كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1990 - 2007 / 7 / 28 - 11:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المجتمع العراقي يعيش حراكاً جديداً في الوضع الفكري والسياسي , يعيش حراكاً باتجاهات عديدة لا بد من رصدها والبحث فيها واستطلاع الوجهة التي يمكن أن تتجه صوبها الأحداث بسبب المتغيرات الطارئة على الوضع وسبل دعم وجهتها والمساهمة في دفعها بالاتجاه الصحيح. نشأ هذا الحراك الجديد عن عوامل فاعلة كثيرة كانت في الغالب الأعم سلبية قادت إلى أن تتحول ضدها لتؤشر مجرى جديد للأحداث في العراق أملي أن يتم التقاطها من القوى السياسية الديمقراطية العراقية وأن تتم الاستفادة منها لأنها الطريق الأصوب نحو الحلول العملية للعراق الديمقراطي الاتحادي المنشود.
يجد أول هذه المؤشرات المهمة تعبيره في روح التحدي الجديدة لدى المجتمع العراقي و لدى الملايين من الناس الذين كاد يخنق من أربع جهات أساسية:
1. من المؤسسة الدينية وكثرة من رجال الدين الذين لا يعرفون سوى التضييق على حرية الناس وتصرفاتهم وتحريمهم لكثرة من القضايا التي اعتاد عليها الشعب ولم تكن في يوم من الأيام سيئة بل كانت تعبر عن روح هذا الشعب مثل الموسيقى والغناء والرقص والاحتفالات والرياضة النسائية أو حتى بعض الألعاب الرياضية الرجالية أو غلق محلات الحلاقة للنساء والرجال...الخ. لقد ساهم هؤلاء في سرقة الفرحة والضحكة والبسمة من وجوه وعيون وشفاه الناس الطيبين في العراق , هذا العراق الذي يزيد عمر حضارته عن ستة ألاف سنة ولا يعيش إلا مع الأغنية والموسيقى , حتى أن أجمل الآلات الموسيقية القديمة أنتجت في العراق وما تزال مستخدمة في العالم.
2. من المؤسسات الدينية الإرهابية ذات الوجهة الوهابية المتطرفة وقوى الإرهاب الصدامية والقومية الشوفينية المتعصبة ومن قوى المليشيات الشيعية والسنية المتطرفة والإرهابية التي حرمت الشعب من الهدوء والاستقرار وراحة البال وأرسلت إلى المقابر الجديدة عشرات ألوف الناس الأبرياء خلال السنوات الأربع الأخيرة أو قامت بتهجير عدد غفير جداً من البشر واستولت علي بيوتهم وأموالهم أو قتلت الكثير منهم.
3. من الائتلاف الحكومي الراهن الذي لا يقدم الخدمات الضرورية للمجتمع العراقي ولم يستطع السيطرة على الأمن ومنع القتل وتهجير الناس الأبرياء من مسيحيين وصابئة وأيزيديين وكذلك من شيعة وسنة في آن واحد حتى الآن , حتى بلغ عدد العراقيات والعراقيين في الخارج يزيد عن العدد الذي بلغه في زمن الطاغية صدام حسين ورهطه , فبعد أن كان ما يقرب من ثلاثة ملايين إنسان , بلغ اليوم أربعة ملايين ونصف المليون إنسان أو أكثر, عدا الذين اضطروا وتحت التهديد إلى الانتقال بين مدن العراق المختلفة خلاصاً من الإرهاب والإرهابيين القتلة والمليشيات القاتلة. فهذا الائتلاف ليس فقط منشق على نفسه , بل وفيه مفخخات كثيرة يمكن أن تفجر الوضع كله في كل لحظة , كما فيه مفخخين قابلين للانفجار وتدمير كل شيء , إضافة إلى انتشار وسيادة الفساد المالي والإداري في حياة الدولة والمجتمع.
4. من المجتمع الأمريكي الذي يرفض أن تستمر إدارة بوش في ارتكاب المزيد من الأخطاء الفادحة في سياساتها في العراق وفي طبيعة نشاطها العسكري وغياب العقلانية والحصافة عنها وعجزها عن مطاردة إرهابيي القاعدة الذين تعتبرهم أكبر خطر يهددها , وبالتالي لم تنهض بمهماتها كقوة احتلال فعلية مسئولة عن حفظ الأمن وسلامة الناس في البلاد , بل هي تشارك في طبيعة سياساتها الراهنة في نشوء تعقيدات إضافية. ولهذا فهي أمام ضرورة التغيير والتدقيق في تلك السياسات..
ونتيجة لذلك بدأ الحراك باتجاهات عدة مهمة جداً علينا متابعتها والتيقن من فعلها ووجهة حركتها:
1. التفتت الحاصل في الائتلاف العراقي الموحد والذي يجسد بروز عملية موضوعية وذاتية كما يعبر عن المصالح الذاتية التي تنتهجها كل من هذه القوى وطبيعتها الطائفية المقيتة التي لم تستطع ولن تستطيع التخلص منها بسبب تكوينها الطائفي والأسس الطائفية التي قامت عليها وسعت إليها.
2. تشبث التحالف الكردستاني غير المعقول وغير المقبول بالمكونات الثلاثة العراقية دون التحرك صوب المكونات السياسية للمجتمع العراقي , مكوناته السياسية والديمقراطية القائمة على أساس المواطنة التي لها المستقبل وليس للوجهة الطائفية التي تساهم في خلق المزيد من الصراعات الطائفية وليس إلى المزيد من الوفاق الوطني الديمقراطي المنشود. وينسى الكثير من الأخوة في التحالف الكردستاني أن قوى الإسلام السياسي الفاعلة في العراق لن تقدم البديل الديمقراطي للعراق مهما بذل الأخوان من تقرب واقتراب من تلك القوى , إذ أن تحرك هؤلاء يسير بالاتجاه المعاكس لمسألتين هما الحرية والديمقراطي من جهة , والحقوق القومية للشعب الكردي والقوميات الأخرى في العراق من جهة ثانية. ويحتاج الأخوة في التحالف إلى الصراحة في طرح هذا الموضوع لأهميته لا لحالة العراق الراهنة , بل لمستقبل العراق ومكوناته القومية والوطنية والمواطنة أو المجتمع المدني العراقي. إلا أن الدلائل كلها تشير إلى أن هذا التشبث غير نافع لأنه لا يعالج المشكلة المركزية الراهنة مشكلة الطائفية السياسية في العراق بل يكرسها. وهو درس نافع لي وللجميع أيضاً.
3. وبرز الحراك في مظاهر تبدو صغيرة ولكن لها مدلولاتها التي تحدث عنها الكثير من الكتاب والصحفيين , وأعني بها التصويت الهائل الذي زاد عن سبعة ملايين إنسان عراقي , وخاصة من تلك المناطق التي تسكنها أغلبية شيعة والتي تختنق يومياً تحت ضغط قوى الظلام وميلشياتها الإرهابية المسلحة , تلك المناطق ذات السكان المتفتحين على الحياة والذين يعشقون الحياة والأغنية واللحن على قدم المساواة ويغردون مع الحياة بأحلى الألحان والأغاني كالناصرية العاشقة أبداً والبصرة الفيحاء والحلة الفواحة بعطرها على جيرانها وغيرها من مدن عراق الوسط والجنوب أو سكان غرب بغداد الذين ابتلوا بمجرمي القاعدة وإرهابيي استخبارات وفدائيي أيتام الطاغية صدام حسين وعزة الدوري وميليشيات هيئة علماء المسلمين والقوميين العنصريين.
4. كما برز الحراك الذي أشر ظاهرة جديدة ومهمة , وأعني بها ذلك الحضور الواسع والجميل والجديد في هذه الفترة الحرجة من تاريخ العراق ,التي تشهد مداً دينياً غير عقلاني سينتهي دون أدنى ريب , في احتفالات الحزب الشيوعي العراقي في عيد الأول من أيار, عيد العمال العالمي , إنه التحدي الصارم للإرهاب وللعقم الاجتماعي الذي يراد تكريسه وتأصيله في العراق.
5. وبرز الحراك الجديد في إقليم كُردستان حيث بدأت غالية المجتمع هناك ترفض ما تواجهه من مصاعب في الخدمات أو تفاقم الفساد المالي والإداري وعجز عن قيام الحكومة بواجباتها وتعطيل حقيقي لعملها وترهل في بنيتها حتى أطلق عليها الكثير من المراقبين نعوتاً "ربما" قاسية بسبب ضمها لأربعين وزيراً دفعة واحدة إضافة إلى رئيس الوزراء في إقليم مثل كُردستان العراق , رغم معرفتنا بأسباب ذلك , ثم التضخم الهائل في الجهاز الإداري الذي يلتهم سنوياً ميزانية الإقليم بما يتراوح بين 75-80 % من إيراداته أو توقيع اتفاقيات نفط لا تنسجم مع مصلحة كُردستان والعراق في المرحلة الراهنة أو الإصرار على قانون للنفط لا يستجيب لمصالح العراق وكُردستان في آن واحد. ومن المناسب أن نشير هنا إلى أن الكثير من السياسيين الكُرد العراقيين بدأ يشير إلى جملة من تلك القضايا بصراحة وشفافية عالية وجرأة مطلوبة فمنهم مثلاً الأستاذ الفاضل والصديق الطيب جوهر نامق , الذي كتب الكثير عن النفط وقانون النفط ومشكلات كُردستان في صحافة كُردستان , ولكن لا من يسمع ولا من يجيب من المسئولين , أو الدكتور برهم صالح , نائب رئيس الاتحاد الوطني ونائب رئيس الوزراء العراقي , الذي أشار بدقة ووضوح إلى صواب انتقادات منظمة العفو الدولية حول ما جرى ويجري من تجاوزات جدية فظة على حقوق الإنسان , أو حديث السيد فوزي الأتروشي , عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردستاني , حول الترهل الحكومي وضعف شديد في الإنجازات. وهذا الحراك والنقد مهم جداً إذ يشير إلى الوجهة الخاطئة للسياسة الاقتصادية والاجتماعية الجارية في إقليم كُردستان وغياب العمل الحكومي المنظم والمتابعة الجادة لعمل الوزارات والمشاريع وغياب الرغبة في التصنيع والاعتماد على التجارة فقط لما تحققه من أرباح لقلة من "المحظوظين" ورؤية التضخم الزاحف بقوة والارتفاع الهائل في الأسعار الذي يجتاح حياة كُردستان دون حسيب أو رقيب ويقض مضاجع الكادحين الفقراء والعاطلين عن العمل , ولكنه يملأ جيوب آخرين. إذ لم تعد في كُردستان العراق سوق حرة بل سوق احتكار القلة!
6. هناك حراك وتململ جديد في فكر الناس إزاء الأوساط الإسلامية السياسية سواء المعتدلة منها أم المتطرفة , إذ أنها تشارك سوية في نشر أفكار غريبة وبعيدة عن التنوير الديني والاجتماعي مما تجعل الناس تفكر بما يراد لها وما ينشأ عنها من هذا الدرب الطائفي الخطر الذي تسير فيه والذي لا يخدم إلا أعداء العراق في العراق وفي الخارج.
إن هذا الحراك الجديد مهم جداً ولا يمكن أن تستوعبه مقترحات الجبهة الرباعية الجديدة المقترحة أو تنشيط المواقع الرئاسية في الدولة , لأنها ستبقى تدور في ذات الحلقة المفرغة الراهنة. ولهذا لا بد من شيء جديد تتفتق عنه قريحة القوى السياسية العاملة في العراق بالارتباط مع الواقع العراقي الراهن والمستجدات من ملامح وطلائع تحولات مهمة في الوعي السياسي العراقي. وهو ما يفترض أن نسعى إلى طرحه على العاملين في السياسة العراقية مباشرة وعبر الكتابات في الصحف والمواقع والمحاضرات.
26/7/2007 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟