|
الدعوة الى الاصلاحات وازمة الهوية الدينية
عالية بايزيد اسماعيل
الحوار المتمدن-العدد: 1998 - 2007 / 8 / 5 - 11:28
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
ظهرت في الآونة الأخيرة أصوات تنادي بإصلاحات لإعادة تنظيم البيت اليزيدي وفق مفاهيم العصر والتطور وإعادة قراءة الديانة قراءة إصلاحية (ليبرالية ) حديثة انطلاقا من سياسة واقعية وعملية براغماتية تأثرا بالتيارات الفكرية والسياسية المعاصرة والدعوة لإلغاء الفوارق الطبقية مع ما تنطوي هذه المسالة من أهمية وخطورة من حيث النتائج والآثار تستوجب منا أن نتوقف عندها للحيلولة دون إقرار أي صيغة لاتنسجم والمصلحة العامة في حاضرها ومستقبلها ولا مع روح العصر . فالديانة اليزيدية ديانة قديمة تضم قيما روحية وخلقية إلى جانب مبادئ تنظيمية تقوم أساسا على نظام الطبقات التي ما تزال قائمة لحد الآن ولا طريق لإزالتها لأنها تقسيمات أبدية متعلقة بالدين تبقى ما بقى الدين موجودا ويلتقي الجميع على الخضوع لهذا النظام الطبقي بدافع ديني رغم قيوده الصارمة لأنه أساس هذا المعتقد , نعم إن النظر إلى مشكلاتنا يجب أن لاتخلو من روح الانتقاد لان الدين يلبي حاجة روحية عميقة لايمكن الاستغناء عنه بالرغم من إن قيمه لم يعد الكثير منه ذا أهمية في يومنا فان البعض لايزال يرى فيه أساس الأخلاق والمباىء وهذا يحمل التناقض في واقع الحياة العصرية وحياة القرون الوسطى كما إن الكثير من القيم الدينية بدأت بالانحسار لأنها لم تستطع أن تصمد طويلا في بيئة راكدة ولم تعد ملائمة للعصر المتميز بسرعة التغيير , إن تقديس الماضي تقديسا أعمى بكل مفاهيمه وطرائقه غير وارد ولاترك الماضي والنظر إليه بازدراء فهذا أيضا غير وارد لان المستقبل لايمكن أن يبنى على أي من هذين المسلكين لان المعتقدات الدينية تشكل نظاما متماسكا منسجما مع بعضه البعض فإذا قبلنا جزء منه علينا بقبول الأجزاء الباقية وان تنازلنا عن البعض لصالح التطور فبحكم المنطق أن نتنازل عن البقية لان المعتقدات الدينية ونظامها الاجتماعي شيئا واحدا إما أن يؤخذ كله أو أن يرفض كله وان كان لابد من أن نخفف من الإغراق والتخلص من الانغلاقية في التفكير وهي الحالة الأكثر أهمية في حياتنا اليوم وتحت هذه الظروف التي تحدت حدود الاستثناء في الواقع إلى حدود التحدي القدري للواقع المستجد فرضا وقسرا مما يدركه كل منا حتى بات الشعور واحدا وإدراك الخطر مشتركا , إن تشخيص الظاهرة هي جزء من الحقيقة أما الحقيقة فهي معالجة الظاهرة لان الحقائق كما يقال هي نسبية بمعنى كل منا ينظر إليها حسب زاويته لذلك وجد اليمين واليسار المحافظ والإصلاح فالأول يريد الحفاظ على ماهو قائم أما الثاني فانه يسعى إلى تغيير ماهو موجود إلى الأحسن وهذه الفئة تضم أوساط العلمانيين والليبراليين ومجموعة الشباب المثقفين التي تعيش زمن التغييرات المتسارعة والتي لاتريد أن تظلم الأجيال اللاحقة , وان التجاذب بين هاتين الفئتين يغلب عليها طابع الصراع بين المحافظ والعلمانية والسيطرة فيه تكون للجهة التي تملك القوة والوسائل المادية أكثر من غيرها مما قد يفتح مجالا لتأزم الوضع وبالتالي تأثيره حتما على عدة اتجاهات . يقول علي بن ابي طالب في حكمته الشهيرة " إن الحق لو جاء محضا لما اختلف فيه ذو حج وان الخطأ لو جاء محضا لما اختلف فيه ذو حج ولكن اخذ ضغث من هذا وضغث من ذاك " فالتباين في الآراء هي حالة صحيحة للوصول إلى نقاط مشتركة وهذه هي الحياة أما الافتراض بتطابق الآراء فهي عملية قاتلة للحياة لان القناعات غير متساوية في النظر إلى الأمور شرط أن لا تخلو هذه الطروحات من نزاهة القصد , ولابد أن ندرك إن عجلة التاريخ لن ترجع إلى الوراء كما إن مسار التقدم لن يتوقف لهذا كلما كان الدين لا يتعارض مع التقدم والتطور فان الحاجة تنتفي إلى العلمانية وكلما كان عكس ذلك فان الحاجة إلى العلمانية شكلا ومضمونا تصبح ضرورة قائمة وتفرض نفسها ويكون عند ذاك من غير المجدي الوقوف أمامها بمعنى آخر إن أكثر القضايا المرتبطة بالدين إن استمرت لحد الآن فانه من دون شك كان لها ظروفها ومبرراتها وكان لها فوائدها وآثارها الايجابية في تلك المرحلة وان بعضا منها لم يعد واردا في عصرنا الحاضر كما إن بعضها الآخر فقد آثاره على نطاق العقيدة والمؤثرات الاجتماعية ودفعا لأي لبس أو غموض نأخذ واحدا من الأمثلة فالتعليم في المدارس بين أبناء اليزيدية كان شبه محرما دينيا بسبب ظروف تلك المرحلة التي كانت تتسم بالبساطة وكانت المجتمعات اغلبها مجتمعات عشائرية زراعية لم يكن للعلم ملامح واضحة بعد وكانت المدارس أو الكتاتيب تدرس علوم اللغة والفقه والتفسير وكل ماله علاقة بعلوم القران والسنة وبالتالي فلم تكن تصلح لغير المسلمين أما العلوم الطبيعية الأخرى فلم تكن تدرس حتى مطلع القرن الماضي حين بدأت المدارس بتعليم اللغات والعلوم والرياضيات عندها بدا الاهتمام جديا بالتعليم وبدأت العوائل تدريجيا بإرسال أولادها إلى المدارس وكان أول من قام بهذه الخطوة الجريئة المرحوم الأمير إسماعيل بك الذي كان أول من أرسل أولاده إلى المدارس للتعليم ثم أعقبته عوائل أخرى في بعشيقة وبحزاني وبدأت تدريجيا تزداد جموع الملتحقين بالمدارس حتى وصلت إلى ما نحن عليه الآن الذي أصبح فيه التعليم إلزاميا حتى المرحلة الجامعية بعد أن كان شبه محرما ونقيس نفس الأمر بالنسبة للملابس الذي اختلف عليه عما كان سابقا إذن هناك العديد من القضايا التي كانت تشكل نوعا من الحرج أو التعارض مع ما يستسيغه العدد الأكبر من العامة في ذلك العصر إذا ما طبقت بشكل حرفي ولم يفهم جوهرها وبما كان لها من وضع ظرفي خاص حتى إن تلك المبادئ الأساسية التي يقال عنها ثابتة فإنها تفقد نضارتها وحقيقتها عندما تعتبر شيئا مسلما به لأنها عندها يكف الفرد عن التماسها والسعي ورائها بل حتى إن فكرة الحق والاعتقاد تفسد عندئذ ونصبح مجرد أدوات نتبع روتينا مميتا ، إذن إن كل ما يستنفذ أغراضه يجب أن يزول وان لانتمسك بما لايحمل أية قيمة ومعنى إلا بقدر ما يخدمنا في بناء الحاضر والمستقبل ويحفظ الهوية والأصالة والانطلاق بكل ثقة وقوة نحو الحداثة والمعاصرة لأنها تعبر عن حاجات إنسانية دون أن نتنكر للدين واستبعاد أي عنصر ضغط أو إكراه فيما يتصل بالمعتقدات الدينية . أما الدعوة للإلغاء الفوارق الطبقية فهذا يعني إعطاء تسهيلات شرعية لمن يريد مخالفة النظام الديني وتجاوزها فقد يرى بعض الليبراليين والمثقفين المتأثرين بالأفكار السياسية المعاصرة إن مسالة الطبقات الدينية ليست صعبة فقط لكنها لاتنسجم وحالة التطور والمصلحة العامة لما فيها من تقييد لحرية الزواج بل ويعتبرون إن هذا النظام هو رمز التحجر والانغلاقية الذي لا مكان له في التنظيم الاجتماعي المعاصر الذي ينادي بالديمقراطية والمساواة وقد يؤدي التمسك بهذا النظام إلى تفاقم أزمة الاغتراب لدى الشباب والتي تعتبر حاليا من أهم القضايا التي يجب معالجتها ودراسة مسبباتها خاصة ونحن نعيش في مرحلة بدأت المفاهيم فيه تختلط مع بعضها التي قد تؤدي إلى تحلل القيم السائدة والتمسك بالفائدة الذاتية أمام مغريات الغزو الثقافي وتحت تأثير الانبهار بمبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية والتجربة الأوربية وبالتالي قد يؤدي إلى سلخ الكثير من المفاهيم من الالتزامات الاجتماعية ولما في ذلك من مخاطر كبيرة قد تؤدي إلى تغيير كل شيء بما في ذلك الانتماء الديني كل ذلك بسبب حالة الاغتراب الذي يطفو على السطح نتيجة الصراع بين القيم بكل جوانبها الاجتماعية والثقافية والسلوكية وبين الذات الفردية حين يجد الشباب نفسه تحت تأثير ضغط نفسي هائل في مواجهة متطلبات الحياة يملأه القلق تجاه المتوارث ليجد نفسه في مفترق طرق إما أن يتخلى عن كل التزاماته الدينية الموروثة أو أن يتمسك بمعتقداته تماما ويرفض أي حالة تطور علمي معاصر ليختار الجمود الساذج والسطحي للقيم الموروثة أي إما تطرف يساري أو تطرف يميني وكلا التطرفين تعني المواجهة مع الواقع ويعمق الفجوة بين الفرد ومجتمعه وبالتالي يزيد من حالة الاغتراب أو التمرد ليصبح الواقع بكل أثقاله دافعا إلى حالة التمرد القابلة للانفجار بكل ردود أفعال سلوكية ونموذج الشباب في أوربا لهو دليل واضح على حالات الاغتراب التي يعانيها الشباب بعد انطلاقهم من القيود والانفتاح على التجربة الأوربية وتشجيع الكثير من الشباب للهجرة إلى الخارج كل ذلك شكلت ظاهرة هي أولا وأخيرا رد فعل لهذا الخلل الاجتماعي ويشرح الأديب الفرنسي ألبير كاموفي روايته التمرد ما يتصوره من إن التمرد هي مسالة تحد ومعارضة يوجه ضد وضع من الأوضاع ومن ثم ضد المسؤول عن هذا الوضع والتمرد في الواقع يصبح مع مرور الوقت تمردا ملحدا وهو اخطر أنواع التمرد إن نظرية أرسطو التي تعرف في الفلسفة بنظرية الوسط الذهبي هي الحل الأمثل وذلك بالتوسط في الأمور دون إفراط ولا تقصير لان كل منهما رذيلة ويكون ذلك بمسايرة الواقع وما هو قائم من قيم تحكم الجميع وعدم القفز فوق الواقع من منطلق الاعتقاد بها وتطبيقها استجابة للمشاعر الدينية ولا يخفى ما في ذلك من راحة نفسية دون الخوض في محاذير السير في هذا التطبيق ومشكلاته وتعقيداته وعليه ليس ثمة ما يدعو إلى الاستغراب والعجب إذا ما ظهر من يتهم هؤلاء الإصلاحيين بالكفر والإلحاد والمروق وفق القاعدة الشهيرة التي تقول " إن ما رآه الناس حسن فهو عند الله حسن" التي تدعو إلى إعلاء المصلحة العامة والمصلحة العامة في الناس تكون أكثر التصاقا بالمشاعر الدينية بغض النظر عما يجري على ارض الواقع والتطبيق العملي وأخيرا أتساءل بدوري هل الحل يكمن في تغيير الأرضية الاجتماعية القائمة منذ فترة الشيخ عدي ولحد ألان وهل نملك الجرأة ألان وهل هذا قريب أم (كناطح صخرة يوما ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه ) .
#عالية_بايزيد_اسماعيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الانترنيت والجرائم الالكترونية
-
المركز القانوني للمراة بين مطرقة قانون الاحوال الشخصية وسندا
...
-
الهوية اليزيدية في مواجهة التطرف الديني تحديات متواصلة
-
لماذا هذا التباكي الزائف ام هي دموع تماسيح
-
من المسؤول عن انتهاكات حقوق اليزيدية
-
التشريع والثورة العلمية والطبية
-
لماذا يتهم العلمانيون بالالحاد
-
كيف يتحقق الردع عند الغاء عقوبة الاعدام
-
ملامح الدين والديمقراطية وفق المنظور الديني في العراق
-
العلمانية ضمانة اكيدة لتحقيق هدف التعايش السلمي بين جميع الم
...
-
في يوم المرأة العالمي .. اثر التيارات الدينية على واقع المرأ
...
-
عن اي ديمقراطية يتحدثون
-
رئيس تحرير منتدى انا حرة في حوار مع الامين العام لحركة الاصل
...
المزيد.....
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|