هل يجب ان يدفع العراقيون الديون وفوائدها والتعويضات بسبب الحروب التي قام بها النظام العراقي السابق التي تقدر بــ 200 مليار دولار؟
سؤال مهم من الضرورة التدقيق فيه لكي نخرج باستنتاج منطقي وواقعي، حتى لا يشعر الآخرون بأننا ننتهج سياسة ديماغوغية متطرفة ومنها الرفض المطلق بدون حجج علمية وقانونية بحجة ان العراق يرفض مناقشة هذه القضايا التي خلفها النظام الشمولي بعدم دفع الديون والتعويضات لأنه غير مسؤول عنها ..
لو تدرجنا في البحث عن مصداقية الديون واسبابها لوجدنا ان أكثرها نشأ في ظروف غير طبيعية وبخاصة بعد الحرب العراقية الإيرانية التي دامت ثمان سنوات منذ 22 / 9 / 1980 حتى سنة 1988 وهذه الفترة غير الطبيعية وما تلاها يجب ان تخضع للتدقيق ومعرفة الاسباب الحقيقية لهذه الديون والفوائد التي نتجت عنها وكذلك التعويضات.
هل كانت من أجل البناء والنمو ومساعدة الدولة لتقوم بواجبها اتجاه الشعب لضمان حياة مرفهة واستكمال مشاريع اقتصادية وخدمية وصحية وتطوير الزراعة وكذلك من اجل استخراج وتطوير صناعة النفط وغيره من الموارد الطبيعية لمساعدة العراق وجعله في مصاف الدول المتقدمة ولا سيما بما يملكه من ثروات هائلة وكبيرة؟
ام كانت هذه الديون من اجل استمرار بقاء الحكم والسلطة القمعية و تقوية الماكنة العسكرية العدوانية والمؤسسات الامنية الارهابية على حساب المواطنيين العراقيين والدول التي تم الاعتداء عليها؟
الجواب معروف وغير معقد ويستطيع أي انسان التوصل له.. ان أكثرية الديون وفوائدها التي تراكمت على العراق كانت عبارة عن شراء الأسلحة وتطوير الماكنة العسكرية أثناء الحرب وبعدها، وكانت تستعمل لتطوير ادوات القمع والاضطهاد بالدرجة الاولى ضد الشعب العراقي، والمقابر الجماعية للعراقيين وغيرهم وحتى للأسرى الكويتيين خير دليل على ما نقوله، ثم صناعة وتطوير اسلحة الدمار الشامل والتي نتج عنها قصف مدينة حلبجة بالكيمياوي واثناء الانفال المعروفة والتي راح ضحيتها حسب التقارير والاحصائيات ما يقارب 180 ألف كردي، ثم استعمالها في الجنوب وكذلك غزو الكويت الشقيقة التي وقفت مع النظام العراقي وقدمت له الدعم والمساعدة في حربه الخليجية الاولى..
كما دلت الوقائع ان قسماً من القروض دفعت للنظام الشمولي لتطوير مؤسساته الأمنية
التي استعملها ضد العراقيين وبناء السجون وتحديث القديم منها وغيرها من أدوات القمع والارهاب.
لا أعرف ولا يعرف غيري كيف يمكن السكوت عن هذه القضية الحيوية بعدما ذهب النظام الشمولي إلى غير رجعة، هذه القضية التي ستكلف العراق وموارده مليارات الدولارات وهو الذي يحتاج إلى كل دولار من أجل أن يساهم في اعادة بنائه وفي اعادة الامور إلى طبيعتها الاعتيادية والتخلص من الخراب والدمار واستتباب الأمن والاستقرار والقضاء على الفقر والامراض وبالتالي جعل العراق دولة حضارية تحترم جيرانها وتساعدهم كما ساعدوها في المحنة الكبيرة التي مر بها العراق.
لكن المستغرب لهذا الأمر أن السكوت عنه كان شاملاً ولم يذكره إلا البعض القليل وبشكل عابر حتى جاء تصريح بول بريمر رئيس الادارة المدنية في العراق (خلف الله عليه) والذي انبرى له بعض النواب الكويتيين دون غيرهم ( النائب يوسف زلزلة والنائب ضيف الله بورمية ) بتصريحات شبه عدائية تدل على انهم غير معنيين بما يجري للشعب العراقي وفسروا الامور من منظار بعيد عن الواقع، الجيرة والأخوة والعلاقات التي يجب ان تكون طبيعية في المستقبل بين الشعبين الشقيقين العراقي والكويتي ولكي تطوى صفحة الماضي الأليم والفظيع الذي كان مأساة لكلا الطرفين.
ان موقف بعض النواب الكويتيين من قضية التعويضات يشابه الموقف الكويتي السابق الذي دعم نظام صدام وحكمه الشمولي الارهابي في حربه ضد ايران واضطهاده وبطشه بالشعب العراقي.. فقد كان هذا الدعم وغيره قد مكن النظام العراقي في إذائه وزيادة ارهابه ضد القوى الوطنية العراقية والشعب العراقي فضلاً عن ما لحق من مآسي للشعب الايراني..
فهل يجب أن تطالب ايران ايضاً بتعويضات من الكويت أو الأردن أو غيرهما لمواقفهما ودعمهما المادي والمعنوي للنظام العراقي السابق في غزوه واحتلاله للاراضي الايرانية والخراب والدمار الذي اصيبت ايران بهما جراء تلك الحرب والتي لولا استمرار الدعم الخارجي ومنها الكويتي والعربي ما عدا سوريا لتوقفت منذ زمن بعيد.
وبينما انبرت القوى الوطنية العراقية المعارضة للوقوف ضد شن الحرب على ايران كان نصيب الكثير من العراقيين في الكويت أما الهرب منها خوفاً من المخابرات العراقية وملاحقة الأجهزة الامنية الكويتية او تسليم العديد منهم للنظام العراقي وهذه قضية معروفة للجميع ويتذكرها البعض لأنهم مازالوا أحياء يرزقون.
وكانت تلك المواقف بالضد من مصلحة الشعب العراقي وقواه الوطنية المعارضة، لكن ذلك لم يجعل هذا الشعب وهذه القوى تقف موقف المتفرج المسرور من احتلال الكويت أو الراضية عنه، بل وقفت ضد الاحتلال وفضحته وعملت ضده بكل الوسائل المتوفرة التي في يدها.. ويتذكر ذلك الكثير من الأخوة الكويتيين الذين شاركوا المعارضة الوطنية العراقية في الخارج منفاهم ووضعهم ونضالهم الموحد من أجل عودة الكويتيين إلى بلدهم وتحرير الكويت.. ووقفت هذه القوى أيضاً مع الشعب الكويتي ومحنته جراء الغزو الغاشم ونتائجه الدموية والارهابية وما جرى من تنكيل بشع وضحايا يتحمل مسؤوليتها النظام العراق وليس الشعب.
واليوم يبدأ بعض النواب الكويتين ليعلنوا موقفاً مشابها بالموقف أثناء حرب الخليج الأولى عندما لا يقفون مع الشعب في محنته الحالية ليقفوا مع فلول النظام واجهزته المخابراتية والأمنية السابقة ولكن بطريقة اخرى، لأن الحديث عن التعويضات بمثل هذه النبرة الهستيرية والعدائية وكأن الشعب العراقي كان صاحب القرار بغزو الكويت وليس النظام العراقي، ومقارنة ديون الولايات المتحدة الامريكية لبلدان العالم الفقيرة بتعويضات مالية لم يكن الشعب العراقي مسؤولاً عنها ولم يكن له اي يد فيها لا من بعيد أو قريب، تكاد تكون مهزلة وبعيدة عن التحليل الموضوعي والمنطق العلمي، فالشعب العراقي كما يقول الكويت هو شقيق يجب الوقوف معه ومساعدته في ظروفه المأساوية الراهنة والنظام الدموي الذي كان خطراً على جيران العراق وكان يحكم الشعب العراقي بالنار والحديد رحل إلى غير رجعة.
كان على الكويتيين والسعوديين أن يبادروا بشكل طوعي للتنازل عن هذه التعويضات ليبرهنوا للشعب العراقي عن مواقفهم الاخوية لأدراكهم عدم مسؤوليته عن الغزو الغاشم للكويت والاضرار التي لحقت بالسعودية جراء الغزو ذاك، إذا كانوا فعلاً أشقاء يريدون للشعب العراقي الوقوف على قدميه.. وليس كما صرح البعض من النواب الكويتيين لمجرد تصريح صحفي لأمريكي احتل بلده العراق حول التعويضات وضرورة إلغائها..
فعندما يساوي النائبان الكويتيان يوسف زلزلة و ضيف الله بورمية بين موقف مغاير لموقف آخر يرتكبان الخطأ نفسه ولا يدل على الموقف الأخوي التضامني في ظروف مماثلة لغزوالكويت بالنتائج ان لم نقل أكثر، فالسيد يوسف زلزلة يقول بكل صراحة " قضية التعويضات والديون قضية دولية ولا يمكن لبول بريمر" أو لايحق " لغيره التحدث فيها، و ان تطالب الكويت بالتخلي بنفسها طواعية عن حقوقها غير مقبول لأن التعويضات جزء من الخسائر الفادحة للغزو"
نحن نعرف عن التعويضات وأسبابها ولكن نقول للسيد يوسف زلزلة عن اي ديون يتحدث؟ ديون الكويت أثناء الحرب العراقية الايرانية أم غيرها؟ اما عن قوله لا يحق لبريمر التحدث فيها فتلك هي مسألة قابلة للنقاش من قبلهم، ولكن لا نوافقه الرأي على أن الغيرلا يمكن التحدث فيها، لأن أية حكومة وطنية عراقية منتخبة في المستقبل تستطيع التدخل فيها وفي اية قضية قام بها النظام العراقي السابق والتي نتج عنها ضرراً كبيراً للشعب العراق وللعراق بالذات، أما القرارات الدولية فقد كانت في ظروف معقدة وغير طبيعية ومن الممكن معارضتها ومناقشتها في المستقبل والاحتكام عليها بالقوانين المحلية والدولية وبقرارات برلمانية تمثل الشعب بحق وليس بالباطل وحسب أمزجة الحكام ومصالحهم، أو بالعنجهيات والتصريحات العدائية التي تزيد من الفرقة والعداء بين الاطراف المتنازعة حول بعض القضايا.. أما ردة الفعل لتصريح السيد النائب ضيف الله بورمية لصحيفة آراب تايمز " إذا كان بريمر قلق لهذا الحد بسبب" انخفاض" دخول الافراد فعليه اذن ان يطالب بأن تتخلى الولايات المتحدة الامريكية عن ديونها المستحقة على الدول الفقيرة التي لا يتجاوز دخل الفرد فيها 30 دولاراً سنوياً"
فنقول له وبكل صراحة ما هوإلا دلالة عن تبسيط الامور ولفلفتها لتمويه الوقائع على الشعب الكويتي اولاً والآخرين ثانية، وكذلك النفس الضيق والموقف اللاتضامني مع الشعب العراقي. لأن الدول الفقيرة أخذت القروض او المساعدات بسبب فقرها وحاجتها وليس كما في حال العراق الذي كان يحكم من قبل نظام غير ديمقراطي.
أما في الجانب الآخر فنقول ايضا وبصريح الكلام، كان على مجلس الحكم العراقي الانتقالي ان يعلن عن موقف واضح وصريح من الديون والتعويضات، أوعلى الاقل الاعلان عن تأجيلها لحين انتخاب حكومة وطنية وقيام برلمان عراقي منتخب لكي يناقش هذه الموضوعات ولا يترك الأمر على عاتق الحاكم المدني الأمريكي بريمر ، لأن هذا الموقف هو خاص بين شعوب شقيقة أو دولاً صديقة من الممكن الوصول إلى حلول تخدم الطرفين بعدما يتعافى العراق ويصبح الشعب سيد نفسه..
لقد سبق الجميع هذا الامريكي مع شديد الأسف عندما قال " عليّ أن اقول أنه أمر غريب بالنسبة لي أن يدفع بلد يبلغ الدخل السنوي للفرد فيه 800 دولار سنوياً تعويضات يزيد الدخل السنوي للفرد فيها على ذلك عشرات المرات عن حرب عارضها كل العراقيين الموجودين في الحكومة الآن"
ونزيد على قوله عارضها أكثرية الشعب العراقي وقواه الوطنية الشريفة الذين قدموا التضحيات الجسام في سبيل اسقاط النظام والوقوف مع الشعب الكويتي والايراني وغيرهم بسبب سياسة النظام الشمولي واعماله الارهابية ضد الآخرين.
أن قضية التعويضات التي وضعت على كاهل الشعب العراقي ليتخلص النظام العراقي من هذه المشكلة قد اصبحت في الوقت الحاضر قضية غير عادلة بعد سقوط هذا النظام مع الأسف بيد القوات الأجنبية وليس بيد الشعب المغلوب على أمره في السجون والمعتقلات وهروب أكثر من اربع ملايين عراقي من وطنه بسبب سياسة البطش والارهاب...
أما قضية القروض والديون وفوائدها فان النظام الشمولي هو الآخر مسؤولاً عنها وليس الشعب العراقي وبمجرد المتابعة عما يجري اكتشافه من عشرات الالاف من الاطنان لأسلحة مختلفة الصنع.. صواريخ جو أرض مختلفة، وقذائف وقنابل وهاونات واربيجيات ورشاشات وعتاد مختلف لجميع الأسلحة، وصواعق للتفجيرات وغيرها إضافة إلى ما دمر من آلاف الدبابات والمدرعات والسيارات والطائرات يعرف المرء اسباب أكثرية الديون وكيف تراكمت إلى هذا الحد المهول..
ونجد من الضروري أن ينتبه لها المجلس الحاكم ولا يجعلها قضية ثانوية لأن هذا الاجمالي من الديون 200 مليار دولار وبمضمنها 98 مليار كتعويضات ليست بالمبالغ البسيطة والسهلة وسوف تكون عائقاً كبيراً أمام اعادة بناء العراق وتحقيق نوع من الرفاهية للمواطنين العراقيين ومن أجل قيام الدولة الدستورية والحكومة والبرلمان المنتخبين ديمقراطياً اللذين يتحملان المسؤولية امام الشعب لأي قضية تتخذ فيها
قرارات كمثل هذه القضايا التي قد تضر ولا تنفع المصلحة العامة.
أي قيام نظام ديمقراطي يتمتع الفرد فيه بالحرية وتحترم حقوقه المشروعة ولكي يعيد الأمن والاستقرار والعلاقات الطبيعية مع الاشقاء والاصدقاء ودول العالم أجمع.
29 / 9 / 2003