أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد الخميسي - الباب المغلق














المزيد.....

الباب المغلق


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 1994 - 2007 / 8 / 1 - 10:54
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


باب موارب لمقاومة العدوان كتب يوسف إدريس حكايته في مسرحيته " اللحظة الحرجة " عام 1958 ، الثاني باب مفتوح لتطور المرأة كتبت لطيفة الزيات حكايته في روايتها " الباب المفتوح" عام 1960 ، مع الأبواب التي فتحتها ثورة يوليو بقوة للتصنيع وتطوير الاقتصاد وبناء السد العالي وتحرير المرأة وتعميق الهوية الوطنية التي تجمع أبناء الأمة كافة وتعليم جيل بأكمله مجانا سيكون من بين أبنائه من ينقض على الثورة ليهيل التراب على مبدأ التحرر ، باذلا جهده ليس لمواجهة سنوات الظلام الطويلة في تاريخنا الطويل – فتلك هي القانون الطبيعي عندهم – لكن لتلطيخ لحظات النور القليلة، وهم لا يستخلصون من تراب الثورة انتفاضة الروح وكرامتها ، لكنهم يستخلصون قطع الوحل من الضوء ، ويبرزونها ليقولوا لنا إن الثورة ، وكل ثورة خطأ لا يفضي لشيء ، وأن الرضوخ والمذلة هما طريق التطور، وهي دعوة ترددت بعد كل ثورة . في خضم سنوات ثورة يوليو لم يكن أحد ليفكر ، أو يخطر له أصلا أن يسأل الآخر : الأخ مسلم بإذن الله ولا مسيحي ؟. فقد فتحت ثورة يوليو أبوابا كثيرة أمام التطور منها الباب الذي تعمق عبره الشعور بالهوية الوطنية . الآن سأصف لكم بابا مغلقا ، لم يكتب حكايته أحد، لأنها حكاية انحدار الشعور الوطني وتفتته مثل بقايا خبز على سطح منضدة . الباب المغلق باب شقة صغيرة في الطابق الأول بحي الظاهر يسكنها الأستاذ موريس محاسب في أحد البنوك وزوجته مدام جانيت التي تعمل في مدرسة لغات. الإثنان تجاوزا سن الإنجاب دون أن يكون لهما ولد، لكنهما قانعان بحياتهما التي تمضي في هدوء، في العمارة بواب من أسوان يسكن أسفل السلالم ، توفيت زوجته وتركت له ابنة وحيدة صغيرة هي هدى ، التي كانت تشتري للسكان وخاصة للأستاذ موريس حاجاته من المحلات القريبة . موريس وجانيت أحسا – وهما المحرومين من الأولاد - بعطف على هدى التي لا تطلب شيئا وتبتسم منبهرة من أي شيء تتلقاه. هدى كانت تجلس في ساعات العصر في صالة شقة الأستاذ موريس على حافة فوتيه تتفرج بالتلفزيون،وتأكل من الموجود، وأحيانا تبيت على أرض الصالة إذا عرض فيلم عربي طويل أو مسرحية . ولم ير أبوها في ذلك مشكلة ، فالشقة في الطابق الأول بجوار السلالم ، والأستاذ موريس رجل طيب وكبير في السن ، والبنت طفلة صغيرة في السابعة . وذات يوم، يموت أبو هدى في الليل على فرشته،وحده، بعد رجوعه من المستشفى بساعتين. وينتبه سكان العمارة فجأة إلي أنهم لا يعرفون للرجل لا بلدة ولا أقارب ولا عناوين سوى ذلك الجحر المعتم تحت السلم، بل ولا يعرفون حتى اسمه بالكامل ! ويتولى أبناء الحلال دفنه ، وتبقى هدى في صالة الشقة تبكى بعين وتتابع لقطات من الأفلام بعين ، ويطيب الأستاذ موريس ومدام جانيت خاطرها بالكلمات وقطع الحلوى . يوم بعد يوم، أصبحت إقامة هدى عند الأستاذ موريس أمرا مسلما به تقريبا. وشيئا فشيئا يتنقل الكلام في الشارع من محل المكوجي ، إلي محل البقال ، ومن صاحب البقالة إلي دكان العصير، ثم إلي المقهى ، وإلي البيوت وسكانها : الأستاذ موريس واخد البنت الصغيرة وح يخليها نصرانية ! ح يعلمها على طريقتهم ! صيدلي الأجزخانة المجاورة يناول الأستاذ موريس علبة دواء ذات يوم ، ويغمزه بالمرة بسؤال بريء من الظاهر : أخبار البت هدى إيه يا أستاذ موريس؟ مش الحمد لله بخير؟ . ويدرك موريس المقصود ، وينصحه زميل له بأن يطرد البنت لكي لا يصبح بقاؤها عنده مثار مشكلة في الشارع ، والحي ، وربما أبعد من ذلك النطاق. الأستاذ موريس ضميره يعذبه ، كيف يطرد طفلة إلي الشارع وهي بلا أهل؟ ولا سند؟ ولا أقارب؟ . لكن النظرات التي تلاحقه على امتداد الشارع تجبره على اتخاذ قراره، رغم دموع زوجته، لكن ماذا يقول للبنت؟ . يناديها ويشرح لها أنها لا تستطيع أكثر من ذلك المعيشة عنده وأن عليها أن تغادر الشقة، البنت تبكي ولا تفهم، مرة وأخرى ثم يجذبها من ذراعها بالقوة ويضعها خارج باب الشقة . البنت ملتصقة بالباب المغلق تخمشه كالقطة تبكي : أنا زعلتك في حاجة ياعم موريس ؟ والنبي دخلني . وتفر دموع عم موريس وراء الباب المغلق يقول : ما أقدرش يا بنتي .. والعدرا ما أقدر. والنبي ، والعدرا ، والنبي ، والباب مغلق ، وخلف كل ناحية شخص وحيد .
كم من باب كان مفتوحا ثم أغلق ؟
***



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معارك نقدية
- غسان كنفاني .. زهور في حدائق جرداء
- الطريق الشاق نحو الكتابة
- جون شتاينبك ومنطق بيلون
- تحرير متبادل بين حماس وفتح
- تعذيب العقل
- أين أنت أيها التنوير ؟
- أهمية أن تكون من كندا
- لينين والقضية الفلسطينية
- عندنا ما فيش قتل .. فيه منع بس
- حماس لتحرير الحكومة أم فلسطين ؟
- الحركة الثقافية وحياة خليل كلفت
- رسالة بهاء طاهر إلي المعارضة المصرية
- عن أي حجاب يدور الحديث في مصر؟
- الناس يصعدون إلي السماء
- بلاغ ضد الشعب
- الإمبراطورية الأمريكية تحكم الرقابة على العالم
- د. رشاد الشامي .. رحيل عالم كبير
- المسلسلات المصرية
- غزة تفطر على مدافع الاحتلال


المزيد.....




- جدل حول اعتقال تونسي يهودي في جربة: هل شارك في حرب غزة؟
- عيد الفطر في مدن عربية وإسلامية
- العاهل المغربي يصدر عفوا عن عبد القادر بلعيرج المدان بتهمة ق ...
- المرصد السوري يطالب بفتوى شرعية عاجلة لوقف جرائم الإبادة
- عبود حول تشكيلة الحكومة السورية الجديدة: غلبت التوقعات وكنت ...
- بقائي: يوم الجمهورية الإسلامية رمز لإرادة الإيرانيين التاريخ ...
- الخارجية الايرانية: يوم الجمهورية الإسلامية تجسيد لعزيمة الش ...
- الملك المغربي يعفو عن عبد القادر بلعيرج المدان بتهمة قيادة ش ...
- بكين: إعادة التوحيد مع تايوان أمر لا يمكن إيقافه
- العالم الاسلامي.. تقاليد وعادات متوارثة في عيد الفطر المبارك ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد الخميسي - الباب المغلق