صدر حديثاً عن دار الساقي في لندن وبيروت، كتاب الدكتور جواد هاشم، الموسوم ب (مذكرات وزير عراقي مع البكر وصدام، ذكريات في السياسة العراقية: 1967- 2000). يقع الكتاب في 350 صفحة من القطع الكبير وطباعة أنيقة وإخراج جميل ومحتوى مهم ومثير، بلغة واضحة وسليمة.
لا شك أننا بأمس الحاجة إلى شهادة من داخل النظام. وقد جاءتنا هذه الشهادة أخيراً من الدكتور جواد هاشم، وزير التخطيط في حكومة البكر وصدام حسين لعدة سنوات وعلى معرفة عميقة وعن قرب بما كان يجري في الخفاء والعلن وما كان يدور من وراء الكواليس من صراعات ومؤامرات ودسائس حزبية وطائفية ومناطقية بين كبار اللاعبين في الحكم..الخ.
والمؤلف كما وصفه الناشر (عايش التطورات السياسية التي سبقت ورافقت انقلاب البعث واستلام أحمد حسن البكر السلطة، ودوَّن مذكرات السياسة العراقية خلال حقبة مهمة ومفصلية في تاريخ العراق الحديث ما بين 1967 و 2000، شغل فيها وزارة التخطيط مرتين وأشرف خلالها على رسم سياسة العراق الإقتصادية. وقد أتاح له من موقعه في أعلى هرم السلطة العراقية، أن يكون شاهداً من أهل النظام).
يضم الكتاب 24 فصلاً، يبدأ بمقدمة بعنوان: (لماذا هذا الكتاب؟) يشير المؤلف فيها إلى الأسباب التي دعته لتأليفه. ومما يذكر أنه في شباط 1980 جمعته أمسية جميلة في بيته في (أبوظبي) عندما كان رئيساً لصندوق النقد العربي، مع شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري ومثقفين آخرين، وكالعادة، عندما يلتقي العراقيون، فحديثهم عن السياسية العراقية ومصائبها وكيفية الخروج من مأزقها. وفي اليوم التالي، جاءه الجواهري وبيده قصاصة ورق، وقال: "لقد هزتني المشاعر ليلة البارحة فنظمت أبياتاً بحقك أريد طباعتها. سأعطيك القصيدة إذا وعدتني بشيء واحد فقط.. أريد منك وعداً بأنك ستكتب يوماً ليس بالبعيد، كتاباً عن تجربتك مع البعث العراقي.." وتم الوعد وناوله القصيدة بخط يده وتوقيعه والتي تبدأ بالبيت التالي:
يا أبا جعفر عدتك واللواحي من أخي نخوة وضو سماح
وبعد ست سنوات من ذلك الوعد، بدأ المؤلف بكتابة الخطوط العريضة، وانتهى منه عام 1988، ثم تأجل النشر عدة مرات لأسباب قاهرة إلى ما بعد سقوط النظام. لذلك يمكن القول أن هذا الكتاب نضج على نار هادئة دون استعجال.
بعد المقدمة، نقرأ (بيانات ومعلومات أساسية عن العراق). ثم الفصل الأول (وقائع من تاريخ العراق المعاصر) وفيه معلومات لا يستغني عنها أي باحث لمعرفة تطور الأحداث وفق تسلسل زمني ابتداءَ من ثورة العشرين وحتى تحرير الكويت من الغزو الصدامي وموافقة صدام على جميع قرارات الأمم المتحدة وارتهان مستقبله إلى مصير مجهول.
وفي الفصل الثاني (شخصيات وأحداث) يقدم المؤلف تعريفاً موجزاً عن أهم الشخصيات التي وردت أسماؤها في الكتاب ولعبت دوراً مهماً في تاريخ العراق الحديث، حسب الحروف الأبجدية. وهذا الفصل هو الآخر يساعد الباحثين في التعرف على الشخصيات العراقية بمجرد إلقاء نظرة خاطفة كما نراجع الموسوعة أو القاموس بحثاً عن شخصية. واللافت للنظر أن المؤلف وهو الوزير في حكومة البعث، قد أنصف الزعيم عبدالكريم قاسم وأعطاه مساحة أكثر من غيره في هذا الفصل الموجز ومما قال عنه: "كان قاسم ليبرالياً مؤمناً بالديمقراطية أكثر من إيمانه بالآراء التي كان يروج لها حزب البعث أو الحركات القومية العربية، وهو أمر أدى إلى صراع مستمر بينه وبين العناصر البعثية والقومية حتى وصل الأمر بالبعثيين إلى تدبير مؤامرة لإغتياله يوم 7 تشرين الأول/أوكتوبر 1959، وقد باءت المؤامرة بالفشل، وفي شباط/فبراير 1963 قاد البعثيون بالتحالف مع تيارات قومية إنقلاباً عسكرياً وسيطروا على مقاليد الحكم، ونفذوا حكم الإعدام بعبدالكريم قاسم غدراً بعد استسلامه لهم".
كما ويتطرق المؤلف في الفصلين التاليين وبإيجاز عن مراحل دراسته الأولى وسفره إلى لندن بعد الثانوية، لمدة سنة لتعلم اللغة الإنكليزية حيث التقى بطالب شبيب وغيره من البعثيين وتعرف على حزب البعث وعودته إلى بغداد وقبوله في كلية التجارة وتخرجه منها بعد أربع سنوات ثم سفره إلى لندن ثانية في بعثة دراسية بعد ثورة 14 تموز وقبوله في جامعة لندن (كلية لندن للإقتصاد والعلوم السياسية London School of Economics $ Political Science حيث نال درجتي الماجستير والدكتوراه ثم العودة إلى العراق والتدريس في كلية التجارة والتعرف على البكر وصالح مهدي عماش عام 1967.
وفي الفصل الخامس يروي لنا المؤلف بشكل موجز نبذة عن تاريخ حزب البعث وعن إنقلاب 17-30 تموز/يوليو 1968 والصراعات الخفية بين البعثيين وكيف تم استيزاره وعلاقته بالبكر وصدام وبقية الوزراء وأعضاء القيادة القطرية وكيف كان يتم اختيار الوزراء حيث تلعب الدوافع الطائفية دوراً مهماً في قبول هذا أو ذاك والمناورات بين القياديين البعثيين "والأجواء البغيضة المليئة بالحساسيات والمناورات والتصرفات التي بدأت تنخر ببطء في الكيان العام لمفهوم الدولة والحكم في العراق وأدت إلى تجاوزات لا حدود لها على حريات الأفراد الأساسية ومؤسسات الدولة المتشعبة وضاعت في خضمها حرية الإبداع والتفكير السليم وأهدرت بسببها ضوابط الفصل بين السلطة التشريعية والتنفيذية..الخ" وهناك بغض مستفحل من الوزير القيادي (عضو في مجلس قيادة الثورة) ضد الوزير التكنوقراط غير القيادي الذي تكثر التقارير الحزبية ضده ولا يهدأ بال ذلك القيادي حتى يعفى الوزير من منصبه بصورة مفاجئة ولأسباب مختلفة." كذلك كراهية القياديين البعثيين لأصحاب الكفاءات وحملة الشهادات العالية وبأتي في المقدمة منهم في هذا المجال، طه الجزراوي الذي عرف فيما بعد بطه ياسين رمضان وهو كردي مستعرب ولأول مرة نعرف أنه يزيدي والذي يصفه المؤلف بحق "كان يتصرف كالذئب في وزارته وفي علاقاته العامة ولكنه ينقلب إلى حمل وديع عندما يخاطب صداماً". ويذكر المؤلف أمثلة كثير على معاناة أصحاب المؤهلات من التكنوقراط من دسائس القياديين أشباه الأميين، وخطرهم على الدولة.
وفيما يخص الممارسات الطائفية في القيادة، يقول المؤلف أنه كان يعتقد " أن من آمن بعقيدة حزب البعث، التي من أول مبادئها محاربة العشائرية والطائفية، لا يمكن أن ينجرف في دوامة التيارات العرقية والتحزبات المذهبية.. وبأن لا وجود لأية ممارسة طائفية في العراق، سرية كانت أم علنية". ويستنتج قائلاً: "كم كنت مخطئاً" ويذكر أمثلة كثيرة على ذلك.
فمن المعروف عن النظام أنه لم يكتف بالتنكر لمبادئ البعث المعلنة والتي يمكن القول عنها أنها كانت أكاذيب القرن، بل أعاد المجتمع العراقي إلى مرحلة ما قبل نشوء القومية والأمة والشعب، أي إلى المرحلة القبلية والعشائرية وحكم الأسرة.
ويكشف الكتاب عن العقلية الهابطة للوزراء العسكريين وجهلهم المفرط بسياسات الدول الغربية الديمقراطية وعلاقة هذه الحكومات بالمؤسسات غير الحكومية مثل الجامعات والمعاهد العلمية والصحافة وغيرها. ففي زيارة لوفد عراقي عام 1968، برئاسة المؤلف بصفته وزير التخطيط وعضوية خالد مكي الهاشمي وشفيق الدراجي والسفير العراقي في لندن كاظم الخلف إلى لندن واللقاء بوزير الخارجية البريطاني لتقوية العلاقة بين البلدين في ظل حكم البعث الجديد. وفي ختام الإجتماع، التفت الوزير البريطاني وتساءل عما إذا كان لدى الوفد تعليق أو ملاحظة يريدون إبداءها لينقلها إلى رئيس حكومته. أجابه رئيس الوفد بالنفي ولكن "انبرى خالد مكي الهاشمي ليقول للوزير البريطاني أن لديه احتجاجاً يود أن يسجله. وهذا الإحتجاج، يتعلق بالموسوعة البريطانية للمعارف الإنسكلوبيديا وما ورد فيها حول الأكراد في العراق وعن زعيم الحركة الكردية الملا مصطفى البرزاني.. وإن ما ورد في الموسوعة إنحياز للحركة الكردية ومعاد للعراق!!" ولما شرح له الوزير أن ليس للحكومة أي دور أو صلاحية بالتدخل في شؤون هذه المؤسسات العلمية التي تتمتع بإستقلال تام عن الحكومة، فلم يقتنع الهاشمي، لأنه اعتاد على العقلية البعثية والعسكرية في سيطرة الدولة على كل شيء في البلاد بما فيها المؤسسات الثقافية.
وفي لقاء مع عبد الناصر في القاهرة في آب/أغسطس 1969، وكان صدام قد اختير تواً كنائب لرئيس مجلس قيادة الثورة بدلاً من صالح مهدي عماش، ويسأل عبدالناصر عن صدام، ثم يقول للمؤلف: "... ولكن الواد صدام، إحنا عارفينو، ده طايش وبلطجي". كما يكشف المؤلف مدى حقد أحمد حسن البكر وصدام حسين على عبدالناصر فيقول أنه عندما عاد من زيارته للقاهرة قابل البكر وقدم تقريراً إيجابياً عن عبدالناصر، تأفف البكر قائلاً: " دكتور، أنت لا تعرف عبدالناصر. هذا الرجل كذاب، ولا يهدأ له حال إلا بالتآمر.."
ويتطرق المؤلف في الفصل العاشر بشيء من التفصيل عما سمي في وقته ب(مؤامرة عبدالغني الراوي) ويبدو أن جميع المعلومات التي طرحت وشاعت عن هذه "المؤامرة" كانت غير دقيقة، فلأول مرة يكشف الكاتب عن تفاصيل لم نكن نعرفها من قبل. ولا أريد التطرق إلى هذه التفاصيل، فهذه المراجعة السريعة ليست مكانها، كما لا أريد أن أفسد على القارئ متعة المفاجئات التي يتضمنها الكتاب وما أكثرها. كما ويتطرق المؤلف في فصل آخر عن مؤامرة ناظم كزار وملابساتها وخفاياها.
وهناك فصل خاص وبشيء من التفصيل عن تأميم النفط. ومما يجدر ذكره هنا هو حصة موسسة كولبنكيان البرتغالية والتي كانت تمتلك 5% من امتيازات نفط العراق. إذ يقول المؤلف: "وفي إحدى الجلسات الخاصة التفت صدام قائلاً: حزب البعث قد جاء إلى العراق ليحكم 300 سنة، ولكي يستمر في الحكم أو يعود إليه في حال سقوطه نتيجة انقلاب عسكري، فلا بد من وجود مصدر مالي ضخم لديه خارج العراق. نحن لا نريد أن نقع في أخطاء عام 1963 عندما سقط حكمنا وواجهنا صعوبات مالية كبيرة. إذاً، فكروأ لنا يارجال الإقتصاد في كيفية تخصيص عوائد حصة كولبنكيان المؤممة للحزب."
ويضيف الكاتب: "وبالفعل أصدر مجلس قيادة الثورة قانوناًً بقرار منه خصص بموجبه 5% من عوائد العراق النفطية للحزب تودع في حساب خاص في الخارج تحت إشراف صدام حسين."
وحسب تقديرات المؤلف فإن هذه العوائد وأرباحها المتراكمة لغاية 1990 تصل إلى 31 مليار دولار.
وهنا يكمن الخطر الأكبر الذي يهدد استقرار العراق الجديد ومستقبله. فلو تسنى لصدام أن ينجو بنفسه ويعيش خارج العراق متخفياً وراء أسماء مزيفة، فبإمكانه وبهذا المبلغ الضخم تحت تصرفه، أن يزعزع أي نظام في العراق، بل وحتى شراء حكومات ديمقراطية وغير ديمقراطية ومؤسسات في العالم. ومن هنا أيضاً، نعرف مدى أهمية العثور على هذه المبالغ الضخمة واستعادتها للشعب العراقي المحروم من أمواله الطائلة المبعثرة في المعمورة.
وفيما يخص العلاقة المتميزة مع فرنسا وكما هو معروف، فأن قرار التأميم استثنى الحصة الفرنسية من نفط الشمال ولكن ما يجدر الإشارة إليه كما يوضح الكاتب هو ".. أن الحكومة الفرنسية كانت على إطلاع دائم على المفاوضات التي كان يجريها العراق مع شركات النفط قبل التأميم، حيث كان السفير الفرنسي في بغداد يزوَّد بإستمرار بخلاصة عن تلك المفاوضات، كما أنه قد أخطر صباح اليوم الأول من حزيران/يونيو بقرار التأميم قبل إذاعته رسمياً".
ولعل هذه العلاقة المتميزة هي وراء جهود حكومة شيراك المستميتة في الدفاع عن نظام صدام حسين ومحاولته منع الحرب عليه والآن يسعى بوضع العراقيل أمام مجلس الحكم الإنتقالي من خلال الأمم المتحدة والمطالبة بإنتخابات عاجلة بحجة عودة السيادة الوطنية وإخراج قوات التحالف، الأمر الذي سيسهل عودة النظام الصدامي.
كما ويكشف الكاتب النقاب عن مدى تأثر صدام حسين بعقلية خاله خيرالله طلفاح، وسعيه المحموم في إحياء العشائرية والقبلية والأخذ بالنموذج السعودي في تركيز السلطة بيد الأسرة الحاكمة، تماماً كما في السعودية. وقد سمع المؤلف عن هذه الأفكار من خير الله طلفاح نفسه في لقاء معه فيقول: "و يبدو أن صداماً قد أخذ تدريجياً بنصيحة خاله.." حيث تحسنت العلاقة مع السعودية وتكررت الزيارات والإتصالات.. كما تركزت السلطة بعائلة المجيد التكريتية وإحياء أحكام العشائر في العراق التي ألغتها ثورة 14 تموز والتي تعتبر من أهم القرارات الحضارية.
كما وهناك شرح مفصل عن كيف استطاع صدام بشكل مبرمج أن يفرض قبضته الحديدية على جميع مرافق الدولة والحياة وبأساليب مافيوية غريبة لا تخطر على بال أحد إلا في أفلام الرعب الخيالية. والقرارات الكيفية في الإعدامات العشوائية وغالباً كانت أسماء الضحايا قد وردت بالخطأ ويرد المؤلف أمثلة على ذلك.
أما الطائفية فقد كانت تمارس بشكل علني ومنذ البداية. ويذكر المؤلف أمثلة عديدة بهذا الخصوص وعلى سبيل المثال لا الحصر، انه دخل مرة في مكتب حامد الجبوري، وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية.. فوجد فيه وزيرين آخرين هما الدكتور أحمد عبدالستار الجواري وزير التربية والفريق حماد شهاب وزير الدفاع... كانا في حديث عن محافظات العراق. "سمعت شهاب يقول للجواري أن جميع سكان المنطقة التي تقع بين المحمودية وجنوب العراق هم عجم ولا بد من التخلص منهم لتنقية الدم العربي العراقي." ويضيف المؤلف: "استغربت من كلام حماد شهاب وقلت له: فريق حماد، أنا من مدينة عين تمر التابعة لكربلاء، وحامد الجبوري من مدينة الحلة. فهل يعني أننا عجميان، أم أنك تقصد شيئاً آخر؟" وكتعبير عن احتجاجه، قرر المؤلف تقديم إستقالته إلى البكر الذي ما أن قرأها حتى علق قائلاً: "ألا تعرف حماد شهاب.. أنه لا يمثل أي إتجاه. حماد حمار" ثم مزق الإستقالة.
ويبدو أن عماش كان أقلهم طائفية، وربما لأن والدته كانت من الطائفة الشيعية، فيذكر المؤلف أنه (عماش) أراد إعادة تصنيف (الأضابير القديمة ذات الخيط الأخضر المتوارثة من العهد العثماني) وهي ملفات كبار موظفي الدولة المحفوظة لدى مديرية الأمن العامة. والغريب هو طريقة ترقيم هذه الملفات، فبعد رقم الملف يوجد خط مائل يعقبه الحرف (س) أو (ش) أو (ص) أو (م). وأوضح الأمر بالقول بأن الحرف الأول يعني "سنياً" والثاني "شيعياً" والثالث "صابئياً" أما الحرف الأخير (م) فيشير إلى أن الملف يعود إلى مسيحي.
أما البكر، فكان يجمع تناقضات كثيرة بين الطيبة والخبث وتقلبات حادة في المزاجية وتنفيذ كل ما يريده صدام وأن الإثنين، البكر وصدام كانا يكملان أحدهما الآخر.
وهكذا يلقي المؤلف الكثير من الضوء على هذا النظام الجائر الذي جاء على حين غفلة من الزمن وعاث في البلاد فساداً ودمر الإقتصاد وقتل وشرد الملايين من أبناء الشعب العراقي وأهلك الحرث والنسل خاصة بعد أن صعد صدام إلى قمة السلطة عام 1979 ودشن عهده بحمامات دم في قتل رفاقه. والسؤال المحيِّر هو: كيف استطاع صدام حسين المتخلف ثقافياً أن يسيطر على هذا الشعب بكامله ويروِّض الجيش وحزب البعث إلى مشيئته وطوع بنانه. فالبعثيون معروفون بشراستهم، ذئاب في علاقاتهم العامة، صاروا مثل الخرفان أمام صدام حسين. فما هو سر نجاح صدام في ذلك؟ أعتقد أننا نحتاج إلى بحوث من قبل علماء النفس والإجتماع في دراسة هذه الظاهرة الخطيرة والغريبة والنادرة والتي دفع الشعب العراقي ثمناً باهظاً بسببها.
صدام حسين في رأيي هو نتاج للآيديولوجية القومية التي هي تتحمل المسؤولية الكاملة فيما أصاب العراق خاصة والعرب عامة وذلك نتيجة لعدائها للديمقراطية إضافة إلى تبينها للطائفية في العراق. ولو لم يكن صدام لخلق الحزب شخصاً آخر يقوم بما قام به صدام. فهناك كثيرون لم يقلوا شراسة عن صدام مثل ناظم كزار وطه الجزراوي وعلي الكيمياوي وغيرهم، لأن هؤلاء هم نتاج الأيديولوجية الفاشية في كل مكان وزمان التي تقدس (القائد الرمز) و(القائد الضرورة) وترفعه إلى مصاف الألوهية. وقد حصل هذا في ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية. لقد كان صدام حسين هو الشخص المناسب للقيادة لأنه كان الأكثر شراسة من غيره والأكثر مؤهلاً لقيادة هكذا حزب. إنه أبشع نظام فاشي عرفه التاريخ، نظام تبنى أبشع ما أنتجه التاريخ من قسوة ضد البشرية وإبادة الجنس، استعار آيديولجيته من النازية الألمانية وطبقها بأساليب ستالينية.
أعتقد أن هذا الكتاب جدير بالقراءة وخاصة من قبل المهتمين بالشأن العراقي، ففيه الكثير من المعلومات التي لم تكن في متناولنا من قبل، كما ويبدو أن لدى المؤلف الكثير ليقوله لنا في المستقبل.
____________
الكتاب: مذكرات وزير عراقي مع البكر وصدام
المؤلف: د. جواد هاشم
الناشر: دار الساقي، بيروت ولندن، عام 2003