|
الإثارة والنقد في المجتمع العربي
جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 1989 - 2007 / 7 / 27 - 09:04
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ما زالت المجتمعات العربية بكافة تفاصيلها الدينية والسياسية والإجتماعية تبحث عن الإثارة في الأدب والسياسة فعملية عشق العرب الشرقيين لأشيائهم هي من باب الإثارة وليست من باب النقد الموضوعي.
فالحركات التي يؤديها الراقص وهو عاري أو شبه عاري تبعث في النفس الناقدة نظرة موضوعية يستلهم منها فلسفات ومعتقدات إجتماعية ودينية ورغبات مكبوتة وإحتراقات عاطفية تثير في عين المتلقي الوضوعي الدموع والإنفعلات وتثير في النفس الشهوانية إنتصاب عضلاته الجنسية علما أن العاري لا يقص إلا إثارة الموضوع النقدي. وقد كانت بعض النساء العربيات يخرجن على الرجال كاشفات صدورهن ورؤوسهن في حالات كانت المرأة تطالب رجال القبيلة بأخذ الثأر من قاتل أبيها أو أخيها أو زوجها ولم تكن تلك المشاهد تثير في الرجال الشهوة الجنسية بل كانت تلقنهم درسا يتعلون منه كيف يدافعون عن كرامتهم. وهذه المشاهد لا تقل قيمة عن المشاهد الأدبية في السينما والمسرح وبالتالي يجب أن تكون من أجل إثارة النقد الموضوعي وليس من أجل إثارة الشهوة العاطلة. وقد روى صديق لي قديم أنه كان يعشق إبنة الجيران وكان يتمنى أن يراها متبرجة بلا إشار أو حجاب وحين مات أبوها ثقب في جدار منزله نافذة صغيرة كي يراها وهي بلا حجاب ليثير شهوته وفعلا فعل فعلته ولكنها لم تثر بعريها شبه الكامل أي مشاعر جنسية فقد أشفق عليها وبكى على بكائها ورسم لها لوحة كان قد أسماهاالفتاة البريئة. وهذا لأنه لم يقف من المنظر موقفا يتوقف على متطلبات بيولوجية ولكنه قد توقف منها مواقف رمزية مكثفة تثير في النفس الناقدة نظرات موضوعية .
ولكن في المجتمعات المدنية الحديثة يبدو أن حبهم وإعجابهم بأشيائهم هي من باب النقد الموضوعي لإستخلاص العبر والنتائج العلمية فمثلا : رؤية مسرحية معروضة في باريس نجد جمهور النظارة يتطلع إليها من باب النقد الذاتي والموضوعي ووجود الممثلين وهم يؤدون أدوارهم وهم عراة على خشبة المسرح نجد أن عريهم يثير في المتلقي للمشاهد نماذج فكرية ولا يثير به الشهوة الجنسية بينما في الوطن العربي ينظر الجمهور للمغنيات وهن يؤدين حركات إستعراضية شبه عارية نجد أن مثل تلك المشاهد تثير في المتلقي العربي إثارة وشهوة جنسية ونلاحظ ذلك من كثرة الذهاب للحمامات عند رؤية مشهد عاري ومغري وذلك كي يستمني المتلقي على حاله من هول ما رأى من إثارة جنسية .
وفي فلم اللمبي الأول له نجد في نهاية الفلم إحدى الراقصات وهي ترفض أن تؤدي دورها على خشبة المسرح والغناء مدعية أن حركاتها هي حركات أيحاآت وإيماآت وصور ذهنية لا تلبي رغبة المشاهد العربي الذي يتمنى أن يرى كل شيء عاري تماما . والراقصة محقة جدا في نظرتها للجمهور العربي فالجمهور لا تثيره الخلايا العقلية وإنما تثيره خلاياه الجنسية وبهذا نستنتج ما يلي : أن المجتمع العربي مجتمع داعر وعاهر وأن مجتمع باريس مجتمع نقد موضوعي وأن شوارع العراة في أوروبا ليست كما يعتقد العرب أنها للدعارة بل للنقد الموضوعي والفني الخالص .لت الم
ولو أننا نقرأ التاريخ العالمي جيدا لما وقعنا في أخطاء نقدية للفن التشكيلي والحرفي وللمنحوتات العارية فالمنحوتات العارية لم تكن في بدايتها لإثارة الشهوة بل كانت لإستخلاص العبر والنتائج وما زال الفن القوطي يحمل لنا بعض هذه الدلائل وعملية إحترام المذهب الكاثوليكي للفن وخصوصا الصور العارية هي موضوع للنقد يدل على براءة المسيح وبراءة الإنسان قبل أن تدنسه الثقافة فما الصور العارية للمرأة والرجل إلا حالة إخبارية عن الحنين لعصر البراءة وخفة الدم قبل أن يعرف الإنسان الثقافة وتدنسه تدنيسا كاملا :
فالثقافة كست الإنسان بمظاهر شتى من الثياب فلكل إنسان منا ثوبه الخاص الذي نشاهده عليه والثوب هنا هو رمز وتعبير مجازي بديل عن قولنا إتجاهه الفكري والعاطفي فمثلا حين نقول هذا الثوب مش ثوبك يا فلان , فإننا نعني أن هذه التصرفات ليست تصرفاتك. وقبل أن يتعلم الإنسان كيف يطهو طعامه وكيف يخيط ثوبه كان بلا ثقافة تتحكم بمشاعره وكان يمشي عاريا بلا شيء يغطي به عورته وبهذا لم يكن للناس أثواب متعددة الأشكال بل كانوا جميعا في ثوب واحد وهو : ثوب المسيحية الطاهرة والبريئة من دماء الناس براءة الذئب من دم يوسف وكانت وما زالت المسيحية هي ما تبقى للإشتركيين من ذكريات البراءة والطفولة والتي تتمثل بسماحتها ووداعتها قبل أن تتأطر بإطار بطريركي كما تأطر الإسلام فيما بعد بإطار الخلافة فالإسلام بريء من الخلافة تماما كما هي المسيحية بريئة من الكنيسة والبطريركية .
وحينما يولد الطفل فإنه يولد بلا ملابس تستر عورته وبلا ثقافة أما قول البعض أن الإنسان يولد على دين أمه وأبيه فهذا إعتقاد خاطىء :الإنسان يولد عاري من الملابس وعاري من الثقافة ولكن ظروف التنشئة والتربية هي التي تربي اتلإنسان وتعلمه وتضيف له ثقافات هو بالإصل منها بريىء .
والمشاهد العارية هي : تعبير عن عصر البراءة براءة الإنسان من المعتقدات البالية والمترهلة والمتعفنة فما أجمل من أن نعري أنفسنا في العمر ولو مرة واحدة نعود به إلى عصر البراءة والطفولة دونما حقد على باقي الثقافات .
والوطن العربي اليوم هو أكثر بقعة جغرافية بحاجة لأن تتعرى في عمرها ولو عام واحد يتزوج به المسلم من اليهودية ويعقد قرانهم في مبنى البلدية وكذلكم نزوج بناتنا من اليهود ويعقد قرانهن في البلديات وليس في المساجد أو الكنائس أو الهياكل فبناء المجتمع اليوم يجب أن يكون عاريا والعري يجب أن يكون موضوع للنقد وليس موضوعا لإبراز العضلات الجنسية في الحمامات والغرف المظلمة .
والإنسان بطبعه يستحي كثيرا من مشاعره ويتراجع في كثير من الأحيان عن طرح مبادراته للناس ويختلف الإنسان مع نفسه ويسوق العقل المثقف كي يحكم على مشاعره وعواطفه علما أن عواطفنا يجب أن تخضع لرغباتنا في الإستمنتاع بالحياة بغظ النظر عن خلفياتنا ومرجعياتنا البالية والمتعنة.
لقد نزلت عشتار إلى العالم الأسفل وخلعت عند كل باب من بوابات العالم الأسفل في كل مرة شيئا من ثيابها وما أن وصلت إلى الباب الأخير حتى كانت عارية تماما وهذا المشهد العاري للآلهة عشتار ليس في الجسد وإنما في العقل والروح لقد تخلت عشتار عن الثقافة لتقف أمام ربة العالم الأسفل بلا ثقافة وبذلك فهي تضع نفسها أمام الديان الإعظم بلا ثقافة عارية تماما من كل الأفكار التي تعلمتها في العالم البشري .
وأنا بطبعي مغرم جدا بالأدب العاري والمكشوف وإعجابي به نابع من دوافع نقدية وليس من دوافع إغرائية فألإغراء الجنسي له جلسة خاصة ومشاهد أخرى وكل مشهد عاري يثير بي شكلا فكريا جديدا أستدل به على أنماط ال‘نتاج الفكري والإجتماعي فعملية تبرج المرأة التي أراها متبرجة تعطيني إنطباع عام عن عائلتها ومدى توسع مداخلها الفكرية وبالتالي فلمرأة الشبه عارية وهي تجلس المرة تلوى المرة بين أفراد عائلتهخا لا تثير بهم الشهوة الجنسية كما نعتقد وإنما تثير بهم حبهم وزيادة معرفتهم بفنون الجمال الذي يحبه الله والرب ويهوى واليسوع واإقنوم الأول والثاني والثالث .
إننا كعرب وشرقيين ما زلنا نرى في المرأة العارية على خشبة المسرح والحياة .نعم ,ما زلنا نراها داعرة وهذا غير صحيح لأن الذي يراها داعرة هو الداعر والذي يراها مغرية هو الذي يكون عقله بين رجليه والذي يراها مثيرة للنقد الإجتماعي هو الناقد وعاشق النقد .
ولكم بعثت بي مشاهد نانسي عجرم وهيفا وهبي وساميا جمال وروبي وهند رستم وأليسا كم بعثت بي الحافز على كتابة مقالات إجتماعية هادفة وليست داعرة .
إن التعري في بعض شوارع أوروبا يعطي للناقد الحقيقي إنطباعا عن رغبة هؤلاء العراة في دخول جنة الرب وهم أحياء وأنهم توصلوا لنتيجة مؤداها أن جنة الرب وهمية وغير حقيقية ولا يوجد في السماء غاز يدعى غاز الله أو غازات الرب أو غازات يهوى لقد توصل هؤلاء إلى نتيجة موأداها أنه لا توجد في السماء غازات دينية ولا يوجد بها إلا غازات الأوزون والنيتروجين وأكسيد الكربون وهذه الغازات ليست بأجنحة تطير بل لها أعداد ذرية تتحد مع بعضها لتنتج غازا جديدا كإجتماع ذرة هيدروجين مع ذرتين من الأكسجين لتنتج لنا الماء .
نعم : العراة في الشوارع المخصصة ليسوا موضوعا للإثارة الجنسية وإنما هم موضوع للنقد الخيالي والعام.
إن غالبية المنحوتات العارية تبرز لنا كم هي عظمة الفنان الذي نحتها وكم هي سفاهة الذي ينظر إليها من مجرد شهوة جنسية : إن الفضائيات العارية اليوم مفتوحة للعرب وحدهم لأن العضو الذكوري والأنثوي هو الشغل الشاغل للعرب المكبوتين جنسيا وعاطفيا وسياسيا وهم بذلك يجدون ضالتهم في هذه المشاهد التي تنفس عنهم الإكتئاب الداخلي المنشأ وعوارض القلق المزمن وكثرة التناقضات الإجتماعية العربية هي التي تحملهم على أن يستخفوا بمشاعرهم وتجعلهم يجردون أنفسهم من النظرة النقدية والموضوعية للحياة بشكل عام .
لنستمع مثلا لقصة رجل عربي وإمرأة صعدا إلى عمارة ونزلا منها بعد عشرة دقائق وهم يمسكون ببعضهم البعض عند الصعود وبعيدين عن بعضهم عند النزول هذه القصة تأخذ في المجتمع العربي ثلاث ساعات سردية وأعواما وشهورا وقد شاهدت في حياتي في قريتنا قصة من هذا النوع عن فتاة خرجت مع عشيقها لمنزل خالتها في مدينة أخرى تبعد عن منزلهم مسافة 80 كيلو متر هذه القصة ما زالت الناس تتداولها منذ أكثر من عشرة أعوام : ولو كانت هذه القصة في مجتمع مدني لتناولتها الناس في عشرة دقائق . وما زالت الناس تتحدث عنها وهم يتصورون ويتخيلون مشاهد جنسية مثيرة ولو كانت في مجتمع مدني لخلقوا منها قصة تضحية وغرام مشبوب وعاطفة وحنين للحرية . إننا كمجتمع عربي وللأسف داعر جدا جدا جدا داعر نتخيل الشهوة الجنسية حتى في الحجارة والتماثيل التي لم ينحتها أصحابها للشهوة بل للعبرة. لنستنمع أيضا لقصة الطوفان ففي قصة الطوفان البابلي والتوراتي والقرآني لا ينقض الناس منها إلا التوبة والإعتراف بالذل والمهانة وكبت المشاعر العاطفية أما في الأدب اليوناني الأثيني القديم فإن زيوس ينظر للناس من فوق وهو غاضب عليهم ولكن حين يرى إمرأة تقبل رجلا أي عشيق وعشيقة فإنه لهذا المشهد يرق قلبه ويحن على الناس قائلا : ما زال هنالك حب وما زال هنالك عشاق . والقبلة المحترقة في الأدب الأثيني أنقضت العالم من الطوفان ولم يقف الإله زيوس هنا آمرا الناس برجم المحبين والعشاق وأنقض العالم من الطوفان لكي يعلم الناس الفرق بين النظرة التي تثير الشهوة والنظرة التي تثير الحس النقدي والموضوعي.
ومن كان منكم بلا خطيئة فليرجمني
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين كل مسجد ومسجد مسجد ,وبين كل مؤسسة إجتماعية ومؤسسة إجتماع
...
-
مثقف أردني يشهد على النظام الديكتاتوري
-
مثقف أردني يحكي قصة إظطهاده
-
تجارة حرب الخليج
-
حب وسموم
-
غالي الثمن
-
مثقف أردني يتحدث عن نفسه
-
الشيوخ يزدادون ثراءا والمثقفون يزدادون جوعا
-
الديانات السماوية
-
فقدان البكاره موضوع تافه
-
إنهم يتآمرون على العمال والشغيله
-
إهداء إلى الزميله ماغي خوري
-
الإعجاز القرآني
-
الانسان يجهل حقيقته
-
بدأوا حياتهم بخيانة وإنتهت بخيانة
-
الأدب العربي الكاذب
-
التمثيل الثقافي
-
أدباء أحرقوا كتبهم
-
أحب وأكره وأعشق
-
المسلمون يكذبون على الله
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|