أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبدالوهاب حميد رشيد - الاقتصاد العراقي الي اين؟















المزيد.....



الاقتصاد العراقي الي اين؟


عبدالوهاب حميد رشيد

الحوار المتمدن-العدد: 610 - 2003 / 10 / 3 - 04:06
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


1- الاصلاح الاقتصادي
        من المفيد بدءاَ الاشارة الى تصريح Benon Savan المدير التنفيذي لـ "برنامج النفط مقابل الغذاء" الذي اطلقه بتاريخ 22/5/2003 عقب صدور القرار 1483 بالغاء المقاطعة (عدا الجانب العسكري): ينعم العراق بموارد طبيعية وبشرية، ليس اقلها النفط والتعليم الجيد وشعب رائع بمرونته وقدراته على استعادة اوضاعه وتحسينها، وكادر يتصف بكفاءة عالية جداَ من مديرين صناعيين وخبراء وفنيين لهم القدرة على دفع الاقتصاد الى امام. واذا ما ساد السلام والامن، فإن طاقة هذا الشعب الضخمة واصالته ستمكنه التحرر من اغلال قرار اليوم (1483).. ..Ramzi Salman,Iraq: Oil For Reconstruction After Oil For Food, MEES,NO 34, 25 August,2003 
     قادت سياسات النظام السابق الى هدر بشري ومالي وخراب سياسي واقتصادي واجتماعي بسبب ممارساته الارهابية المحلية وحروبه المدمرة الخارجية. كما ان فترة الحصار، بالإضافة الى تسببها في خسارة البلاد جزءاَ مهماً من عوائدها النفطية، تسببت في اهلاك الكثير من الاجهزة والمعدات ومستلزمات البنية التحتية. واضافت الحرب الاخيرة  (2003) المزيد من الدمار والخراب وانتشار الفوضى واعمال النهب والسرقات والحرائق والتدمير والاغتيالات تحت سمع وبصر قوات الاحتلال، علاوة على الغاء المؤسسات والتصفيات الوظيفية واتساع جيش العاطلين وعدم الاستقرار. وهكذا تعاظم خراب البنية التحتية والبطالة والفقر والامراض الاجتماعية النفسية والصحية وتلوت البيئة، علاوة على الديون والتعويضات الخارجية والتضخم وتدهور قيمة العملة العراقية، وذلك في ظروف الاحتلال التي تسببت في فراغ امني مخيف ومرعب..
     اذا كانت الاهداف السياسية للحرب، التي زعمت الحرية والديمقراطية للعراق، قد وجدت آذاناَ صاغية بين اقلية عراقية "موالية" فإن الشكوك وعدم الثقة بقيت تشير لدى العراقيين، بعامة، الى الاهداف الستراتيجية الامريكية في العراق كجزء من سياسة العولمة الامريكية باتجاه: تحويل الاقتصاد الموجه الى اقتصاد السوق والقبول بشروط المؤسسات التمويلية الدولية، وحرية عمل الشركات المتعددة الجنسية وبخاصة الامريكية في الاقتصاد العراقي، بما تُرتب من هيمنة سياسية واقتصادية واجتماعية، وتحويل ملكية الدولة الى القطاع الخاص- المحلي و/ او الاجنبي (الخصخصة)، والغاء القيود الادارية والمالية- الضريبية على الواردات لصالح دعم القيم الاستهلاكية الغربية، والقبول بالمشاركة او الهيمنة الامريكية على الاقتصاد العراقي، وتحويل البلاد من اقتصاد كان ينحو باتجاه بناء قاعدته الانتاجية الى اقتصاد مستهلك.
     وفي مثل هذه الظروف سيكون على الدولة التخلي عن سياسة التخطيط (البرمجة)، ورفع يدها عن قضايا الاستخدام والتشغيل والحد الادنى للاجور ودعم اسعار الضرورات الحياتية للناس وتركها لآلية السوق. وتقليص النفقات الحكومية بإلغاء دعم الدولة للحاجات الاساسية من غذاء وصحة وكهرباء وماء وتعليم وسكن ونقل ومواصلات، مع سياسة مالية- ضريبية تؤكد على الضرائب غير المباشرة (ضرائب الانتاج) لتقوم الشركات الانتاجية تحويلها الى اسعار اعلى يتحمل عبئها المستهلكين وبالذات اصحاب الدخول الثابتة من الطبقة الوسطى والفئات الاقل دخلاً. وبذلك تصبح الحكومة حارسة لحماية مصالح الشركات المتعددة الجنسية بعد التخلي عن مسؤولياتها تجاه تنمية الاغلبية. وسيقود هذا الفصل بين السياسة (المساواة السياسية) وبين الاقتصاد (العدل الاجتماعي) الى حقوق سياسية شكلية في غياب الحقوق الاقتصادية لتجد ترجمتها في تصاعد فجوة الدخل والثروة واهمال معاناة عامة الناس وزيادة عناصر عدم الاستقرار.
          وهنا يكشف مراسل لصحيفة نيويورك تايمز من بغداد في تقرير له بعنوان: الصناعة في العراق تحت قصف السلع المستوردة الرخيصة- حال الصناعيين العراقيين والقوى العاملة العراقية، ان القطاع الصناعي الخاص، الذي يستخدم نحو عشر القوة العاملة المحلية، اخذ يترنح امام السلع المستوردة. كما ان الضحية الكبرى من هذا الانفلات الجمركي هي مصانع القطاع العام التي تستخدم اكثر من مائة الف عامل. وهذه الظاهرة الجديدة ليست مسألة اقتصادية بحتة، بل قضية امنية اقتصادية- اجتماعية سوف تساهم في توسيع جيش العاطلين.. محمد عارف، عراقيون شطار يحتالون على الاحتلال الامريكي،كتابات،29/7/2003.. بل ان الاخبار الواردة من العراق تشير الى "ان مؤسسات القطاع العام كلها معطلة وان القطاع الخاص مشلول...".. محلل سياسي: مؤسسات القطاع العام في العراق معطلة.. iraq4allnews.dk-2,Oct.,2003
    وزيادة على هذا التوجه التخريبي للاقتصاد العراقي وتحويله الى اقتصاد استهلاكي يقتات على فتات النفط الآيل للزوال، اعلنت سلطة الاحتلال عن نيتها توزيع جزء من ايرادات النفط العراقي على المواطنين العراقيين في صورة نقدية وفق الطريقة المتبعة في ولاية الاسكا الامريكية. وهناك ايضاً من يدعو الى مثل هذا التوزيع النقدي المباشر او بواسطة صكوك على الطريقة الروسية، ويرى ان هذه الصكوك- التي تشكل ملكية نفطية- حتى لو انتهت الى ايدي الشركات الاجنبية فهي ليست نهاية العالم..Dr Leo Drollas,Give Iraqi Oil To The Iraqis,MEES-No.36,8,Sept.2003
     تتجاوز مثل هذه الدعوات، عن قصد او جهل، البون الشاسع بين اقتصاديات تلك الدول التي تقوم على قواعد انتاجية متقدمة تحتاج الى خلق مزيد من الطلب لاستمرار نموها وبين حالة العراق المعاكسة تماماً الذي يحتاج الى بناء قاعدته الاقتصادية اولاً ليكون بامكان الاستهلاك من التوسع. بكلمات اخرى، ان منح الاولوية للاستهلاك في غياب قاعدة انتاجية، ووفق سياسة تأخذ في اعتبارها تبعية الانتاج للاستهلاك وليس العكس، تعني بناء اقتصاد استهلاكي يعتمد على الخارج لتوفير متطلباته الاستهلاكية على حساب الاستثمار والتنمية. وتكون النتيجة الاستمرار في الاعتماد وحيد الجانب على النفط الآيل للزوال والخاضع لتقلبات السوق الدولية.  احمد السيد النجار، مخطط امريكي جديد لمصادرة مستقبل العراق.. www.ahram.org, 26,May,2003  
     وبالعلاقة مع مدى تكالب الولايات المتحدة على النفط العراقي لمصلحة شركاتها النفطية، كشف عضو الكونغرس الديمقراطي- ولاية كاليفورنيا عن فضيحة تلزيم مقاولة بمبلغ سبعة بلايين دولار لإعادة بناء تجهيزات للصناعة النفطية العراقية قبل ان تطأ القوات الامريكية ارض العراق. منحت المقاولة لشركة هاليبرتون الامريكية. هذه الشركة التي دفعت 36 مليون دولار مكافأة نهاية الخدمة الى رئيسها ديك تشيني، وهي متورطة في اعمال نصب حسابية وتلاعبات بالاسهم. والمقاولة مُنحت للشركة في شكل عطاء مغلق. والسؤال هنا من سيراقب اعمال الشركة وكيف ستتم محاسبتها او مقاضاتها عند حدوث عمليات احتيال او اخفاقات او كوارث في غياب تمثيل عراقي؟. وما هي حدود الاعمال التي ستقوم بها الشركة مقابل المبلغ الضخم المقدم اليها؟ وهل التكلفة المقدرة بعيدة عن المبالغة وتضخيم التكاليف المقدرة؟ وهل للخبرات العراقية من مؤسسات وافراد دور في عمليات التنفيذ؟ وهل يحق للسلطة المنتخبة المرتقبة الغاء هذه المقاولة التي تمت في غيابها؟ خاصة وانها تجاوزت دور المحتل حسب القوانين الدولية بعدم ممارسة الاعمال السيادية، بل وتجاوزت حتى القرار 1483 الذي اقرَّ للاحتلال اعادة البناء وليس رسم واقرار وتنفيذ السياسة الاقتصادية للبلاد.. www.MEES.com-15,Sept.,2003
     في واقعة مماثلة اقل حجماَ مالياَ لكنها تُعبر عن السرقة والنهب بتضخيم تكاليف اعادة البناء، تضمنت: شركة هندسية عراقية تلقت طلباً من سلطة الاحتلال في نهاية شهر مايو/ ايار 2003 تقديم عرض حول نفقات اعادة اعمار جسر ديالى الذي اصيب بأضرار من جراء الحرب. والشركة الهندسية معروفة بأعمال تصميم وبناء الجسور في جميع انحاء العراق. شكلت الشركة فريقاَ لفحص الجسر وتقدير تكاليف اصلاحه برئاسة احد مهندسيه ممن له خبرة 17 سنة في اعمال الجسور والانشاءات، وساهم في اعادة بناء ما لا يقل عن 20 جسراً من 130 جسراً دمرتها قوات التحالف في حرب الخليج (1991). وبعد اجراء الفريق لفحصه ودراسته توصل الى تقدير تكلفة اولية لإصلاحه (لضآلة الاضرار التي اصابته) بنحو 300 الف دولار.. اعلنت سلطة الاحتلال- بعد اسبوع واحد من الانتظار- عن تلزيم مقاولة لشركة امريكية لإعادة بناء جسر ديالى بمبلغ خمسين مليون دولار!! حدث هذا وفي العراق 130 الف مهندس تخرج الآلاف منهم وتدربوا خارج العراق في المانيا واليابان وبريطانيا والولايات المتحدة وغيرها من الدول. كما عمل آلاف منهم مع شركات اجنبية في بناء مختلف الجسور وانشاء شبكات المرور السريعة في العراق الاكثر تقدما في هذا المجال مقارنة بدول المنطقة، وقاموا لوحدهم بعد حرب الخليج (1991) باعادة بناء ما دمرته الحرب. The Promise and The Threat,www.riverbendblog.blogspot.com-28,August,2003 .. يترافق مع هذا الابتزاز ابعاد الخبرات العراقية بافرادها ومؤسساتها، فكيف يُطالب العراقي الثقة بوعود المحتل امام هذا النهب والممارسات التخريبية للاقتصاد الوطني والخبرات والشركات العراقية؟
     واذا كان السيد الامريكي يتصرف هكذا، فكيف بِأزلامه من السياسيين "الموالين"؟ كشف خبير النفط الدولي الدكتور وليد خدوري عن عروض قدمها سياسيون عراقيون لشركات نفطية تتضمن حصولهم على عمولات كبيرة مقابل تسهيلهم حصول تلك الشركات على استثمارات في قطاع النفط العراقي. وان هؤلاء السياسيين قاموا مؤخراً بتأسيس شركات نفط في الخارج مهمتها الاتصال بشركات النفط. وأكد الخبير الدولي ان عدداً من المسؤولين الحاليين ضالعون في محاولات الحصول على عمولات مقابل تسهيل عمل الشركات في قطاع النفط العراقي. ويدعم الموقف الامريكي هذه الممارسات، اذ "ان مساعد وزير الخارجية الامريكي للشؤون الاقتصادية لارسون قد اكد ان اية اتفاقية لا تنعقد مع وزارة النفط العراقية لن تُعتمد ولا تُعتبر شرعية".. خبير دولي يحذر من مساومات تجارية تعصف بالعراق- مسؤولون يطالبون بعمولات مقابل تسهيلات في قطاع النفط،خبير دولي يحذر من مساومات تجارية تعصف بالعراق- مسؤولون عراقيون يطالبون بعمولات مقابل تسهيلات في قطاع النفط،ايلاف،29/7/2003..
          انطلقت دعوات بتحويل ملكية القطاع العام الى القطاع الخاص المحلي و/ او الاجنبي تحت مبررات مختلفة تتراوح بين مخاطر تركز الموارد بيد الدولة على مسيرة الديمقراطية وتعزيز النزعة الدكتاتورية، وبين ضرورة بناء مناخ اقتصادي جذاب للاستثمارات الاجنبية.. هذه الادعاءات تثير عدداً من الاسئلة: هل انبثقت انظمة ديمقراطية في دول العالم الثالث التي لا تمتلك نفطاً او موارد غنية؟ وهل تقترن الديمقراطية بمجرد الموارد ام بإعادة تكييف البيئة الاجتماعية؟ وهل ان موارد العراق وصناعته النفطية غير جذابة للشركات الاجنبية حتى تتم خصخصة ثرواته هذه لخلق الجاذبية للاستثمارات الاجنبية؟ الم تتزاحم هذه الشركات على توقيع العقود العديدة مع النظام السابق وفي ظل الحصار؟ وهل ان تحويل ملكية الدولة للقطاع الخاص المحلي و/ او الاجنبي وحرمان الحكومة من موارد لتمويل الحاجات الاساسية للناس سيساهم في استقرار البلاد ومسيرة التنمية؟ وهل ان هذه الدعوات تأخذ في اعتبارها المبادئ الاقتصادية والحس الوطني العراقي ام هي مسايرة للستراتيجية الامريكية اقامة "منطقة تجارة حرة شرق اوسطية" يكون العراق محوراً من محاورها؟
     من وجهة النظر الاقتصادية الليبرالية، فإن الهدف الرئيس من الخصخصة  privatization  هو خلق شروط موائمة لسوق اقتصادي حر تعكس الاسعار بصورة حقيقية مدى ندرة الموارد المتاحة، لتقود المستثمرين والمنتجين والمستهلكين نحو اتخاذ قرارات رشيدة rational  تتسم بالكفاءة  efficiency. واذا كانت فعاليات المشروعات العامة لا تتسم بالكفاءة في استخدم الموارد عندئذ قد يكون مبرراً خصخصتها. وعلى اي حال، فإن تحديد الكفاءة الاقتصادية والحاجة الى الخصخصة في ظل الاقتصاد الحر يمكن فقط الحكم عليها عند توفر "شروط المنافسة الكاملة" وفي اقتصاد منتج ومتطور (وهو غير قائم في العراق حالياً). وما لم تعكس الاسعار السائدة مدى ندرة الموارد المتاحة (وهي ليست كذلك في حالة العراق) فمن المستحيل او الصعوبة تحديد قيمة موجودات المشروعات العامة بغرض بيعها. من هنا لا يجوز اتخاذ قرار بالخصخصة على نحو منفصل عن الاسس الاقتصادية او لمجرد دوافع سياسية او آلية لخلق ارصدة للتمويل العام (كما حدث في عهد النظام السابق خلال ثمانينات القرن الماضي)، او ارضاءً لسياسات قوى دولية. ذلك ان خصخصة المشروعات العامة هي جزء من عملية تحرير السعر لتحسين كفاءة تخصيص الموارد في كافة المشروعات العامة والخاصة والمشتركة والتعاونية.. يضاف الى ذلك ان خصخصة المشروع العام في اقتصاد تنتفي فيه شروط المنافسة الكاملة تتطلب استنفاد الصيغ الاصلاحية، تتقدمها اصلاح الادارة الاقتصادية لهذه المشروعات. كما ان خصخصة اي مشروع عام، من الناحية العملية، لا يمكن المبادرة بها قبل تنفيذ بقية البرامج الاصلاحية لبناء السوق الحرة. الاكثر من ذلك ان تقييم مشروعات القطاع العام شرط اولي للخصخصة. وهذا امر جوهري للمحافظة على الاستعداد المسبق للعديد من المشروعات العامة، حيث لا يمكن للقطاع الخاص ان تتحمل الاعباء التي تقوم بها تلك المشروعات.. Sabri Zire al-Saadi, Economic Liberation and Oil Policy: Vision and Priorities,MEES,21,July,2003,p.2.... هذا علاوة على ان سيادة السوق غير الحرة لأِسباب تتعلق بعدم نضوج الاقتصاد وضعف قدرته من جهة، ومسؤولية الدولة التدخل لغاية بلوغه مرحلة تحقيق متطلبات الامن الاقتصادي الوطني، ترتبط بعناصر عميقة تجذرت في جسم المجتمع العراقي بكافة جوانبه البيئية: الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، التي تتطلب مراعاتها عند رسم السياسات الاقتصادية، والتي شكلت جزءاً مهماً وملحّا من واجبات الدولة العراقية تجاه مواطنيه على مدى الثمانين عاماً الماضية. واخيراً، اذا بقيت الدولة تمارس دوراً فعالاً في التوجيه العام للاقتصاد الوطني في اكثر الانظمة ليبرالية لتصل في تفصيلاتها الى القيود والسياسات الجمركية، فهل من المنطق في شيء ان يطلب من العراق تخلي الدولة عن ملكية الثروة الوطنية وحصر مهامها في حراسة مصالح الشركات الاجنبية؟
          ومع ملاحظة ضخامة الموارد الطبيعية والبشرية للعراق وتوقع ايرادات نفطية لا تقل عن عشرين بليون دولار سنوياً خلال الفترة القادمة.. هل يحتاج العراق الى الهرولة وراء المعونات المالية الخارجية وفق شروط تقود الى فرض سياسات ليبرالية غير ناضجة او غير ملائمة لأِوضاع البلاد كشرط للوصول الى اتفاق، وعلى حساب مشروعاته المحلية وخبراته الوطنية وحرمان الاغلبية من خدمات الدولة لتوفير الحاجات الاساسية للأِغلبية التي تعاني من شغف العيش؟ ان العراق بحاجة، في المقام الاول، الى التشجيع والدعم للاستخدام الامثل لموارده الغنية والاهتمام بتوجيه جانب ملائم من استثماراته في مشروعات البحوث والمؤسسات العلمية وبدء مسيرة تنميته من القاعدة الى القمة في سياق التنمية البشرية والموارد المادية.. Isam Al-Khafaji,Repression, Conformity and Lgitimacy: Prospects for an Iraqi Social Contract, (conference),The Middle East Institute,Washington,DC,1997,p.28.., Sabri Zire al- Saadi,Op.cit.,p.1
         يدعو البعض الى تفكيك نظام الاقتصاد الموجه، اي الغاء دور الدولة في الحياة الاقتصادية ليحل محله نظام اقتصاد السوق ارتباطاً بمتطلبات "الديمقراطية الناشئة". والتبرير المطروح هو عدم امكانية بناء الديمقراطية دون الفصل بين الاقتصاد وبين السلطة السياسية، رغم ان هذه الدعوة ترى التدرج في تنفيذ هذه السياسة حفظاً للاستقرار لسببين: اولهما مخاوف الطبقة الوسطى (التكنوقراط) التي نشأت وتمركزت في ظل القطاع العام، وثانيهما مخاوف عامة الناس التعرض للمعاناة من جراء اخضاع الخدمات العامة للنسق التجاري..فالح عبدالجبار، شروط نشوء الديمقراطية في العراق، BBCARABIC,17,April,2003.. ومع منطقية هذا الرأي في تطبيق الخصخصة بصورة تدريجية من وجهة النظر الليبرالية، لكن المفارقة هنا في حصر الديمقراطية بالنموذج الليبرالي، وافتراض ان الاحتلال يولّد الحرية والديمقراطية! 
     ليس مطلوباً سياسة انفتاح دون محددات وقيود زمنية والتفريط بحقوق العراق لصالح الاجنبي كما حدث في العهد الملكي.. وليس مطلوباً ايضاً سياسة انغلاق تقود الى التقوقع والتكلس والاختباء وراء خطاب سياسي صلب يقوم على التعظيم والتحدي وخلق العداء والتدخل في الشأن العراقي والحروب والتدمير. بل المطلوب قيادة سياسية مرنة نزيهة وادارة وطنية تتصف بالكفاءة، تنطلق ممارساتها من ستراتيجية اقتصادية واضحة تنبثق عنها سياسات ملائمة مع ادارة كاملة للمالية العامة وبرنامج للاستثمارات. ان حفز النمو الاقتصادي وزيادة الاستخدام لمعالجة البطالة المليونية، يتطلب بناء اولويات تتسم بالاتساق والتكامل وتنبثق من رغبات وقدرات شعب العراق..Sabri Zire al-Saadi,Op.cit.,p.2-5
     جاء إعلان وزير المالية قراره في الاجتماع السنوي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي للاعمار (دبي- ايلول/سبتمبر2003) الذي اتصف بالسرعة والشمولية، متضمناً:حق الاجانب الامتلاك الى حدود 100% في كافة القطاعات العراقية دون حدود او استثناءات ووفق نفس الشروط المطبقة على المستثمر العراقي (عدا الثروة النفطية والطبيعية الخاضعة لسلطة المحتل)، ايذانا رضوخ مجلس الحكم ووزرائه للقانون الذي اصدره ممثل سلطة الاحتلال في شكل امر اداري..ايلاف، العراق يكشف عن برنامج اصلاحات طموح بانتظار المساعدات الخارجية،21/9/2003..، قيس العزاوي،مخاطر قانون الاستثمار الجديد في العراق،ايلاف 30/9/2003.. ويكون بذلك قد خرج على المبادئ الاقتصادية للاصلاح الاقتصادي، وبشكل اذهل حتى ممثلي تلك المؤسسات الدولية التي لم تُعلن وصفاتها وشروطها لـ "مساعدة" الاقتصاد العراقي بعد!.
     حق الملكية الكاملة للاجانب، والحرية التامة للواردات، وضآلة الضريبة على الدخل والارباح، في سياق تصفية القطاع العام تعني باختصار: طلال سلمان، على الطريق- العراق للبيع... والنفط للمحتل!،السفير،22/9/2003..،حسام عيتاني،عراق الاقتصاد الحر، السفير،23/9/2003..
* الغاء مسؤولية الدولة دعم الاحتياجات الاساسية لأِغلبية الناس من سلع غذائية اساسية وماء وكهرباء ونقل واتصالات وصحة وتعليم... لتخضع للخصخصة ولأِسعار السوق، ومن ثم الضغط على معيشة الناس التي هي متدنية اصلاً.
* سحق البرجوازية الوطنية الناشئة.
* الغاء دور الدولة المساهمة في التنمية وبناء القاعدة الانتاجية في اقتصاد مُدمَّر يحتاج الى الرعاية والدعم.
* ترك المنشآت العراقية الاقل قدرة مالية وتكنولوجية في مواجهة الشركات الاجنبية، وبما يؤدي الى خنقها، والتحول الى اقتصاد مستهلك على حساب بناء اقتصاد عراقي منتج.
* انعاش المافيا المرتبطة بالعولمة السريعة، خاصة في اقتصاد نامي.
* تعميق اعتماد الاقتصاد العراقي على النفط المرتبط بالاقتصاد العالمي، بما يعنيه من استمرار خضوع دخل ومعيشة المواطن لتقلبات السوق الدولية.
* اضعاف القرار الوطني واستمرار خضوعه للقرارات الخارجية.
     والاشكالية في القرار هذا، ان من اصدره (ممثل سلطة الاحتلال) او من رضخ له (مجلس الحكم ووزرائه)، لا يملك اي منهما شرعية تشريع القوانين والتصرف بالامور السيادية العراقية التي يُفترض ان تكون مؤجلة حالياً بسبب الاحتلال.. وفوق ذلك ان المجلس نفسه لا يملك التدخل في القضايا الاقتصادية التي احتكرتها سلطة الاحتلال. فهل تبرع المجلس ممارسة دور الدمية  puppet نيابة عن سلطة الاحتلال ولو للحظة واحدة ليقدم "العراق" رشوة للاحتلال وليؤكد اخلاصه واستحقاقه الاستمرار في الحقبة القادمة؟.. على اي حال، عندما يغيب عن المسؤول الاهلي قضية الوطن لصالح قضيته (مصلحته) الخاصة، عندئذ قد يسهل تفسير دوافع مثل هذا الاعلان/القرار غير الشرعي الذي يعبر فيه مجلس الحكم، وبدرجة اعلى، عن استمرار تراث اللاشرعية للنظام السابق. وعموماً، فإن إقرار وتنفيذ مثل هذه القرارات ينسف مقولة التبشير بالديمقراطية، ويفرش الارضية لعودة الصراع ضد الامتيازات الاجنبية ومناصريها..
     المفارقة في هذا القرار انه صدر تحت دعاوى الاصلاح الاقتصادي- كذباً او جهلاً- ذلك ان الاصلاح الاقتصادي موجه اصلاً لتحسين اوضاع المنشآت والشركات والعملية الانتاجية الوطنية، وهي عملية تدريجية تتحقق وفق متطلبات الحاجات المحلية، وتخضع للدراسة والتخطيط، وتوازن بين الموارد التمويلية وبين القدرة الاستيعابية الاستثمارية للاقتصاد الوطني، وتنطلق من القرار العراقي الشرعي اي حكومة منتخبة وموافقة دستورية- برلمانية. بينما المطروح هو اعادة تكييف هيكل الاقتصاد العراقي بما يتوافق ومتطلبات المصلحة الاقتصادية الخارجية. يُضاف الى ذلك ان القرار المذكور تعدى في تطرفه، كشف الاقتصاد العراقي على الخارج،حتى مقارنة بِأكثر الدول الرأسمالية تطوراً!..العراقيون متخوفون من "الاصلاحات" الاقتصادية- مجرد تمويه لخدمة السيطرة الامريكية على النفط ،الكادر،25/9/2003.. 
   ان الاخبار الواردة عن تنصل مجلس الحكم من تصريحات وزير ماليته والغاء صفة الرسمية عنها.. عار من الصحة... مجلس الحكم يتنصل من تصريحات وزير المالية ، العراق للجميع،25/9/2003..  لا تعني الغاء هذا النمط من التكييف الهيكلي للاقتصاد العراقي الموجه نحو الخارج، بقدر ما يحاول تخفيف وطأتها لدى الشارع العراقي الواعي لمثل هذه المشروعات. لأِن الاصلاح الاقتصادي يتطلب ايضاً منح الاولوية للمؤسسات والشركات والخبرات والايدي العاملة الوطنية، بينما الواقع يؤكد ان مشروعات اعادة الاعمار في العراق خاضعة لسلطة الاحتلال وشركاتها، ضمن خضوع الاقتصاد العراقي برمته. فالشركة الاجنبية (الامريكية بخاصة) تحصل على عقد المشروع غالباً باللزمة (غياب المناقصة/ المنافسة)، ثم تعلن الشركة صاحبة العقد المناقصة لإرسائها على تلك الأقل عطاء (سعرا). وللشركة العراقية الدخول في المنافسة كأي شركة اجنبية تحاول الحصول على المناقصة من الباطن. واذا حصلت الشركة العراقية مثلاً على عقد المشروع فستكون بِأقل تكلفة بحيث تُشكل جزءاً صغيراً جداً من العقد الاصلي. في حين تذهب حصة الاسد الى الشركة صاحبة الاولوية في تحصيل العقود، اي الشركة الامريكية. من هنا فالمشروع الذي كان يكلف مليون دولار قد ينتهي الى خمسين مليون دولار، كما لوحظ في موضوع جسر ديالى.. وبذلك تتكشف حقيقة التصريحات والمبالغات بشأن تكاليف اعادة اعمار العراق بين اقوال "بوش" ومؤسساته التمويلية الدولية من 70-75 ثم 100 بليون دولار لتصل الى 410 بليون دولار عند مجلس شيوخه!! وفقاً للاخبار الصحفية.
     وهنا يحق التساؤل: لماذا تحصل الشركات الاجنبية على حصة الاسد من الارباح دون ان تفعل شيئاً سوى اعطائها اولوية الحصول على العقود؟.. ولماذا تُحرم 87 شركة عراقية عملت تحت مظلة هيئة التصنيع الحربي وساهمت في سلسلة طويلة من المنتجات بدءاً بالمصابيح الكهربائـية ولغاية الصواريخ؟.. ولماذا لا يتم التعامل المباشر مع 158 منشأة صناعية عراقية ساهمت في ظل وزارة الصناعة والمعادن بانتاج كل شيء من الحلوى الى الصفائح الفولاذية؟.. ولماذا اهمال آلاف المهندسين الذين كانوا يشكلون محور شركات مقاولات البناء وتشييد الجسور التي ساهمت مع وزارة الاسكان في اعادة اصلاح ما دمرته حرب (1991)؟ www.riverbendblog.blogspot.com-24,Sept.,2003  واخيراً لماذا تحول علماء العراق وخبرائه ومهندسيه والفنيين والايدي العاملة الى جيش البطالة المليونية؟ 
     الجواب لكل هذه الاسئلة هو اننا لسنا في مرحلة اعادة اعمار العراق لمصلحة الاقتصاد والشعب العراقي، بل في مرحلة اعادة تكييف هيكل الاقتصاد العراقي لضمان مصالح المحتل، ولكن تحت تسمية الاصلاح الاقتصادي. وهكذا نواجه مرة اخرى التمويه، وهذه المرة بين الاصلاح الاقتصادي لمصلحة الداخل وبين تكييف الهيكل الاقتصادي لمصلحة الخارج.. كما حصل بعد الغزو الامريكي البريطاني للعراق عندما قُدَّم لنا الاحتلال/ الاستبداد تحت تسمية التحرير/ الحرية.. وكلها من بركات العولمة الامريكية لتحديث عقولنا العتيقة!!     
     

 



#عبدالوهاب_حميد_رشيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوضع السياسي في العراق


المزيد.....




- مسؤول إسرائيلي: وضع اقتصادي -صعب- في حيفا جراء صواريخ حزب ال ...
- مونشنغلادباخ وماينز يتألقان في البوندسليغا ويشعلان المنافسة ...
- وزير الخارجية: التصعيد بالبحر الأحمر سبب ضررا بالغا للاقتصاد ...
- الشعب السويسري يرفض توسيع الطرق السريعة وزيادة حقوق أصحاب ال ...
- العراق: توقف إمدادات الغاز الإيراني وفقدان 5.5 غيغاوات من ال ...
- تبون يصدّق على أكبر موازنة في تاريخ الجزائر
- لماذا تحقق التجارة بين تركيا والدول العربية أرقاما قياسية؟
- أردوغان: نرغب في زيادة حجم التبادل التجاري مع روسيا
- قطر للطاقة تستحوذ على حصتي استكشاف جديدتين قبالة سواحل ناميب ...
- انتعاش صناعة الفخار في غزة لتعويض نقص الأواني جراء حرب إسرائ ...


المزيد.....

- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبدالوهاب حميد رشيد - الاقتصاد العراقي الي اين؟