ظهور الدولة
تعد الدولة، نتاج التطور الحديث للسلطة، تلك السلطة التي تنظم العلاقات الاجتماعية بين الناس في المجتمعات البشرية التي تشكلت مع انتقال الناس من شكل الوجود في مجموعات، إلى مجتمعات ذات سلطة. ويعيد علماء الاجتماع تاريخ وجود الشكل الجنيني من الدولة الحديثة إلى القرن التاسع عشر، واستكمال العناصر التي تكونها إلى القرن العشرين. فالدولة هي صيغة حديثة، وشكل من أشكال تطور وتنظيم المجتمعات.
حصلت عملية ظهور الدولة، مع تطور ونمو الإنتاج، وتطور مختلف أشكال علاقة المجموعات البشرية فيما بينها، سواء علاقات التبادل، أم المجابهة؛ تلك العلاقات التي تطلبت وجود سلطة تنظمها.. تلك السلطة التي تجسدت في مراحل بدائية في فرد واحد، هو الزعيم. وبعد أن أثبتت عملية التطور هشاشة سلطة الفرد وزوالها بزواله، فرضت صيغة جديدة لسلطة تنظيم العلاقات في المجتمع، ومع المجتمعات المجاورة هي الدولة.
وتمايزت الدولة عن سلطة الفرد، بأنّها ذات أثر معنوي، وليس شخصي، وبأنّ سلطة الدولة تبنى على أسس قانونية يتفق عليها أبناء المجتمع، ويقبلون ويرضون بها، أسس تجعل مسألة الحكم وظيفة، تتم وفق آليات قانونية يقبل بها أبناء المجتمع، ولا تعترف بفرض الأمر الواقع بالقوة وحدها. ولاستكمال عملية وجود سلطة الدولة، كقوة منظمة لعمل الجماعة، شكلت أجهزة متخصصة، وفق قوانين تصاغ في المجتمع، ويديرها موظفون وسياسيون، يدعون رجال الدولة..
بالتالي أحد أهم الأسس التي تقام عليها الدولة،المتمايزة عن سلطة الزعيم "الفرد"، تلك الأسس التي تستطيع الدولة بفضلها الاستمرار، هي وجود مؤسسات تحوز على التوافق والقبول، من قبل أبناء المجتمع، الحاكمين والمحكومين..
تعرض مفهوم الدولة لكثير من الدراسة والتمحيص من قبل الفلاسفة، وعلماء الاجتماع، والاقتصاد السياسي، من مختلف المدارس والاتجاهات.. وجاءت النظرة إلى مفهوم الدولة مختلفة، ومتباينة، بحسب المدرسة التي ينتمي إليها هؤلاء.. وكال ممثلو كل اتجاه الاتهامات لممثلي الاتجاه الآخر، بأنّهم يعملون على تشويش مسألة الدولة خدمة لمصالح الطبقات، والفئات التي يمثلون.. واختلطت مسألة الدولة، في ذهن كثير من الفلاسفة بالمسائل الدينية .. وقال كثيرون من الفلاسفة، وأهمهم هيغل، أنّ الدولة شيء ما خارق، بل إلهي..
أخذت الدولة في أوروبا في القرن العشرين أشكالاً، وصيغاً، وتسميات مختلفة، ترتبط بالموقف والخط السياسي للقوى المهيمنة على السلطة فيها، وابتكر كل اتجاه سياسي اسم جذاب للدولة التي يشيدها، ليعبر عن مدى عدالة، وقوة، ومشروعية الدولة التي يحكم بموجبها؛ فأطلق على الدولة ألقاب مختلفة؛ منها: الدولة التضامنية Corporate State في ظل الأحزاب الفاشية، والدولة الشعبية، ودولة الرفاهية Welfare Stateفي الدول الرأسمالية المعاصرة، والدولة لكل الشعب State of Whole people في الاتحاد السوفيتي سابقاً..
ومن المعروف أن هذه التسميات والصيغ سقطت مع عملية التطور الاجتماعي التاريخي، التي لا توقفها لا الألقاب اللامعة، ولا الشخصيات التي لا تعوض..
ولتشكيل لوحة متكاملة عن الدولة سنتعرف على النظريات المختلفة والمتناقضة حول مفهوم الدولة.
الماركسية والدولة
أدخل الماركسيون في نظريتهم حول الدولة، نضال مختلف الطبقات فيما بينها، ورأوا أنّ الدولة ظهرت عندما انقسم المجتمع إلى طبقات، وعرفوا الدولة بأنّها التنظيم السياسي للطبقة السائدة في الاقتصاد، غرضها حماية النظام القائم وقمع مقاومة الطبقات الأخرى. وتعتمد الدولة على سلطة عامة مزودة بجيش ،وبوليس، والأنظمة المختلفة للقهر. وحسب الماركسيين فإنّه، في مجتمع تهيمن فيه الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج تكون الدولة دائماً أداة قمع في أيدي الطبقة المستغِلة السائدة، لقهر الجماهير المستغَلة، بغض النظر عن شكل وطبيعة الحكم.
وقادت النظرة الماركسية للدولة إلى قيام ما عرف بالدولة الديموقراطية الشعبية في بعض دول آسيا وأوروبا الشرقية وبعض البلدان العربية والأفريقية؛ والتي لم تحمل ميزات وصفات الدولة العصرية، القائمة على الرضا والقبول، والقابلة للتجدد والبقاء، ولم تستطع الصمود أمام منافسة الدولة الرأسمالية لها، ولا أمام مسيرة التطور التاريخي، ومتطلبات التطور الاقتصادي والاجتماعي السليم، نتيجة لطابعها المنغلق مسدود الأفق، فأفلست، وفي البلدان التي لم تستدرك سلطاتها المأزق الذي وسلطت إليه، ولم تقم بالإصلاح السياسي، والاقتصادي المطلوب في حينه، يحصل انهيار شامل يهدد وجود الدولة، وقد يؤدي إلى تفككها..
الدولة في مفهوم علم الاجتماع الحديث:
مما تقدم يتبين أن انجلز ولينين حصرا مسألة الدولة بمسألة السلطة العامة Public Authority ومن المعروف أنّ السلطة العامة بمفردها لا تشكل الدولة ، بل هي "إحدى الخصائص الأساسية للدولة كتنظيم يتميز عن التنظيم القبلي الذي سبق ظهور الطبقات. والسلطة منفصلة عن الشعب، وتدافع عن مصالح المستغلين وهم الأقلية في المجتمع. ويمارسها الأشخاص الذين يصبح الحكم بالنسبة إليهم مهنة ( الموظفون، والجيش والبوليس ..الخ) والمؤسسات الهامة الملحقة بالسلطة العامة هي المحاكم والسجون وغيرها من المؤسسات الحكومية. وهذه المؤسسات بمفردها لا تشكل الدولة.
لقد تطور مفهوم الدولة في علم الاجتماع، بعد انجلز، ولينين. وأصبح مفهوم الدولة أشمل من ذلك المفهوم الذي اعتمداه. فالدولة في تعريف علم الاجتماع الحديث، تتميز بثلاث عناصر لا بد من وجودها لتكوين الدولة، هي: السكان، مساحة من الأرض، والسلطة العامة، والمؤسسات، والقوانين التي يتم التوافق عليها بين السكان وحاكميهم.
يشكل السكان عنصراً هاماً من العناصر المكونة للدولة. ومن الضروري أن يوجد هؤلاء الناس على مساحة معروفة من الأرض. ومن الطبيعي أن يتصف سكان كل دولة بالتنوع الثقافي، والديني، ومن الممكن أن يتصفوا بالاختلاف اللغوي والعرقي والقومي. والدولة التي تبنى على أسس سليمة عادلة تعترف بهذا التنوع إن وجد؛ وتؤمن لجميع السكان من مختلف القوميات، والأعراق والأديان حقوقهم القانونية والثقافية التامة، في إطار وحدة الدولة، ومساواة أبنائها جميعاً أمام القانون.. يتوحد هؤلاء الناس، ويتم حكمهم وإدارة شؤونهم وفق قواعد، وأنظمة، وقوانين تضبط سلوكهم، من خلال مؤسسات ترعى هذه القواعد والقوانين، تعرف بالسلطة. وتعد مسألة الخضوع لهذه السلطة، واحترامها، وطبيعة هذا الخضوع ـ هل هو قسري أم طوعي مبني على قناعة وأسس وقوانين متوافق عليها ـ عاملاً هاماً موحداً لمجموع الناس التابعين لدولة ما. من هنا يتبين أنّ خضوع السكان لسلطة الدولة، وحقها في الضبط والسيطرة، وطبيعة، والآليات القانونية الشرعية، المتوافق عليها، لهذا الضبط والسيطرة، هي في نفس الوقت امتياز شرعي للدولة، وعلامة مميزة لها، فضلاً عن كونها من مسلمات وجودها. وهذا ما عرف باسم "السيادة".
فالسيادة بمعنى حق سن وحماية قواعد وسلوك وتصرف الناس، من قبل السلطة المشروعة، هو من ميزات وامتيازات الدولة.
وينوه علماء الاجتماع على أنّ وجود سلطة الدولة يسبق زمنياً وجود الديموقراطية الحديثة. فلكي يستطيع السكان ممارسة سلطتهم على نفسهم، بالأسلوب الديموقراطي الحديث، لا بد من وجود دولة.
بعض ميزات السلطة في الدولة الحديثة:
بينا أنّ مفهوم الدولة تطور تاريخياً منذ نشأتها، وسيبقى يرتقي ويتطور، في المجتمعات الحية، الدينامية، والمتطورة، وأصبح أشمل من ذلك المفهوم الذي اعتمد مع نشوء الدولة. كما تطور مفهوم السلطة، وآلية الحكم في الدولة العصرية. وأصبحت السلطة تحتاج إلى مجموعة من الصفات، والشروط، كي يعترف بها، ولتمتاز بالشرعية، والديمومة، ولتستطيع البقاء..ومن أهم هذه الصفات: الرضا والقبول من أبناء المجتمع، والتداول السلمي، والمساواة القانونية والحرية، لتبني دولة لجميع أبنائها.
أولاً: رضا أبناء المجتمع وقبولهم
ومن ضرورات وجود، وبقاء، واستمرار الدولة ـ التي تختلف عن سلطة حكم الزعيم الفرد ـ وجود قوانين ومؤسسات شرعية، تحظى جميعها، مع السلطة، بالرضا والقبول، من قبل السكان.
مرّت مسألة قبول السكان بالسلطة، وبقبول نشأة الدولة، في أوربا بمراحل مختلفة، وتطور هذا المفهوم من قبل مفكرين أوربيين متعاقبين.. إلى أن أصبح مبدأ التعاقد مع "جان جاك روسو" مطلقاً. "وإذا كان المتمع بالسيادة يملك قوة لا محدودة، فذلك بأن يتوفر بكل دقة شرط الديموقراطية المطلة، فسلطة الشعب لا حد لها. ومهما كانت المتغيرات ، فيجب أن تحظى دائماً السلطة بالرضا والقبول. فالقبول شرط لبقاء الدولة واستمرارها."(1)
ولما كان الشعب هو مصدر السلطة، في الدولة العصرية، تصبح مسألة تنظيم السلطة من قبل الشعب، شرطاً ضرورياً من شروط شرعية السلطة، واستقرار الدولة، وتطورها. وتحدد قواعد ممارسة السلطة في دستور كل دولة. ويقر الدستور، وأية تعديلات تجرى عليه، من قبل الشعب، بعد مناقشته بشكل جماهيري واسع..
ونظراً لتغير الحياة الاجتماعية باستمرار، فمن الضروري تغيير قواعد الحكم، كلما تتطلب الأمر ذلك، بالتالي فعملية تعديل الدستور مسألة ضرورية ..
ومن المفيد الانتباه إلى أنّ "التقليل أكثر مما ينبغي من الصلابة يمكن أن يفرغ مفهوم الدستور من جوهره ومحتواه، والزيادة أكثر مما ينبغي بالصلابة يخشى منها أن تهدم البناء."(2)
ثانياً : المساواة القانونية والحرية:
الدولة الشرعية هي تلك التي تنجم فيها السلطة عن الشعب، وأن تكون الغاية من السلطة التي يؤسسها الشعب هي تكريس المساواة فيما بين أبنائه أمام قوانينها ، وفي نفس الوقت حصولهم على حريتهم. فالسلطة لا تبنى من أجل القمع فقط، بل وهي سبيل لإحقاق الحقوق الإنسانية، والحرية. ويتم ذلك عبر بنى ومؤسسات اجتماعية مدنية يختارها الشعب، ويحقق مشاريعه وتطلعاته من خلالها. يقع البرلمان، والرئاسة ـ حسب طبيعة النظام السياسي ـ في قمة هذه المؤسسات. ويتم من خلال هذه المؤسسات، وخاصة البرلمان، اختيار شكل السلطة، وتحديد صلاحياتها، وأسس العلاقة بينها وبين الشعب.
ولما كان البرلمان، والرئيس، في الدول الديموقراطية الحديثة، ينتخبان كل فترة من الزمن، وتتغير الأغلبية في البرلمان، فالسلطة محكومة بالتغيير أيضاً، ولا يمكن أن تكون أبدية.
ثالثاً : التداول السلمي للسلطة:
إنّ مسألة تداول الحكم، أهم ميزة من ميزات السلطة في الدولة القانونية، فالمواطن (الناخب) الذي اختار سلطة ما، في وقت وظرف معين، له كامل الحق في تغيير رأيه، مع تغير الظروف، وتطور الأحداث.. وهكذا يحصل تداول الحكم، والتناوب السلمي للسلطة، في النظم السياسية الديموقراطية، فمن تكون بيده السلطة اليوم، قد يصبح في المعارضة، يوماً ما، والعكس صحيح.. ولمسألة تداول السلطة ميزة هامة، تجعل من في الحكم، يحترم القانون، ويخفف من طغيانه، وغلوائه، واستبداده، لأنّه يعلم أنّه سيسأل دائماً عن تصرفاته، واحترامه للقانون، الذي يحرسه؛ وهذا ما يساهم في بناء دولة الحق والقانون، ويزيد الدولة قوة ومنعة.
كما أن تداول السلطة وفق الآليات الديموقراطية القانونية، والشرعية، يحمي الدولة من احتكار واستئثار بعض السياسيين بها، تحت أية ذريعة. ويزيدها قوة ومنعة.
ثالثاً : سلطة الدولة لجميع المواطنين:
إنّ احتكار واستئثار البعض بالسلطة، يقوض من الممارسة السياسية في الدولة، ويجعلها حكراً على من في الحكم، ويشعر الناس في ظل هكذا سلطة غير منصفة، أنّهم غرباء عنها، بمقدار غربتها عنهم، فيرتفع جدار بين السلطة والمواطنين، ولا يشعرون تجاهها بالاحترام، ويتهربون من تنفيذ خططها، وتنمو حالة الشعور بعدم مسؤوليتهم عما يصدر عنها، مما يقلل من هيبة الدول ويضعفها، ويعرضها للانهيار وللسقوط، والتفريط بسيادتها، عند أقل وأول اختبار، داخلي أو خارجي. "إنّ تسيس الوظائف العامة العليا، وتوسيع نطاق العمالة والموالاة، وانتشار الفساد، يتلف روح الدولة، التي فُكّر بها وأقيمت لتبطل تحويل السلطة إلى تراث وميراث، ولكنها ها هي تقيمه من جديد.. ويحل النضال من أجل المناصب ، محل مجابهة الأفكار.. فالدولة تنخفض حينئذ قيمتها في نظر موظفيها وكذلك في نظر جميع أعضائها"(3)
فالأسس السليمة لبناء الدولة القابلة للبقاء والتطور، هي الأسس الديموقراطية القانونية، التي تجعل السلطة تمارس من قبل الشعب، الذي يشعر بأنّ هذه الدولة لجميع أبنائها، يتداولون الحكم فيها وفق آليات ديموقراطية، يتفقون عليها، مع التأكيد على أنّ ممارسة الشعب للحكم بشكل كامل..
هل استكمل العرب بناء أسس الدولة
يقودنا البحث في مسألة استكمال العرب لعملية بناء أسس الدولة إلى البحث في عناصر الدولة في البلدان العربية، وفي ميزاتها وصفاتها.
كنا قد بينا أنّ علم الاجتماع الحديث حدد ثلاث عناصر ضرورية لوجود الدولة، هي: السكان، مساحة من الأرض، والسلطة العامة، ذات المؤسسات والقوانين التي يتم التوافق عليها بين السكان وحاكميهم. . وبينا أنّ السلطة تحتاج إلى مجموعة من الصفات، والشروط، كي يعترف بها، ولتمتاز بالشرعية، والديمومة، ولتستطيع البقاء.. أهمها: الرضا والقبول من أبناء المجتمع، والتداول السلمي، والمساواة القانونية والحرية، لتبني دولة لجميع أبنائها.
إن التمعن الدقيق في حالة المجتمعات العربية يبين أن العناصر الأساسية اللازمة لوجود الدولة متوفرة، مع بعض النقص الذي يختلف من بلد لآخر، فالسكان موجودون، وكذلك الأرض (وإن كانت بعض أجزائها محتلة في بعض البلدان)، كما أنّ السلطة موجودة، إلاّ أنّ أغلبها يفتقر إلى صفات الشرعية، والعمومية، والتوافق، والرضا والقبول، وإمكانية الاستمرار والبقاء.
تتصف السلطات وأنظمة الحكم العربية عامة، بالميزات التالية:
إذا تمعنا في أغلب السلطات القائمة في البلدان العربية، نجد أنّها تتصف بالصفات العامة التالية، مع بعض التفاوت بين سلطة، وأخرى:
أولاً: إنّ السلطة في أغلب البلدان العربية، هي نتاج انقلابات، بالتالي فهي تفتقر إلى ميزة الرضا والقبول .. ولم تبن مؤسسات السلطة الشرعية، في دولة الحق والقانون..
ثانياً: لا تؤمن الأنظمة العربية بالتداول السلمي للسلطة، ولا توجد فيها المؤسسات الاجتماعية التي تساعد على تداول السلطات، وأغلبها ينادي بديمومة الحاكم، ويسعى البعض لتوريث الحكم لأبنائه ..
ثالثاًً: تفتقر المجتمعات العربية إلى المساواة القانونية والحرية، بل إنّ أغلب السلطات الحاكمة في البلدان العربية تحكم شعوبها بواسطة قوانين الطوارئ لأجيال، وأجيال تولد، وتموت في ظل هذه القوانين، ولا تعرف طعم الحرية،وأغلبها لم يعتمد بعد قوانين بناء مؤسسات الدولة، كقوانين الأحزاب والجمعيات الأهلية والمجتمع المدني..
رابعاً : لم تبن الأنظمة العربية دولة لجميع المواطنين؛ بل بنت أنظمة، يسود التمايز فيها على كافة الأصعدة، وخاصة بين الحكام ومقربيهم، البطانية، وبين أبناء المجتمع..
عند الحديث عن البنيان السياسي في البلدان العربية، يجري الحديث عن الأنظمة، وليس عن الدولة، وترفع الشعارات لحماية الأنظمة، وليس حماية أسس الدولة، فكثير من الساسة العرب والأحزاب السياسية، بما فيها الشيوعية، لم تعترف بهزيمة حزيران 1967 على الرغم من احتلال مساحات شاسعة من أراضي البلدان العربية، وذلك لأنّ (الأنظمة التقدمية) لم تسقط!! مما يدل على أنّ الأنظمة، وليس أسس الدولة، من وجهة نظرهم، هي الأساس. إن جميع الأنظمة والسلطات عرضة للزوال، وقد تزول الدول بزوال بعضها، أو تتجزأ إلى دويلات.. فالصيغة الحالية لسلطات الحكم في البلدان العربية، تحمل في طياتها أخطاراً جمة على مستقبل، ووجود دول ، ومجتمعات وشعوب هذه البلدان..
من كل ما تقدم يتبين أن المجتمعات العربية لم تبن بعد أسس الدولة الشرعية، والقانونية، القابلة للتطور والبقاء.. ويحمل ذلك في طياته خطراً حقيقياً على وجودها، وبقائها.. وإذا أردنا تحقيق مصلحة شعوبنا، وتطورها ورقيها، فعلينا بناء دولة الحق والقانون، على أسس صحيحة، وسليمة، دولة ذات سلطات تمتاز بجميع مواصفات الدول والسلطات القانونية، والشرعية، دولة لجميع أبناء المجتمع، تحوز على الرضا والقبول، والتداول السلمي، والمساواة القانونية والحرية..
إنّ عملية استكمال بناء الدولة على أسس حضارية سليمة، مهمة وطنية، بل هي مسألة مصيرية، على معالجتها يتوقف مستقبل، ووجود ومصير هذه المجتمعات، وهي ليست بالمستحيلة .. إنها تتطلب إرادة ورغبة في إشادة المؤسسات اللازمة، المكملة لبناء الدولة، على الأسس السليمة والمعروفة، فضلاً عن إرادة ورغبة الحكام في الانتقال من حالة حكم قطيع الرعية ، إلى حالة المقدرة، والرغبة في حكم المجتمعات البشرية.
الهوامش:
(1) أوليفيه دو هاميل ـ الديموقراطيات، أنظمتها ـ تاريخها ومتطلباتها ـ ترجمة: علي باشا ـ وزارة الثقافة ـ دمشق 1998 ص 342 .
(2) نفس المصدر ، ص346
(3) نفس المصدر ، ص373
نوه أوليفيه دو هاميل أنّه اعتمد في كتابه حول الديموقراطيات ..، على المراجع التالية:
ـ " فيليب أردان" (المؤسسات السياسية، والحقوق الدستورية) 1993
ـ "جورج بوردو" ، "فرنسيس هامون" و"ميشيل تروبير" (الحقوق الدستورية والمؤسسات السياسية) 1993
طرطوس 1/10/2003 شاهر أحمد نصر
[email protected]