لا الحرب لا للديكتاورية : شعار رفعه البعض قبل أيام من الحرب التي أودت بصدام ونظامه البغيض الى الجحيم , وهذا موقف وإن إختلفنا عليه لكننا إحترمنا ونحترم المنادين به ( إن كانوا قد رفعوه عن قناعة وليس البحث عن الحضور أينما كان حتى في الحصص الشاغرة). كما هو الحال مع بعض الموقعين عليه والذين إستلم بعضهم حقائب وزارية في الحكومة الجديدة, والبعض الآخر ( يكتب في اليوم ثلاث مقالات متناقضة) يدافع فيها عن الوجود الأمريكي ومرة عن مجلس الحكم ومرة ينادي بدولة القانون وأخرى يثير الضغائن والفتن في دفاعه المستميت عن حق هذه الطائفة وتلك القومية وكأن الطوائف قد أكلت حق بعضها البعض وليس صدام , كما هو حال أحد القضاة السابقين وبدورنا نقول له .( سفينة العراق لازالت في قلب العاصفة فلا وقت للمغالاة الآن )..
نعم للحرب ولا للديكتاتورية : وهذا الشعار هو الآخر رفعه جيش العراق الحر وهو نخبة من العراقيين الشجعان المستقلين في أوربا وأمريكا والذين إنتشروا على الوحدات الأمريكية ( المارينز , والجيش , والشؤون المدنية ) تقدموا الصفوف في رحلة التحرير المقدسة , لينسجوا مع الأمريكان بساط الحرية السحري الذي طار مجدداً في سماء بغداد الرشيد , طار حاملاً الأربعون (وأقاربهم) و تاركاً علي بابا وشعب العراق يتبادلون التهم أحياناً والرصاص والقذائف في أغلب الأحيان . فعادوا من حيث قدموا بعد أن أدركوا بأن سؤء تخطيط وتخبط شاب َمرحلة مابعد الحرب ينم عن فهم جنرالات الحرب القاصر للواقع العراقي , سيؤدي الى نتائج لاتحمد عقباها , فأنسحبوا مبكرأ , خاصة بعد أن شعروا بأن حديثهم لم يعد يلقى آذاناً صاغية من كل الأطراف.
مخطئ من يظن بأن طرق تحقيق السلام لاتختلف كثيراً عن خطط كسب الحرب , أو الظفر بالغنيمة لايفرق كثيراً عن جني المحصول , فالفرق شاسع بين الحالتين .
نعم للحرب نعم للديكتاتورية : شعار لم يرفع علناً لكنه كان الديدن الخفي لنزلاء الفنادق الفاخرة من أقطاب مايسمى بالمعارضة العراقية السابقة والتي لم تكن سوى ورشات لصناعة التقارير المزيفة , التي أوصلت العراق وقوات التحالف إلى ماهي عليه الآن .
أخشى ماكنا نخشاه هو إن الأمريكان لم يكونوا صادقين في شعاراتهم التي رفعت آنذاك لتغيير النظام , فالأمريكان كاذبون لن يفوا بوعودهم حسب تعبير النموذج الأول (لا للحرب لا للديكتاتورية) , بل إن صدام هو صنيعتهم و(شرطي أمريكي العصا) , فلا تصدقوا ماأعلنوه , رعدوا.. زمجروا .. إمتلأت الصحف وصفحات الإنترنت بقيئ أقلامهم . وإستوديوهات الفضائيات برذاذهم المتطاير. ولكن النموذج الثاني ( نعم للحرب لاللديكتاتورية) والمؤمنون بأن الحرب هي الوسيلة الوحيدة لإستعادة الحرية والسلام من أيدي الطغاة , كانوا جيلا لم ينل زيف نظرية المؤامرة من عقلهم الباطن بعد.. فشدوا الرحال مع قوات ذهبت لتحرير بلادهم كانوا شهداء للتاريخ على الدماء الأمريكية التي أريقت على أرض العراق لتحريره من براثن الطغاة وكذلك شهداء على ورشات التقارير المزيفة( المعارضة العراقية السابقة ) التي دخلت غريبة ولازالت غريبة فإلى اليوم لم يستطع المجتمع العراقي هضمها أو التعايش معها , لما حملت معها من تناقضات و سموم لم تختلف عن سموم النظام السابق سوى باللون ودرجة الكثافة ,
فلم تخلوا زاوية من صورة لقائد جديد , ولا حائط من تمجيد لحزب جديد أيضاً , خطوا بدماء الأمريكان أسمائهم على الجدار العراقي ليعرفوا بأنفسهم لشعب العراق, واليوم يحاولون التقليل من دور أمريكا المحوري في تحرير العراق والتي لولاها لهتفت فيما بعد أحفادهم للمقبور مصطفى إبن قصي , كما أجبر جيلنا للهتاف لجده صدام.
لقد كان الأمريكان يتفاجئون حينما يطلب منهم توفير الحماية لقادة المعارضة السابقة عندما دخلوا العراق , فقد كانت صحفهم وتقاريرهم (المعارضة السابقة ) توحي بأنهم سوف يحملون على الأكتاف عند دخول العراق . وبدلاً من مشاركتهم الأمريكان في البحث عن أسلحة الدمار الشامل التي وعدوا الأمريكان بها ( وهذا ماأقرته كل صحفهم ومواقعهم على الإنترنت .( مواقع المعارضة العراقية). فما على القارئ سوى البحث في إرشيف مواقعهم للتأكد من ذلك فكيف بتقاريرهم السرية ) .. بدلاً من ذلك هجموا على الدوائر والمؤسسات الحكومية وحولوها الى مكاتب لأحزابهم ليستريحوا بها بعد عناء السفر , وشرعوا بتصفية خصومهم تحت حجج وذرائع لايقبلها شرعاً أو منطق , .
للتاريخ ليس إلا ..
في الفترة التي تلت التحرير وقبل دخول قادة المعارضة الى العراق , نشأت أساليب غريبة , بالتأكيد كان يستخدمها صدام عن طريق أجهزته الإستخبارية ولكن بشكل مختلف, وهي أن تتعاقد شفوياً مع أشخاص لجلب أكبر قدر ممكن من الناس للإحتفاء بقدوم هذه الشخصية أو تلك مقابل مبلغ من المال , فيسعى هؤلاء (الأشخاص المتعاقد معهم) للترويج في المدن بأن ( الفرج قادم) .. يتساءل البسطاء كيف , فيرد ( المتعاقدون) .. غداً يزوركم من يحمل بين جنبيه أحلامكم , هلموا إنها فرصتكم للإستمتاع الى الخبر من فاه حامله , ويسترسل ( المتعاقدون) نتوقع بأن بشرى سيزفها لكم القادم الجديد , قد تكون مضاعفة الرواتب , أو تعويضات , أو توزيع مناصب .. فيتجمهر الناس.. صفاً صفـّا , ليرددوا هتافات أعدت لهم مسبقاً من قبل ( المتعاقدون مع مكاتب المعارضة) التي أشرنا اليها مسبقاً .. وهذا مارأيتموه على الفضائيات التي نقلت إستقبالات فخمة (لكنها مزيفة) حظى بها القادة الجدد .
مجلس الحكم شر لابد منه
حال كهذا وجد الأمريكان أنفسهم به, جعلهم يترددون من تسميتهم مجلس إستشاري في حينه , ولكن الفأس قد وقع بالرأس فلا مناص من تسميتهم (مجلس حكم) .. والسعي لكسب الإعتراف ولو جزئياً بهم فقد أصبحوا عالة
على الأمريكان , كما كان صدام ونظامه عالة وشؤماً على المنطقة والعالم .
لذلك وعلى ماأعتقد فإن سعي الأمريكان لإنتزاع الإعتراف بهم من الجامعة العربية كان هروباً الى الأمام , لكنهم شعروا بأن مجلس الحكم أسرع منهم في رحلة الهروب هذه , وهذا مادعاهم الى التريث في إنتزاع الشرعية لهم من مجلس الأمن , تريث الأمريكان قليلا لسماع وقع خطى مجلس الحكم المتسارعة , والسائرة في الطرق الوعرة محاولين عبثاً خطف العراق وإنجازات الأمريكيين هناك.
تخلى الجيش عن النظام ولكنه لم يتخلى عن الوطن
قرر الجيش العراقي وقبل أن تقع الحرب التخلي عن صدام ( على الرغم من التواجد المرعب لرموز النظام من غير العسكريين أو أشباه العسكريين بين أوساطه, كالمجرم علي حسن المجيد , أو فدائيي صدام ..لم يؤثر وجود هؤلاء في قرارهم بالتخلي عن قائد جلب لهم الويل والثبور . فقرروا أن لايكونوا عصا غليظة ( مجوفة) بيد النظام , وأقصد بالمجوفة هو الفرق الشاسع بين قدراتهم والقدرات العسكرية المضادة. أما فدائيي صدام فقد تراجعوا وتخلوا أيضاً ماأن نفذت ذخيرتهم الدوائية ( وذخيرتهم الدوائية هي حبوب الآرتين ) وحبوب الآرتين هذه يعرف تأثيرها المتخصصون في المجال الطبي , فقد كانوا يعتقدون بأنها تزيل الخوف عنهم , وتدفعهم على القتال لذلك وحسب ماإعترفوا بأنها وزعت عليهم لإستخدامها عند بداية الحرب . وللتاريخ إن هنالك الكثير من العسكريين قد قتلوا على أيدي فدائيي صدام في المرحلة الأولى من الحرب نتيجة قرار التخلي الذي أشرت إليه مسبقاً , والذي ترجموه بفعل ما على أرض المعركة وكل حسب ظروفه ) ... تخلى الجيش عن النظام ولكنه لم يتخلى عن الوطن . فقد أعلن الكثير منهم إستعدادهم لتكملة المشوار مع الجيش الأمريكي لإسقاط النظام في بغداد ومن ثم المساهمة في توطيد الأمن والإستقرار فيما بعد , ولكن الأمريكان ترددوا بل رفضوا المساعدة التي عرضت عليهم . والسبب على ماأعتقد هو الصورة القاتمة التي رسمها أغلب رموز المعارضة السابقين ( وبعض دول الجوار) في أذهان صناع القرار الأمريكي عن الجيش العراقي بوصفه جيش عقائدي ذو ولاء مطلق لصدام وغير جدير بالثقة .وعلى هذا الأساس أبعدوا حتى جنرالات المعارضة الذين شاركوهم إفتراش الفنادق الفخمة وعملوا معهم في ورشات صناعة التقارير المزيفة , بل أبعدوا كل مايمت بصلة للجيش والعسكر وأقنعوا الأمريكان بحل الجيش ورمي مئات الإلوف وعوائلهم من منتسبيه على الطرقات فتحولت جحافل العاطلين الى عنصر ضغط على الأمريكان جنى ثماره مجلس الحكم بإنتزاع المزيد من الصلاحيات .
العراق الآن غريق يناديكم فهل من مجيب .
بعد إستعراضي لهذه السطور , فإني أرى وعلى الرغم من إن التجربة الأمريكية غنية في إعادة إعمار وإستقرار بلدان عدة ,(كما يدعون هم) وعلى الرغم من ثقتي بأن وسائل الإعلام ستزف عاجلا أم آجلا نبأ القبض على صدام أو إستسلامه . لكني لازلت أرى بأن العراق الآن كقطرة زئبق تحملها أكفّ مرتجفه , إن وقعت سيصعب جمعها , بل وبدافع غريزة إبعاد الضرر سيرمي بها حاملها بعيداً عن أطرافه عندئذ سيكتوي بها أهل العراق والأقربون , لذا ياأمة العرب ( ولاينهض بالثقال غير أهلها).هل من مشروع لإنقاذ ومساندة العراق ؟
.( مساندة العراق..كياناً بالحفاظ على وحدته , وإقتصاداً بإسقاط الديون والمساهمة في إعادة إعماره , وأمناً بثبيت إستقراره بشكل وبآخر وبما يتناسب مع قدراتكم )
وذلك لن يتم مالم يبادر العرب ذاتيا بمشروع ذا بعد سياسي , أمني وإقتصادي , يعبر عن رؤيتهم في معالجة الأزمة . نتمنى أن يتم هذا الآن ذاتيا وليس تحت وطأة الضغوط الأمريكية فيما بعد , لكي نشعر (ولو لمرة) بأن خطواتكم كانت لسواد عيون العراقيين وليس لزرقة عيون الأمريكان .
االعراق الآن جريح غريق يناديكم فهل من مجيب .