|
قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي- 3
جاسم الحلوائي
الحوار المتمدن-العدد: 1986 - 2007 / 7 / 24 - 11:36
المحور:
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
7 يعرض الكاتب سباهي قضية هامة وخطيرة جداً، وهي مفهوم الدولة، على لسان الرفيق فهد في حواره مع الرفيق محمد علي الزرقة بإعتبار أن هذا المفهوم احدى المسلمات الماركسية التي تحافظ على صحتها حتى الآن، وذلك لعدم تعليق الكاتب عليها أو على رأي الزرقة الذي إعتبر آراء الرفيق فهد في هذا الصدد قوية وحكيمة، وإنها لم تبهره فقط، بل أدهشته. فيورد الكاتب في الصفحة 221 وما يليها من الجزء الأول ما يلي:
"قال: (فهد) أحسنت، فهي (الدولة) إذن بقوانينها وأنظمتها.. ليست أكثر من مقرعة تقرع ظهور العمال والكادحين. تنظم المجتمع وتديره للوصول الى هذا الهدف الذي يدعم سلطتها ويحميها .. الم تكن كذلك في جميع العصور، منذ ظهور الملكية الخاصة وإنقسام المجتمع الى طبقات مالكة (أي حاكمة) وطبقات مستغلة (أي محكومة)، الدولة مجرد عصا بيد الحكام؟
اليست القوانين والقواعد والمؤسسات أسلحة لها..لا تتردد عن استخدامها في حروبها.. (في صراعها الطبقي)..هذه هي مهمتها الأساسية.وهي ـ إذن ـ ليست للمجتمع ـ لكل المجتمع ـ كما يقول كتابك الكبير [الكتاب الذي كان يدرس فيه محمد علي الزرقة علم الإجتماع في دار المعلمين العالية لمؤلفه ماكس ويبر. جاسم].. بل لخدمة الطبقة الحاكمة."
هذا المفهوم هو مفهوم ماركسي ـ لينيني قديم للدولة كان شائعا في وقته لدى الشيوعيين. إنه مفهوم مختزل ومبتسر، ولذلك لا يصلح العرض المذكور للتثقيف به في الوقت الحاضر، إذ من شأنه إثارة البلبلة في حزب يؤمن بالتداول السلمي للسلطة، ويساهم في حكومة غير عمالية. كان من المفروض الإشارة الى نواقص ذلك المفهوم من قبل سباهي وفقا لوعينا الآن، وكذلك التعرض لمفهوم الدولة الصحيح والجديد، الذي يأخذ بنظر الإعتبار أيضا تطور وظائفها في العقود الأخيرة، خاصة بعد تمردات وإنتفاضات الطلبة والعمال والنساء ضد مساوئ النظام الرأسمالي في نهاية الستينيات من القرن الماضي. هذه الإحتجاجات التى عمت اوربا وشملت حتى امريكا، وفرضت على الدول الديمقراطية تطبيق الضمان الإجتماعي والصحي بشكل شامل وثابت بفضل نضالات الجماهير وبفضل الإستقلال النسبي التى تتمتع به الدولة بطبيعتها عن الطبقة الحاكمة، فالدولة تعتبرالقاسم المشترك لكل مواطني الدولة المعنية. وتتأثر درجة إستقلالها بطبيعة سلطة الدولة وتوازنات القوى الطبقية وطبيعة العلاقات المتبادلة بينها، إضافة الى تأثرها بالمحيط الخارجي أيضا .
وقد تناولت مسألة الدولة الوثيقة المعنونة "خيارنا الاشتراكي: دروس من بعض التجارب الاشتراكية"، التي أجاز المؤتمر الثامن المنعقد في أيار 2007 نشرها لمواصلة النقاش حولها في مختلف وسائل الإعلام، بعد أن كانت وثيقة للمناقشة الداخلية قبل المؤتمر، وهي تلقي الضوء على موضوع الدولة. وقد جاء فيها:
"ثمة حاجة أكيدة إلى مراجعة الفهم الأحادي للدولة كجهاز وآلة للعنف بيد الطبقة المسيطرة، تأخذ بعين الاعتبار وظيفتها السياسية الشاملة التي تسعى إلى تحقيق ترابط مستويات التشكيل الاجتماعي وإعادة إنتاج الأوضاع القائمة لمصلحة الطبقة المسيطرة أو الائتلاف الطبقي الحاكم، وهي بذلك تلعب دور المنظّم للهيمنة وتمتلك تماسكاً داخلياً خاصاً بها يعطيهاً استقلالاً نسبياً عن البنى الاقتصادية والطبقات والفئات الاجتماعية المسيطرة. و يتيح هذا الاستقلال النسبي للدولة ضبط التناقضات الثانوية بين الفئات الطبقية المسيطرة. لكن دور الدولة يتنامى ويصبح مستقلاً عن الطبقات في الفترات التاريخية التي لا يسمح فيها ميزان القوى القائم لأي طبقة أن تفرض سلطتها بصورة مستديمة. ويحتمل شكل الدولة تغيرات هي من نتاج وأثر الصراع الطبقي السياسي، وقد أفلحت النضالات السياسية والطبقية للطبقة العاملة وجماهير الشغيلة والفئات التقدمية في البلدان الرأسمالية فى انتزاع مكاسب واسعة على صعيد الحريات والديمقراطية وتكريسها حقوقياً ودستورياً. وتُعدّ هذه المكتسبات تقدماً هائلاً من وجهة نظر النضال ضد الرأسمالية تتيح إمكانيات جديدة لتطويره. غير إن ممارسة الحقوق الديمقراطية تبقى مقيَّدة بالامتيازات والمصالح الطبقية لرأس المال. وفي الظروف القائمة لا يطرح المشروع الاشتراكي التفريط بهذه الحريات والحقوق وفق مفهوم "تحطيم" جهاز الدولة البرجوازي، وإنما يهدف، بالنضال الذي يستحثه، إلى تطويرها وإغناء مضامينها بتحريرها من قيود المنطق الرأسمالي ومصالح وامتيازات الطبقات المسيطرة. ويمكن، على المدى البعيد، أن يتلازم اضمحلال دور الدولة مع التسيير الذاتي للمجتمع."
لست في معرض مناقشة وتدقيق ماجاء في المقتطف، فذلك خارج الصدد الآن. ولكنني أود الإشارة بأن الحاجة لإعادة النظر في الفهم الخاطئ للدولة لم تنشأ الآن، بل منذ زمن بعيد وبعيد جداً. لقد كانت مسألة الدولة في جدول عمل ماركس لدراستها دراسة شاملة بعد إنتهائه من كتاب رأس المال، ولكن الأجل وافاه حتى قبل إكمال هذا الكتاب.
8 إن الفصل العاشر من الجزء الأول من مؤلف سباهي يعالج نشاط الحزب بين الجماهير وتنظيماتها النقابية والديمقراطية في أوساط العمال والفلاحين والطلبة والنساء خلال العقد الرابع من القرن الماضي، اي بعد إعادة بناء الحزب وفي أوج نشاط الرفيق فهد وقيادته له. وعنوان الفصل هو "قووا تنظيم حزبكم...قووا تنظيم الحركة الوطنية". وأعتقد بأن هذا العنوان غير موفق لعدم تطابقه ومحتوى الفصل.
هذا الفصل غزير بالمعلومات عن النقابات العمالية التي تأسست في العراق. فقد اجيزت بين عامي 1944 ـ 1945 ستة عشر نقابة عمالية بينها نقابتي عمال السكك والميناء والتى تضم أكبر التحشدات العمالية وكانت قيادة 12 منها بيد الشيوعيين في بداية الأمر وقيادة جميعها لاحقا ً. واستمر ذلك الوضع حتى نهاية العقد التالي .(1) والفصل غزير بالمعلومات عن جميع الإضرابات العمالية المجيدة التي شملت جميع المؤسسات التي يعمل فيها العمال في جميع مناطق العراق في تلك السنوات التي شهدت نهوضاً عمالياً منقطع النظير، مع عرض تفصيلي لأشهر إضرابين في تلك الحقبة التاريخية، ألا وهما:
1ـ أضراب عمال السكك الحديدية الذي وقع في نيسان عام 1945. وقد قامت الحكومة على اثر ذلك بإلغاء إجازة النقابة وشنت حملة إرهابية ضد العمال فقطعت الماء عن أكواخهم وهدمت بعضها وطاردت النشطاء من المضربين وإعتقلت بعضهم وهددت بجلب عمال هنود ليحلوا محل العمال العراقيين! ولكن العمال صمدوا ولم ينهوا إضرابهم إلا بعد أن وعد الجنرال سميث بزيادة اجورهم وإعادة بناء البيوت المهدمة وإعادة فتح النقابة. وعاد العمال الى الإضراب ثانية في شباط من عام 1946، بعد أن نكثت الإدارة البريطانية بوعودها وشنت حملة واسعة لطرد وملاحقة العمال النشطين.
2ـ أضراب عمال النفط في كركوك والذي اشتهر ﺑ"إضراب كاورباغي" الذي حصل في تموز من عام 1946. استمر الإضراب اثني عشرة يوما. وكان العمال خلالها يقيمون الإجتماعات والمسيرات ويتولى الخطباء فيها فضح السياسة الإستعمارية والنهب الذي تمارسه شركات النفط. ولذلك جن جنون السلطة وشركة النفط ودبرت مجزرة للعمال المضربين، الذين كانوا يجتمعون في بستان كاورباغي بعيداً عن المدينة، وذلك في 12 تموز، راح ضحيتها 16 قتيلا و27 جريحاً. لقد أثار نبأ المجزرة المروعة مشاعر السخط لدى جماهير الشعب في البلاد كلها ، ودفع مختلف الأحزاب السياسية الى الإحتجاج والمطالبة بتنحية حكومة أرشد العمري. ولم يخفف من مشاعر السخط زيادة اجور العمال ولا إستقالة وزير الداخلية عبد الله القصاب الذي إعترف بأن العمال "لم يقوموا بأية حركة تستدعي إصدار الأوامر لتفريقهم، وإطلاق الرصاص عليهم، تلك الأوامر التي يستنكرها كل ذي ضمير حي ". (2)
ويستنتج سباهي، ضمن ما يستنتج من الإضرابات العمالية في الحقبة المذكورة ما يلي:
".. إلا أن هذه الإضرابات كانت مدرسة لإشاعة الوعي السياسي والنقابي الواسع بين العمال، ورفعت لديهم الإحساس بضرورة التضامن الطبقي الى مستويات أعلى بكثير مما كانت تبديه الطبقة العاملة من قبل، كما أن هذه الإضرابات قد قدمت مساهمتها الهامة في المعركة السياسية التي خاضتها القوى الوطنية ضد الحكومات الرجعية ومن ورائها الإستعمار وأكسبت الجماهير تجارب غنية في النضال نفعتها في معاركها المقبلة من بعد. إن الذين يفكرون بمجرد حساب الربح والخسارة فيما تحققه الحركة الإضرابية من منافع مادية أو ما يعرف ﺑ" الإختيارات العقلانية" على غرار ما تفعل النقابات العمالية في الدول الرأسمالية العريقة، يسقطون من حساباتهم أن ظروف النضال الثوري في العراق لم تخضع أبدا الى حسابات كهذه، ليس لأن الشيوعيين العراقيين لا يعيرون الإهتمام لحسابات كهذه، وإنما لأن العدو الطبقي ظل يرفض الأخذ بمثل هذا المبدأ، ويلجأ دائما الى العنف والإرهاب لتحطيم أي حركة معادية." (خط التشديد مني. جاسم)
إنني أتفق مع هذا التقييم للإضربات العمالية في تلك الفترة التاريخية، ولكن لا أتفق مع الكاتب في تقييمه الذي يذكره في نهاية الموضوع والمتناقض مع التقييم في أعلاه، وهو:
"إن العقلية المتشددة في الحزب التي كانت تقيس الأمور بالمقاييس الستالينية يومذاك، التقت بمزاج حاد ولـّده البؤس والإضطهاد الذي لم ينقطع طوال سنوات الحرب العصيبة والذي عاناه العمال، وكانت حصيلة هذا الإلتقاء إضرابات عنيفة لا تقبل بالمساومة بسهولة."
أين هو العنف في الإضرابات؟ لنأخذ الإضرابين الأكثر شهرة في تلك الحقبة. فاللجنة التي شكلت برئاسة الدكتور سامي شوكت، المعروف بنزعته الفاشية المعادية للعمال وبإرتباطاته القديمة بدول المحور، رفضت الدخول في أية مفاوضات قبل أن ينهي عمال السكك إضرابهم. وقد عاد العمال للعمل وأنهوأ إضرابهم ليس بناء على إتفاق، بل بناء على مجرد وعود. فأين هو العنف أو التشدد من جانب العمال. أما إضراب كاورباغي، فشهادة وزير الداخلية التي مر ذكرها دليل قاطع على إبتعاد العمال عن العنف.
أما قيادة الحزب فلم تكن متشددة في الإضرابات عموماً. ويذكر الباحث حنا بطاطو في هذا الصدد ما يلي:
" وكانت شرعة (3) النقابة متوافقة مع السياسة الشيوعية السارية المفعول يومها، والتي لم تسمح بأكثر من الأشكال السلمية للنضال الإجتماعي، والتي إستبعدت بشدة أي نزاع مباشر مع الدولة." (4)
ويبدو بأن الحزب لم يكن متجاوباً مع رغبة عمال السكك في الإضراب، وإستجاب في الأخير لرغبتهم خشية إنعزاله عن القاعدة العمالية، حيث يشير بطاطو الى:
" وفي الوقت نفسه، خفف الحزب من حدة مطالب النقابة وشكاواها أو هو كبحها... ولكن مأزق عمال السكك الحديدية كان واقعا قائما، وحقيقيا جداً، وكان لإستمرار الجمود أن يفقد الحزب نفوذه." (5)
إن النقص الذي لم يشر اليه الرفيق سباهي في عمل الحزب في النقابات العمالية وكذلك في جميع المنظمات المهنية والديمقراطية في تلك الفترة، والذي استمر لاحقا أيضا، كان يكمن في نزعة الحزب في الهيمنة على المنظمات الديمقراطية والمهنية والإنفراد بقيادة الجماهير الشعبية. ولم تكن هذه النزعة طارئة وإنما كانت من صلب أيديولوجية الحزب والحركة الشيوعية العالمية آنذاك. وإن الحرص على مبدأ وحدانية المنظمة الديمقراطية أو المهنية الذي كنا ندافع عنه يصب في هذا الإتجاه. إن هذه النزعة كانت موجودة في المواد الخمسة الأولى من النظام الداخلي القديم، التي كنا نشرحها للعناصر الجديدة قبل ضمها للحزب. فالحزب، حسب النظام الداخلي القديم، هو هيئة أركان حرب الطبقة العاملة فهو قائد النقابات العمالية والمنظمات الديمقراطية بدون منازع.
ويذكر الرفيق فهد في كراس البطالة ما يلي:
" ولكي تستطيع نقابات العمال من القيام بالواجبات المترتبة عليها، عليها أن تكون منظمات عمال مجاهدة بنظرياتها وقياداتها وتنظيماتها. عليها أن تستنير بأحدث النظريات العلمية المستمدة من مصالح الطبقة العاملة والمجربة في بودقة نضالها الطبقة العاملة، النظريات التي تكشف عن العوامل، الظاهرة والمستورة التي تسير المجتمع... [ نظريات ماركس، أنجلز، لينين، ستالين. الكاتب ] عليها أن تسند قيادتها الى أيدي عمال واعين طبقيا، محنكين، مدربين، متسلحين بنظريتها...الخ " (6)
ونزعة الهيمنة على النقابات هي تطبيق أمين لما جاء في المادة التاسعة من شروط الأممية الثالثة الداعية الى" كسب النقابات الى جانب الشيوعية "
وقد جرى تعديل مواد النظام الداخلي التي مر ذكرها في المؤتمرين الوطنيين الثاني والثالث للحزب. وبدأ الحزب بالتخلص من هذه الأيديولوجية منذ مؤتمره الوطني الخامس "مؤتمر الديمقراطية والتجديد" حيث ثبت في نظامه الداخلي الجديد حرصه على إستقلالية المنظمات النقابية والمهنية والإبداعية وغيرها.
9 في نفس الفصل العاشر وتحت عنوان "إمتداد نشاط الحزب الى الريف، يستهل الكاتب الموضوع بإنتقاد الحزب فيذكر ما يلي:
"من الأمور التي تجلب الإنتباه حقا تأخر الحزب بشكل ملحوظ في هذه الفترة عن الإهتمام بالمسألة الزراعية والعمل الفعال بين الفلاحين في بلد تؤلف المسألة الزراعية فيه واحدة من القضايا الأساسية إقتصادياً وسياسياً وثقافياً، وجل سكانه آنذاك من الفلاحين."
أتفق مع الكاتب، وأضيف سببا آخر، وهو نظري، الى جانب الأسباب العملية المذكورة، التي لا تبرر للحزب تأخره في هذا الميدان، الا وهو مسألة تحالف العمال والفلاحين التي تعتبر حجر الزاوية في الثورتين الديمقراطية والإشتراكية. هذه الموضوعة التي تشغل مكاناً مرموقاً في التعاليم الماركسية ــ اللينينية، وتدرس في المدارس الحزبية، في موضوع تاريخ الحزب الشيوعي السوفيتي، وفي كتاب لينين المشهور "خطتان للإشتراكية الديمقراطية في الثورة الديمقراطية". ولابد أن الرفيق فهد قد درس ذلك. ولكن تأخر إهتمام الحزب نسبياً في هذا الميدان يغدو مفهوما عندما يورد الرفيق سباهي مبررات ذلك والتي سنأتي عليها. ولكن ما هو غيرمفهوم هو إستعراض سباهي لأسس البرنامج الزراعي المطلوب آنذاك وفقا لمعارفنا اليوم! فهو يذكر ما يلي:
"ومع ذلك، فإن محاولات تحديد طابع النظام السائد في الريف هذه [الذي ورد في التقرير السياسي الذي القاه الرفيق فهد في الكونفرنس الأول الذي إنعقد في عام 1944. جاسم] لا ترقى الى مستوى الدراسات الضرورية التي كان يتعين وضعها. فهي لا تغطي مشكلات الزراعة والريف عامة وبترابط عضوي وهي كثيرة التنوع، ولا تحدد خصائص النظام التي تميزه عن النظم السائدة في ارياف البلدان المجاورة مثلا، ولا تلتفت الى مسألة التمايز بين الفلاحين الذي كان قد بدأ بحكم إتساع العلاقات السلعية في الريف، ولم تعالج أثر العلاقات القبلية في التضامن الطبقي في الريف وإن كان قد انتبه الى ما يجري عليه من تطور، ولم يسع الى البحث عن أشكال التباينات التي تمليها أوضاع الزراعة المتنوعة وأثرها في مواقف الفلاحين. لقد كانت هناك حاجة ملحة حقا الى دراسة ما آلت اليه أوضاع الريف بتفصيل كبير وفق المناطق المختلفة ومعاينة الأبعاد التى إنتهى اليها تطور ملكية الأرض بغية تحديد الشعارات الملموسة والسياسات الضرورية... ولماذا لم يرفع (الحزب) شعار تأميم الأرض؟". (7)
وبعد هذا الإستعراض لنظرتنا الراهنة في المسألة الزراعية والحركة الفلاحية يعود الكاتب لمبررات تأخر الحزب النسبي في المسألة الزرعية في تلك الفترة فيذكر ما يلي:
"الحق، إن الحزب في ظروف النضال القاسية التي واجهها بمحدودية طاقته المؤهلة نظريا وضآلة روابطه بالريف ما كان بوسعه أن ينهض بمهمة واسعة ومتشعبة الجوانب كهذه آنذاك، ويزيد في صعوبتها فقر الدراسات العلمية على مستوى البلاد وندرة الإحصائيات أو إنعدامها في الجوانب التفصيلية، والتخلف المريع في المواصلات والأمن في الريف... كما أن صراعاته الداخلية قد استنفدت كثيرا من جهده. ومع ذلك، وحيثما أمكن أن يتخفف من الأعباء الإضافية وتوفرت لديه الإمكانات إتجه الى دراسة أوضاع الريف ومد النشاط اليه". (8)
وهكذا، فالفقرة الأخيرة تنسف ما قبلها وتضع القارئ في حيرة من أمره أمام هذا التناقض.
(1) المعلومات الواردة في الفقرة الثامنة مستقاة من نفس الفصل العاشر من الجزء الأول من الكتاب موضوع البحث. (2) من كتاب استقالة عبد الله القصاب، وزير الداخلية في حكومة أرشد العمري. عبد الرزاق الحسني، تاريخ الوزارات العراقية، الجزء السابع ، ص124. إقتبسه عزيز سباهي. الجزء الأول، ص261. (3) المقصود بشرعة النقابة هو النظام الداخلي لنقابة عمال السكك الذي أقره مؤتمرهم الأول والمنعقد في 7 تشرين الثاني من عام 1944 والذي حضره 64 مندوبا يمثلون 1692 عضوا، أي 6 ، 17 بالمائة من كل عمال السكك الحديدية. وسار كل شيء حسب خطط الحزب وحساباته.أنظرحنا بطاطو، الكتاب الثاني. "الحزب الشيوعي العراقي". ص277. (4) المصدر السابق نفس الصفحة. (5) المصدر السابق نفس الصفحة. (6) كتابات الرفيق فهد. دار الفارابي ـ بيروت، الطريق الجديد ـ بغداد ض 212 ـت 213. (7) عزيزسباهي "عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي" الجزء الأول. ص266. (8) سباهي نفس المصدر السايق. ص257.
يتبع
#جاسم_الحلوائي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق
...
-
قراءة في كتاب عزيزسباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق-
...
-
تعليق على مقال - كيف عشت الحقيقة -
-
هل كانت تحالفات الحزب الشيوعي العراقي كارثية؟
-
حسن عوينة مناضل .. يُقتدى
-
كتاب - لحقيقة كما عشتها
-
التراث الإشتراكي في مشروع برنامج الحزب الشيوعي العراقي
-
حول تغيير إسم الحزب الشيوعي العراقي
-
ملاحظات على مشروع برنامج الحزب الشيوعي العراقي
-
ملاحظات على مشروع النظام الداخلي للحزب الشيوعي العراقي
-
رسائل عزيزة
-
نبذة مختصرة عن مدينة كربلاء
-
سنوات بين دمشق وطهران ( 6 )
-
سنوات بين دمشق وطهران 5
-
سنوات بين دمشق وطهران 4
-
سنوات بين دمشق وطهران - 3
-
سنوات بين دمشق وطهران - 2
-
سنوات بين دمشق وطهران - 1
-
في الذكرى الثانية والسبعين لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي
-
الديمقراطية في الحزب الشيوعي العراقي
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها
/ عبدالرزاق دحنون
-
إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا )
/ ترجمة سعيد العليمى
-
معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي
/ محمد علي مقلد
-
الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة
...
/ فارس كمال نظمي
-
التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية
/ محمد علي مقلد
-
الطريق الروسى الى الاشتراكية
/ يوجين فارغا
-
الشيوعيون في مصر المعاصرة
/ طارق المهدوي
-
الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في
...
/ مازن كم الماز
-
نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي
/ د.عمار مجيد كاظم
-
في نقد الحاجة الى ماركس
/ دكتور سالم حميش
المزيد.....
|