|
لماذا لا يكترث حكام الخليج لخطر التواجد الآسيوي؟
محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب
(Mohammad Abdelmaguid)
الحوار المتمدن-العدد: 1992 - 2007 / 7 / 30 - 12:38
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
في خلال فترة الاحتلال العراقي الآثم لدولة الكويت نشرتْ لي صحيفة ( الشرق ) القطرية مقالات كثيرة، وثلاثة لقاءات مع كل من نيلسون مانديلا وأمين الجميل وشل ماجنا بوندفيك وزير الخارجية النرويجية آنئذ ( رئيس الوزراء لاحقا )، لكنها امتنعت عن نشر مقالين يتيمين لأنهما تجاوزا الخطوط الحمراء:
أما الأول فكان حوار بين سمكتين في قاع البحر، والثاني كان ( هل تتحدث اللغة الآسيوية ؟ ) .
أتفهم تماما متعة جلب العمالة الرخيصة، ومكاتب استقدام هؤلاء المساكين التي يملكها أناس وصفهم أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح بأن لا رحمة في قلوبهم، تعمل أكثرها كما كانت سفن القراصنة البيض تجوب سواحل أفريقيا، مع الفارق أن المكتب ليس لديه أسطول بحري.
وأتفهم أيضا حاجة هؤلاء المساكين لأي عمل ولو كان مقابل مبلغ زهيد يخجل أي مواطن خليجي أن يعطيه لابنه الصغير كمصروف جيب أو شراء لعبة بلاي ستيشين تو!
ولكن ماحدث في السنوات الثلاثين المنصرمة تجاوز مرحلة الاقتراب من الخطر إلى مرحلة ما قبل الانفجار.
إنهم ملايين يتحدثون، ويأكلون، ويشربون، كأنهم لم ينتقلوا من بلادهم قيد شعرة، بل لقد تمكنوا من اجبار السكان الأصليين أن يتحدثوا مثلهم، وأن يضطر الخليجي، خريج جامعة هارفارد أو متروبوليتان، لكسر قواعد اللغة، واعادة تركيب الجملة الانجليزية ليصبح الخطأ هو الشائع نزولا عند رغبات السائقين وعمال المنازل.
الحضارة ذوق وتمدن وانسجام بين الجديد وبين أصالة الأرض وتراث الشعب وتقاليد ثرية ينبغي المحافظة عليها، ولكن الذي يحدث في خليجنا العربي هو بكل بساطة أسيوة الطعام والشراب والذوق وبهرجة الألوان والملابس النسائية، بل أصبح الدخول إلى محل والحديث باللغة العربية كأنك ترتكب جريمة اهانة صاحب المحل.
يحتاج هؤلاء الملايين إلى المشاركة في كل شيء، وهو حق طبيعي، فهم شركاء في الماء والكهرباء واستخدام الحمامات وايجاد نظام صرف صحي للتخلص من مليارات الليترات المكعبة من فضلات الملايين.
ويعمل أحيانا عشرون أو ثلاثون آسيويا في مكان لا يزيد عن مئتي متر مربع لتنظيفه وغسل أرضيته وتلميع زجاجه.
والآسيوي يقاطع ابن البلد، فلا يتحدث لغته، ولا يقرأ لكاتبيه، ولا يعرف أسماء الصحف والمجلات والدوريات. ولا يشارك في أي مظهر من مظاهر الحياة باستثناء العيد الوطني وأغلب الظن أن أكثرهم يعرفون اسم زعيم البلد التي يقيمون فيها.
والآسيوي يمارس العصيان المدني السلبي احتجاجا على الأجور المتدنية، فهو يعمل كالسلحفاة، ويتحرك كمريض في أيامه الأخيرة.
والآسيوي يستورد أرخص البضائع وأشدها رداءة، وأكثرها لا يناسب المستهلك الخليجي، فيجذب إليه أبناء الجاليات الأخرى الباحثة عن الأشياء والبضائع الأقل سعرا وجودة، فيدور رأس المال بعيدا عن متناول أيدي أبناء الخليج أنفسهم، فإذا كان نظام الضرائب متأخرا، ولا يمنح خزينة الدولة ما تحتاجه بحكم أن الذهب الأسود قادر على التعويض، تكون النتيجة في صالح الخسارة القومية.
في البيت تحل الخادمة الآسيوية محل ربة الدار، وتقوم بتربية الطفل والسهر على اعوجاج لسانه ليصبح أعجميا خليجيا.
ويكبر الطفل، وتتدرب معدته لسنين عددا على الطعام الآسيوي، والذوق، واللون، والبهارات، والروائح رغم أن أصول التربية الصحيحة تبدأ برائحة الأم، وتنتهي بها قبل النوم.
والآسيوي العازب المحروم جنسيا يستطيع أن يفرغ شحناته حيث لا يعرف أبناء البلد عن عذابات الحرمان الجنسي لملايين منهم تتحرك أجسادهم كسعار من الحرمان يمتد بطول البلد المضيف وعرضه.
بعض الفتيات الآسيويات اللائي لا يجدن عملا، أو يهربن من مخدومهن، ينتهي بهن الأمر إلى بيوت دعارة مغلقة في أحياء آسيوية، يفرغ فيها الوافد طاقته الجنسية، وتنتقل إليه بعض الأمراض التناسلية.
الدول الآسيوية التي لها جاليات ضخمة في خليجنا العربي ليست ساذجة، فهي تعرف أن أبناءها عيونها، وأن مئات الآلاف من الشباب المدرب عسكريا قادر في أي اضطرابات أو طرد جماعي أن يحتل أي مدينة خليجية في أربع وعشرين ساعة.
القضية الأخطر هنا هي أن المسؤولين عن التخطيط في خليجنا العربي لم يتنبهوا بعد إلى أن الوضع كارثي، بل ربما تنبهوا، ثم صمتوا خوفا من الكبير الذي يأتمر برغبات الأكبر.
سلطنة عمان هي الدولة الخليجية الوحيدة التي تسير بخطوات محسوبة وذكية في التعمين، ويحتل العمانيون في هدوء ودون أي ضجة مفتعلة تثير الآخرين الأعمال والمهن التي كانت حكرا على التواجد الآسيوي الكثيف.
ضاعت كل الصرخات والصيحات في الهواء، واختفت في أدراج كبار المسؤولين نصائح وارشادات ودراسات قيّمة قام بها أكاديميون ومثقفون خليجيون، وكلها تشير إلى الاقتراب من مرحلة الطوفان الآسيوي.
أبناءُ الخليج سعداء بالسذاجة الظاهرة والأميّة وقبول أحط الأعمال بأدنى الأجور، هذا فضلا عن تاجر البندقية الذي لو عاش وليم شكسبير في عصرنا لجعله صاحب مكتب استقدام العمالة الآسيوية.
بعض أبناء الخليج فرحون بالتحدث بالانجليزية، لكنها للحق لغة ثالثة ليس لها أي صلة بتلك التي نعرفها أو حتى الآسيوية التي لا نعرفها.
في أوروبا يعمل المواطنُ في كل شيء، بل تقوم ربة البيت أحيانا بأعمال النجارة والسباكة في بيتها، ويدهن الرجل ولو كان وزيرا أو مدير شركة بترول أبواب داره، ويقوم بتنظيف زجاج النوافذ ويغسل سيارته بنفسه.
مشهد قبيح رأيته عشرات المرات وهو لخادمة آسيوية تحمل طفلا رضيعا وتسير خلف أمّه، ولا تعرف ربة البيت أن الأمومة تختل عندما ينفصل الطفل في مرحلة الطفولة عن هذا الجسد الدافيء الذي يمنحه الأمن والأمان، وتتسلل إلى أنفه الصغير رائحة الأم التي ستظل معه إلى آخر يوم في عمره، يستمد قوته منها، ويتذكر طفولته من خلال حُضْن لا يمكن استبداله.
التركيبة السكانية اختلت تماما، والخطر يعرف تفاصيله المسؤولُ والمواطنُ معا، والمستقبلُ أمانة في عنق أبناء الخليج بقدر متساوٍ.
كتبت مرات عديدة، ونشرت تحذيرات انطلاقا من محبتي لهذا الجزء العزيز على نفسي من وطني العربي الكبير، لكن حالة الصمت رانت على أصحاب القرار كأن أسيوّة الخليج قَدَرٌ لا مفر منه، وأن كل الانجازات والمكتسبات ستنتهي إنْ عاجلا أو آجلا إلى أيدي وافدين آسيويين قاطعوا السكانَ الأصليين من لحظة قدومهم.
#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)
Mohammad_Abdelmaguid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار بين منقبتين في أحد الأسواق الشعبية
-
هل تَحَوّل الأفارقة كلهم إلى محتالين؟
-
استدعاء عاجل لصدام حسين من قبره
-
الكتاب الأخضر في القارة السمراء .. أوهام العقيد
-
ليلة القبض على سوريا
-
لماذا لا يؤمن المصريون بأن مصر بلدهم؟
-
ارفعوا أيديكم عن المغرب
-
رسالة عتاب من إبليس إلى المسلمين
-
السجونُ الأردنيةُ تخرج لسانها للسجون العربية
-
العراق يحترق بنار الطائفية والكراهية و .. قوات الاحتلال
-
التونسيون يتنفسون بأمر الرئيس
-
محاولات لتخريب الشخصية المصرية
-
لماذا أحلم بحبل المشنقة حول عنقك؟
-
مدونة تجديد الدعوة للعصيان المدني في مصر
-
المسلمون خصوم المسلمين، فكيف لنا أن نتحاور؟
-
يا ولاد ستين ألف كلب
-
الفلسطينيون يحققون أهداف اسرائيل
-
القول السديد في بلاهة العقيد
-
لماذا يخاف السوريون من السوريين؟
-
دماء على أنياب الرئيس التونسي
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|