عبداللطيف هسوف
الحوار المتمدن-العدد: 1987 - 2007 / 7 / 25 - 01:55
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
حين أتأمل المشهد السياسي والحقوقي بالمغرب أجدني داخل دوامة يصعب علي فهمها والإمساك بكل خيوطها. أسترجع شريط الأحداث وأتذكر يوم كان المغاربة معارضون يقرؤون جريدة المحرر خلسة خوفا من عيون المخزن المتلصصة، ويرمون في صناديق الاقتراع الورقة ذات اللون الحجري ليفوز حزب الوردة رغم تزوير الانتخابات والسطو على أصوات المصوتين. المغاربة لم يكونوا أغبياء حينها، بل إنهم اختاروا الوقوف في صف المعارضة للتنديد بنظام كان يزج بأبنائه في غياهب السجون خلال مرحلة ما سمي بسنوات الحديد والنار. المغاربة كانوا دائما أذكياء. أذكياء؟ نعم أذكياء، لكنهم متسامحون حد البلادة في بعض الأحيان. كيف؟
هؤلاء المعارضون بالأمس أصبحوا يحكمون البلاد ليكتشف المغاربة أن لا شيئ تغير: البطالة في ازدياد مطرد، الفقر حدث ولا حرج، الأمية تتناسل، الرشوة لا تسأل... قلبوا الفيستة أصحاب المعارضة وتركوا المغاربة في سابق أحوالهم، بل أشد وأنكى. هذا ما يصطلح عليه عندنا: تقولبوا المغاربة أو هزوا القالب . ورغم ذلك تجد المغاربة متسامحين مع من يخونهم، يصفقون حين يتباكى عليهم وزير الاقتصاد الذي كانت انتقاداته لأحزاب الإدارة (أو أحزاب النظام) بالأمس تلهب حماسهم وتشفي غليلهم. أجمعوا على القول بعد أن صدقوا: مسكين وزير الاقتصاد لا يملك من بيته في حي الرياض سوى النصف، كيف يصير الأمر كذلك. وقد أوشك المغاربة، خصوصا الفقراء منهم، على القيام باكتتاب لصالح معارض الأمس ليجمعوا له بعضا من المال حتى تتسع ثروته ويليق بهم كوزير، إذ لا يعقل أن يكون وزير المالية من دون مال يكدسه في بنوك الداخل والخارج.
وماذا عن تلك الباقة من الشباب الذين دخلوا السجون بالأمس؟ بعضهم أصبحوا نخبة البلاد، ليس لأنهم يحملون فكرا نضاليا متميزا يقف إلى جانب الشعب ويسند مطالبه، ليس لأنهم يتوفرون على كفاءات علمية عالية، ليس لأنهم أهل للمسؤولية يقدرونها حق تقدير... ليس لهذه الأسباب مجتمعة أو حتى لواحد منها. أصبحوا نخبة لأنهم بدورهم قلبوا المعطف وتركوا مبادئ الأمس الجميل تشحب بين جدران السجون التي يعودون إليها لكسب مزيد من الدعاية أو لتصوير روبورطاج ملعون عن سنوات الجمر. وفوق حصولهم على المناصب وشهرة المناضل الذي سجن ، تجدهم لا يتأففون وهم يقفون في طابور التعويض عن الضرر، تلك السنة الملغومة التي سنتها هيئة الإنصاف والمصالحة. لكن، كل هؤلاء المتنطعون الذين استفادوا من المناصب والتعويضات وشربوا من مغرفة النظام المخزني، بل أصبحوا جزءا منه، كلهم في وادي وأبطال المغرب الحقيقيين الذين لا يبحثون عن مجد ولا عن شهرة في وادي آخر.
للأسف نلاحظ أن يسارنا في المغرب أفرز لنا صنفين من البشر: كائنات غريبة تتاجر اليوم في نضال الأمس وتستغل أبشع استغلال شرعية تاريخية مزعومة، وأبطال، قد لا يعرف المغاربة جلهم، لأنهم شرفاء نأوا بأنفسهم عن هذا اللغط الذي لا يفضي سوى للكذب على المغاربة.
#عبداللطيف_هسوف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟