أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين الحاج صالح - بعد قرن السياسة، أقرن للثقافة والدين في عالم العرب؟















المزيد.....

بعد قرن السياسة، أقرن للثقافة والدين في عالم العرب؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1999 - 2007 / 8 / 6 - 11:36
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تشكل العالم العربي في القرن العشرين. كانت العقود الأربعة السابقة للحرب العالمية الأولى شهدت إحياء اللغة والثقافة العربية. وبعد الحرب التي انتهت بانفراط السلطنة العثمانية ووقوع ما بقي مستقلا من البلاد العربية تحت الاحتلال الغربي، أخذت ترتسم العروبة كمشروع سياسي وكاسم لإطار جغرافي سياسي، كان يقف في الغالب عند حدود مصر. وفي ثلاثينات القرن العشرين فقط ستبرز، في المشرق، فكرة "وطن عربي" يمتد من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي. غير أن الفكرة المبتكرة هذه اجتهدت في إنكار جدتها، ولم ترتض لنفسها مرجعا أقل من "الطبيعة". سيبدو لها "الوطن العربي" عودة إلى وضع "طبيعي"، ضدا على تجزئة "مصطنعة". كانت تلزم "ثقافة" معاكسة تماما: "التجزئة" طبيعية، نتاج تفوق قوى عمياء، بيئية وتاريخية، في صنع حال العرب وأوضاعهم. بناء "الوطن العربي" أو "الأمة العربية" لا يمكن أن يكون ، بالمقابل، غير عملية اصطناع وتدبر واع ورفيع الثقافة. والحال، لقد كان حظ "الثقافة" كفاعلية صنع وتشكيل واعية بذاتها ضئيلا في سياسة قرننا العشرين، بينما كان حظ "الطبيعة" كبيرا.
باختصار، وضعت العروبة نفسها ضد الثقافة وفي صف الطبيعة. وسيتمثل هدف السياسة في "العودة إلى الطبيعة" أو إلى "الأصل"، وإلغاء "الاصطناع"، حدودا ودولا وكيانات سياسية. لا حاجة إلى القول إن هذا الموقف معاد للتاريخ ومناف للوعي التاريخي.
وخلافا لانطباع شائع، فقد كان التشكل العربي في القرن العشرين مختلا بالضبط بسبب تقدم التشكل السياسي على التشكل الثقافي. هذا بينما كانت الظواهر توحي بالعكس، بسبب النظر إلى السياسي والثقافي من وجهة نظر ما يقدمانه من فرص للتوحيد. في الواقع كان ثمة أجهزة عربية حديثة، وخطاب عربي حديث نسبيا وسياسة عربية معاصرة لزمنها إلى هذا الحد أو ذاك، لكن متن الثقافة العربية كان قديما، ولم يكن جوهره إلا الدين. لذلك كان تقدم السياسي معلقا في الفراغ.
إخفاق القومية العربية قاد إلى انكشاف هذا الجوهر، وصعود "الإسلام". لكنه كان صعودا سياسيا بدوره. كان "الإسلام" الصاعد فاعلا سياسيا، ولم يكن حامل تشكيل ثقافي أو قوة توحيد ثقافي. هذا خلافا لما كانه الإسلام بالذات وقت انتشاره وتعميمه للغة العربية. وكذلك رغم أن مجتمعاتنا تغيرت كثيرا، فلم تعد تتوحد في الدين، أي دين؛ ورغم أن الدين عاد دينا، فلم يعد فعله التوحيدي المحتمل يتجاوز المؤمنين. ولعل إصرار التيارات الدينية على عمومية تتجاوز دائرة الدين والإيمان، مع ضمور البعد الثقافي في تكوينها وفاعليتها، هو ما جعل منها قوة تمزيق ونزع للاستقرار.
طوال ربع قرن من "الصحوة الإسلامية" كان الحضور السياسي والرمزي والعنفي لـ"الإسلام" ينمو ويتسع، لكن دون أن تواكبه حركة ثقافية وفكرية وروحية، حية وناهضة. بلى، كتب كثير وقيل كثير، لكنه ذو طابع دعوي أو تحريضي، مفرط التمركز حول الذات، يرفض المساءلة من غيره ولا يطرح نفسه للتساؤل. بل دون استعداد حتى للتفكير في الأمر. تكاد الحجة الجوهرية للإسلاميين تفيد في أن الإسلام "طبيعتنا"؛ انتهى النقاش. والشيء الأساسي الذي يرفض الإسلاميون تفكيره هو واقع أن الإسلام اليوم دين فحسب، لم يعد تفجر طاقة تاريخية وقوة تشكيل ثقافي وروحي وسياسي وحضاري أصيلة. هذا تطور "موضوعي" مواكب للحداثة، لا ينتظر الرأي به كي يتحقق، ونكرانه مولد حتما للتطرف والعنف.
وهنا أيضا يصح القول إن التشكل السياسي للإسلاميين غلب تشكلهم الثقافي، بل إنهم يظهرون استسلاما مطلقا على صعيد الثقافة، وإن تحت راية اكتفاء الإسلام بذاته واستغنائه عن غيره. ولعل نصيب السياسة يتقدم على نصيب الدين ذاته في الإسلامية المعاصرة، بقدر ما إن تجدد الدين متعذر دون تنشيط ثقافي من خارجه. وقد تعود غلبة المكون العنفي للسياسة على مكونها الفكري، في الحالين القومية والإسلامية، إلى شرط الضمور الثقافي ذاته.
في المجمل، كان التشكل العربي في القرن العشرين مختلا، فيه كثير من القوة و"السياسة الطبيعة" وقليل من الثقافة و"السياسة العقلية".
وهكذا ولجنا القرن الحادي والعشرين وشكلنا "مُفشْكل"، يجتمع له الفشل وتشوه الشكل. وفي أساس "الفشكلة" ثمة قصور الثقافة، إقامتها على أشكال متقادمة لتنظيم الإدراك والواقع، غاية مطمحها أن تعتبر طبيعية.
وتحوز مسألة التشكل الثقافي أهمية إضافية اليوم من واقع تداعي الهويات الوطنية في معظم بلداننا وصعود الهويات الفرعية والجزئية، وما يواكبها من مخاطر التفكك الوطني والنزاع الأهلي. إن التشكل السياسي الموروث يتداعى، والدول الفاقدة لأسس ثقافية معرضة للانفراط إلى أجزاء "طبيعية" أصغر، تطابق "ثقافتها". لقد كان أقصى طموح هذه الكائنات السياسية أن "تطبّع" نفسها، أن ترسي هوياتها على "الطبيعة"، إن على شكل قرابة دموية، أو عقيدة متعالية على التغير، أو تاريخ موغل في القدم والدوام. هذا يحذف كل مسألة البناء الوطني كعملية صنعية واعية من جهة، ويفسح المجال من جهة أخرى للسياسات "الطبيعية" بالفعل، سياسات الهوية والدم، العائلية منها والقبلية والطائفية. ولعله هنا، في تفضيل الدول أن تكون "تحفا" من صنع الطبيعة وحدها، أصل التوتر بين الدولة العربية الحديثة والثقافة. تأخذ الثقافة هنا معنى الاضطلاع الجاد والواعي بذاته بعملية اصطناع الدول والكيانات السياسية في المجال العربي. وهذا الاصطناع هو ما قد يفتح الباب لاصطناع آخر أوسع نطاقا وأشد تعقيدا: تشكيل عالم عربي متفاعل.
وهنا ربما تتقاطع وقائع السنوات الأخيرة، التالية لأيلول 2001، واحتلال العراق وتفجره، وتمزقات فلسطين.. وأوضاع متعسرة في معظم البلدان العربية الأخرى (لبنان وسورية ومصر والسودان..)، ربما تتقاطع هذه الوقائع مع حاجة أزف وقتها لدينا لفتح ملفات قديمة تخص الثقافة والدين بالخصوص. وفي هذا المقام لا يجوز للنقد المحق للخطط الأميركية وسياسات المحور الأميركي الإسرائيلي، وكذلك سياسات السلطات العربية، لا يجوز لها أن تخفي واقع أننا نعاني من أزمة ثقافية ودينية، مركبة وعميقة. ومنبع الأزمة فيما نرى هو "تطبيع" الدين والثقافة في مجتمعات لا تكف عن التبدل، في تاريخ لا يكف عن الحركة، في عالم يتغلب الصنعي فيه كل يوم أكثر من سابقه على الطبيعي.
كان القرن العشرون قرن السياسة في دنيا العرب، فهل سيكون القرن الحادي والعشرين قرن تشكل مختلف، تشغل الثقافة والدين موقعا تأسيسيا فيه؟ هذا ضروري. إن كان للثقافة العربية أن تعرف ازدهارا وتفتحا، فمن غير المحتمل أن تحقق ذلك دون تجديد ثقافي يتيح إصلاح الدين وإعادة اكتسابه. وحدها الثقافة التي تنجح في استيعاب الدين، نظريا وعمليا، تستطيع أن تكون ثقافة تاريخية كبرى.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علمانيون، ديمقراطيون، وإسلاميون؛ لكن أين الأمة؟!
- أفكار في شأن العنف والهيمنة والمعرفة
- تصور أولي للمشكلة الدينية والإصلاح الديني
- أيام مشكلة الدولة ولياليها في المشرق العربي
- -أمة وسط- في المشرق؟!
- هل العلمانية ممكنة في بلد واحد؟
- تراجع السياسة الوطنية وصعود السياسة الأهلية
- تحقيب تاريخي بلا تاريخ: تعقيب على تعقيب بكر صدقي
- في شأن مشكلات العرب الواقعية ومشكلتهم الثقافية
- الإصلاح السياسي وإعادة بناء الهوية الوطنية في سورية
- بصدد بعض الأصول الأخلاقية لعنفنا..
- نظرات أولى في أطوار التاريخ السياسي الإيديولوجي المشرقي المع ...
- أية أكثرية جديدة لحل المشكلات الطائفية؟
- حين تكون المذابح أداة سياسية.. السياسة تموت!
- في نقد العلمانية والديمقراطية أو مشكلتا الدين والدولة
- في عقلانية الدول وغبائها المرشح، في أغلب الظن، أن يستمر طويل ...
- أية دولة تقتضي العلمانية فصلها عن الدين؟
- هزيمة حزيران: من حدث تاريخي إلى شرط ثقافي
- في شأن الطائفية والدولة والمثقف: تعقيب على موريس عايق
- في اندماج الاقتصاد والسياسة وتحولات اللوحة الاجتماعية السوري ...


المزيد.....




- ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات ...
- الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ ...
- بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م ...
- مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ ...
- الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض ...
- الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض ...
- من هم المسيحيون الذين يؤيدون ترامب -المخلص-؟
- المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرتا اعتقال نتنياهو وجال ...
- الأميرة المسلمة الهندية -المتمردة- التي اصطادت النمور وقادت ...
- تأسست قبل 250 عاماً.. -حباد- اليهودية من النشأة حتى مقتل حاخ ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين الحاج صالح - بعد قرن السياسة، أقرن للثقافة والدين في عالم العرب؟