجمع» ومحاصرة المعارك النضالية وإجهاضها واستثمار نتائجها لفائدة مصالحها الضيقة، كل هذا جعلها - أو البعض منها على الأقل- تبتعد كل البعد عن أداء دورها التاريخي كقوى بورجوازية بإمكانها انتزاع مكاسب عدة خاصة في ظل التطورات الأخيرة. فمشاركتها في الانتخابات والسجون مليئة بالمعتقلين السياسيين والحريات محجوزة وشروط النزاهة منعدمة، دليل على تواطئها وعمالتها الطبقية ومناهضتها للتغيير الحقيقي، لأن هذا الأخير في حالة حدوثه بما يتلاءم ومصلحة الجماهير الشعبية المضطهدة سيعصف لا محالة بامتيازاتها وبأحلامها. وأرى أنه ينطبق عليها مضمون الدعابة المتعلقة باختيار أكبر حاسد حيث طلب هذا الأخير أن تفقأ عينه لتفقأ عينا "صاحبه". فتقدم الصراع وانتزاع المكاسب سيولد بدون شك قوى جديدة قد تبلور أشكال عمل متقدمة وستسرع حتف القوى المعنية، خاصة إذا توفرت شروط تشكيل الجبهة الوطنية التي تعتبر عاملا أساسيا في الثورة البورجوازية (إشراك جميع الطبقات التي لها مصلحة في التغيير). وأؤكد من خلال هذه الإشارة أن الوحدة النضالية المتوخاة ليست إلا الوحدة النضالية المبنية على الوضوح وخدمة الجماهير. والمناضل أو أية جهة مناضلة يجب أن تكون القاطرة وليس تابعا من التوابع، وكذلك الشأن داخل الجبهة الوطنية فقوى التغيير يجب أن ترقى إلى درجة لعب الدور القيادي والطلائعي.
ولكي يكون الصراع هادفا وفعالا لا مناص من بلورة "البنية التحتية" لخطاب متميز وذي مصداقية أي تحديد آليات فعل لتصريف هذا الخطاب تكون قادرة على هزم عناد الواقع (أقصد الحقل المناسب) والتأثير فيه. والخطاب بدوره لن يكون ذا مصداقية إذا لم ينجح أصحابه في صياغة برنامج عمل مضبوط يشكل الإجابة التي تتطلع إليها أعين المقهورين ويكون البوصلة التي تقي من الانجراف وراء ردود الفعل ومن التيه في تضاريس الواقع ويكون المغناطيس الذي يلف الطاقات والسواعد.
انتهى
#حسن_أحراث (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وجهة نظر ... التحاق الشجعان بالقوى السياسية
المزيد.....
-
رصد طائرات مسيرة مجهولة تحلق فوق 3 قواعد جوية أمريكية في بري
...
-
جوزيب بوريل يحذر بأن لبنان -بات على شفير الانهيار-
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
لحظة هروب الجنود والمسافرين من محطة قطارات في تل أبيب إثر هج
...
-
لحظة إصابة مبنى في بيتاح تكفا شرق تل أبيب بصاروخ قادم من لبن
...
-
قلق غربي بعد قرار إيران تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة
-
كيف تؤثر القهوة على أمعائك؟
-
أحلام الطفل عزام.. عندما تسرق الحرب الطفولة بين صواريخ اليمن
...
-
شاهد.. أطول وأقصر امرأتين في العالم تجتمعان في لندن بضيافة -
...
-
-عملية شنيعة-.. نتانياهو يعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي في
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|