|
الانظمة الدكتاتورية وجوه لعملة واحدة....النظام الليبي انموذجاَ للاستبداد والتسلط والدكتاتورية
علي جاسم
الحوار المتمدن-العدد: 1989 - 2007 / 7 / 27 - 09:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الفرق بين النظم الدكتاتورية والديمقراطية لاينتهي عند حدود استبدادية الدكتاتورية بالحكم والتربع على عرش السلطة مدى الحياة ولايقف عند منع الانتخابات الرئاسية اوالتشريعية والحرص على تطبيق جمهوريات التوريث التي يرث بموجبها نجل الرئيس السلطة بعد موت والده وما اكثره في وطننا العربي... ولاينتهي عند منع الاحزاب السياسية عن ممارست نشاطاتها ومنع حريات الصحافة والاعلام ووضع رجالات الامن والمخابرات في كل شارع وسوق وامام كل مسجد ومحلة. ان الفرق بين المفهومين اعمق واسع بل يتعدى كل تلك الامور ليصل الى مرحلت سلب حقوق المواطنين والغاء وجودهم كبنية اساسية وتحطيم الروابط الاجتماعية والاسرية في المجتمع و مصادرت اراءهم وتهميشهم على حساب تحقيق مكاسب سياسية شخصية تخدم السلطة وتوسع نفوذها وتضفي عليها الصفة الشرعية . العراق واحد من الدول التي عاشت تجربة الاستبداد على مدار ثلاثة عقود ونيف تجرع خلالها العراقيون ويلات الالم المضني والتي ارجعته الى عصور ماقبل الحضارة بالرغم من انه اول شعب عرف الكتابة وشرع القوانين الانسانية عبر التاريخ ووضع القواعد الاساسية لها. والنظام البعثي في العراق على طوال عمره الزمني في الحكم عمل وبشكل دؤوب ومنظم على الغاء الشخصية العراقية من خلال اتخاذه قرارات احادية الجانب تتعلق بقضايا في غاية الاهمية ترتبط برسم الخارطة السياسية لمستبل البلاد ،وهذه القرارات المتعجلة وغير المدروسة من الناحيتين التكتيكية والاستراتيجية والتي تدل على ضعف الفهم السياسية في ذهنية الحكومة العراقية البعثية لانها حكومة عسكرية جاءت عبر الانقلابات الدموية وليس عبر القنوات السلمية والممارسة الديمقراطية اوصلت العراق الى مرحلة التحطم البنيوي والمادي وافقدته موروثه الحضاري . ومن القرارات التعجفية غير المنضبطة التي عملت الانظمة الاستبدادية التي حكمت العراق على اتخاذها على مدار الثلاثة عقود الماضية الموافقة على اتفاقية الجزائر عام 1975 مع شاه ايران والتي تعتبر من افشل الاتفاقيات السياسية التي ابرمت على مر التاريخ المعاصر لانها اعطت جزء من ارض العراق الى ايران مقابل تعهد الاخيرة على ضرب المعارضة الكردية في شمال العراق بمعنى اعطاء ارض عراقية مقابل قتل شعب عراقي ، وهذه الاتفاقية جاءت بقرار فردي منعزل عن ارادة الشعب العراقي الذي يرفض اعطاء ارضه وضرب شعبه.
اما قرار الحرب على ايران فهو الاخر يدخل ضمن مصاف القرارات الفاشلة استراتيجياً...فبلد مثل العراق يمتلك سنة 1980 اكبر خزين نفط في العالم ولديه مليارات الدولارات الفائضة في المصارف العالمية فضلاً عن امتلاكه ارض زراعية خصبة ونهرين عظيمين ومناطق سياحية قلة لها نظير في العالم وشعب يمتلك كل مقومات النهوض والتطور ويدخل حرب خاسرة لمجرد الدفاع عن الشعارات العروبية والقومية يعد قراراً خاطئاً بما تحمله الكلمة من معنى لانه مهد لهدرالارواح الاموال العراقية التي لو وظفت بشكل صحيح لكان العراق الان اكثر الدول تطوراً في العالم. والقرار الخاطئ الاخر الذي ارتكب النظام الاستبدادي هو احتلال دولة الكويت المجاورة وغصب ارضها وسرقة خزائنها وقتل ابناء شعبها متجاوزاً بذلك كل الاعراف والمواثيق الدولية والانسانية واتجه الى ارضى مطالبه الشخصية القبلية التي تعود الى عصر الجاهلية عصر سلب ونهب القبائل . اتذكر عام 2002 عندما اصدرت الامم المتحدة قراراً يسمح لمفتشي الامم المتحدة بالدخول الى العراق وتفتيش كافة مواقعه العسكرية والمدنية بحثاً عن اسلحة الدمار الشامل حينها طلب صدام حسين رئيس النظام الفاشي من المجلس الوطني العراقي انذاك ان يتخذ قراراً حول هذا الموضوع ورفعه الى الرئاسة وبعد نقاش وجدل دام عدة ساعات اصدر المجلس الوطني قراراً يمنع بموجبه دخول المفتشين الى العراق معتبرين ذلك تدخلاً في شؤون العراق الداخلية وتجاوزاً على سيادته الوطنية . واضاف اعضاء المجلس الذين يتراسهم سعدون حمادي للمرة السابعة او الثامنة على التوالي بان من يقبل هذا القرار يعتبر خائناً للوطن وغير"شريف" على حد تعبيرهم ، لكن صدام وحسب طبيعته في الانفراد باتخاذ القرارات المتعجلة قرر السماح لمفتشي الامم المتحدة بالدخول الى العراق وماكان من المجلس الوطني الاان يعتبر قرار القائد قراراً تاريخياً وصائباً نابعاً من حرصه الوطني على العراق...ان تجاوزات النظم الدكتاتورية لاتتعدى المواطنون فقط انما توسعت لتشمل اعضاء منتخبين لمجلس وطني مهمته مراقبة الحكومة وسن القوانين واتخاذ القرارات الاستراتيجية المهمة من خلال عدم تنفيذ قراراتهم وتغيرها بشكل ينسجم مع توجه النهج الاستبدادي. اليوم نسمع قرارات مماثلة تصدر عن جمهوريات الخوف والاستبداد في دول عربية مثل جمهورية ليبيا تعيد الى اذهاننا القرارات الفردية لنظام البعث، فقرارنظام الحكم في ليبيا باطلاق سراح الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني يعد تجاوزاً صارخاً وصريح على السلطة القضائية في ليبيا وتعدياً على حقوق الشعب الليبي، فجميع الادلة التي كشفت عبر التحقيقات التي جرت على مدار سبعة اعوام اثبتت التهمة على الممرضات البلغاريات الخمسة والطبيب الفلسطيني المتعلقة بحقن مئات الاطفال الليبين بفيروس"اتش.اي.في" المسبب للايدز في احدى المسشتفيات الليبية عام 1999.
وعلى الرغم من ان القضاء الليبي اصدر حكماً باعدام كافة المتهمين السته الاان الضغوطات الدولية ومحاولة النظام الليبي تسيس هذه القضية لصالحه ادى الى تخفيف هذه العقوبة الى السجن المؤبد بعد اتفاق على تسديد تعويض قدره مليون دولار لكل من اسر الاطفال الضحايا والبالغ عددهم 460اسرة وبموجب اتفاق ثنائي بين ليبيا وبلغاريا ينبغي اعادة المحكومين السابقين الى وطنهم من ثم اطلاق سراحهم بوساطة فرنسية . ان المكسب السياسي والتحالفات غير المعلنة وحدها كانت وراء اطلاق سراح البلغاريات ومعهن الفلسطيني الذي حصل على الجنسية البلغاريا واصبحت المليون دولار ورقة تضليل على انفرادية القرار لدى حكومة ليبيا ...لوكان الاطفال فرنسيون اوبريطانيون والممرضات ليبيات هل ستقبل فرنسا اوبريطانيا اطلاق سراح المتهمين مقابل المليون دولار لكل عائلة لاسيما بعد ان اصدرت المحكمة قراراعدام المتهمين؟ الجواب كلا لان الشعبيين الفرنسي والبريطاني يعيشان في ظل نظام ديمقراطي دستوري وليس كما في ليبيا التي تعيش اسيرة التصرفات الجنونية والطائشة لحكومتها . لوكان الشعب الليبي شعباً فقيراً لكنا تقبلنا الموضوع بحجة ان الدولة ارادت ان تحقق مكسباً مادية على كافة الصعد من خلال منح العوائل المتضررة مليون دولار وهو مبلغ كبير بالنسبة لدولة فقيرة وكذلك تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية للحكومة الليبية ...لكن الامرمرفوض وغير مقبول من دولة تمتلك ثروة نفطية هائلة من مزيج البرنت الذي يعد اغلى انواع النفط في العالم ولايتعدى سكان شعبها سبعة ملاين نسمة ولديها "88" منظمة تعمل في كافة المجالات المشروعة وغير المشروعة في العالم تابعة لها . لذلك فان منح عوائل الاطفال الليبين مليون دولار هدفه تغطية اعلامية على صفقات سياسية كبيرة تخدم مصالح الحكومة الليبية وتحسن صورتها امام الدول الكبيرة وتبعدها عن دائرة التغيرات في مشروع الولايات المتحدة الامريكية بالشرق الاوسط . ان تغير الانظمة الدكتاتورية اصبح ضرورة ملحة من اجل حماية الحقوق الشخصية للمواطن من خلال بناء نظم دستورية قائمة على الممارسة الديمقراطية تحترم القانون وتؤمن باستقلالية القضاء وتخضع لارادته ويكون الحسم الانتخابي هو الفيصل الوحيد في تشكيل الحكومات وادارة دفة الحكم. لو اخذنا التجربة الديمقراطية في العراق التي جاءت كمحصلة نهائية بعدة سنوات القهر والعبودية على يد النظام الدكتاتوري لوجدنا ثمة فارق شاسع بين الحكم بين المرحلتين الدكتاتورية والديمقراطية والتي منحت الشعب العراقي فضاءات واسعة من الحرية وجلعت القوانين الدستورية محركاً اساسياً تحرك الشعب العراقي نحوالانطلاق الى اجواء الدولة المتقدمة ووضع مقارنة بين نظام الحكم في ليبيا وبين نظام الحكم في العراق الان من خلال وضع احترام السلطة القضائية وحقوق المواطنين مقياس للمقارنة نستطيع ان شخص كيف تحترم الحكومة العراقية الحالية قرارات القضاء وتنصاع لاوامره لان الدستور العراقي نص بان القضاء مستقل ولاسلطة عليه ويمكن ان ناخذ من محكمة صدام واعوانه انموذجاً للاستقلال وكذلك اصدار عشرات الاحكام على مسؤولين عراقيين من وزراء واعضاء مجلس نواب ومدراء عامين دون اي ضغوط حكومية في حين ان الحكومة الليبية صادرت قرارات المحكمة وقررت اطلاق سراح البلغاريات الخمسة والطبيب الفلسطيني دون اية احترم للسلطة القضائية ولا لعوائل الاطفال مما ييبن لدى الجميع الفرق بين النظام الدكتاتوري القائم على الوحدوية والشمولية وبين نظام حديث التجربة قائم على الممارسة الديمقراطية والانتخابية. ان الغاء عقوبة الاعدام وتخفيفها عن اي شخص تعد خطوة انسانية واخلاقية لكن ليس على حساب المواطنين ولاعلى حساب القضاء الذي اصدرحكماً مصدقاً ،اضافة الى ان النظم الدكتاتورية تتبنى فكرة الاعدامات والتعذيب في السجون والمعتقلات وترفض ممارسة الفرد او الجماعة لحرياتهم الشخصية فكيف يتحولون في ليلة وضحاها الى ملائكة يجهدون في سبيل اطلاق سراح المتهمين !!! على شعوب المنطقة ان تدرك هذه المسالة الخطيرة وان تقف وقفة شجاعة من اجل الدفاع عن كرامتها واجبار حكوماتها الوراثية من الانصياع وراء مطالبها المتعلقة بوضع دساتيردائمية تصون كرامة الانسان وتسمح للمواطنين في المشاركة تغير الحكومة عبر النهج الديمقارطي المعمول به في الدول الاوربية.
#علي_جاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديمقراطية في العراق تجربة تحتاج الى فهم وادراك وممارسة
-
هل اصبحت كتلة المعتدلين ضرورة سياسية لالغاء المحاصصة الطائفي
...
-
تحديات المالكي وفرصته التاريخية لتشكيل حكومة جديدة قائمة على
...
-
فضيحة دار الحنان لشديدي العوق بين الحقيقة والوهم
-
ليس بالانقلابات والاصطفافات السياسية الضيقة يبنى العراق
-
نقطة ضوء على القضاء العراقي الدساتير والقوانين وحدها لاتكفي
...
-
الحوار المتمدن في كتاب شهري ........العلمانية مطلباً وضرورة
-
من وراء تفجير جسر ديالى........؟
-
نشوة اللذه
المزيد.....
-
-حالة تدمير شامل-.. مشتبه به -يحوّل مركبته إلى سلاح- في محاو
...
-
الداخلية الإماراتية: القبض على الجناة في حادثة مقتل المواطن
...
-
مسؤول إسرائيلي لـCNN: نتنياهو يعقد مشاورات بشأن وقف إطلاق ال
...
-
مشاهد توثق قصف -حزب الله- الضخم لإسرائيل.. هجوم صاروخي غير م
...
-
مصر.. الإعلان عن حصيلة كبرى للمخالفات المرورية في يوم واحد
-
هنغاريا.. مسيرة ضد تصعيد النزاع بأوكرانيا
-
مصر والكويت يطالبان بالوقف الفوري للنار في غزة ولبنان
-
بوشكوف يستنكر تصريحات وزير خارجية فرنسا بشأن دعم باريس المطل
...
-
-التايمز-: الفساد المستشري في أوكرانيا يحول دون بناء تحصينات
...
-
القوات الروسية تلقي القبض على مرتزق بريطاني في كورسك (فيديو)
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|