|
رسالة مفتوحة إلى الأحزاب السياسية المغربية حول موضوع التشغيل
حمادي الطاهري
الحوار المتمدن-العدد: 1995 - 2007 / 8 / 2 - 11:24
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
تقديـــــــــم:
كثر الحديث في الآونة الأخيرة من طرف ممثلي الأحزاب السياسية المغربية مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية لسنة 2007 عن موضوع التشغيل ببلادنا، وتعددت مع ذلك الوعود والأرقام، فهذا الحزب يعد بتوفير مليوني منصب شغل في مدة لا تتجاوز خمس سنوات، وذاك يدعي بأنه قادر على توفير 400 ألف منصب كل سنة، وذلك يحدد الرقم في مليون و 300 ألف منصب، وآخر يقول بأنه سيشغل جميع المجازين العاطلين في الحملة الوطنية لمحو الأمية.
ومساهمة مني ـ كفاعل جمعوي ومهتم بقضايا التنمية الإجتماعية وخبير في مجال محو الأمية ـ في بلورة مقاربة عملية للتخفيف ـ ولو بشكل جزئي ـ من حدة أزمة التشغيل ببلادنا، أوجه هذه الرسالة المفتوحة لممثلي الأحزاب السياسية المغربية وهي على أبواب الانتخابات التشريعية، رسالة تتضمن بعض المقترحات في الموضوع.
في المنطلقات والأبعاد:
1 ـ إن الشعب المغربي أصبح يدرك جيدا، وأكثر من أي وقت مضى، أنه من الوهم تصور بعض السياسيين بأنه يمتلك حلولا سحرية لمعضلة التشغيل ببلادنا، فيسارع إلى إطلاق مجموعة من الوعود والتصريحات النظرية من مختلف المنابر الإعلامية، وهي وعود وتصريحات تثير الضحك والسخرية في الأوساط الشعبية ، أكثرمما تحيلها على البرامج الانتخابية لهذا الفريق السياسي أو ذاك، بل إنها وعود وتصريحات قد تؤدي إلى الكآبة والحزن، تماما كما تروي الحكاية الشعبية المغربية " عن ذلك النمرالذي كان يعيش وسط الغابة ويهدد دائما قطيع الأغنام والماعز للفلاحين الذين يقومون بحراستها جيدا رفقة كلابهم الضارية، حتى جاء يوما، اتفق فيه الفلاحون وأعلنوا أنهم سيكلفون النمر نفسه بعملية حراسة القطيع، وعندما أخبروه بذلك كانت المفاجأة، فعوض أن ينشرح صدر النمر ويفرح بهذه الفرصة المواتية التي وضعت حدا لمعاناته اليومية للبحث عن فريسته، وجعلت جميع القطيع بين يديه وتحت إشرافه، أجهش بالبكاء، وعندما ألح الفلاحون على معرفة سر حزنه وبكائه بعد سماعه لهذا الخبر وتكليفه بهذه المهمة، أخبرهم بأن سبب بكائه يعود إلى كونه يدرك جيدا أنهم يكذبون عليه وأنه لا يمكن أن يثق في وعودهم مهما بدت في صالحه".
2 ـ إن الشعب المغربي وبجميع فئاته الاجتماعية شعب يمارس السياسة، وإن كانت أغلب فئاته لا تمارس السياسة ضمن الإطارات الحزبية، لأسباب يضيق الحديث عنها في هذا المجال.
إنه شعب يعي جيدا بأن معضلة التشغيل هي معضلة بنيوية، يجب معالجتها في إطار برنامج حكومي واقعي ومندمج، برنامج تتداخل فيه العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فهي مرتبطة بالواقع الاقتصادي، بما يتطلب ذلك من تشجيع للاستثمار وتخفيض للضرائب، وإعداد للبنية التحتية للعالمين القروي والحضري، ومرتبطة بالواقع السياسي بما يمليه ذلك من تحقيق للديمقراطية وتوفر للإرادة والجرأة في اتخاذ القرار الصحيح والمناسب ومحاربة للفساد الإداري وإصلاح للقضاء، ومرتبطة أيضا بالجانب الاجتماعي مما يستوجب معه من تأهيل للتعليم والقضاء على الأمية وضمان الصحة للجميع والرفع من الكفاءات المهنية.
3 ـ إن موضوع التشغيل أصبح في الحقيقة يشكل تحد كبير بالنسبة للمسؤولين الحكوميين وجميع فعاليات المجتمع المدني على السواء، بما في ذلك الجمعيات التطوعية التي أصبحت وخلال العقود القليلة الماضية تستحضر وبقوة هذا الموضوع ضمن برامجها وأهدافها الأساسية، باعتبار موضوع التشغيل أصبح قضية وطنية ومسؤولية جماعية، تستلزم نوعا من التشارك والإجماع بين مختلف العاملين في المجال التنموي.
إن توجيه رسالة إلى الأحزاب السياسية، بشأن موضوع التشغيل، من موقعي كفاعل جمعوي، مؤمن بأهمية العمل الجمعوي التطوعي، وبدوره الريادي في كسب رهان الاستحقاقات التنموية ببلادنا، ينطلق من كوني لا أفصل بين الممارسة السياسية والممارسة الجمعوية، وإنما أميز بينهما، فقد دعوت أكثر من مرة وفي أكثر من مكان إلى ضرورة الالتزام الأخلاقي بالممارسة الجمعوية فلا ينبغي استغلال العمل الجمعوي بخصوصيته الاجتماعية لتحقيق أغراض حزبية وسياسية كما أنه وبالمقابل لا ينبغي استغلال المناصب السياسية لدعم نوع من الجمعيات التي تتناغم ثقافيا وفكريا والسياسة الحزبية .
إنني لا أعطي الدروس لأحد، وأحترم جيدا مجال التدخل بالنسبة للأحزاب في نطاقها وتخصصها كهيئات تعمل في المجال السياسي، وتسعى إلى الوصول إلى السلطة والمشاركة فيها ، لكنني في نفس الوقت أعتقد أنني كجمعوي أن القطاع الجمعوي ـ ما زال وسيظل ـ يشكل مدرسة لنشر القيم والتكافل والتعاون ومرجعا أساسيا لتثبيث ثقافة التطوع والتضحية ونكران الذات.
في المقترحات العملية:
1 ـ إعتماد مبدأ التطوع لولوج البرلمان المغربي، وذلك بتخلي البرلمانيين الفائزين في الانتخابات التشريعية المقبلة عن الأجور والتعويضات المخصصة لهم خلال ولاية تشريعية واحدة إبتداء من سنة 2007، والإقتصار فقط على تعويضات رمزية قصد تغطية مصاريف التنقلات والإقامة التي تتطلبها عقد الإجتماعات واللقاءات التكوينية.
2 ـ تخصيص الميزانية المتكونة من أجور البرلمانيين وتعويضاتهم لتمويل المشاريع الاقتصادية والتنموية لتشغيل الشباب العاطل ببلادنا، وذلك ضمن "صندوق وطني للتشغيل" وهو صندوق يتم إحداثه خصيصا لهذا الغرض، على أن تتكون اللجنة الإدارية لهذا الصندوق من ممثلي الأحزاب السياسية وممثلي الجمعيات المدنية بالإضافة إلى القطاعات الحكومية الوصية على موضوع التشغيل.
في النتائج والآثـــار:
1 ـ إعطاء درس عملي ونموذجي في التضحية والتفاني لخدمة الصالح العام، وذلك بالربط بين الأهداف النظرية للمؤسسة السياسية ومدى قدرتها على ترجمة تلك الأهداف إلى ممارسات عملية وواقعية، عبر نموذج حي وملموس، وهذا يمكن أن يؤدي في أقل تقدير إلى تغييرعميق في نظرة فئات عريضة من الشعب إلى العمل الحزبي والممارسة الحزبية فينخرط تلقائيا في العملية السياسية، وبهذا يكون المشهد السياسي قد خطى خطوات أساسية في طريقه الشاق نحو تخليق الحياة السياسية ببلادنا .
2 ـ إن اختيار عملية تمثيل الشعب المغربي في البرلمان بشكل تطوعي من أجل خدمة البلاد والعباد، بكل ما يعنيه مفهوم العمل التطوعي من إرادة ومجانية، من شأنه الحد من تهافت المتهافتين وتسلط المتسلطين على العمل السياسي والذين ما فتئوا يعملون بكل الوسائل لولوج البرلمان بحثا عن مصالحهم الشخصية، بعيدا عن هموم ومشاكل الشعب المغربي وبعيدا عن ما تمليه الروح الوطنية وأخلاقيات العمل السياسي.
3 ـ إن تخلي البرلمانيين عن الأجور المخصصة لهم، يجعل مسألة ولوج البرلمان، مسألة تكليفية وليست تشريفية، لا يقبل بها إلا المتشبعون بمفهوم الوطنية الحقة وبالقيم التطوعية العالية، تماما كما كان سلفنا الصالح بالأمس من الوطنيين الأحرار، حيث ضحوا بالغالي والنفيس من أجل استرجاع الأرض، وعجز ساستنا اليوم عن تعمير وتنمية هذه الأرض، لا بالنسبة للذين يستندون للقيم الإلهية، ولا بالنسية للذين يعتمدون المرجعية الإنسانية على السواء.
4 ـ إن هذا الإجراء من شأنه أيضا التقليص من عملية استنزاف المال العام، ومن هدر لميزانية الدولة وتوفير لجزء كبير من ثروات الشعب المغربي، في وقت تعيش فيه شريحة إجتماعية كبيرة أوضاعا إقتصادية مزرية بفعل الفقر والجفاف والبطالة والأمية.
ولربما أدى هذا الإجراء إلى تغيير في نظرة كثير من المسؤولين إلى المعايير المعتمدة لتقليص كتلة الأجور ببلادنا، وسيجد الذين يتقنون جيدا لغة الأرقام على سبيل المثال لا الحصر: أن مجرد طرح راتب برلماني واحد في الشهر الواحد يوازي طرح راتب ما يناهز 30 موظفا يتقاضون راتبا شهريا لا يتجاوز الحد الأدنى للأجور.
5 ـ إذا اعتمدنا التكلفة المالية المخصصة للبرلمانيين والتي تصل حسب بعض المعلومات المستقاة من قانون المالية لسنة 2007 إلى ما يقارب 40 مليار سنتيم سنويا ، أي إلى ما يناهز 200 مليار سنتيم خلال الولاية التشريعية الواحدة، نجد أن هذه الميزانية الضخمة يمكن أن تشكل رافدا مهما من روافد تمويل الصندوق الوطني للتشغيل المقترح، وبالتالي تمويل المئات من المشاريع وتشغيل الآلاف من الشباب المغربي العاطل .
#حمادي_الطاهري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-معاد للإسلام-.. هكذا وصفت وزيرة داخلية ألمانيا المشتبه به ا
...
-
-القسام-: مقاتلونا أجهزوا على 3 جنود إسرائيليين طعنا بالسكاك
...
-
من -هيئة تحرير الشام- إلى وزارة الخارجية السورية.. ماذا تعرف
...
-
جزيرة مايوت المنسيّة في مواجهة إعصار شيدو.. أكثر من 21 قتيلا
...
-
فوائد صحية كبيرة للمشمش المجفف
-
براتيسلافا تعزز إجراءاتها الأمنية بعد الهجوم الإرهابي في ماغ
...
-
تغريدة إعلامية خليجية شهيرة عن -أفضل عمل قام به بشار الأسد
...
-
إعلام غربي: أوروبا فقدت تحمسها لدعم أوكرانيا
-
زعيم حزب هولندي متطرف يدعو لإنهاء سياسة الحدود المفتوحة بعد
...
-
أسعد الشيباني.. المكلف بحقيبة وزارة الخارجية في الحكومة السو
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|