|
مافيا جنرالات يسيئون للملك والشعب
إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)
الحوار المتمدن-العدد: 1996 - 2007 / 8 / 3 - 10:23
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
تقديم لم يكن يعرف الشعب أي شيء عن المطبخ الداخلي للقوات المسلحة الملكية، إذ إن الحديث عن الجيش، كان بالأمس القريب، من المحرمات، لكن بمجرد أن تم خرق هذا الخط الأحمر انكشف المستور، وتناسلت الفضائح، الواحدة تلو الأخرى، وتجلت مأساة استشراء الفساد في المؤسسة العسكرية، التي ظلت على امتداد عقود من الزمن، في عيون المغاربة من "المقدسات" لا يمكن التطرق إليها بأية صفة من الصفات، ورويدا رويدا أصبح الحديث عن الجيش قضية عادية ولم تعد تجر على المتطرق إليها المصائب كما كان الأمر في السابق، ما عدا إن كان من أهل الدار كما حدث للضابط مصطفى أديب، وبعده لضابطي الصف جالطي والزعيم وللدركي عمر بوزلماط. شكلت ظاهرة الفساد سمة بارزة داخل المؤسسة العسكرية منذ عقود خلت، منذ أن طال هذا الفساد رموز الجيش، فأصبح الفساد نهجا للتسيير والتدبير والقيادة. فالفساد في هذه المؤسسة مثل "السوسة"، تأكلها من الداخل وتؤثر على الروح المعنوية للجنود وضباط الصف والضباط. تكتسي قضية الفساد في المؤسسة العسكرية أهمية بالغة الآن، باعتبار أن الملك محمد السادس عزم، منذ بداية عهده، على تنقية صورة المغرب مما علق به من صور ظلت تسيء إليه. فساد.. سرقة.. نهب.. حيف.. ظلم.. اختلاس.. تهريب.. استغلال النفوذ والمواقع.. هذا هو قاموس الجنود عند حديثهم في الخفاء عن الضباط السامين. أن يرتكب رموز الجيش مختلف أنواع الفساد، أمر لا يتماشى و"قدسية" التي يراد أن تطبع بها المؤسسة العسكرية في العهد السابق بفعل الخوف والرعب، لأن من سولت له نفسه آنذاك الخوض في هذا الموضوع يكون مصيره غياهب السجون أو ينبذ مجتمعيا بفعل "ماكينة" المخزن. لكن الواقع المعيش أظهر، وبامتياز مفضوح، أن الفساد المستشري داخل المؤسسة العسكرية، سببه فساد الكثير من رموزها، وفي فترة غير بعيدة، لم تتمكن الصحافة المستقلة من ملاحقة "طوفان" أخبار فساد الجنرالات والضباط السامين عندما انفجرت دفعة واحدة، لأن كل فضيحة تؤدي إلى أخرى بدون انقطاع. وذلك منذ أن قررت أصوات حرة أبية كشف المستور، لأن الفساد ظل فساد القمة في المؤسسة العسكرية وليس فساد القاعدة، إنه فساد الكبار وليس فساد الصغار. ورغم سيادة الخوف سابقا ظلت إشكالية الفساد المستشري داخل الجيش تستأثر باهتمام المغاربة، إلا أنهم لم يجدوا حيلة أمامه، رغم أنه ظل ولازال يسيء للملك والشعب، إنها إشكالية تشغل الرأي الداخلي والخارجي. هناك جملة من الجنرالات انتهت جدواهم وفعاليتهم، وأضحى تقاعدهم أفضل للمغرب وللمغاربة من استمرارهم في مواقعهم لأن ماضيهم وما انكشف من أمور ارتبط بها اسمهم، تسيء للملك والشعب، لاسيما وأنه تم غض الطرف عنهم لسنوات عديدة، لعلمهم أن لا أحد يمكنه مسهم، لا من قريب ولا من بعيد، وظلوا يؤمنون بأن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون مهما كانت فضائح الفساد التي أزيح الستار عنها. لازال الكثيرون يقرون بأن المؤسسة العسكرية لازالت في حاجة ماسة للتغيير ولشفافية في التسيير والتدبير وإعادة التفكير في دورها داخل المجتمع في الوقت الراهن، لأن اليوم ليس هو الأمس، ويتأكد هذا المطلب، أكثر من أي وقت مضى، بفعل إساءة جملة من الضباط السامين، جراء تصرفاتهم، للملك والشعب اعتبارا لتكريسهم للفساد واستغلال النفوذ والموقع كنهج للتدبير والتسيير والقيادة والتستر على نهب الثروات والتهريب وتشجيع "اقتصاد الفوضى". وكان الملك محمد السادس، بعد فترة وجيزة من اعتلائه عرش البلاد، قد بدا كأنه متضايق من نفوذ الجيش، وبالتالي كان لا مندوحة من التخلص من "ديناصورات" العهد السابق، لاسيما وأن بعضهم ارتبطت أسماؤهم بنوازل وقضايا وأحداث ووقائع وتصرفات يندى لها الجبين، أساءت للملك والشعب في وقت تم اعتماد فلسفة جديدة لتدبير السلطة خلال العهد الجديد. بذلك، ظل السؤال الكبير الذي شغل كثيرا بال المغاربة هو: لماذا لم يقدم الملك على تخليص المؤسسة العسكرية من رؤوس الفساد رغم انفضاح أمر بعضهم، على غرار ما فعل مع الوزير المخلوع، إدريس البصري، فباستثناء عبد الحق القادري وأحمد الحرشي وبلبشير وبعض الضباط السامين المسنين، وانحدار العنيكري في سلم المسؤوليات، ظلت القيادات في محلها، رغم أن ما انكشف من فضائح خلال السنوات الأخيرة لم يسبق له مثيل؟ ومن التساؤلات التي أثيرت في هذا المضمار: إلى متى سيظل بعض الجنرالات متحكمين في ميزانيات "طيطانيكية"، بعيدين عن المراقبة المالية الفعلية وعن تعطيل تفعيل صلاحيات المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة لوزارة المالية، علما أن الأموال التي يتصرفون فيها كما يحلو لهم هي، أولا وأخيرا، أموال الشعب؟ ويظل أهم سؤال يتداوله الشارع المغربي حاليا هو هل الملكية مازالت فعلا في حاجة لرجال من طينة الجنرال حسني بنسليمان والجنرال عبد العزيز بناني والجنرال حميدو العنيكري؟
فضائح الضباط السامين إنها إساءة للملك والشعب الفساد والنهب واستغلال النفوذ والرشوة.. هذه أفعال لا يمكن أن تقابل بالصمت واللامبالاة والتستر الممنهج، لأن هناك شجعان مجهولين لازالوا، كل بطريقته، يحاولون التصدي للفساد المستشري في المؤسسة العسكرية، لاسيما وأن رؤوس الفساد بها يسيئون للملك والشعب معا. فهناك عدد من الجنرالات وردت أسماؤهم في تقارير الحركة الحقوقية وفي تقارير هيئات حماية المال العام ومحاربة الرشوة، بخصوص تضلعهم في انتهاكات ونهب الثروات، وفي سنة 2004 انكشف أمر اختفاء أسلحة بثكنة تازة، كما تمت إدانة سبعة عسكريين بتهمة التواطؤ في تسهيل الهجرة السرية، وأسقط البارون "بين الويدان" رؤوسا عسكرية تأكد تورطها في غض الطرف والمساعدة على تهريب المخدرات والتستر على المهربين وحمايتهم، كما داع صيت نازلة اغتصاب جنود مغاربة لقاصرات بالكونغو حيث كانوا يعملون في فريق الأمم المتحدة لحفظ السلم. سمعنا الكثير عن تجاوزات جملة من الجنرالات والضباط السامين، وعن فسادهم وارتشائهم واستغلال نفوذهم، كما وجهت تقارير كثيرة بهذا الخصوص إلى المكاتب الخمسة وإلى القائمين على المخابرات العسكرية ولم نسمع عن أحد منهم خضع للمساءلة والمحاسبة في ظروف تطبعها الشفافية، بل على العكس تماما، ظلت القاعدة هي نشر الرعب والشك والحيطة في صفوف كل من سولت له نفسه كشف الفساد المستشري داخل المؤسسة العسكرية. من المفارقات الغريبة والفاضحة أنه بمجرد ما صرح الدركي عمر بوزلماط للصحافة بوجود البترول بالمغرب، وقبله جالطي والزعيم اللذان كشفا تلاعبات واختلاسات ضباط سامين، وقبلهم الضابط أديب؛ ومن الأصوات الحرة كذلك بنبوشتة الذي حاول فضح الفساد المرتبط بتواطؤ القائمين على الوحدة 49 مكرر العاملة بالشمال لكن تم طرده بأمر من ضباط سامين، هو الذي أزاح الستار على الفساد المستشري في الجيش، أقول بمجرد ما نطق هؤلاء بكلمتهم الأولى قامت الدنيا ولم تقعد واعتقلوا على التو واستنطقوا، وأدين بعضهم، فالأول في طور عرضه على المحكمة العسكرية، لكن دأبت الصحافة المستقلة على كشف فضائح وتجاوزات رؤوس الفساد بالجيش ولم تحرك أية جهة ذات الاختصاص ساكنا كأن شيئا لم يقع، ويبدو أن هذه هي الصيغة المغربية للمساواة أمام القانون في دولة الحق والقانون المغربية، أليست هذه، كذلك إساءة أخرى للملك والشعب المغربي؟ في سنة 2003 كشف الضابط أديب حلقات من مسلسل الفساد والنهب، وكان مصيره السجن، ولم نسمع عن متابعة أي من رؤوس الفساد، وكان هذا التصرف من العلامات الدالة على قوة الجنرالات عندنا. وأعاد ضابطا الصف جالطي والزعيم الكرة حيث ضبطا الفاسدين في حالة تلبس واحتجزوهم بمكان جريمتهم، لكنهما أدينا بالعصيان، باعتبار أن القاعدة عندنا هي إدانة من يسعى لصلاح البلاد والعباد ومكافأة المفسدين. فالرشوة أضحت متعششة في صفوف الجيش والدرك، ولازال قناص تارجيست يصطاد المرتشين في حالة تلبس بالصورة، وتأكد الآن، بالحجة والدليل، أن الرشوة في صفوف الدرك ليست مقتصرة على بعض الدركيين ممن لا ضمير لهم، وإنما هي نهج تدبير ونمط قيادة يتواطؤ فيه الصغار مع الكبار، ولا يخفى على أحد منذ زمن أن النقط التي تذر الأموال تكون موضوع مزايدة ومزاد بين الدركيين ويحصل عليها من يلتزم بدفع أكثر للرئيس. كما أضحى الآن من المؤكد كذلك أنه لا يمكن ولوج سلك الدرك أو الأمن أو مدارس التكوين العسكري إلا بأداء إتاوة، وتأسست شبكات مقعدة لتدبير هذا الأمر، والغريب هو أنه ساهم في تقعيدها وتنظيم آلياتها ودواليبها الذين أوكل لهم أمر محاربة الرشوة والتصدي لها. ومن المعروف أن الدركي في عرف الجميع "مرتشي بامتياز"، وهذا أمر انفضح بشكل لم يعد يعتبر قذفا أو سبا، القول بأن الرشوة مستشرية في صفوف الدرك على امتداد ربوع المملكة، بفعل الحجج والبراهين المتراكمة، بالصوت والصورة، إلى حد الشك في وجود دركي غير مرتشي بالمغرب، وهذا أمر يسيء للملك والشعب. ولن نضيف جديدا إذا قلنا إن استشراء الفساد في المؤسسة العسكرية، على امتداد أكثر من أربعة عقود، أدى إلى إهدار أموال عمومية طائلة اقتطعت من جوع ملايين المغاربة وحرمت البلاد منها ومن توظيفها لتمويل آليات التنمية، ولم يستفد منها إلا كمشة من الضباط السامين الفاسدين والمتواطئين معهم، رغم أنهم يتبجحون بولائهم لشعار الله الوطن الملك. والآن وبعد أن تأكد الجميع من استشراء الفساد وجب على اقتصاديينا أن يحاولوا تقييم كم كلفت هذه الآفة صندوق الدولة، باعتباره نهب لأموال الشعب، وجريمة في حق كل الأجيال المتعاقبة منذ تأسيس القوات المسلحة.
المؤسسة العسكرية ظلت المؤسسة العسكرية خارج دائرة الإصلاح، خلافا لباقي المؤسسات، رغم كثرة التساؤلات بخصوص استشراء الفساد بها وبخصوص صفقاتها، علما أن الجيش يلهف أكثر من 20 مليار درهم سنويا من ميزانية الدولة، أكثر من نصفها مخصصة للتسيير. هذه المؤسسة استجابت، بالأساس لظروف تاريخية، ولأن الجيش هو قوة الدولة، يجب أن تكون أخلاقه وتربيته وظروف عيشه في مستوى مهامه، لذلك فإن الكثيرين يرون في فساد الجيش فساد الدولة بكاملها. كانت المؤسسة العسكرية، في عهد الملك الراحل الحسن الثاني محمية وراء الخطوط الحمراء ولها نوع من القدسية كالتي تحظى بها المؤسسة الملكية، وذلك بغاية تجنيبها أي انتقاد ومحاسبة رغم الفساد الممنهج الذي يعشش بين ظهرانيها. لكن بعد وفاة الملك الحسن الثاني دخلت المؤسسة العسكرية في دينامية مخالفة، بعد أن فقد الثقة فيها جراء المحاولتين الانقلابيتين الفاشلتين والثالثة التي قيل كان يعدها الجنرال الدليمي والمجهضة في المهد، وإلغاء منصب وزير الدفاع وتكليف الدرك الملكي بمراقبة الشاذة والفادة في صفوف الجيش. وقد برز تغيير في هذه الحركية منذ أن انكشف الجدل حول إشكالية مشاركة قادة الجيش في البيعة والتوقيع على عقدها. قبيل الانتخابات السابقة بدت خشيتهم واضحة من طرف البعض بخصوص تنامي نفوذ المؤسسة العسكرية ودورها في حكم البلاد، لاسيما وأنها ظلت على الدوام تبدي قلقها المتنامي من تزايد نفوذ الحركة الإسلامية سواء منها الناشطة في إطار اللعبة السياسية أو على هامشها. ويرى الكثيرون أن القادة العسكريين لا يكونون نخبة، وإنما هم مجموعة يهمهم البحث على المزيد من الامتيازات، إذ وصفهم أحد المحللين بـ "بيروقراطية عسكرية سلطوية، رشوية ولديها لوبيات". ومهما يكن من أمر، تعتبر المؤسسة العسكرية من الدعائم الأساسية للنظام، وظل رموزها يحظون بامتيازات اقتصادية واجتماعية عالية بدون حساب، وكلها امتيازات تقتطع من مال الشعب، إلا أن المؤسسة العسكرية مازالت غير خاضعة لمراقبة نوابه وممثليه.
الجيش والحكومة والمجتمع سعى الملك محمد السادس لجعل القوات المسلحة في خدمة الشعب، وهذا ما يدل عليه الشعار الذي، تحت ظله، تم الاحتفاء بالذكرى الخمسين لتأسيسها، وهذا ما عبرت عنه كذلك إحدى التوصيات المهمة لهيئة الإنصاف والمصالحة. وذلك عبر المطالبة بجعل المؤسسة العسكرية خاضعة لمراقبة البرلمان كسبيل من سبل المصالحة الفعلية بين الجماهير والجيش ولضمان عدم تكرار ما وقع في سنوات 1965 و1981 و1984 و1990. لقد سبق أن برزت آراء مفادها أن مجموعة من جنرالات المغرب ظلت لهم ميولات شبيهة جدا بميولات جنرالات الجزائر بخصوص امتلاك السلطة، كما أن سؤال: من يمتلك السلطة الفعلية، هل الملك أو الجيش؟ برز بقوة في فترة من الفترات، وهناك من الغربيين من يقول إن نمط الحكم، بخصوص العلاقة بين الملك والجيش، قريبة جدا من نمط حكم جنرالات الجزائر بصيغته السائدة في السبعينيات. وهناك من يعتبر أن الملك وفريقه تمكن عن قرب من ضبط "ديناصورات" عهد الملك الراحل الحسن الثاني. لكن الجواب عن التساؤل لازال لم يشف الغليل، وبالتالي لا زال مطروحا، لاسيما وأن هناك جنرالات في الواجهة رغم أن كل المؤشرات تدعو لتنحيتهم لاعتبارات عديدة، منها ماضيهم وحضورهم غير المشع في الذاكرة الجماعية من جهة، ومن جهة أخرى انفضاح أمرهم في العديد من ملفات الفساد واستغلال النفوذ والمواقع من أجل الإثراء غير المشروع، ولو على حساب الصالح العام ومستقبل البلاد، مما جعل تصرفاتهم هاته تسيء للملك والشعب المغربي. وفي هذا المضمار تبرز إشكالية علاقة الجيش بالحكومة، وقد كشفت نازلة جزيرة ليلى أن الحكومة لا دخل لها فيما يخص أمور الدفاع، لا من بعيد ولا من قريب، ولا سبيل للعلم بما يدور ويجري بالمؤسسة العسكرية من طرف الحكومة، حتى وزيرها الأول. من المعلوم أن الكتلة (حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية) سبق لها، في إطار الجدال بخصوص التعديل الدستوري، أن أثارت هذه الإشكالية واقترحت الإقرار بالمجلس الأعلى للدفاع على غرا رما هو معمول به في جملة من الدول المتقدمة. إن نازلة جزيرة ليلى وضعت الوزراء السياسيين في وضعية حرجة، وذلك اعتبارا لجهلهم الكلي بكل ما تعلق بها. وفي هذا المضمار لم يخف اليازغي، أيام حكومة اليوسفي، غضبه بهذا الخصوص، إذ تُرِك الوزير الأول في جهل تام ولم يعلم بالقضية إلا بالطريقة التي علم بها أي مواطن عادي. كما أنه بمناسبة نقاش ميزانية الدفاع وقع شد الحبل بين عبد الرحمان السباعي، الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بشؤون الدفاع من جهة واللجنة البرلمانية المكلفة بنقاش تلك الميزانية سنة 2006 من جهة أخرى، إذ صرح أمامها أنه عرض الميزانية، ليس لنقاشها وتمحيصها وربما اقتراح تعديلات لبعض بنودها، وإنما للمصادقة عليها فقط، الأمر الذي أجج غضب مجموعة من نواب الأمة، وكانت هذه، المرة الأولى، في تاريخ المغرب، للمطالبة بالشفافية بخصوص ميزانية الدفاع. وعلى ذكر وزارة الدفاع، كان المغرب منذ الاستقلال يتوفر عليها، إلا أنه بعد الانقلابين العسكريين الفاشلين (1971 و1972)، ألغى الملك الراحل الحسن الثاني هذه الوزارة وحذف منصب وزير الدفاع الذي كان آخر من احتله هو الجنرال محمد أوفقير، وبذلك أضحت القوات المسلحة مؤسسة مستقلة عن الحكومة، خاضعة مباشرة للملك الذي يعد قائدها الأعلى، علما أن القصر الملكي لا يرفض فكرة قيام مدني على رأس المؤسسة العسكرية، ولم يخف المقربون من البلاط أن هذه الفكرة ظلت من الاحتمالات بالنسبة للملك، آنذاك كان الحديث عن ياسين المنصوري، رئيس مديرية الدراسات والوثائق، من بين المؤهلين للقيام بهذه المهمة.
فساد الكبار نهج تدبير لقد أضحى من الواضح حاليا أن ثلة من الجنرالات ظلوا يخططون لنهب أموال الشعب وتحصين أنفسهم وتهريب الأموال المنهوبة إلى خارج البلاد. هكذا ظلت أرصدتهم تزداد في وقت ازداد المغرب والمغاربة فقرا وتعمق فقر الدولة وارتفعت مديونيتها. علاوة على هذا وذاك، استفاد هؤلاء الجنرالات من حصة الأسد من "المغربة" وحصلوا على نصيبهم من الخوصصة، إلى أن أصبحوا الآن قدوة في النهب، ولمحاولة التغطية على هذا الواقع، عمل الجنرالات على محاكمة الجنود الشجعان الكاشفين عن فسادهم ورموا بهم في غياهب السجن أو تخلصوا منهم بالطرد أو بنهاية الخدمة لإخراسهم. إن المتتبع لمسار أغلب جنرالات المغرب يلاحظ بسهولة، أن هذا المسؤول العسكري الكبير أو ذاك، لم يكن يملك إلا مرتبه كدخل، وبعد مدة قصيرة جدا أصبح من ذوي الملايين، بل الملايير بالنسبة للبعض، كل حسب موقعه ومهامه، وهناك من بينهم من أضحى مليونيرا خلال سنوات لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، فمن أين يملكون هذه الثروات الطائلة، إن لم يكن عن طريق النهب والاختلاس واستغلال النفوذ والظلم والشطط في السلطة؟ لم يكتف هؤلاء بالنهب وإنما حكموا المؤسسة العسكرية بيد من حديد، وكل من سولت له نفسه فضح الفساد يكون مصيره السجن والطرد وتلفيق التهم، وكلما تقوى نهبهم واستشرى فسادهم، تعاظمت بالمقابل قوتهم ونفوذهم أكثر وتمكنوا أكثر من مواقعهم، لاسيما وأنهم كانوا على شبه يقين أنهم سيظلون يحتلونها إلى أن توافيهم المنية، إذ أن الناهبين عندنا لا يتقاعدون إلا في القبر، وفي هذا الصدد، تساءل متسائل هل مهمة جيشنا هي حماية البلد من أي فساد أم حماية الناهبين؟ ظلت أسماء أغلب جنرالات الملك الراحل الحسن الثاني مرتبطة بالفساد والرشوة واستغلال النفوذ والسطو على الامتيازات والاستفادة منها بدون حسيب ولا رقيب، بل بمباركة المخزن أحيانا كثيرة أو عبر غض الطرف عن تجاوزاتهم. إن الرعيل الأول والرعيل الثاني من الضباط السامين اجتهدوا اجتهادا، لا مثيل له، في تطبيق وترسيخ مقولة الملك الراحل الحسن الثاني الشهير، والتي خص بها ضباطه بعد المحاولة الانقلابية الثانية: "أنصحكم أن لا تهتموا بالسياسة وإنما اهتموا بجمع الأموال ومراكمة الثروة"، وقد تألق جنرالات المغرب بامتياز بهذا الخصوص، عملا بالمثل القائل "لا توصي يتيم على بكا". فهناك من الضباط الكبار من تجاوزوا الحد بالانحدار إلى حد المتاجرة في "بيدوات ليصانص" بالتقسيط. لقد راكم رموز الجيش ثروات "طيطانيكية" ولهفوا امتيازات كثيرة، وأضحى أكثرهم، في وقت قياسي، من ذوي الضيعات الشاسعة والأملاك الكثيرة والأرصدة الثقيلة بالداخل والخارج، علما أن جزءا كبيرا من هذه الثروات مصدره غير مشروع ومشبوه فيه. وشكلت قضية الصحراء ثديا حلوبا. لدرجة أن بعض الضباط السامين أصبحوا بين ليلة وضحاها من أغنى أغنياء المملكة بفعل الصلاحيات الكبرى التي منحت لهم والميزانيات الضخمة التي وضعت بين أيديهم بدون حسيب ولا رقيب، هذا علاوة على رخص الصيد في أعالي البحار ومقالع الرمال وصفقات التموين العسكري... وفي هذا الإطار ربطت مصالح الصيد بين الجنرالين حسني بنسليمان وعبد القادر القادري إلى حدود سنة 2003 في نطاق شركة الصيد "كابن"، وعملا معا على تنمية مصالحهما في هذا القطاع في وقت قياسي بجميع الوسائل المتاحة، المشروعة منها وغير المشروعة، إلى حد تلقيبهما بجنرالي أعالي البحار، إذ كان يملكان أكبر عدد من البواخر آنذاك قبل القدوم على بيع الشركة المذكورة، التي ذرت عليهما الملايير، وذلك بفعل أوامر وتوصيات من جهات عليا. رغم علم الجميع بسيادة الفساد في صفوف مجموعة من الجنرالات الذين كرسوه كنهج للتدبير والقيادة، لم تكن تقو جهة من قبل على التنديد بهذا الواقع بفعل الرعب الذي كان سائدا. ومنذ فجر العهد الجديد ظل منتدى الديمقراطيين المغاربة بالخارج ينادي، ابتداءا من تأسيسه في سنة 2000، بمتابعة المسؤولين المدنيين والعسكريين، عن انتهاكات حقوق الإنسان واختلاس الأموال العمومية وسرقة ممتلكات الشعب، وقد سبق لبعض أعضاء هذا المنتدى أن رفعوا دعوة ضد الوزير المخلوع إدريس البصري أمام محكمة بلجيكية. بموازاة مع الفساد، ظل تعامل الجنرالات، وعموما الضباط الكبار، مع الجنود ومعدات الجيش، مطبوعا بالتسخير لخدمة المصالح الخاصة، ولا زال هذا التعامل يثير العديد من التساؤلات، فجنرالاتنا لا يتحرجون من استنفار جنود وأحيانا ضباط صف وضباط عاديين لخدمتهم وخدمة عائلاتهم وتسخير تجهيزات الجيش للعمل في ضيعاتهم لتنمية مصالحهم أو في عمليات بناء الفيلات والإقامات الثانوية، وطبعا، كل هذا على حساب أموال الشعب، وهو أمر لم يعد يستجيب لروح العصر، علاوة على أنه أضحى يسيء للملك والشعب المغربي، أراد من أراد وكره من كره.
ساهم الجنرالات في تقعيد "اقتصاد الفوضى" بفعل فسادهم البين ساهم الكثير من الجنرالات في تقعيد ما يسميه الاقتصاديون "اقتصاد الفوضى" "Economie noire Economie du chaos, Economie Souterraine," كيف تم ذلك؟ إن مجموعة من الجنرالات ساهموا، كل بقدر، في تأسيس نشاطات غير منتظمة، لكنها منظمة، تشمل وحدات ومؤسسات تتعاطى الإنتاج السلعي أو الخدماتي "المشروع" لكنها دون أي تأثير على الاقتصاد الوطني وعلى المغاربة، هذا فيما يخص القيود الرسمية والعامة المعمول بها، كما أن بعض هذه الأنشطة غير معلنة بنسبة أو بأخرى، أو تستفيد من غض الطرف عنها. وهناك من الأنشطة التي تنطوي على مبادرات جرمية (تجاوز الخطوط الحمراء في مجال الصيد بأعالي البحار، واستغلال مقالع الرمال بطريقة لا تراعي النصوص المنظمة لهذا النشاط مثلا)، ونشاطات، قد تكون في ظاهرها قانونية ومقبولة قانونيا، لكن غير محترمة لمقتضيات خلقية واجتماعية منصوص عليها فيما هو جاري به العمل من نصوص. إن اقتصاد الفساد يشكل جزءا من اقتصاد الفوضى، ويبدو أن الكثير من الجنرالات عندنا تألقوا في اقتصاد الفساد، وذلك بفعل ما يقومون به لجني أموال وعمولات غير مشروعة تشكل عصب "الاقتصاد الجرمي" المرتكز على العمليات الاقتصادية والاجتماعية غير المشروعة، ومنها المخدرات والتهريب والصفقات الغامضة. إن هذا النوع من الاقتصاد لا يدفع ثمنه إلا الشعب والأجيال القادمة؛ لا تقف آثار اقتصاد الفساد عند هذا الحد، وإنما تتجاوزه إلى حد "اغتيال" شروط التنمية والإنتاجية في القطاع الخاص "النظيف"، وإلى تشجيع الرشوة والهدر وتسهيل تبييض الأموال، ولأن اقتصاد الفساد كذلك، يساهم في تعزيز استشراء الفقر بفعل عرقلة التنمية وانتهاك العدالة والحرية.
التغيير والتطهير السلسان قبل قدوم الملك محمد السادس على التغيير السلس داخل المؤسسة العسكرية، كانت مصالح مديرية مراقبة التراب الوطني (الديسطي) قد حيّنت معطياتها بخصوص تقصياتها عن الضباط السامين وثرواتهم وأعدت تقارير مفصلة في هذا المضمار. ومنذ سنة 2002 راجت أخبار تفيد أن الملك محمد السادس بصدد إعداد حملة تطهيرية خصت مجموعة من المؤسسات، ومن ضمنها الجيش والمصالح الأمنية، وهذا ما كان، لكن باعتماد وتيرة بطيئة لم يكن ليلاحظها المواطن، إذ تمت في صمت وبدون "شوشرة". من مؤشرات التغيير السلس، إعادة هيكلة المخابرات العسكرية وجهازها الأمني وترقيتها من مجرد مكتب إلى مديرية وتمكينها من الموارد البشرية والمالية الكافية. ومن مؤشرات تفعيل التغيير السلس كذلك، إحالة جملة من الضباط السامين على المعاش، خلافا لما كان سائدا من قبل، حيث إن هؤلاء لا يتقاعدون إلا عند التحاقهم بالرفيق الأعلى وولوجهم القبر. علما أن هذا التغيير السلس ظل مطبوعا بهيمنة الديسطي عبر ارتباط مديرها، عبد اللطيف الحموشي بالملك مباشرة. رغم توفر المؤسسة العسكرية على مخابراتها وهي مكونة من 5 مكاتب، علاوة على المصلحة الاستخباراتية التابعة للدرك الملكي ومديرية الدراسات والوثائق، تم تمكين الديسطي من مراقبة الجيش. لذلك تم خلق مديرية اضطلعت قصرا على محاربة الإرهاب بعد تمكينها من صلاحيات واسعة تفوق صلاحيات الدرك والأمن. ومن مهام هذه المديرية رصد التنظيمات المتطرفة والهامشية، مع اهتمام خاص بالجيش وحاملي السلاح عموما. ورأت هذه المديرية النور سنة 2006 وتم إمدادها بأكثر من 400 إطار. تأكدت هيمنة الديسطي بخصوص مراقبة الجيش بعد الإجراءات المتخذة استنادا إلى التقصي حيث هم تورط عسكريين في العلاقة والتعاطف مع التيارات الإسلامية. واتضح الأمر أكثر مع تورط أمنيين وعسكريين في نازلة أنصار المهدي والتحقيق مع 5 عسكريين على الأقل، وهذا ما دفع إلى تكليف الديسطي بالقيام ببحث شامل في صفوف الجيش على امتداد التراب الوطني لاكتشاف المشبوه فيهم، لاسيما وأن الملك محمد السادس بدا صارما بهذا الخصوص وغير متسامح بكل ما له صلة بالإرهاب. كان تنصيب ياسين المنصوري، الذي اعتبر أصغر رئيس مخابرات العالم سنا، خلفا للجنرال الحرشي، من المؤشرات البارزة للتغيير السلس الذي أقره الملك محمد السادس داخل المؤسسة العسكرية. علما أن المخابرات الخارجية والعسكرية تناوب على إدارتها أكبر ديناصورات الجيش، بدءا من أحمد الدليمي وصولا إلى أحمد الحرشي ومرورا بالجنرال عبد الحق القادري. عموما، يظل من مؤشرات التغيير السلس القوية، اعتماد الملك على المدنيين في صفوف المخابرات المراقبة للجيش، لاسيما وأن اهتمام واشنطن بالأمر عزز نفوذ المخابرات المدنية على حساب المخابرات العسكرية. وتأكدت هذه الخطة بجلاء منذ إعفاء الجنرال محمد بلبشير في صيف سنة 2006 وإبعاد نائبه، الكولونيل ماجور فؤادي من دواليب المخابرات العسكرية. اعتمد الملك محمد السادس في خطته للتغيير السلس بالأساس على زرع رجاله المقربين منه في المناصب الحساسة في الدولة، وفي هذا الصدد، كان من الطبيعي جدا أن يلجأ إلى مدنيين مادام لا يتوفر على أسماء عسكرية مقربة منه. إن إقالة الجنرال عبد الحق القادري تشبه إلى حد كبير إقالة الجنرال أحمد الحرشي، إذ كانتا على حين غرة ودون سابق إنذار ودون تكليف بأية مهمة أخرى، وهذا خلافا للعرف الذي ظل سائدا في العهد الحسني، حيث إن رموز الجيش لا تتقاعد إلا على النعوش. كما قدم المغرب على التخلي عن التجنيد الإجباري خوفا من تسرب الإسلاميين والمتطرفين إلى صفوف الجيش ومنعا لاستفادة هؤلاء من أية خبرة في مجال استعمال السلاح والتدريب العسكري. وكان الجميع ينتظر بداية تطهير فعلي في صفوف المؤسسة العسكرية التي فاحت روائح فسادها. تجاوز القانون.. مقالع الرمال.. رخص الصيد في أعالي البحار... مختلف أنواع التهريب.. الاغتناء غير المشروع.. كل هذا يستحضره الذهن في حالة الحديث عن جنرالات المغرب، الشيء الذي دفع الملك إلى اعتماد سيرورة لسحب البساط من تحت أقدام ديناصورات الجيش والتقليص من اختصاصات وصلاحيات مجموعة من القادة العسكريين والحرص على تطبيق مقتضيات التقاعد كلما بلغ المعنيون بالأمر السن القانوني لنهاية الخدمة مهما كانت مناصبهم، ما عدا حالات قليلة جدا، وعلى رأسها كل من الجنرال حسني بنسليمان والجنرال عبد العزيز بناني والجنرال حميدو العنيكري.
هل هناك مافيا جنرالات؟ حقيقة أضحت لا تخفى على أحد، وهي أن الجنرالات ومجموعة كبيرة من الضباط السامين راكموا ثروات كبيرة، والحالات متعددة نذكر منها، بنسليمان وبناني والقادري وعروب وزرياب وناجي ولمدور كميلي، بنكيران والعلام ولعفو ورضا وبلحسن وعزوزي وصالحي وعطاف... بعضهم لقي ربه وبعضهم تقاعد وحالات قليلة منهم لازالت قابعة على كراسيها الدوارة. وكلهم رجال أعمال حاليا بفضل تلك الثروات التي راكموها، علما أنهم كلهم كانوا مسؤولين واحتلوا مواقع حساسة. كل هؤلاء كانوا يتقاضون راتبا لا يمكن أن يتجاوز 55 ألف درهم في الشهر، لكن أكثرهم أصبحوا في ظرف وجيز ملاكي فيلات وعمارات وضيعات وشركات وبواخر للصيد ومقالع رمال و...، علما أن أغلبهم في السبعينيات كانوا يقطنون في شقق عادية جدا، فهل عثروا على خاتم سليمان؟ هناك مجموعة من الجنرالات ظلوا يتواطؤون فيما بينهم لنهب ثروات البلاد في البر والبحر. ومن السهل بمكان تشكيل فكرة قريبة من الواقع عن فداحة النهب المسؤول عنه الجنرالات، إذ يكفي احتساب أجورهم منذ توليهم المسؤولية ومقارنته بالثروة الموجودة حاليا تحت أيديهم. لتقريب الصورة، وقصد الاستئناس نورد حالة أثارت الكثير من الاستغراب، رغم أنها مرتبطة بضابط وليس بجنرال، وهي حالة الضابط الذي كان مكلفا بالتموين الغذائي في منطقة الجنوب والمستفيد من التقاعد النسبي، إذ تمكن في فترة وجيزة من مراكمة ثروة هائلة، بفضل إدارته وتدبيره لصفقات اللحوم المستوردة من أمريكا اللاتينية. كما أن عدة قضايا مرتبطة بقطاع الصيد في أعالي البحار كشفت عنها الصحافة المستقلة كان أبطالها ضباط سامون، قبل خروجهم من هذا القطاع بتوصيات من جهات نافذة. آنذاك كان الجنرال عبد الحق القادري غريم الجنرال عبد العزيز بناني في هذا النشاط الاقتصادي وفي قطاعات أخرى، منها مقالع الرمال والأراضي الفلاحية والضيعات والنقل.... عندما كان الجنرال عبد العزيز بناني يملك بواخر للصيد، كانت حرة طليقة لا يحاسبها أحد عن تجاوزاتها للخطوط الحمراء، وقد لقبه أهل الجنوب بـ "ملك البحر" اعتبارا لنفوذه الاقتصادي، الذي كان كبيرا في قطاع الصيد بأعالي البحار. كما كان الجنرالان القادري وبنسليمان شريكان في وحدة كبيرة تنشط في الصيد البحري قبل القيام ببيع شركتهما والتي ذرت عليهما الأموال الطائلة. ففي البداية ظلت كمشة من الجنرالات تنعم برخص الصيد في أعالي البحار فوق القانون ودون الإقرار بدفتر تحملات، علما أنها هي المكلفة بحماية ثرواتنا السمكية وحراستها من النهب. والغريب في الأمر هو أن الوزير المكلف بهذا القطاع ظل ينفي استفادة الجنرالات من رخص الصيد في أعالي البحار، علما أن الجميع على علم بقيام بعض الجنرالات بتأسيس شركات قاموا بتفويتها للغير بعد أن ذرت عليهم أرباح طائلة. وفي هذا الصدد أبى الوزير الإدلاء بلائحة المستفيدين من تلك الرخص، رغم أنه أمر يهم الشعب الذي من حقه معرفة من يتصرف في ثرواته وبأي وجه، بل في دولة الحق والقانون، من حق أي مواطن يدفع الضرائب أن يتعرف عليهم إذا رغب في ذلك، ما دام، من المفروض أنه لا وجود لشيء يراد التستر عليه. كما أكد جملة من رجال قطاع الصيد البحري أن الوزارة الوصية على القطاع ظلت مخترقة من طرف لوبي من الجنرالات يتحكم، بيد حديدية، في قرارتها، عندما كانوا يملكون بواخر وشركات تنشط في القطاع.. يبدو الآن أن الثنائي بنسليمان/ بناني، أرفع ضابطي الجيش مرتبة حاليا، يملكان قوة اقتصادية ظاهرة للعيان، فهما من جهة، يراقبان المؤسسة العسكرية ويتحكمان في مختلف دواليبها، ومن جهة ثانية يشكلان وزنا اقتصاديا ثقيلا من حيث لا يدري المغاربة، علما أنهما معا تجاوزا سن التقاعد القانوني، ويعتبران من آخر رموز الجيش التي ورثها الملك محمد السادس بعد التخلص من ثلة من الجنرالات الذين أحيلوا على التقاعد أو في طور الإحالة. يظل الجنرال حسني بنسليمان أبرز الوجوه العسكرية التي أثارت الكثير من التساؤلات، إذ يعتبر من أهم الأعمدة العسكرية الماسكة بمفاتيح السلطة، وذلك باعتباره القائد العام للدرك الملكي وأقدم جنرالات المغرب الآن مع أن أغلب رفاقه أحيلوا على التقاعد. بقي مشواره مثخنا بالاتهامات الجسيمة لحقوق الإنسان، منها ما وصفها البعض بجرائم ضد الإنسانية. على امتداد أكثر من أربع سنوات، ظل الجنرال حسني بنسليمان مادة صحفية دسمة، ودأبت الصحف المستقلة على تقديمه كأخطبوط رمى أطرافه خارج الدرك، في المجال الاقتصادي والمجال الرياضي... فقد اهتمت الصحافة بكل ما ارتبط بهذا الجنرال، بعد استنفاد مادة تورطه المكشوف في الانتهاكات الجسيمة، بدأ الاهتمام بحضوره في القطاعات الأخرى. وكانت بداية الاهتمام بتورط أحد القريبين منه في تهريب الكوكايين عبر الصحراء، وهو الأمر، الذي قيل، تورط فيه مجموعة من رؤوس الجيش. إن اسم الجنرال حسني بنسليمان ظل حاضرا بامتياز في كل اللوائح السوداء، سواء وطنيا أو خارجيا، إن في القطاع الحقوقي أو القطاع الاقتصادي، التي أعدتها الجمعيات الحقوقية وجمعيات الدفاع على المال العام، ولازالت تداعيات ارتباط اسمه بملف اختطاف واغتيال المهدي بنبركة قائمة إلى حد الآن، وفي هذا المضمار، ظل القضاء الفرنسي يستدعيه كشاهد دون أن يفلح في ذلك. لقد طلبت الإنابة القضائية الدولية في ملف المهدي بنبركة شهادة الجنرال بنسليمان باعتباره أحد المفاتيح الأساسية في هذه القضية، علما أنه أضحى من الواضح أن اسمه ورد في شهادة المفتش المركزي للبريد بمطار أورلي بفرنسا آنذاك، "لوسيان سوال"، والذي أقر أن "لوبيز" الفرنسي، المتورط في القضية حتى النخاع، هاتف القبطان بنسليمان مساء يوم 29 أكتوبر 1965، يوم اختطاف المهدي بنبركة، علما أنه كان قد طلب الحديث مع بلعالم، الكاتب العام في الداخلية آنذاك، لكنه تكلم مع حسني بنسليمان، وفي فبراير 2006، طلب القاضي الفرنسي الذي زار الرباط، من جديد الاستماع إلى شهادة بنسليمان، إلا أنه لم يتوصل إلى مبتغاه ورجع إلى بلده مستاءا. عمليا، وحسب أكثر من مصدر، كان الجنرال حسني بنسليمان هو القائم الفعلي على تدبير مختلف المعتقلات السرية التي لم يكن يديرها الأمن الوطني، وهذا أمر غالبا ما يتم القفز عليه. كما أن الجنرال حسني بنسليمان يعتبر مهندس عسكرة القطاع الرياضي، وبشهادة الكثير من متتبعي الشأن الرياضي تزامنت سيرورة عسكرة هذا القطاع مع سيرورة تقعيد الفساد كنهج للتدبير، علما أن الجنرال ورجاله المقربين تحكموا في المجال الرياضي على امتداد سنوات، وظل الأمر على ما هو عليه رغم توصيات الدوائر الرياضية الدولية بإبعاد العسكريين عن هذا القطاع، ولم يغادر الجنرال ورجاله المجال إلا مرغمين بعد صدور تعليمات عليا بهذا الخصوص. لقد قضى الجنرال حسني بنسليمان في منصبه ما يناهز أكثر من ثلاثة عقود ونصف، وتجاوز الآن سن التقاعد، ومع ذلك لازال في مكانه، قابعا على كرسي المسؤولية، فلماذا لم يذهب بعد؟ أم أنه يعتبر من عيار الذين لا يحالون على التقاعد إلا بالتحاقهم بالرفيق الأعلى؟ أم إنه لا يمكن تعويضه؟ اجتهد البعض في محاولة تفسير مقنع لهذه الظاهرة، وفي هذا الصدد قال البعض، إن الجنرال حسني بنسليمان عمل جاهدا للبقاء في منصبه لأنه يخشى أن تقاعده سيجعله يخسر الحصانة والحماية الهائلة التي يتوفر عليهما، وبالتالي يمكن آنذاك للبعض أن يطالبوا بمحاسبته بخصوص مجموعة من الملفات ارتبط اسمه بها. إن الجنرال الثاني الذي اهتمت به الصحافة بعد الجنرال حسني بنسليمان، هو عبد العزيز بناني. فبراعته كاستراتيجي ومتحكم في الخطط العسكرية جعلته ينال حظوة كبيرة لدى الملك الراحل الحسن الثاني، كما احتفظ على مكانته في ظل عهد الملك محمد السادس، وتقوى نفوذه أكثر بفعل مرابطة 70 في المائة من الجيش بالمنطقة الجنوبية، كما أنه يتمكن من القيام بتفتيش في أي فضاء عسكري على امتداد المملكة، الشيء الذي جعله بجانب الجنرال حسني بنسليمان أقوى جنرالين في المغرب حاليا. فمنذ إقالة الجنرال عبد الحق القادري راكم الجنرال عبد العزيز بناني مهمتين حساستين، المفتش العام للقوات المسلحة وقيادة المنطقة الجنوبية، فهل لا بديل لهذا الجنرال في المهمة الأولى والمهمة الثانية؟ بعد استلامه دواليب قيادة المنطقة الجنوبية غداة وفاة الجنرال أحمد الدليمي سنة 1983، ظل يدبر الشؤون العسكرية والسياسية بالصحراء ويشكل إحدى المفاتيح الأساسية لملف الوحدة الترابية، ولربما إن هذا الموقع هو الذي شفع له بالاستمرار في موقعه رغم ارتباط اسمه بجملة من القضايا التي ساهمت في كشفها الصحافة المستقلة. علما أن هناك أصوات كثيرة وجهت انتقادات كثيرة لنهج التدبير الذي يعتمده، لاسيما فيما تعلق بالميزانية التي طالتها، حسب أكثر من مصدر، بعض التجاوزات والغموض، إذ حامت حوله شكوك كثيرة. وحسب أصوات، من خارج الجيش ومن داخله، وظف الجنرال عبد العزيز بناني مجهوداته في مراكمة ثروة كبيرة مستغلا ظروف الوضع بالصحراء، وفي هذا الإطار ربطت عدة مقالات اسمه بصفقات اللحوم المستوردة من الأرجنتين وأستراليا التي أسالت الكثير من المداد، وفتوحاته غير المسبوقة في مجال الصيد بأعالي البحار عند انطلاقته الأولى وفي مجال الضيعات الفلاحية. يبقى الجنرال حميدو العنيكري الذي كانت بداية انحداره بعد انفجارات الدار البيضاء لسنة 2003، وعندما انفضح أمر المعلومات التي توصل إليها الرجل الثاني في "الديسطي" آنذاك، نور الدين بنبراهيم، بعد لقائه بالديار الليبية، مع عبد الكريم مطيع (مؤسس الشبيبة الإسلامية) الذي استضاف ثلاثة من انتحاريي 2003 وأخبره أن خيوط العملية من صنع القاعدة وأيمن الظواهري بغية استهداف استعمال قنابل بشرية لزعزة الاستقرار بالمغرب، علما أن معلومة سفر الانفجاريين الثلاثة جاء في قصاصة فرنسية قبل حدوث الانفجارات دون أن توليها المصالح الأمنية أي اهتمام. هذه نقطة بداية سقوط العنيكري التي قادته إلى القوات المساعدة، وجاءت نازلة تفعيل هراوات رجاله بطريقة همجية على الحقوقيين أمام البرلمان لتؤكد سيرورة تقهقر الجنرال حميدو العنيكري.
مكسرو جدار الصمت شجعان المؤسسة الخرساء الضابط مصطفى أديب ندد بالفساد المستشري في الجيش بعد الكشف عن بعض مظاهره بالحجة والدليل، لكنه أدين واعتقل وسجن وجرد من مهامه من طرف قضاء بلده، في حين كرمه العالم بما قام به، حيث حصل على الجائزة الدولية لـ "ترانسبرنسي" ضد الرشوة، وبقدر ما كان هذا التصرف النبيل تقديرا لشجاعة ضابط مغربي، بقدر ما هو إساءة كبيرة للملك والمغاربة، وبذلك تكون رؤوس الفساد بين ظهراني المؤسسة العسكرية ه المسؤولة الفعلية والحقيقية عن هذه الإساءة، أولا وأخيرا. ظل الضابط مصطفى أديب يصر أن فصل رؤوس الفساد بالجيش إجراء يمكن أن يتخذه الملك في ظرف 24 ساعة، لاسيما وأنهم يسيئون له وللمغاربة. ما كشفه مصطفى أديب لم يكن في واقع الأمر، إلا نقطة من بحر الفساد المستشري في المؤسسة العسكرية، لكن كان جزاؤه السجن لحماية الفساد والمفسدين. ألا يعد هذا التصرف إساءة في حق الملك والشعب؟ لاسيما وأنه تبين بالملموس أن هناك مسؤولين عسكريين كبار يقومون بما يحلو لهم في مجال الفساد ولا من يحرك ساكنا، لكن بمجرد بروز صوت شجاع كسر صمت المؤسسة الخرساء تحركت كل دواليب المؤسسة العسكرية لإسكاته وإقباره في السجن، ولا من حرك ساكنا في صفوف المخزن، بخصوص ما تم كشفه من فساد، لماذا؟ لقد عرف المغاربة أن مصطفى أديب كشف عدة مظاهر من الفساد المستشري داخل الجيش وكان مصيره السجن، لكنهم لم يعرفوا أي شيء عمن اتهمهم بتكريس هذا الفساد. وتكرر نفس المشهد مع ضابطي الصف، إبراهيم جالطي وجمال الزعيم لمجرد تفكيرهما في فضح ما تيسر مما يجري من فساد وتلاعب بمجموعة من الثكنات العسكرية كشاهدي عيان من داخل الدار، فهل الملك فعلا على علم بجميع خيوط نازلتهما؟ لم يكن في نية جالطي والزعيم التشهير بالمؤسسة العسكرية أو بالقائمين عليها من جنرالات وضباط سامين، وإنما سعيا للإصلاح، لذلك طلبا مقابلة القائد الأعلى للقوات المسلحة، الملك محمد السادس، لتقديم تقريرهما ومستنداتهما له. في البداية تم توهيمهما بضرورة الإدلاء بما لديهما من حجج وبراهين قصد تقديمها للقائد الأعلى قبل استقبالهما، إلا أنه بعد الاستيلاء على تلك الأدلة من طرف رؤسائهما تم إتلافها أو إخفاؤها ليبدأ مسلسل الانتقام منهما. وعوض تطهير جسم الجيش من مصاصي دماء الجنود والسطو على قوتهم اليومي، تم الزج بضابطي الصف، جالطي والزعيم، في غياهب السجن بعد "محاكمة – مسرحية" رديئة الإخراج، والتي لم تكن ممكنة التحقيق لولا تواطؤ أكثر من جهة، وهذا كاف وزيادة، بإعادة البحث والتقصي في النازلة، فهل من المعقول ومن المنصف استمرار قبول إقبار من حركهما الهاجس الوطني الصادق في السجن وتمكين المفسدين، المجرمين الحقيقيين، من الإفلات من العقاب، علما أن هذا الأمر أساء، بما فيه الكفاية، للملك والشعب، حيث عوض تطهير الجيش ممن لا يشرفون قائده الأعلى والشعب تمت معاقبة من سعى إلى كشف ما يستدعي هذا التطهير؟ وكانت النتيجة أن ضابطي الصف، جالطي والزعيم، يقبعان الآن في غياهب السجن منذ أكثر من خمس سنوات، في حين ظل الفاسدون يعيتون فسادا في المؤسسة العسكرية، ألا يلزم هذا بإعادة النظر في هذه القضية توا ودون انتظار، أم أن القائمين على الأمور قدموا تخريجات ومعطيات مخالفة للواقع للملك بهذا الخصوص، لذلك ظلت الأمور على ما هي عليه؟ لكن مهما يكن من أمر، فإن محاولة جبر ما تم تكسيره ما زال لم يفت عليه الأوان، وقبل هذا وذاك، ألم يتم التساؤل حول دور القضاء في هذه النازلة ولماذا لم يتمكن من كشف الحقيقة، كل الحقيقة، أم أنه لم يكن يريد كشفها لغرض في نفس يعقوب؟ واعتبارا لكل هذه التداعيات لازال السؤال المركزي هو: هل محاكمة ضابطي الصف، جالطي والزعيم، كانت محاكمة عادلة؟ مما يدعو إلى الشك الكبير، الظروف التي يبدو أنها تحكمت في هذه المحاكمة والسرعة "الضوئية" التي هيأت بها في ظل غياب الضمانات المتعلقة بحقوق الدفاع حسب ما أقر به جهرا المحامون. لقد تم الإعداد للمحاكمة في مدة قياسية من طرف المحكمة العسكرية بالرباط سعيا وراء إقبار القضية، وحسب الأستاذ عبد الرحيم الجامعي تواطأت أكثر من جهة لبلوغ هذا الهدف، الشيء الذي أساء كثيرا للمغرب وللمغاربة ولسمعتهم في العالم. أجيال الضباط السامين يقسم الباحث عبد الرحيم العطري النخبة العسكرية إلى خمسة أجيال رئيسية: 1- جيل التأسيس، من عناصره البارزة الجنرالات حمو الكتاني وعبد الحفيظ العلوي وإدريس بن عمر ومحمد بنعيسى. 2- جيل حرب الرمال ضد الجزائر، ومن عناصر البارزة الجنرالات لوباريس والقادري وعروب وأوفقير والمذبوح وحسني بنسليمان. 3- جيل حرب الصحراء ومن أبرز عناصره، الدليمي وبوطالب والتريكي والزياني وعبد العزيز بناني. لم يبق الآن من هذه الأجيال الثلاثة إلا الجنرال حسني بنسليمان. 4- جيل البروز في المشهد السوسيوسياسي، ومن أبرز عناصره الجنرال حميدو العنيكري قبل تقهقره والجنرال الحرشي. 5- جيل البعثات الدراسية، من أبرز عناصره الكولونيل ماجور برادة والكولونيل ماجور الوادي. وهناك جيل جديد في طور الظهور، يسعى إلى التصدي للفساد، ويتمنى تغييرا فعليا للمؤسسة العسكرية، ومن مؤشرات ظهور هذا الجيل القبطان مصطفى أديب وضابطي الصف جالطي والزعيم، لاسيما وأن الجيل الجديد لم يعد يستسيغ المؤسسة العسكرية كفضاء أخرس، باعتبار أن الجنود أفراد في المجتمع، يتأثرون بما يجري فيه، ولا يمكن في الاستمرار في معاملتهم كآلات لتنفيذ الأوامر، إنهم كائنات مجتمعية ناطقة، تهمهم مصلحة البلاد ومن حقهم الدفاع عنها.
التخلص من التركة غداة أحداث 16 مايو 2003 الدامية بالدار البيضاء، تم التخلص من أغلب جنرالات عهد الحسن الثاني الواحد تلو الآخر، ولم يبق الآن إلا الثنائي بنسليمان – بناني. سنة 2004: إحالة عبد الحق القادري على المعاش في وقت كان ينتظر تكليفه بمهام أخرى. فبراير 2005: تعويض الجنرال الحرشي بياسين المنصوري على رأس "لادجيد". مايو 2005: ذهاب الجنرال عروب رئيس المكتب الثالث. يوليوز 2006: إحالة الجنرال بلبشير، رئيس المخابرات العسكرية، على التقاعد. شتنبر 2006: تقهقر الجنرال حميدو العنيكري، من مدير الأمن الوطني إلى مفتش القوات المساعدة بعد انكشاف جملة من التصريحات الخطيرة الصادرة عن بارون المخدرات "بين الويدان.
زوبعة فقاعة الصابون/ "الضباط الأحرار" منذ سنوات جرى الحديث عن مجموعة من الضباط أطلقوا على أنفسهم "الضباط الأحرار"، وتوجهت آنذاك أصابع الاتهام إلى كل من الجزائر وإسبانيا بالوقوف وراء الدعاية والترويج لهذه الأكذوبة. ومما جاء في بيان موقع بـ "الضباط الأحرار"، المطالبة بتوقيف الفساد المستشري في صفوف الجيش ومعاقبة سبعة جنرالات بتهمة نهب أموال طائلة، وإنشاء مصلحة لمراقبة وجوه صرف ميزانية الجيش وتدبير ممتلكاته الكثيرة. أكدت أكثر من جهة أن المخابرات الإسبانية هي التي رعت هذا البيان بهدف زعزعة استقرار الجيش المغربي، علما أن جريدة "الباييس" الإسبانية كانت أول من كشفت فحوى هذا البيان. كما ذهبت جهات أخرى إلى اتهام الجزائر لنفس الأسباب، في حين ذهب طرف ثالث إلى احتمال وجود حركة منظمة في صفوف الجيش ينشطها ضباط شباب يناهضون الفساد المستشري داخل المؤسسة العسكرية على حساب مصالح البلاد والمغاربة. ويرى أصحاب هذا الطرح أن الغاية من إصدار البيان المذكور، كان لغاية لفت أنظار الملك محمد السادس لاتخاذ ما يلزم من تدابير. لكن هناك إجماعا على استشراء الفساد وتفشي الرشوة في المؤسسة العسكرية واستغلال رموزها لمواقعهم للاستحواذ على خيرات البلاد واختلاس أموال الشعب. ومن المعلوم أن بيان الضباط الأحرار أعاد طرح ما كشفه الضابط مصطفى أديب وضابطا الصف، جالطي والزعيم، اللذين حوكموا من طرف المحكمة العسكرية لأنهم نددوا بالفساد المستشري في الجيش والرشوة المنتشرة فيه، ذنبهم الوحيد أنهم تحركوا بشجاعة للدفاع عن سمعة الوطن عبر المطالبة بتطهير المؤسسة العسكرية.
الكومندار إدريس الدردابي هناك بعض العناصر رفضوا بطريقتهم عدم الخضوع لواقع يسوده الفساد المستشري في المؤسسة العسكرية، وفضلوا ترك "الجمل بما حمل"، من هؤلاء الطبيب الكومندار إدريس الدردابي الذي ظلت حالته مشهورة في صفوف الجيش. بدأت قصة الدردابي عندما حُرم من الاستفادة من الترقية رغم توفر كل الشروط الممكنة لتمكنيه من هذا الحق. وعندما استفسر الدردابي الكولونيل ماجور الزموري، الذي كان مسؤولا على هذا الأمر آنذاك، كان جواب هذا الأخير، بكل وقاحة، أن عليه أداء 50 ألف درهم للاستفادة من الترقية، بل اقترح عليه الأداء بالتقسيط إن لم يقو على توفير المبلغ المطلوب دفعة واحدة. لم يستسغ الكومندار إدريس الدردابي الأمر، فأعد تقريرا مفصلا وأرسله إلى من يهمهم الأمر، لكن بدون نتيجة، الشيء الذي اضطره إلى مغادرة الجيش وممارسة الطب في القطاع الخاص. إذا كانت هذه النازلة قديمة نسبيا، فإن هذه الممارسات لازالت مكرسة إلى حد الآن بشهادة أكثر من مصدر مطلع، وكلها أكدت لنا أن هذه الممارسة ظل العمل جاريا بها.
على سبيل الختم إن فساد كبار ضباط جيشنا يعتبر خنجرا في ظهر الملك والشعب، لاسيما وأن المغاربة ظلوا محرومين من مجموعة من الحقوق في أكثر من مجال حيوي لتتمكن المؤسسة العسكرية من ميزانيتها الضخمة بانتظام، علما أن البرلمان ظل على الدوام يصادق عليها بمجرد عرضها عليه دون النبس ببنت شفة بخصوصها، حيث لم يكن أي برلماني يتجرأ حتى على أدنى تساؤل لفهم بنودها، بالأحرى المطالبة بمناقشتها أو انتقادها. كما أضحى من نافلة القول حاليا المطالبة بضرورة خضوع الأجهزة العسكرية والأمنية للمراقبة الشعبية. فمن مظاهر الفساد الواجب التخلص منها فورا دون انتظار، كون امتيازات الأجور الطيطانيكية والتعويضات الضخمة والخدمات وتسهيل الرعاية الاجتماعية والسكنية المبالغ فيها والمنافع التي لا تعد ولا تحصى لا يستفيد منها أساسا إلا الضباط الكبار، خصوصا رؤوس تكريس الفساد، ولا يصل إلى ضباط الصف والجنود إلا فتاتها. فالجندي يظل محروما من جملة من الحقوق قبل الحديث عن الامتيازات، هذا في وقت تكلف الامتيازات المقتصرة على كبار الضباط، ميزانية الدولة، مبالغ طائلة تقتطع من أموال الشعب. إذا كانت المؤسسة العسكرية تنعت بالأمس بالعلبة البكماء أو الخرساء، فإنها الآن في طور أن تتجلى كصندوق للفضائح وبؤرة للفساد الممنهج. إن ما تم الكشف عنه من فضائح وتجاوزات في المؤسسة العسكرية دون تحريك ساكن بخصوص مقترفيها من مسؤولين كبار هو في آخر المطاف إساءة للملك والشعب، وللتقليل ولو نسبيا، من هذه الإساءة أضحى من الواجب الآن إعادة الاعتبار لمصطفى أديب، وإطلاق سراح جالطي والزعيم دون انتظار، وكذلك إعادة النظر في نازلة عمر بوزلماط لأن الاحتفاظ بهم رهن الاعتقال هو فعلا إساءة للمغرب. إدريس ولد القابلة رئيس تحرير أسبوعية المشعل
#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)
Driss_Ould_El_Kabla#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لكل حصيلته
-
أطر العسكر تربّت على معاداة كل ما هو تحرري وتقدمي
-
قميص عثمان الذي ينسب إلى الجيش راجع إلى كونه جهاز أبكم
-
السلطة الحقيقية للحكم بالمغرب بيد الجيش
-
كيف كان نظام الحسن الثاني يزور الانتخابات؟ الحلقة الأخيرة
-
تزوير الانتخابات اتخذ من قبل القصر قبل وصول البصري إلى وزارة
...
-
تزور الانتخابات ليظل الطابع المخزني للدولة هو الغالب
-
تحرك المجلس الدستوري لم يتم إلا بعد مراسلة الملك
-
الدستور الممنوح أصل التزوير
-
هل نحن أهل فساد وإحباط واكتئاب رغما عنا؟
-
-طبخة- جديدة في طور الإعداد بنبركة يتقاضى أجرا من مخابرات إم
...
-
كيف كان نظام الحسن الثاني يزور الانتخابات؟ الحلقة 1
-
كيف كان نظام الحسن الثاني يزور الانتخابات؟ الحلقة 2
-
تداعيات مشروع القانون الجديد للصحافة
-
بعد أن مسكت أمريكا بملف الصحراء واشنطن بدأت تخطط لإعدام البو
...
-
نتمنى أن يتعامل القضاء مع دعوتنا بشكل نزيه
-
المحنة التي تمر بها أمتنا هي التي صنعت ظاهرة الظواهري وابن ل
...
-
ضرورة محاكمة الجنرال حميدو العنيكري لأنه ورط الملك
-
السمة المميزة للسياسة الأمنية المغربية هي الخروج عن القانون
-
الإفلات من العقاب هو الذي سمح بظهور جلادين جدد
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|