|
دراسات سودانية(17) عدم المساواة بين الرجال والنساء ليس اصلا في الاسلام
محمود محمد طه
الحوار المتمدن-العدد: 1991 - 2007 / 7 / 29 - 04:28
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
والأصل في الإسلام المساواة التامة بين الرجال والنساء ، ويلتمس ذلك في المسئولية الفردية أمام الله، يوم الدين ، حين تنصب موازين الأعمال . قال تعالى في ذلك (( ولا تزر وازرة وزر أخرى ، وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شئ ، ولو كان ذا قربى ، إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب ، وأقاموا الصلاة ، ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه ، وإلى الله المصير )) وقال تعالى (( اليوم تجزى كل نفس بما كسبت ، لا ظلم اليوم ، إن الله سريع الحساب )) وقال تعالى (( كل نفس بما كسبت رهينة )) ولكن الإسلام نزل ، حين نزل ، على قوم يدفنون البنت حية خوف العار الذي تجره عليهم إذا عجزوا عن حمايتها فسبيت ، أو فرارا من مؤونتها إذا أجدبت الأرض ، وضاق الرزق : قال تعالى عنهم (( وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به ، أيمسكه على هون ، أم يدسه في التراب ؟ ألا ساء ما يحكمون )) ومن ههنا لم يكن المجتمع مستعدا ، ولا كانت المرأة مستعدة ليشرع الإسلام لحقوقها في مستوى ما يريد بها من الخير ، وكان لا بد من فترة انتقال أيضا يتطور في أثنائها الرجال والنساء ، أفرادا ، ويتطور المجتمع أيضا . وهكذا جاء التشريع ليجعل المرأة على النصف من الرجل في الميراث ، وعلى النصف منه في الشهادة . وعلى المـرأة الخضوع للرجل ، أبا وأخا وزوجا .. (( الرجال قوامون على النساء بما فضـل الله بعضهم على بعض ، وبما أنفقـوا من أموالهم )) والحـق ، أن في هـذا التشريع قفـزة بالمرأة كبيرة بالمقارنة إلى حظـها سابقا ، ولكنـه ، مع ذلك دون مراد الدين بها .
تعدد الزوجات ليس أصلا في الإسلام
والأصل في الإسلام أن المرأة كفاءة للـرجل في الزواج ، فالرجل كله للمرأة كلها ، بلا مهر يدفعه ، ولا طلاق يقع بينهما . ويلتمس منع التعدد في قوله تعالى (( فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة )) وفي قوله تعالى (( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم )) . ويلتمس منع الطلاق في قولة المعصوم (( أبغض الحلال إلى الله الطلاق )) والإشارة اللطيفة أن ما يبغضه الله لا بد مانعه ، حين يصير المنع ممكنا ، وعمليا . فإن الله بالغ أمره . ويلتمس عدم إرادة الإسلام ، في أصوله ، المهر ، في كون المهر يمثل ثمن شراء المرأة حين كانت إنما تزوج عن طريق من ثلاثة طرق .. إما أن تسبى ، أو تختطف ، أو تشترى ، فهو بذلك من مخلفات عهد هوانها على الناس ، وما ينبغي له أن يدخل معها عهد كرامتها التي أعدها لها الإسلام ، حين تدخل أصوله طور التطبيق . ولقد نزل الإسلام ، أول ما نزل ، على مجتمع لم تكن فيه للمرأة كرامة ، على نحو ما رأينا آنفا . وإنما كانت تعامل معاملة تسلكها في عداد الرقيق .. ولم تكن العلاقة الزوجية تقوم على الإنسانية واللطف مما ينبغي لها ، وإنما كان الرجل يتزوج العشر زوجات ، والعشرين ، يستولدهن ، ويستغل عملهن . وهناك ظاهرة أخرى وجـدها الإسلام في ذلك المجتمع وهي أن عدد النساء كان يفوق عدد الرجال ، لما كانت تأكل الحروب منهم . فشرع الإسلام في تقييد الإفراط في التعدد ، ولكنه لم ير أن يقفز بالناس إلى زواج الواحدة ، لأن ذلك لا يستقيم له في ذلك المجتمع الذي مرد على الإفراط في التعدد ، ولأنه رأى لأن يكون للمرأة ربع رجل يعفها ، ويحميها ، ويغذوها ، خير من أن تكون عانسا تتعرض لعاديات الأيام وهي مندوحة الذيل . وكذلك قيد تعدد الزوجات بأربع ، فقال عز من قائل (( فانكحوا ما طاب لكم من النساء ، مثنى ، وثلاث ، ورباع ، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة )) وفي موضع آخر ترد إشارة غاية في اللطف تحدثنا عن صعوبة العدل بين النساء ، وذلك حين قال تعالى (( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ، ولو حرصتم ، فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة ، وإن تصلحوا ، وتتقوا ، فإن الله كان غفورا رحيما )) نزل من مستوى العدل الذي هو مطلوب الدين ، والذي لم يكن وقته ، بالنسبة للمجتمع ، وبالنسبة للفرد ، من رجل ، وامرأة ، قد حان يومئذ ، إلى مستوى العدل في الشريعة ، فأعقب قوله (( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ، ولو حرصتم )) بقوله (( فلا تميـلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة )) وبذلك أصبح معنى العدل هنا يقتصر على العدل المادي .. ولا يتناول ميل القلوب ، ولولا هذا التجاوز لما أصبح تشريع التعدد ممكنا ، وهو ، في واقع الأمر ، تشريع ضرورى ، وبخاصة لتلك الفترة من حياة المجتمع المؤمن . وطبيعة العدل هنا ألا يقيد إلا بما تقيد به الحرية ، لأنه هنا حق ، يقابله واجب ، فمن لا يعرف الواجب يسلب الحق . وكانت المرأة متخلفة كثيرا ، ولم تكن في مستوى المساواة مع الرجل ، وقد تضافرت عدة عوامل لوضعها ذلك الوضع المتخلف ، فجاء تقييد العدل في حقها عدلا ، فيه لها خدمة ، ولمجتمعها خدمة . ويعتبر تشريع التعدد تشريع فترة انتقال الى فجر المساواة التامة بين الرجال والنساء ، ويومها يصبح العدل في حقها يشمل العدل في ميل القلوب ، وهو المعني بقوله (( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ، ولو حرصتم )) ويجئ يومئذ القيد من قبل قوله تعالى (( فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة )) وهكذا يشرع في تحريم التعدد ، إلا لدى ضرورات بعينها تلجئ إليه ، وينص عليها في القانون ، ويستأمر فيها الطرف المضرور بها.
#محمود_محمد_طه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دراسات سودانية(16) الراسمالية ليست اصلا في الاسلام
-
دراسات سودانية:(15) الجهاد ليس اصلا في الاسلام
-
دراسات سودانية(15) الرسالة الاولى
-
دراسات سودانية(14)الاسلام
-
دراسات سودانية(13)القضاء والقدر
-
دراسات سودانية(12)المغفرة لآدم وحواء
-
دراسات سودانية(11)القرأن والتسيير
-
دراسات سودانية(9)الفرد والكون في الاسلام-الارادة
-
دراسات سودانية( 8)الشريعة في خدمة الحرية الفردية المطلقة
-
دراسات سودانية(7)الفرد والجماعة في الاسلام
-
دراسات سودانية:(6)الفرد والكون في التفكير الفلسفي
-
دراسات سودانية (5)الفرد والجماعة في التفكير الفلسفي
-
دراسات سودانية:(3)توطئة البحث
-
دراسات سودانية(2):السنة والشريعة
-
دراسات سودانية:الرسالة الثانية من الاسلام(1)أ
-
المراة في المجتمع العربي القديم والحديث
-
ملامح من الفكر السوداني المعاصر:(7-7)خاتمة تطوير شريعة الاحو
...
-
ملامح من الفكر السوداني المعاصر(7-7) ا لزواج في الحقيقة والز
...
المزيد.....
-
وفاة الزعيم الروحي لطائفة الإسماعيليين النزاريين حول العالم
...
-
مليارديرة يهودية تكشف تفاصيل ضغوط ترامب على نتنياهو
-
عراقجي: الجمهورية الاسلامية اوفت بدورها في دعم المقاومة
-
كيف يُعاد تشكيل صورة الإسلام في أوروبا؟
-
-دجال فاشل-.. خبير مصري يرد على حاخام يهودي متشدد
-
حاخام يهودي متشدد: ندعو الله أن تتلقى مصر ضربة قوية قريبا
-
حاخام يهودي متشد: ندعوا الله أن تتلقى مصر ضربة قوية قريبا
-
قوات الاحتلال تهدم منزلاً وغرفة زراعية في سلفيت
-
تثبيت تردد قناة طيور الجنة الجديد على الأقمار الصناعية بجودة
...
-
خلال لقائه المشهداني.. بزشكيان يؤكد على ضرورة تعزيز الوحدة ب
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|