عاطف سلامة
الحوار المتمدن-العدد: 1987 - 2007 / 7 / 25 - 11:08
المحور:
القضية الفلسطينية
حالة جديدة باتت تتشكل في قطاع غزة بعد سيطرة حركة حماس عليه في الرابع عشر من حزيران الماضي، ودخلت الأزمة مرحلة جديدة مفتوحة على كل التدعيات الخطيرة ، فالمجتمع الدولي من جهته لم يتعامل مع المتغيرات إلا في إطار إنساني للسكان في قطاع غزة ؛عبر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" ،فهي الوسيط الذي يعمل على توصيل المواد الغذائية والمواد الطبية.
إسرائيل من جهتها أحكمت إغلاق القطاع ،ولم تسمح إلا بدخول بعض المواد الغذائية الأساسية... والدول العربية ليس لها أي تمثيل رسمي أو سياسي في قطاع غزة ،حيث نقلت القاهرة سفارتها إلى رام الله وأصبح الكل الفلسطيني يغني على ليلاه بينما يقف العالم متفرجا على ما يجري في القطاع.
حالة قطاع غزة لن تبقى على حالها كونها اتخذت منحا مختلفا في النظام السياسي ..فما هو مصير قطاع غزة بعد الحسم العسكري الذي قامت به حركة حماس ؟
نذكر مجموعة من السيناريوهات أو الانعكاسات المحتملة :-
سيناريو1: إدخال أطراف أخرى
تكريس الفصل وعدم التعامل أو التعاطي مع حركة حماس بعد الحسم العسكري في الرابع عشر من حزيران الماضي ، وهو القرار القديم الجديد (الذي اتضح منذ فوز حماس في الانتخابات التشريعية يناير 2006 ) وبالتالي عزل حماس عن العالم الخارجي وإبقائها في غزة عن طريق إغلاق المعابر وتشديد الحصار ...وغيره , وذلك بمشاركة مصر والأردن في التطبيق ،مع إدخال بعض المساعدات للشعب الفلسطيني.
ومن جهة أخرى الإبقاء على المؤسسات في الضفة الغربية كعنوان لوجود سلطة فلسطينية، ففي الضفة وكما يعرف الجميع لا يوجد مشروع سياسي وإنما مشروع اقتصادي (عبر مدّها بالأموال لإقامة مشاريع اقتصادية تميزها عن غزة القابعة تحت سلطة حماس) وذلك سيستمر إلى أن تنتهي إسرائيل من خطة الفصل بشكل كامل ، وبعدها يبدأ الدور الأردني في الضفة تحت أي مسمى (سمي ما شئت !) , وبهذا تكون إسرائيل قد استولت على الضفة الغربية بشكل نهائي وتعاملها سيكون بالأساس مع الأردن ، وتكون قد أخذت الأرض (القرى والمساحات الزراعية الواسعة) وأبقت السكان بدون أرض ...وحينها يبدأ التقاسم الفلسطيني الأردني ،بحيث يقدم الفلسطينيون الخدمات (ماء – كهرباء- مشاريع خدمية ..الخ)مما ينعش الضفة اقتصاديا ويميزها عن غزة ،في حين تدير الأردن الحياة السياسية والتنسيق مع إسرائيل ،ويمكن أيضا أن تتحكم في حركة سكان الضفة الغربية عن طريق إصدار التصاريح وجوازات السفر و..غيره .
سيناريو2 : انهيار السلطة
لو تحدثنا هنا عن مشكلة السيادة لمن ؟ نقول :"أن دولة الاحتلال لا تمتلك سيادة داخل قطاع غزة ، وحتى داخل المدن الفلسطينية في الضفة ، وإنما الشعب الفلسطيني هو صاحب السيادة ، أما الاحتلال فمن جهته يمارس السلطة وليس السيادة "سلطة الاحتلال" ،فهو على أرض الواقع غير موجود في قطاع غزة ، والسلطة (الشرعية) غير قادرة على فعل شيء في القطاع.
والنتيجة ، في قطاع غزة حصار وقطيعة ولا معابر و(..) وفي الضفة مراسيم ومراسيم ..قد يستفيد من بعضها الاحتلال ..ويستغلها لتسهيل معاملات ولقاءات مع الفلسطينيين .علما بأن ما حدث في القطاع هو نتاج صنيعة سلطة الاحتلال , إذن يوجد احتلال يمارس أبشع الأساليب لتكريس الفصل بين الضفة والقطاع .
في السابق واليوم ، السلطة لم تكن قادرة و(فاسدة) وحلّها بعيد المنال
وبما أن حل السلطة لن يكون ،أو على الأقل غير وارد ..فبالإمكان في ظل ظروف صعبة وقاسية تمر بها كالتي نتابعها اليوم أن تنهار .
وبهذا فإن (انهيار) السلطة سينهي حالة الفوضى ،لأن الفوضى جاءت للمكاسب والمغانم الموجودة أصلا من وجود السلطة , فإن لم يعد هناك مكاسب ومغانم فلا ضرورة للصراع على السلطة ...وحينها سيعود الفلسطينيون إلى الصدراة أمام العالم , وحينها لن يكون هناك أي خوف من سيطرة فصيل على آخر !! ففتح كانت مسيطرة وفازت حماس في انتخابات يناير 2006. لذا نقول لا بد من وضع سيناريو حل السلطة لتتحمل إسرائيل مسئولياتها أمام العالم كدولة محتلة، إضافة إلى تحمل العالم مسئولياته .
سيناريو 3 : إبقاء الوضع على ما هو
إبقاء إسرائيل للأوضاع على ما هي عليه وتعزيز حالة الانقسام بينه وبين الضفة الغربية والاكتفاء بالتعامل مع قطاع غزة من الناحية الإنسانية والحصول على التهدئة من حماس مقابل ضمان دخول المواد الأساسية وعدم إحكام الإغلاق ,وبالتالي تعفي إسرائيل نفسها من أي تحركات سياسية نحو التسوية , وإذا ما ظل الوضع على ما هو عليه فإن أضعف المواقف سيكون الموقف الفلسطيني خلال انعقاد المؤتمر الدولي الذي دعا إليه الرئيس الأمريكي "جورج بوش ".
سيناريو 4: الحسم العسكري
وهو دخول قطاع غزة بالقوة العسكرية على الخط لتغيير الواقع في قطاع غزة من خلال التضخيم المستمر لقوة حركة حماس وتعاظمها وخطورة سيطرتها وقوتها العسكرية في القطاع مما يهدد أمن الدولة العبرية مستقبلا ،وهي فرصة لوزير الدفاع الجديد "إيهود باراك" للانتصار لكرامة الجيش الإسرائيلي وهزيمته في لبنان...لكن ذلك ليس بالأمر الهيّن ؟!
كما أن استمرار الضغوطات على الفلسطينيين في قطاع غزة قد تدفعهم نحو القاهرة بعد إزالة الحدود بين الطرفين ,وهو ما تخشاه مصر التي أعلنت حالة الطوارئ على طول الحدود بينها وبين القطاع ودفعت بالمزيد من التعزيزات وزادت من تواجدها الأمني.
سيناريو5 : الحماية الدولية
ماذا لو تم وضع الضفة والقطاع تحت وحماية دولية ؟ وهذا الخيار قد تم طرحه من العديد من المراقبين والباحثين ,ما يعتبر كخيار بديل (الفرضية المعاكسة) .
لنسأل ..ماذا لو لم تتصارع حركتي فتح وحماس ؟, وتنتصر حماس!
هل كانت إسرائيل ستعلن أن القدس ليست عاصمة أبدية لها ؟!
هل كانت إسرائيل ستتوقف عن خطتها نحو الفصل الكامل ؟!
هل كانت إسرائيل ستسمح للاجئين بالعودة ,على الأقل للضفة والقطاع ؟!
هل كانت إسرائيل ستسمح بقيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967
إذن، سواء تصارعت فتح وحماس أو لم يتصارعا ،فالسيناريو الإسرائيلي يسير باتجاه واحد.
فالسيادة ليست للفلسطينيين وليست للجنة الرباعية , وليست لفتح أو لحماس
السلطة لإسرائيل كدولة محتلة ,لأنها الوحيدة التي تستطيع إعطاء شهادة تأهيل بأن الفلسطينيين قادرين على إدارة أنفسهم أم لا !
وعليه نطرح السؤال التالي :" أيهما أفضل ،أن تكون السيادة لحماية دولية أم لإسرائيل ؟؟
إذا أجبنا على السؤال بالإيجاب ،فحينها تأتي السيادة المؤقتة للأمم المتحدة إلى فترة محدودة، بعدها يكون الحل النهائي, وإن لم يحدث ذلك فلن تكون دولة فلسطينية ,وستزداد الإشكاليات والمصادمات
مثال: كمبوديا بعد الوصاية الدولية نالت استقلالها .
مثال: موزمبيق/ جمهورية الكونغو الشعبية الديمقراطية ،بعد الوصاية الدولية نالت استقلالها .
مثال: كوسوفو سيعلن استقلالها عاجلا أم آجلا لأنها تحت الوصاية الدولية الآن .
المقترح العملي للسيناريو:
- تتوافق جميع القوى الوطنية والإسلامية ،و(المتنازعة منها) على الحماية الدولية للأمم المتحدة لمدة
- إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل قيام السلطة الفلسطينية .
- وبعدها تشارك كل من مصر والأردن والفصائل الفلسطينية المختلفة بالإضافة إلى الرباعية الدولية في وضع الجدول الزمني ,لتقام بعدها الدولة الفلسطينية كما أقرتها قرارات الشرعية الدولية والأمم المتحدة.
يبقى هذا السيناريو صعب التحقيق كون الحماية ستعتبرها بعض الفصائل كقوات عدوانية. ولا يوجد توافق دولي حول إرسالها بعد (في حين أنها كانت مطلبا فلسطينيا في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات) وإسرائيل هي التي كانت ترفضها ،لأنها لن تقبلها إلا إذا كان استقدام قوات (على غرار اليونيفيل) المتواجدة على الحدود بين لبنان وفلسطين، بمعنى قوات فصل على حدود قطاع غزة فقط , ولن تسمح باستقدام قوات دولية في الضفة الغربية.
وكون إسرائيل تتحسب دوما للعامل الديموغرافي الفلسطيني ،فستكون حريصة كل الحرص على وجود سلطة فلسطينية (حتى لو كانت وهمية ) وذلك لتشرّع لنفسها أمام العالم (الترانسفير القانوني)... إذن إسرائيل معنية بوجود سلطة.
إذن نحن أمام سيناريوهات مخيفة إذا ما ظل الخصمان على رأس الشجرة وأبيا أن ينزلا ,بينما إسرائيل تعمل على تطبيق برنامجها الذي رسمه أرئيل شارون وبدأه بالانسحاب من غزة .. فهل سيلتقط الفرقاء الفرصة الأخيرة والجلوس للحوار لإنقاذ غزة والضفة أم أن حزبيتهم أحب إلى قلبهم من فلسطين ,وتعنتهم لن يجعل أي منهم أن يتنازل إلى الآخر؟!
#عاطف_سلامة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟