كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1997 - 2007 / 8 / 4 - 10:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
" الحقيقة لا تكون صرفة أبداً, وهي قل ما تكون مجردة" أوسكار وايلد
نشرت المجلة الإلكترونية "أريبيان تايمز" في عددها الصادر يوم 4/7/2007 مقالاً بعنوان "سوريا والمحكمة الدولية" للسيد الدكتور برهان غليون. وهذا المقال يطرح على الحكومة السورية من طرف وعلى قوى المعارضة السورية من طرف آخر الرؤية التالية:
* الضفط الخارجي لا يمكن مقاومته باضطهاد وقهر القوى الداخلية بل بإطلاق حريتها وحقوقها ومشاركتها.
* إن ممارسة الضغط من جانب الحكومة يدفع بالمعارضة السياسية إلى الوقوع في أحضان الأجنبي ويمكن أن تتعاون تلك المعرضة مع القوى الأجنبية لاحتلال البلاد إذا ما اشتد الضغط ومورس التدخل الخارجي لإسقاط النظام.
* لا يجوز للمعارضة السورية أن تشدد من موضوع المحاكمة الدولية وتتوقع إدانة الحكومة السورية بها , إذ سيدفع هذا الموقف بالحكومة إلى مزيد من التعنت وإلى ممارسة المزيد من الاضطهاد والقمع الذي يدفع بالمعارضة إلى التحالف مع الأجنبي وتتورط بالعمالة له وتحقيق أهدافه.
* إن هناك فارقاً بين القوى الداخلية التي تتعرض للضطهاد وتفتش عن حل ديمقراطي سلمي للبلاد, وبين المعارضة الخارجية التي حالما يجري التغيير تهيمن على السلطة وتخضع الدولة للأجنبي ومصالحه وتبعد المعارضة الداخلية السابقة عن الحكم.
ولكي يقنع النظام السوري من جهة , والمعارضة السياسية السورية الداخلية منها والخارجية من جهة أخرى , يورد السيد الدكتور غليون أحداث العراق نموجاً. وفي الوقت الذي يؤكد بأن سياسة الاستبداد التي مارسها النظام العراقي كانت السبب وراء سعت المعارضة العراقية , التي عجزت عن إسقاطه , إلى التحالف مع الأجنبي لإسقاط النظام وتحقيق أهدافها في الإسقاط ولكنها حققت مصالح الأجنبي أساساً , وبالتالي وقعت القوى السياسية العراقية التي وافقت على التحالف مع القوى الأجنبية في أحضان الأجنبي وأصبحت تخدم مصالحه. وويقول حول العراق بالنص ما يلي:
"هذا ما يفسر كيف أن حركات كانت بالأصل معادية عداءا شديدا للولايات المتحدة وسياساتها الإقليمية، مثل الحزب الشيوعي العراقي والأحزاب والتكتلات الاسلامية الشيعية، قد قبلت بسهولة وسرعة التكيف مع الاستراتيجيات الغربية، وأحيانا الارتماء في أحضانها، ثم المشاركة في مشروع غزو بلادها ووضعها تحت الوصاية الأجنبية. فالناس لا يولدون خونة ولا متآمرين ولكنهم يصبحون كذلك نتيجة المواقع التي يجبرون على احتلالها والأدوار التي يدفعون إلى لعبها، أي عندما لا يجدون لأنفسهم ومصالحهم مخرجا آخر ولا خيارا، سوى التفاهم مع القوى الخارجية القابلة لأن تتبني قضيتهم حتى لو كان ذلك، وهو لا يمكن إلا أن يكون، لتحقيق مآرب خصوصية".
ماذ يفهم من هذا النص؟ قبل الخوض في الإجابة لا بد من تبيان بعض الوقائع المهمة التي تساعد على الحوار بشأن ما كتبه الدكتور غليون:
* لم يكن الحزب الشيوعي العراق ضمن من وافق على الحرب والتخل الخارجي لإسقاط النظام ورفضها. وموقفه هذا معروف, كما أن حزب الدعوة رفضت ذلك أيضاً, إضافة إلى عدد من القوى السياسية الأخرى.
* لم تكن الأحزاب السياسية الشيعية وحدها وافقت على الدعم الخارجي لإسقاط النظام, بل كانت هناك قوى سياسية سنية أيضاً.
* لم تكن القوى التي وافقت على التدخل الخارجي عربية فقط, بل وكردية أيضاً.
* بذلت الكثير من هذه القوى المستحيل, وخاصة الكردية والعلمانية العربية, من أجل تغيير الوضع الاستبدادي بطريق سلمي وديمقراطي, ولكنها لم تفلح, بل غاص الدكتاتور في قعر مستنقع العنف والقمع والقسوة ضد قوى المعارضة وضد الشعب بشكل عام.
* وقفت قوى قومية عربية معروفة , ومنها قوى المؤتمر القومي العربي والقوى الناصرية وبعض القوى اليسارية أيضاً إلى جانب النظام الدكتاتوري وزكت سياساته القمعية والعنصرية والشوفينية , حتى أنها لم تحتج على تسفير مئات الألوف من العرب والكرد الشيعة إلى إيران, الحرب العدوانية ضد إيران, الحرب العدوانية ضد الشعب الكردي ومجازر الأنفال وخلبجة وغزو الكويت وحرب وضر الانتفاضة الشعبية ...الخ. في ما عدا سوريا, وبسبب خلافها مع النظام ضد الحرب على إيران وغزو الكويت واضطهاد المعارضة السياسية واحتضانها في سوريا.
* لقد وافقت قوى المعارضة العراقية الأساسية على سياسة الولايات المتحدة في إسقاط النظام شريطة أن يسلم الحكم لها لا أن يفرض قرار بالاحتلال على العراق. ولهذا احتجت جميع القوى السياسية العراقية على ذلك القرار , حتى الدكتور أحمد الجلبي المتهم بتحالفه الكامل والمطلق مع الولايات المتحدة, احتج رسمياً على قرار الاحتلال واعتبره خرقاً لكل الاتفاقات السابقة. وكانت الأحزاب السياسية الكردستانية والحزب الشيوعي العراق وأحزاب أخرى قد احتجت بشدة واعتبرته مرحلة جديدة في الوضع العراقي الجديد الذي سيعرض البلاد إلى هزات جديدة.
حين سقط النظام في فترة قصيرة جداً بخلاف ما كان يدعيه قبل ذاك وهرب رأسه واختفى في حفرة حقيرة لائقة به, كان على القوى السياسية العراقية العربية والكردية أن تتعاون في ما بينها لتسلم السلطة ووترتيب الأوضع وتنظيم عملية إنهاء الوجود الأمريكي والأجنبي عموماً, لكن قوات الاحتلال رفضت في البداية ذلك, كما أن الصراعات الداخلية لم تسهم في تسهيل المهمة وفرض الا حتلال بقرار من مجلس الأمن الدولي. وطرح السؤال التالي: كيف يفترض أن يكون الموقف؟ كان أمام القوى السياسية العراقية احتمالين:
1. المشاركة في الحكم لإنهاء االاستثنائية بسرعة والتعجيل بخروج القوات الأجنبية,
2. وإما رفض المشاركة في الحكم. وفي هذه الحالة يكون أمام من يرفض المشاركة في الحكم إما التحول إلى معارضة سلمية للخلاص من وجود قوات الاحتلال, وإما رفع شعار المقاومة المسلحة والانخراط مع القوى الإرهابية المنظمة لجماعة القاعدة والقوى الصدامنة التي كانت مهيئة قبل سقوط النظام ومن جانب صدام حسين لتنظيم عمليات قتل وتخريب وتدميروإشاعة الفوضى في البلاد وعدم الاستقرار.
غالبية قيادات الأحزاب السياسية العراقية فضلت الحل الأول آخذة بنظر الاعتبار جملة من الاعتبارات, بما فيها وضع الجماهير ومشكلاتها وميزان القوى السياسية والعسكرية وضرورة الاستفادة من سقوط النظام لإعادة بناء العراق الجديد, إضافة إلى وجود جيوب إرهابية زرعها النظام قبل سقوطه.
من الممكن جداً أن ننتقد هذه السياسة أو تلك لهذا الفصيل أو الحزب السياسي أو ذاك, ومن الممكن أن نرفض العملية كلها, شريطة أن نعي الواقع العراقي أولاً والظروف التي عائها هذا الشعب طيلة 35 عاماً تحت سطوة وإرهاب وقمع وقسوة البعث وسياساته الشوفينية والتعريب والتهجير القسري والحروب الدموية الداخلية منها والخارجية من جهة, وأن نحكم ضمائرنا حين نحاول الحكم على هذه الحزب السياسي أو ذاك في مواقفه السياسية. فمن غير المعقول ما ورد في مقال الدكتور غليون بشأن الحزب الشيوعي الذي اقترب من وصفه خان القضية الوطنية, وهو يدرك تمام الإدراك بأن الحزب الشيوعي العراقي لم يخن القضية الوطنية العراقية طيلة عمره الطويل ولم يفرط بالاستقلال والسيادة الوطنية ولا بعض القوى السياسية الشيعية أو السنية ولا القوى الكردية , التي لم يذكر ها بالاسم , التي تعرضت لأبشع صنوف الاضطهاد والقهر والتعذيب والموت على أيدي حزب البعث وصدام حسين وعلي حسن المجيد وبعض القوى القومية العربية , بل أن الذي خان القضية العراقية هم القوى الصدامية التي أضعفت العراق ومرغت كرامة الشعب العراقي بالتراب وسلمت العراق على طبق من ذهب للقوى الخارجية. كما أن تحالفات بعض القوى السياسية العراقية التي كانت جزءاً من النضال أو مؤيدة له في كل سياساته العدوانية والشوفينية والطائفية التي يراد إقامتها اليوم في سوريا, وكذلك التدخلات الإقليمية الأخرى من سوريا وإيران هي التي تجعل من استمرار القوات الأجنبية في العراق أمراً ممكناً ويصبح من غير الممكن خروجها والشعب العراقي لا يزال لا يمتلك القدرة في الدفاع عن نفسه أمام قوى داخلية وخارجية تريد الهيمنة على العراق وإقامة نظم قومية شوفينية واستبدادية أو إقامة نظم دينية ظلامية استبدادية.
إن السيد الدكتور غليون لم يكتو ينار الإرهاب الدموي والقمع الشوفيني والطائفي والتعريب والتهجير القسري والموت في المقابر الجماعية في العراق في فترة حكم البعث وصدام حسين, وهو لا يقارن من حيث الواقع مع إرهاب النظام السوري رغم دمويته أيضاً, ولهذا تجده يتهم دون وجه حق قوى سياسية عراقية علمانية أم إسلامية بالعمالة للأجنبي, وهي من مخلفات اساليب "القوى الثورية البعثية والقومية" أو حتى بعض القوى الشيوعية التي كان يسهل عليها اتهام الآخرين بالعمالة بسبب التباين في الفلسفة أو التفكير أو السياسة.
رغم أني لم أؤيد الحرب الأمريكية ضد النظام الصدامي ورفضتها تماماً وكنت أرى بوضوح بعض عةاقبها الراهنة, إلا أني لا أجد أي مبرر لاتهام كل القوى السياسية التي لم تجد طريقالإسقاط النظام غير التحالف الدولي للخلاص منه بالعمالة للأجنبي. أن طريقة غليون تعبر عن محاولة غير موفقة للوي الحقائق والوقائع بما لا يخدم أحداً, كما أنها تعتبر إساءة كبيرة للقوى الوطنية العراقية يفترض أن يبتعد عن تكرارها السيد عليون وهو الباحث العلمي. لقد فقد العراق استقلاله وسيادته منذ أن بدأ النظام الصدامي تحالفه مع حكومة الشاه وتخلى عن سيادة العراق على شط العرب من أجل ضرب الحركة التحررية الكردية, ومنذ أن بدأ محاربته للقوى الوطنية العراقية, ومنذ أن بدأ بشن حروبه الداخلية والخارجية, ومنذ أن غزا الكويت وسقط تحت الحصار الدولي وأصبحت قراراته الفعلية بيد الولايات المتحدة وبريطانيا ومجلس الأمن الدولي وليست بيد نظام صدام حسين. لقد جوع وقتل ومرع بالتراب جبين الشعب العراقي هذا النظام البعثي القومي الشوفيني العفن الذي سقط دون أن تذرف دمعة واحدة عليه من إنسان يعي بحق ما كان يجري في العراق. لقد كانت نتيجة الحرب الأمريكية ضد النظام الدكتاتوري معروفة النتيجة مسبقاً, ومع ذلك لم يحاول النظام التعاون مع المجتمع الدولي لتجنيب العراق تلك الحرب والعواقب التي يعيشها العراق اليوم على أيدي قوى الإرهاب الدموي.
لقد حقق العراق الكثير من المسائل المهمة خلال الفترة المنصرمة, ولكن على قواه السياسية أن تجد القواسم المشتركة في ما بينها للخلاص من السياسية الطائفية السياسية والتمييز السياسي والحزبي وما إلى ذلك ليمكن إعادة بناء العراق الجديد وإنهاء وجود القوات الأجنبية أو قوات الاحتلال في العراق.
نشر في جريدة المدى كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟