|
الفصام ( الشيزوفرينيا )( 1 4 )
قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 2000 - 2007 / 8 / 7 - 10:02
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يعدُّ الفصام (الشيزوفرينيا) واحداً من أكثر الاضطرابات العقلية خطورة ، وربما كان أكثرها شيوعاً . فحوالي (50%) من الراقدين في المستشفيات العقلية هم من المصابين بالفصام ، على وفق الإحصاءات الواردة إلينا من المجتمعات الغربية. وعلى الرغم من إننا لا نملك إحصاءات دقيقة عنها في المجتمعات النامية ، إلا إن الموقف وجد من خلال معايشتنا وزياراتنا المتكررة للمستشفيات العقلية في العراق أن اغلب الراقدين فيها شخصّهم الأطباء على إنهم مصابون بالفصام . ويشير أكثر من باحث إلى إن واحداً من كل مائة من المجتمع الأمريكي يكون قد مرَّ في حياته بحادثة أو حالة من الفصام . وان هناك ما يقرب من مليون أميركي مصابون بفصام حاد . وان نصف الذين يغادرون المستشفى لأول مرة بعد تلقيهم العلاج ، يعودون إليه ثانية في خلال سنتين (Kleinmuntz , 1984 ; Neal & Dauison,1982;Bootzin & Acocella,1984 (Lahey, 2001 ونظراً لخطورة هذا الاضطراب العقلي ، ولشيوعه، فقد حظي- من بين كل الاضطرابات - باهتمام خاص من لدن الباحثين في هذا الميدان . ولأن هذا الاضطراب يتصف أحيانا باختلالات وظيفية حادة في: الفكر والإدراك، والسلوك، فقد وصفه عامة الناس بالجنون ، مما يوحي وكأن الفصام اضطراب مفرد واحد. غير انه في الواقع مجموعة من الاضطرابات تتباين بشكل واسع ليس في الأعراض فقط، إنما أيضا في العوامل المسبّبة لهذه الاضطرابات. - الفصاميون .. مجانين .. أم (عقلاء) على طريقتهم الخاصة ؟ إليك ما كتبته امرأة عمرها (26) سنة، بعد تلقيها لأربع وثلاثين رجة كهربائية علاجية: (أن تكون مجنوناً، أشبه ما تكون في كابوس، تحاول فيه أن تصرخ ليهب احدٌ لمساعدتك، فلا صوت يخرج منك، إن استطعت أن تصرخ فلا أحد يسمعك، ولا أحد يفهمك. انك لا تستطيع أن تستيقظ من كابوسك ما لم يسمعك أحد.. يساعدك.. ليوقظك. كان عليّ أن أموت لأتجنب الموت.. أنا اعرف أن هذه الأصوات مجنونة. ولكن في أحد الأيام كان هناك ولد آلم مشاعري جداً. ورغبت في وقتها ان ارمي بنفسي في الطريق وبدلاً من ذلك، فضلّت ان أكون متخشبة كي لا اشعر بأي إحساس. (اعتقد ان عليك ان تموت عاطفياً. وإلا فستقتلك مشاعرك). نعم، ذلك صحيح. فمن الأفضل ان اقتل نفسي على ان أؤذي أحدا" آخر). (Taylor & Hayward, 1956, P. 221) . وتأمل الحوار الآتي بين فصامي وطبيبه . الطبيب : هل يمكن ان تذكر لي اسمك ؟ المريض : أستطيع ولا أستطيع . الطبيب : ما اسمك ؟ المريض : مثل اسمك ، ولكنه يختلف . الطبيب : هل تعرف من أنا ؟ المريض : طبعاً. أنت أنت وأنا أنا! الطبيب: ممتاز. ولكن من المهم ان نسجل اسمك في سجلاتنا بمعلومات صحيحة. المريض: إذا، اكتب في سجلاتك ، إنني ملك الملوك ، وأنت خادمي . الطبيب: أنت لا تجيب عن أسئلتي . المريض: أبدا، ولكن أنت لا تصغي . الطبيب: سأحاول مرة ثانية. ما هو تاريخ اليوم ؟ المريض: أوه.. هذا سهل جدا ً، انه (33) مايس ، (1933). الطبيب: أي وقت نحن فيه الآن هذا اليوم؟ المريض: يوم الخّزامي.. مساءً. الطبيب: ولماذا أنت هنا ؟ المريض: لاتكلم معك . الطبيب: ولكنني لم احصل منك على أية معلومات . المريض : ذلك لأنك أخذت الكلام كله . فضلاً عن انك تفجّر دماغي . (Kleinmuntz, 1980, P. 257) . هل كلّ ما قاله المريض لا معنى فيه ؟. ماذا لو تمعنا في كلام المريض وافترضنا الآتي : - إن المريض على دراية بتوقعات الطبيب ، وانه اصطنع تلك الإجابات . هل ستتغير الصورة ؟ حاول مرة أخرى ، وخذ معك هذا الافتراض : - ان المريض شعر بالغضب والإحباط وعدم القدرة على التحمل في التواصل مع الطبيب الذي لم يتحدث معه عن حالته ويأسه . - أو أن المريض أدرك أن هذا الطبيب ساذج ، ومتصلب ، ولا يمكن تصوره. ان مثل هذه الافتراضات لا تغير من حقيقة أن ذلك المريض شخص مضطرب ، ولكنها (تهّدئ) الحكم الذي يصدره عامة الناس ، بل والكثير من المثقفين ، على أن المصابين بالفصام.. مجانين . - تاريخ المفهوم ربما كان مفهوم أو مصطلح (الشيزوفرينيا) اكثر المفاهيم شيوعاً في الاضطرابات العقلية. وعلى الرغم من انه رسا مؤخراً في اللغة العربية على أن تكون ترجمته : (الفصام) إلا أننا سنرى أن مصطلح (الفصام) لا يحتوي على المعنى الشامل لمفهوم (الشيزوفرينيا) فضلاً عن أن لهذه (المفردة) تاريخها ، وستبقى متداولة لمئات السنين . ترتبط بدايات نحت مفهوم (الشيزوفرينيا) باثنين من المعالجين النفسانيين الأوربيين هما ، كريبلين Kraepelin وبلويلر Bleuler. فلقد طرح كريبلين في عام 1898 مصطلح (الخرف المبكر) كأول مصطلح (للشيزوفرينيا) في ورقته المعنونة (تشخيص الخرف المبكر) التي قدمها في المؤتمر التاسع والعشرين للعلاج النفسي الذي انعقد في هيدلبيرغ في عام 1898 . حيث أشار فيها الى وجود نوعين مختلفين من الذهان هما: الأمراض الاكتئابية- الهوسية ، والخرف المبكر ، الذي يتضمن عدداً من المفاهيم التشخيصية هي : (بارانويا الخرف) و(الكاتوتونيا) و(الهيبوفرينيا). وفي عام 1911 أشار المعالج النفساني السويسري المعروف يوجين بلويلر الى أن مصطلح (الخرف المبكر) هو وصف ضعيف . ذلك لأن كريبلين اعتقد بأنه يصيب الشباب وينتهي لا محالة بالعته والانحلال والخرف . وان كريبلين قد اخطأ لسببين ، أولهما: إن الكثير من المرضى يصابون بهذه الاضطراب بعد مرحلة الشباب ، وثانيهما: ان اغلب المرضى لا يتطور لديهم هذا الاضطراب . فبعضهم يبقى على حاله سنة بعد أخرى ، وبعضهم يتحسن وضعه . وبهذا يصبح مصطلح (الخرف المبكر) غير مناسب . فضلاً على ان المعالجين النفسانيين لا يتشجعون على معالجته ، لان كريبلين قد طرح (الخرف المبكر) كحالة ميئوس من شفائها . ولغرض حلِّ هذه المشكلة فقد اقترح بلويلر مصطلحاً جديداً: (سأطلق على (الخرف المبكر) مصطلح (الشيزوفرينيا Schizophrenia)، آخذاً إياها من الكلمتين الإغريقيتين Schizein وتعني (يشق، ينفصل، يتفصم، يفصم to Split) و Phren وتعني (العقل). لأن انفصام الوظائف النفسية المختلفة هو أحد اكثر خصائص هذا الاضطراب أهمية . وإنني لاستعمل هذه الكلمة بصيغتها المفردة . بالرغم من انه يبدو ان هذه المجموعة تشمل أمراضا عديدة ) (1991، 1950، ص 8). ومنذ ذلك التاريخ اصبح مصطلح (الشيزوفرينيا) اسماً او عنواناً شائعاً ومقبولاً. غيران الناس قد أساءوا فهم المصطلح وظنوا انه يعني تعدد او (انقسام) الشخصية الذي يختلف تماماً. فذلك عرض آخر من اضطرابات التفكك يكون نادر الوقوع بالمقارنة مع (الشيزوفرينيا) . فما عناه بلويلر لا يشير به الى (انفصام او انقسام) الشخصية الى شخصيتين مختلفتين او اكثر، إنما عنى به (انفصام أو عدم انسجام) بين الوظائف النفسية المختلفة في داخل شخصية واحدة . اذ يحدث في عقل المصاب به ان انفعالاته وأفكاره ومدركاته تتوقف عن العمل في كل متكامل . في موقف معين قد تسيطر مجموعة من الأفكار على سلوك الشخص ، بينما تكون أفكار أخرى لها وظيفة تكيفية لذلك الموقف ، غير متبدية في سلوكه . فضلاً عن أن انفعالاته قد تنفصل عن مدركاته ، فلا تبدو مناسبة للموقف الذي هو فيه . انها باختصار فقدان التكامل . او كما عبر عنها بلويلر ( ان الشخصية تفقد وحدتها Unity ) . - توسيع جديد للمفهوم كان لبلويلر تأثير كبير في المفهوم الأميركي (للشيفزوفرينيا) حيث بدأ المعالجون النفسانيون الأميركيون منذ مطلع القرن الماضي يزيدون من نسبة تشخيصهم للمرضى المصابين بهذا الاضطراب . فبعد أن كانت نسبة هؤلاء المصابين في مستشفى العلاج النفسي بنيويورك 20% في 1930، ارتفعت هذه النسبة الى (80%) في عام 1950. في حين لم يحدث مثل هذا في لندن مثلاً، التي ظلت فيها نسبة تشخيص المصابين (بالشيزوفرينيا) مستقرة بحدود (20%) لاكثر من أربعين سنة. ويبدو ان هناك عدة أسباب لزيادة نسبة تشخيص الإصابة بهذا الاضطراب في أميركا ، وتوسيع مفهومه ليشمل حالات جديدة ما كانت تندرج تحت هذا الاضطراب بمفهومه السابق . واحد هذه الأسباب هو ادولف ماير (1866- 1950) الذي يُعدُّ عميد الطب النفسي الأميركي ، ما كان متحمساً لمصطلح (الخرف المبكر)، وقد تناقش مع كربلين بخصوصه أثناء وجودهما في هيديلبيرغ في عام 1896. واوضح له بان هذا ليس مناسباً في العملية التشخيصية ، وانه من الأفضل توكيد الخصائص الفردية التي يتصف بها كل مريض ، وعلى شخصيته ككل . هذا يعني أن توجه ماير في تشخيص (الشيزوفرينيا) كان مرناً ، وليس محدداً بأعراض معينة او بتدهور تدريجي، كخاصتين ملزمتين في تعريف الاضطراب . بل انه نظر الى ان (الشيزوفرينيا) هي تراكم من عادات خاطئة تجمعت فوق بعضها عبر مدةٍ طويلة من الزمن . ولقد جرت إضافات جديدة على المفهوم الأميركي (للشيزوفرينيا) . ففي سبيل المثال ، أضاف كاسانين Kasanin في الثلاثينيات مصطلح (الذهان الشيزوفريني) من دراسته لتسع حالات مرضية شخصت على أنها مصابة (بالخرف المبكر) . غير انه وجد أن بداية اصابتها بهذا الاضطراب كانت في جميعها مفاجئة ، كما أن شفاءها كان سريعاً نسبياً. ولاحظ ان اضطرابها يجمع بين (الشيزوفرينيا) والأعراض الوجدانية . ولقد اصبح مصطلح كاسانين هذا معتمداً في المرشد الطبي النفسي الأميركي بصورته الأولى (DSM-I, 1952) وبصورته الثانية أيضا. والإضافة الأخرى قدمها هوك ((Hoch,1949 وزملاؤه . فقد افترضوا بأن (الشيزوفرينيا) غالباً ما تكون حالات (مقّنعة او تنكرية) لاضطرابات أخرى . واقترحوا مصطلحين جديدين هما (الشيزوفرينيا العصابية الزائفة) و (الشيزوفرينيا المرضية النفسية الزائفة) ليصفوا بهما الأشخاص الانسحابيين المصابين بالقلق المصحوب بمشكلات حادة في علاقاتهم الشخصية ، والذين يتصفون ايضاً بأعراض عصابية او ذهانية . وعلى أساس هذه الإضافة الجديدة ، فقد نتج عنها أن الكثير من المرضى الذين كانوا يشخصون على انهم يعانون من اضطرابات عصابية ووجدانية واختلالات في الشخصية وضعوا، في التشخيص الأميركي، ضمن صنف (الشيزوفرينيا) . وحدثت في الستينيات والسبعينيات تغيرات جديدة. فبعد ان كان بلويلر قد لاحظ ان بداية الإصابة (بالشيزوفرينيا) لا تكون دائماً في عمر الشباب ، وان التدهور او التلف التدريجي لا يأخذ سياقاً معينا ً، بدأ الأطباء اللاحقون يلاحظون اختلافات أخرى بين أولئك الذين تكون بداية الإصابة عندهم متأخرة ، واحياناً يشفون منها ، وبين أولئك الذين تكون البداية عندهم مبكرة وغالباً ما يتدهورن الى حال أسوأ. وهذا جعل الأطباء يأخذون منحى جديداً في التفكير باتجاه ما يجري في الدماغ من عمليات تخلُّ بوظائفه الفسيولوجية . وبهذا ادخل مصطلح جديد على المفهوم هو (عملية- ارتكاس) او (عملية- رد الفعل Process- reactive) التي تظهر فجأة بعد حالة الإجهاد او الضغط (Stress) . و كان هناك اختلاف بين المفهوم الأميركي والمفهوم الأوربي (للشيزوفرينيا) . ففي سبيل المثال، فان المفهوم البريطاني يضيق من مفهوم هذه الاضطراب بحيث يبدو المفهوم الأميركي أوسع منه بكثير. يدلل على ذلك أن نسب تشخيص حالات (الشيزوفرينيا) في المستشفيات العقلية البريطانية اقل بكثير من مثيلاتها في أميركا. وعلى وجه التحديد نقول إن المفهوم البريطاني يحصر (الشيزوفرينيا) ضمن حدودها ولا يجعلها تتداخل مع اضطرابات أخرى ، في حين أن المفهوم الأميركي يوسع من حدودها ويجعلها تتداخل مع اضطرابات أخرى مثل: الهوس، الكآبة، العصاب، واضطرابات الشخصية . وكان آخر تطور حدث (للشيزوفرينيا) في الطب النفسي الأميركي قد جرى في الصورة الثالثة للمرشد الطبي النفسي الأميركي التي ظهرت في الثمانينيات (DSM- III) . فقد جرى تضيق أو حصر للمدى التشخيصي لهذا الاضطراب بثلاثة أساليب : أوله : جرى تحديد واضح وصريح للمعيار التشخيصي . وثانيها : جرى استبعاد الحالات المرضية التي تظهر عليها اضطرابات وجدانية . وثالثها : اشتراط هذا المرشد أن الفرد لا يمكن أن نعده مصاباً (بالشيزوفرينيا) ما لم تستمر علامات الاضطراب عليه لمدة لا تقل عن ستة اشهر . وهذا يعني استبعاد أولئك المرضى الذين تظهر عليهم علامات ذهانية لفترات زمنية محدودة ، غالباً ما تكون مرتبطة بضغوط نفسية ، سرعان ما تشفى منها . وهكذا نرى أن (الشيزوفرينيا) كانت قد شغلت الأطباء النفسانيين اكثر من اي اضطراب عقلي آخر. وبرغم أن صورة تشخيصها أصبحت في الوقت الحاضر أوضح مما كانت عليه حتى قبل عشر سنوات ، إلا أن بقعاً سوداء ما تزال منثورة على سطح هذه الصورة لا يستطيع حتى المختصون من ذوي الخبرة بهذا الاضطراب السرطاني الخبيث إزالتها تماماً. صحيح انهم قد يستطيعون تخفيف سواد بعض هذه البقع ، وحتى إضاءة بعض آخر منها، لكن بقعاً أخرى ستستعصي عليهم لمدة طويلة من الزمن . وربما قد تبقى كذلك ، خيطاً في النسيج المعقد لهذا الكائن اللغز.. الإنسان. - أعراض الفصام بالرغم من وجود اتفاق عام حول الأعراض الرئيسة للفصام، فأن بعض الاختصاصيين فيها لا يتفقون حول ما هي الأعراض الأساسية (Fundamental) لهذا الاضطراب . غير انه قد نظر الى الفصام على انه ، تقليديا ً، ما هو إلا اضطراب في الفكر. ولكن ، وكما لاحظنا ، فأنه تظهر في الفصام أعراض أخرى شاذة ، سواء في: الإدراك ، الوجدان ، السلوك الحركي ، والتوجهات نحو العالم بشكل عام . فمن من هذه (التمزقات) هو الأساسي ، ومن منها ثانوي ؟ هل العلاقات او الاتصالات الشخصية هي المشكلة الأساسية ، كما يرى البعض؟ او أن انسحاب الفصامي اجتماعياً يأتي نتيجة مشكلات في الاتصال ، وهذه تسبب بالمقابل عمليات فكرية مضطربة ؟ وإذا كان الفصاميون يفيدون من أن أفكارهم مسيطر عليها من الخارج ، فهل هذا الوهم مشكلة عقلية ، أم أنها طريقته الخاصة في تدوير او تنظيم او تفسير التشوشات الموجودة في أدمغتهم؟. وبالرغم من أن المرشد الطبي النفسي الأميركي (DSM-VI) لم يتخذ موقفاً محدداً بخصوص الأعراض الأساسية Fundamental، إلا انه أكد وجود الأوهام والهلاوس ، إذ أشار الى انه (في مرحلة ما من مراحل المرض فأن الفصام يتضمن دائماً أوهاما وهلاوس ، أو اضطرابات معينة تصيب الفكر) (ص :81). فضلاً عن ذلك ، فأنه يجب ان يظهر هذا الاضطراب نفسه بصورة مستمرة لمدة لا تقل عن ستة اشهر. ويجب ان يكون مصحوباً بتدهور وظيفي تدريجي . ولدى توافر هذين الشرطين في المريض ، عندها يمكن تشخيصه بأنه مصاب بالفصام . سنناقش في هذا القسم الأعراض المتنوعة للفصام في فئات أو أصناف منفصلة ، واضعين في الذهن أنها لا تكون كذلك في الحياة الواقعية، إنما تجتمع بهذا القدر او ذاك في المريض الواحد . وما عزلها إلا لغرض فهمها من الناحية العلمية . ومهما يكن الاتجاه السببي لهذه الاضطرابات المتنوعة ، فان كل واحد منها يؤثر في الآخر. فأذا حصل فأنه سيؤثر في الوجدان ويجعله مضطربا ً، وهذا يجر الى اضطراب العلاقة الشخصية بالعالم الخارجي . كما ينبغي الانتباه الى أن جميع الفصاميين تظهر عليهم بعض هذه الأعراض في بعض الأوقات ، وليس بالضرورة ان تظهر عليهم كل تلك الأعراض في جميع الأوقات . - اضطرابات الفكر واللغة تأمل في ما قالته هذه المريضة : (أنا طبيبة... تعرف ذلك.. ها.. لا املك دبلوم ، ولكن أنا طبيبة . أنا سعيدة أن أكون مريضة عقلياً ، لأنها ستعلمني كيف أتواضع ، روبرت جاء هنا لزيارتي . في هذا المكان الذي تطبع فيه مجلة المجنون.. عندما كنت فتاة صغيرة.. اعتدت ان اجلس واحكي قصصاً الى نفسي . وعندما كبرت اغلق صوت التلفزيون واتحاور مع ما أراه على الشاشة . أنا عندي شيزوفرينيا.. سرطان الأعصاب . جسمي مزدحم بالأعصاب . وهذا سيجعلني أفوز بجائزة نوبل في الطب . أنا لا اعدّ نفسي مصابة بالشيزوفرينيا بعد الآن . لا يوجد هناك شيء كالشيزوفرينيا. هناك فقط تخاطر (تلباثي) عقلي . مرة كانت عندي صديقة اسمها كاميليا. كانت ابنة ابوت وكوستيلو. أنا في كنيسة بنيتيكوستال . ولكنني أفكر في تغيير ديني . لدي كلب في البيت . مايك أراد أن يتزوجني أريد أن اخرج خارج هذا الباب . اعتدت ان اضرب أمي . كانت تثيرني اكثر من كل الديكة التي أكلتها . أنا ذلك الشخص الذي يتوحد به (كاسبر) الشبح الصديق . اعتدت أن اخرج الى الخارج وأسال الأطفال الآخرين ليكونوا أصدقائي عندما كنت صغيرة . كاليفورنيا اجمل ولاية في أميركا.. كنت فيها مرة.. بالتلفزيون . اسمي جاك واردن. وأنا ممثلة) (Sheehan, 1982, P.72-73). وكما أشار أحد الاختصاصيين بقوله : (ربما كانت الصفة المفردة الأكثر وضوحاً لدى الفصاميين هي استعمالهم الغريب للغة) (Shapiro , 1981 , P. 64) . وتبدو هذه الغرابة واضحة في كلام المريضة أعلاه أثناء حديثها الى الطبيب في مستشفى للأمراض العقلية . ويمكن أن يأخذ اضطراب اللغة لدى الفصاميين عدة أشكال منها ، عدم التماسك المنطقي. فبالرغم من ان المريض قد يحاول إعادة الاستدلالات او الاستنتاجات المتعلقة بأفكار مركزية في كلامه ، إلا ان صور الفكر لديه وأجزاءه لا تكون مترابطة. بحيث يصبح من الصعب ان تفهم بالضبط ما يحاول المريض قوله لمن يتحدث اليه . كما ان الفصاميين يميلون الى استعمال ألفاظ او تعابير جديدة (Neologism) أو كلمات جديدة يصنعونها لانفسهم . وقد لا يكون لها اي معنى لسامعها، ولا للمريض نفسه وهم يستعملون : (سلط الكلام) والمصاداة Echolalia او صدى الأفكار اي الترديد المرضي لما يقوله الاخرون. والحروف الصامتة Mutism، والترابطات الرنانة (يطلقون أصواتا تشبه أصوات الكركي او الإوز) ، والإبطاء او التسريع في الكلام . ولقد حاول بعض الباحثين التمييز بين اضطرابات الفكر واضطرابات اللغة، او بين الاضطرابات في محتوى الفكر واضطرابات اللغة والاتصال ، غير أن هذا التمييز ممكن فقط على المستوى النظري . وتبقى الحقيقة في كون ان اللغة لا تعني شيئاً من دون التعبير عن الفكر. وان اللغة هي دالة الفكر. وبالتالي فان الوظيفتين (الفكر واللغة) مترابطتان ، ولهذا السبب فأننا سنناقشهما سوية. - الأوهام تعني الأوهام وجود معتقدات او أفكار لدى الفرد لا يوافقه عليها المجتمع بشكل عام، او قد ينظر إليها الناس على أنها تفسيرات خاطئة للأحداث او الأشياء لا تستند الى أسس واقعية. وهذه ابرز خاصية يتصف بها الفصامي، وربما كانت من اصعب صفات السلوك الذهاني، ليس من حيث اقتناع الفصامي بمعقتداته الخاطئة فحسب، وانما لكونه يسعى جاهداً لاقناع الآخرين وحملهم على التصديق بهذه المعتقدات. وبرغم ان هذه الأوهام يمكن ان تصاحب اضطرابات نفسية متنوعة مثل: الهوس، الاختلال العضوي، الحالات الناتجة من تناول جرعات كبيرة من العقاقير.. وما الى ذلك ، إلا أنها تكون شائعة بين الفصاميين . ومن أمثلة هذه الأوهام ما قاله مريض بالفصام كان يرقد في مستشفى الرشاد (الشماعية) للأمراض العقلية في مدينة بغداد، الى طلبة علم النفس بجامعة بغداد الذين كانوا يقومون بزيارة علمية بصحبة أستاذهم (المؤلف)... قال لهم بصوت ممتلئ يقيناً (يقينه هو): (انفجار جالنجر كان بسبب خطئهم) ، ( وجالنجر سفينة الفضاء الأمريكية التي انفجرت بعد إطلاقها بثوان وعلى متنها سبعة رواد ، في كارثة فضائية حدثت في ثمانينات القرن الماضي)؛ سألوه كيف ؟ أجاب : كان عليهم أن يستشيرونني . وسألوه : لماذا ؟ أجاب : لأن أنا الذي وضعت برنامج جالنجر!) . وفي الواقع إن محتويات أوهام الفصاميين متنوعة وغنية جداً بالخيالات والتصورات ، وبعض أخيلتها تفوق ما تظهر في بعض أفلام الصور المتحركة (الكارتون) من خيالات غير معقولة ، ولكنها غنية بالأفكار. ومع ذلك فأن التصنيفات الحديثة لهذه الأوهام مالت الى وضعها في أنماط معينة، على وفق الآتي : 1- أوهام الاضطهاد: اعتقاد الفرد بان هناك من يتآمر عليه او يتجسس عليه ، أو يهدده ، او يسيء معاملته . ويميل اكثر الى الاعتقاد بأن من يتدبر له هذه الأمور، ليس شخصاً واحداً بل جماعات.. اتحدوا في مؤامرة ضده. 2- أوهام السيطرة (أو التأثير) : وتعني الاعتقاد بوجود أشخاص آخرين ، او قوى ، أو ربما كينونات بعيدة ، تسيطر على أفكار وأحاسيس ، وافعال الفرد ، بوسائل غالباً ما تكون أجهزة إلكترونية ترسل إشارات مباشرة الى دماغه . مثال : في زيارة علمية لطلبة قسم المسرح بكلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد الى مستشفى أبن رشد للأمراض العقلية في العاصمة بغداد بصحبة مؤلف هذا الكتاب، قال لهم أحد الفصاميين بأنه على اتصال بالقمر.. وانه يتلقى إشارات منه ، وهو بدوره يرسل له إشارات ايضاً . وفي أثناء كلامه اعترته هزة ورجفة جفل منها الطلبة (لا سيما الطالبات ). وبعد ثوان قال انه كان قد تلقى إشارة من القمر!. 3- أوهام المرجع (أو الصلة): وتعني الاعتقاد من أن أحداثا أو تنبيهات ليست لها أية علاقة أو صلة بالفرد ، ويرى انها تعنيه هو بشكل خاص . فقد يفكر المريض بأن حياته قد جرى تصويرها في فلم سينمائي او تمثيلية تلفازية . أو أن ما اذاعه المذياع من أخبار كانت بخصوصه هو. 4- أوهام الشعور بالخطيئة والذنب: وتتضمن هذه اعتقاد الفرد بأنه ارتكب خطيئة لا تغتفر. او انه تسبب في إلحاق أذى كبيراً بالآخرين . فقد يدعي بعض الفصاميين- على سبيل المثال- بأنهم قتلوا أطفالهم . 5- أوهام المراق (الوساوس) : وتعني الاعتقاد الذي لا أساس له من إن الفرد يعاني من إمراض بدنية شنيعة . وهذه الأوهام تختلف عن المخاوف التي لا أساس لها لدى المصابين بالوساوس المرضية ، ليس من حيث كونها لا تشير إلى أمراض محددة وفعلية ، بل إلى غرابة هذه (الأمراض) . فبينما قد يشكو المصابون بالوساوس المرضية من مرض الكبد او ورم خبيث في الدماغ ، في سبيل المثال ، فأن الفصاميين يدعون بأن أكبادهم قد تقطعت الى قطع صغيرة أزيلت من أبدانهم ، او أن أدمغتهم ملأى بالتراب . 6- أوهام العدم (النهلستية): وتعني اعتقاد الفرد بأنه، او الآخرون او العالم بأكمله، قد توقف عن الوجود. فقد يدعي الفصامي، مثلاً، من انه روح قد عادت من الموت. 7- أوهام العظمة (والفخامة): اعتقاد الفرد من انه شخص مشهور جداً، ومهم جداً، وصاحب قوة عظيمة. وقد تتجمع أوهام من هذا القبيل في كينونة او شخصية يثبت عليها المريض ، غالباً ما تكون شخصية تاريخية معروفة ، كاعتقاده بأنه (المسيح) الجديد ، او نابليون الجديد ، أو هتلر مثلا.(في مدينة بغداد شخص يدعي أنه هتلر ، لدرجة أنه لا يرد عليك السلام ما لم تقل له : هاي هتلر! ) . واخيراً ، فأن الكثير من الفصاميين يدعون بأن أفكارهم تكون متأثرة بطريقة ما. ومثل هذه الأوهام تكون مرتبطة بأوهام السيطرة ، وتشمل : 1- بث الفكر: وتعني اعتقاد الفرد بان أفكاره يجري بثها (كما لو كان إذاعة) الى العالم الخارجي ، وان الجميع يسمعها . مثال : أفاد طالب جامعي عمره (21) سنة قائلاً : ((عندما أفكر فأن أفكاري تغادر رأسي على شكل شريط مسجل ، ما على الجميع سوى أن يشغلّوه في أدمغتهم ويعرفوا أفكاري )) . 2- إقحام الأفكار: وهذه عكس الأولى ، حيث يعتقد الفرد بأن الآخرين يقحمون او يدخلون أفكارهم برأسه ، وبخاصة الأفكار الفاحشة . مثال : أفادت سيدة ربة بيت عمرها (29) سنة قائلة : ((أنظر من الشباك فأرى الحديقة جميلة ، والعشب لطيفاً . ولكن أفكار (إيمون أندريوس) تدخل في دماغي ... فقط أفكاره ... يتعامل مع دماغي كما لو كان شاشة يسقط عليها أفكاره، تماماً كما يسقط الضوء على صوره)) . 3- سحب او جرّ الأفكار: وتعني اعتقاد الفرد بان الآخرين يسحبون او يجرون او يقتلعون الأفكار من رأسه . مثال : أفادت امرأة عمرها (22) سنة تصف هذه الخبرة قائلة : ((أنا أفكر بخصوص أمي ، وفجأة تطير الأفكار عن دماغي ، يقتلعها قالع متخصص في فراسة الدماغ عندما - لا يبقى شيء في دماغي ... يبقى فارغا )) . إن هذه الأوهام ، بالشكل الذي ذكرناه أعلاه ، قد تمثل بشكل جيد محاولة او جهداً من المرضى في التفسير لانفسهم حالة التشوش الكامل للأفكار التي في رؤوسهم . فالكثير من الفصاميين ، على سبيل المثال، يمرون بحالة الحاجز الذهني الذي يحدث في منتصف كلامهم ، اذ يتوقفون عن الكلام فجأة ويصمتون ، دون تمكنهم من إعادة تجميع الكلام الذي كانوا يقولونه . وحالة الاضطراب هذه التي تحدث للفصاميين ، وتحدث ايضاً لأي واحد آخر، ونعني بها التوقف عن الكلام فجأة، يمكن تفسيرها- افتراضاً- بأن أحد ما قد يسرق الأفكار من رأس الفرد (Bootzin & Acocella , 1984) . ويبدو من الصعب أحيانا على الطبيب القائم بالتشخيص التمييز بين ما هو وهم وما هو واقع ، مما يؤدي- دون شك- الى خطأ في التشخيص . فقد ذكر (Babigian & Kraft , 1972) حالة امرأة (س) التي ادعت في أحد الأيام ، عندما كانت في غرفة الطوارئ بالمستشفى ، بوجود أبر في ذراعيها. ولدى الاستفسار منها كشفت المرأة عن أنها أمضت تسع سنوات في مستشفى الامراض العقلية . وكانت في خلال ثمان سنوات من وجودها تندفع بعنف في حالة في تشويه الذات ، حيث كانت تطيع أصواتا تخبرها بأنها امرأة رديئة، وان عليها أن تقتل نفسها، فتندفع الى تشريط معصمها وبطنها. وافادت ايضاً بأنها كانت تتعاطى المسكرات بكثرة لسبع سنوات . ولقد كشف البحث الطبي عن عدم وجود علامات للإبر على ذراعيها ، ولا أية أجسام غريبة في داخل ذراعيها ، مما اقنع الأطباء في ان هذه المرأة مصابة بالأوهام . ومع ذلك أرادوا ان يتحققوا اكثر فعمدوا الى اخذ صور شعاعية لها. ولأشد ما كانت دهشة الأطباء عندما أظهرت هذه الأشعة وجود عدد من الإبر في داخل ذراعيها!. وتبين أنها كانت قبل سنة حاولت الانتحار بأن أدخلت إبرا في ذراعيها ، وأن هذه الإبر ظلت غير مكتشفة خلال ثلاث مرات لاحقة أدخلت فيها المستشفى للمعالجة . وأنها من المحتمل أن تكون في خلال هذه المرات كانت قد أفادت بوجود هذه الإبر، وان ما ذكرته كان قد جرى افتراضه من الأطباء المعالجين على انه نوع من الوهم . - فقدان الترابط يعاني الفصامي من عدم الترابط بين الأفكار المختلفة أو بين وظائف عقلية مختلفة . وأحد أوضح مظاهر هذا التفكك يحدث في نوعية كلامه من حيث تشتته وعدم ترابطه . فالكلام الطبيعي (كلام الأسوياء) يميل الى ان يأخذ مساراً واحداً من الفكر تحكمه ترابطات منطقية بين الأفكار المختلفة. وما يحدث في كلام بعض الفصاميين هو عدم وجود مثل هذه الترابطات. وكما يصفها المرشد الطبي النفسي (DSM) فأن الأفكار تقفز من حدث الى آخر له به علاقة غير مباشرة ، او لا تكون له به اية علاقة ، تؤدي بالتالي الى ان يهيم الشخص بكلامه ويبتعد عن الموضوع . وعندما تكون حالة المريض حادة ، فان كلامه قد يصبح كله غير متماسك منطقياً. غير أننا لا نعرف على وجه التحديد أية عمليات عقلية تسبب هذا التشوش في الكلام . ومن المحتمل ان المشكلة تكمن في الطريقة التي يتعامل بها العقل مع هذه الترابطات . وبالرغم من أن اللغة هي مرآة العمليات الفكرية ، فأن الكلام ، من دون شك ، هو النسخة الفعلية للفكر. فالأفراد يعملون في اتصالهم الواحد بالآخر الكثير من الترابطات العقلية المختلفة سواء في العبارات التي يقولها الفرد للآخر، او تلك التي يتسلمها من الآخر. فالفرد يعمد قبل كلامه الى أن (يحرر Edit) هذه الترابطات وينتقي تلك التي تكون لها صلة بالموضوع الذي يتحدث به الى الآخرين . وما يحدث في عقل المصاب بالفصام ان عملية الانتقاء هذه تتحلل او تتفكك ، ويمضي المتحدث متبعاً مساره الخاص من دون الأخذ بما له صلة بالموضوع الذي يتحدث عنه ، او الآخرين الذين يسمعونه . إن هذا لا يعني أن الفصاميين لا يكون بمقدورهم إعطاء إجابة صحيحة عن سؤال مباشر. فقد أشار كوهين وجماعته الى ان الفصاميين يستطيعون صنع ترابطات أساسية بخصوص مثيرات معينة بنفس السهولة التي يعمل بها الناس العاديون . ولكنهم يفشلون في صنع الترابطات الثانوية الحاذقة فتأتي مشوشة وغير متماسكة منطقياً (Cohen , 1974) . ويرى باحثون آخرون أن الفصاميين يعانون من صعوبة (عدم مصاحبة او ملازمة) تلك التنبيهات التي كانت قد لفتت انتباههم (Dokecki & Cromwell , 1968) . ويفترض باحثون جدد من ان جذور مشكلة التفكك او عدم الترابط قد تكون ضاربة في انهيار الكفاءة الطبيعية (Normal) بخصوص الانتباه الانتقائي (Bootzin & Acocella , 1984 ,Weiten , 2004) . وهذه فرضية سنتفحصها لاحقاً. - فقر المحتوى إن النتيجة لافتقار الترابطات المنطقية في لغة الفصاميين تتمثل في كونها لا تحمل إلا القليل من المعنى . فبرغم ان الفصامي يستعمل كلمات كثيرة ، وإنها قد تكون صحيحة قواعديا ً، إلا ان التواصل في ما تحمله من معنى الى سامعها يكون فقيراً . واليكم هذا المثال الذي ذكره بلولر في عام (1911) عن حالة مصابة بالفصام ، في رسالة بعثت بها الى أمها. ماما العزيزة . أنا اكتب على الورقة . القلم الذي استعمله هو من مصنع اسمه (بيري وشركاه) . هذا المصنع في إنكلترا . أنا افترض ذلك . خلف اسم (بيري وشركاه) مدينة لندن منقوشة . ولكن ليس المدينة . مدينة لندن هي في إنكلترا . أنا اعرف ذلك من أيام الدراسة . أنا دائماً احب الجغرافيا . كان آخر مدرس في هذه المادة هو بروفيسور اوعست . كان رجلاً له عينان سوداوان. أنا أيضا احب العيون السود . هناك ايضاً عيون زرق ورمادية وأنواع أخرى . ولقد سمعت أن الأفاعي لها عيون خضراء . كل الناس عندهم عيون. وهناك البعض منهم عميان . وهؤلاء العميان يقودهم الأطفال . انه شيء فضيع ان لا تكون قادراً على أن ترى . هناك أشخاص لا يستطيعون ان يروا وكذلك لا يستطيعون ان يسمعوا . واعرف بعضهم يسمعون كثيراً جداً. يستطيع الإنسان أن يسمع كثيراً (Bleuler, 1911, 1950, P. 17). لقد أشار بلولر، الذي نشر هذه الرسالة لاول مرة ، أن الصفة المشتركة الوحيدة للأفكار المعبر عنها هي انها جميعها على مستوى دراية المريض بها : لندن، الجغرافيا ، الدراسة ، معلم الجغرافيا ، عيناه السوداوان، عيون رمادية ، عيون أفاعي خضراء ، عيون بشر، ناس عميان ، ناس لا يسمعون، وما الى ذلك. إن الرسالة تقول الكثير، وكل ما فيها مناسب ، ولكنها فقيرة في محتواها وتكاد لا تحمل شيئا ً، لأنها تفتقر الى مبدأ الوحدة في ترابطات الأفكار والمعاني . - لغة جديدة (Neologisms) : يستعمل الفصامي لغة خاصة به Neologism من حيث انه يستعمل في كلامه مفردات جديدة يكونها بمزج او دمج جزأين او اكثر من كلمات عادية، او انه يستعمل كلمات شائعة بنمط جديد . وكما أشرنا سابقاً فأن معظم الباحثين يفسرون اضطراب الكلام لدى الفصاميين على انه ناتج من اضطراب التفكير لديهم . ومع ذلك فقد افترض عدد من الكتاب (انظر مثلاً: Fish، 1957، Kleist، 1960) ان بعض ما يبدو غريباً في لغة الفصاميين قد لا يكون ناجماً من الاضطرابات الأساسية في التفكير، بقدر ما تكون ناتجة من عدم القدرة على تذكر او استرجاع رموز لفظية شائعة ومتفق عليها. بمعنى ان الفصاميين يمكنهم ان يقولوا ما هو معقول ، ولكنهم ببساطة لا يستطيعون ان يجدوا الكلمات الصحيحة لما يريدون قوله ، فيستعملون مفردات وتعابير غير موجودة في قواميس اللغة. ويطلق على هذه الاستعمالات Neologisms (وتعني حرفياً: كلمات جديدة). وما يبدو مدهشاً في هذه (اللغة الجديدة) هو أنها تتمكن أحيانا من إيصال الأفكار بصورة واضحة ومؤثرة . - الرنين (Clanging) ويقصد بها خاصية يتصف بها نمط كلام الفصامي بأن يستعمل سلسلة من الكلمات سوية لأن لها إيقاعا واحداً أو صوتاً متشابهاً ، بغض النظر عن المنطق . فبينما قد تحمل (اللغة الجديدة Neologism) شيئاً من التواصل الفعال ، فأن رنين الصوت هو القفز على الكلمات من دون أية رابطة بينها، سوى أن لها إيقاعا او رنيناً واحداً او متشابها ً. وقد تكون لهذا الرنين علاقة بمشكلة الترابط التي ورد ذكرها سابقا ً. وفي هذه الحالة ، فأن قاعدة الترابطات هنا تكون الإيقاع او الصوت وليس المعنى . - سلاطة الكلمات - سلاطة الكلمات تبدو لغة الفصاميين أحيانا مفككة تماماً من العملية الترابطية ، بحيث يصعب على سامعها متابعتها او الربط بين كلماتها او تعابيرها المتتابعة . وفي هذه الحالة يبدو كلامه خليطاً متنافراً من الكلمات مثل خليط السلاطة. وعندها يكون الفصامي قد وصل المرحلة الأخيرة في (انفصام) كلام، تكون الرسالة التي تحملها لغته لم تعد لها قيمة اتصالية .
#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)
Qassim_Hussein_Salih#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيكولوجيا فوز الفريق العراقي
-
المجتمع العراقي.. والكارثة الخفية
-
تصنيف الأكتئاب وعلاجه
-
أنا أنافق ..إذن أنا موجود!
-
التوحّد- القسم الثاني -د
-
التوحّد- القسم الاول
-
لماذا يحصل هذا للعراق والعراقيين ؟!
-
أستاذ ( مجنون ) يحصل على جائزة نوبل !
-
العراقيون ..وسيكولوجية الاحتماء
-
الرهاب ( الخوف المرضي )
-
الاضطرابات النفسية الجسمية ( السيكوسوماتك )
-
لسيكولوجية الفتنه...قوانين !
-
العربي..والهوس بالسلطة
-
العرب .. أكثر المجتمعات تعرضا- للاصابه بالشيزوفرينيا
-
الحول الإدراكي...في العقل العربي
-
أحقا... أننا خير أمّة ؟
-
روح فهمّه للديج!
-
الهوس والاكتئاب
-
الاضطرابات الانشطارية ( التفككية ) أو ( التفارقية )
-
فلسفة التعليم العالي في العراق وأهدافه إشكاليات وأفكار
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|