|
الدين والدولة .. قراءة في الواقع العربي
حسين علي الحمداني
الحوار المتمدن-العدد: 1986 - 2007 / 7 / 24 - 11:25
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
، يعيش المجتمع العربي في ظل حالة مزمنة من احتكار السلطة في كل بلد عربي من قبل قلة مسيطرة مترسخة في أجهزة ومؤسسات الحكم، ويقترن ذلك بإقصاء القوى الاجتماعية والسياسية ذات التوجهات المغايرة لمفاهيم هذه القوة واتي تتقاطع معها جملة وتفصيلاً رغم إن هذه الأنظمة تلبس ثوب الدين والطاعة 0
وهذا إلى السؤال عن الدين والدولة في الواقع العربي.. أيهما استخدم الآخر؟ والمعروف أن الدولة، منذ عصور الإسلام الأولى، أدركت "أهمية استخدام الدين في تثبيت شرعيتها وفرض هيمنتها". ولكننا، لسنا أمام دين عادي، فالرأي الغالب لدى الكثيرين أن الإسلام يختلف عن كل الأديان الأخرى لأنه "يريد أن يكون دينا ودولة في آن معاً".
ولأن الواقع التاريخي الإسلامي شهد نماذج للحكم قامت على الحرية والعدالة والمساواة بين الحاكم والمحكوم في الرأي والنصيحة والكسب والمال وهي النماذج الممثلة للصورة الأولية المترسبة في اللاوعي الجماعي مما يطلق عليه "النموذج الأصلي" ، فإن دعوة الجمع (دين ودولة) ظلت تتقوى عبر الزمن مع تغير العصور والأزمان والحكام والأصول.
وفي حقيقة الأمر فإن المحصلة، كان يمكن أن تختلف تماماً لو أن قضايا مثل الحكم أو مصدر السلطة ونوعها، وشكل الدولة، أخذت حظها من البحث والتمحيص والممارسات خاصة وأن النص الأصلي (القرآن) لم يأت مؤيدا للاستبداد. لكن الذي وقع، في الفكر الإسلامي، هو أنه جرى خلط متعمد بين "الحاجة إلى وجود سلطة" وهي من مقتضيات الوجود الإنساني، وبين قبول السلطة حتى لو كانت استبدادية، وذلك وفقا لقاعدة "أنه يفضل وجود طاغية لمدة عام على مرور ليلة واحدة من دون حكومة0 ويتبدى هدف "التسويغ" واضحاً حينما عمدت الطبقات الحاكمة إلى توظيف النصوص والمقولات لتأكيد شرعيتها وترسيخ سيطرتها. ومن هذه المقولات "إمام عادل خير من مطر وابل، وإمام غشوم خير من فتنة تدوم"، وأن الحكام "هم وسائل الله في عمله" و"أن الحاكم الظالم خير من انعدامه أصلاً" و"أن السلطة من الله، ويجب أن تطاع" وأن "الحاكم ظل الله على الأرض"، وأن "الحاكم ولو كان ظالما، لخير من الفتنة وانحلال المجتمع" فطاعة أولي الأمر واجبة لأنها مسكونة نصا، وعامة العلماء يقفون إلى جانب السلطان وذلك خوفا من "الفتنة" التي يعبر عنها حديثا بضرورات الحفاظ على "الوحدة الوطنية".
ومن هنا يأتي تبرير كل أنماط السلطة مادامت تضمن الدين والمصالح، حتى في ظل "إمام جائر". والمبدأ العام يسير على ألا يهتم "المسلم" بشؤون السلطان مادام لا ينطوي ذلك على ما لا يحول دون شؤون دينه.
وفي إطار ذلك يضيق هامش الخلاف والمعارضة والمراجعة خوفا من "الفراغ السياسي
وطبعاً يبدو الأمر، في مجال الممارسة العملية، أكثر أهمية حينما نكون بصدد الحالات الاستبدادية الصريحة عندما نلاحظ محاولة إيهام العوام "بأنه لا فرق بين صفات الله وصفات السلطان"
أما الانعكاس العملي المعاصر لهذا المنحى فيتمثل في استخدام "الشعارات" الدينية لترسيخ أبوية السلطة. فالرئيس السادات أخذ لقب "الرئيس المؤمن" و"رب العائلة المصرية" وبالتالي فإن الخلاف في الرأي هو خروج عن "القيم" في "دولة العلم والإيمان" وسبقه الكثير من الحكام العرب عندما أكدوا في دساتيرهم التي لم يستفتوا أحداً عليها وحرصوا على وضع النص الشائع (( الإسلام دين الدولة والقرآن الكريم مصدر التشريع))
وهم بذلك ضمنوا "الطاعة المطلقة" و"الخضوع الكامل" لشخص "الملك أو الرئيس أو الأمير " هذا من جهة ومن جهة ثانية حرص هؤلاء على أن ينسبوا جذور عائلاتهم إلى الرسول الكريم محمد (ص)0 وهذا ما ولد تزاوج بين رجال الدين والدولة أياً كانت أغراضها
وفي سياق علاقات "التزاوج" بين الحكم والمؤسسة الدينية، فإن النتائج تتعدد وفقا للمشيئة السياسية، فمثلا أفتى المفتي السعودي بحق المملكة في تطبيع العلاقات مع إسرائيل عام 1994، ثم رجع عن فتواه بعد أن عارضه الشيخ يوسف القرضاوي. وقبل ذلك كان السادات قد حصل على فتوى من الأزهر بتأييد اتفاقات كامب ديفيد. وقبل ذلك كان الأزهر قد أصدر فتوى عام 1956 بعدم الصلح مع إسرائيل،
والخلاصة في المعنى والمبدأ أن "كل سلطان ظالم مستبد كان دائما يجد من يدعو له بالتوفيق". ويبرر أفعاله, كما إن هذه الأنظمة على اختلاف مشاربها كانت تقف بالضد من الديمقراطية والتعددية على إنها كانت تعلل عدم إجراء انتخابات ((بأن البلاد لها خاصية يجب أن ندركها))". و((أ التعدد الحزبي القائم على التطاحن يفتت وحدة البلاد والعباد))
وهكذا نتبين كيف يمكن أن تتضافر ذرائع الدين والثقافة والاستثناء والخصوصية بهدف إبقاء الأمر على ما هو عليه ورفض التغيير. والحقيقة أن رفض التغيير يأتي من باب الاقتناع بعدم الحاجة إليه أصلا، وعدم وجود مبرر في نظر الحكم.
وفي ضوء هذه البنية تتولد لدى "المؤمنين" "الخاضعين" روح الانسجام مع الأوضاع القائمة مهما كانت مجحفة وظالمة، ويعاد إنتاج الاستبداد دون مقاومة، فيتم تسويغ الفقر باعتباره ظاهرة طبيعية ومقبولة لأنها تجعل الفقراء من أهل الجنة. من هنا وجدنا ثمة ترابط وثيق بين رجال الدين ومؤسسة الدولة العربية عبر مر العصور0وهذا ما يجعلنا نستنتج إن الدولة تسعى لإيجاد مفهوم "الدين السياسي" وترى أن غايته "الاستيلاء على أجهزة الدولة والدولة نفسها كأداة لتنفيذ برامجه الملخصة في إقامة الدولة الإسلامية وتطبيق الحدود بما في ذلك نظام وراثة الحكم رغم إنها أنظمة جمهورية كما حدث في سوريا وسيحدث في بدان عربية أخرى في المستقبل وهذا نابع من فكرة إنتاج أو إعادة إنتاج الاستبداد والطغيان بإرادة الشعب أو بدونها0
والسلطة في العالم ودوله المتقدمة تعني القدرة على التأثير في الآخرين لكنها في العالم لعربي تعني القدرة الفائقة على قمع الآخرين ومصادرة آرائهم وفرض الرأي بالقوة0
في تصدى البعض لإشكالية الحكم والسياسة وقضية الحرية والديمقراطية في واقعنا العربي، جاء التناول من خلال منهجية تكرس العودة للوراء بدلا من السير إلى الأمام أو حتى النظر بإمعان للواقع المباشر.
ففي معرض التفسير والتحليل للإشكالية يقال إن قضية الحرية والديمقراطية في بلادنا ليست مجرد أن الدول العربية تقع تحت نظم ملكية أو عسكرية مما يجعل الحكم وراثة أو شوكة، وليست مجرد أن هناك قوانين طوارئ وقوانين استثنائية تكبل الحريات -وهي أيضاً في نظر أصحاب هذا التوجه- ليست وجود أحكام عرفية وأجهزة أمن وجيش ومخابرات واعتقالات وسجون وتزييف لإرادة الشعوب عبر انتخابات مزورة، وتأليه للحكام، واستلاب الوعي لدرجة إسباغ القدسية الإلهية أو شبه الإلهية على الحاكم السياسي، والتعددية الشكلية لحساب قوة واحدة مسيطرة كانت فردا أو نخبة أو حزبا، وحتى ليست القضية في انعدام فرصة تداول السلطة كل هذا، من وجهة نظر هذا التوجه، ليس هو سبب الإشكالية السياسية وتعثر الحرية والديمقراطية في واقعنا العربي، وإنما الإشكالية تعود إلى "عمق الموروث الثقافي بعد أن ترسخ في الثقافة الشعبية وأصبح جزءا من الوعي.
وفى الواقع العربي، يذعن الناس للسلطة ليس لأنهم مطبوعون على الخضوع ولكن بسبب التسلط وبسبب أجهزة العنف التي تملكها السلطة وأساليب القهر والقمع وتهديد مصادر الرزق.وفى الآونة الأخيرة تشيع فكرة أن الدولة التسلطية لا حل لها إلا تتولى قوة أجنبية إسقاطها! مع موجة انسحاب الشمولية في العالم بعد انتهاء مرحلة الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي، واتجاه العديد من الدول نحو الديمقراطية وانحسار التسلطية.
ولكن هذه الموجة لم تؤت ثمارها في العالم العربي حيث اقتصر الأمر على استخدام الآلية الانتخابية وتصميم الدساتير لا لشيء سوى تقنين الحكم التسلطي أو بعبارة أخرى "التسلطية بوجه ديمقراطي
0 إن ما يمر به العالم العربي مما يمكن أن نطلق عليه "محنة الدستور" أو "المحنة السياسية" تعود إلى أن النخب الحاكمة ليست مقتنعة في قرارة نفسها بأن الحكومات يجب أن تخضع للمراقبة، وأن الحكام يجب أن يخضعوا للمساءلة، وأن الشعب هو مصدر السلطات، وأنه لابد من وجود صيغة تعاقدية بين الحاكم والمحكومين لتحديد الحقوق والواجبات. ومن هنا فإنه في ظل هذه الظروف وعندما يجرى إضعاف الدستور، وإضعاف الحكم الدستوري، فإن المحصلة هي إضعاف حكم القانون وبالتالي تكريس الحكم المطلق وما ما تتميز به الأنظمة العربية0
لقد أثبتت شواهد الواقع أن هامش الانفتاح السياسي في بعض الدول العربية والذي وصفه البعض "بالإصلاح الليبرالي" لم يكن سوى "إدارة لتناقضات المجتمع السياسي"، ولم تفقد أي نخبة حاكمة سيطرتها على السلطة، ولم تتغير إلا قواعد وأساليب ممارسة هذه السلطة. وفي هذا الإطار، وقفت حدود الديمقراطية عند مشهد فرز الأصوات الانتخابية بعد تزويرها لتتحول إلى "مجرد تقنية انتهازية مستوردة" لإبقاء الاستبداد وعدم المساس به". أو كما يسميها البعض مجرد التغيير في آلية الفن الاستبدادي، والانتقال من القهر السلطوي دفعة واحدة إلى القهر على دفعات أو مراحل غير مباشرة. حتى إن الناخب العربي أخذ لا يعير أية أهمية لانتخابات لإيمانه بأنها لن تغيير من واقعه مطلقاً 0
إن الأنظمة السياسية والاجتماعية في الواقع العربي تأخذ المظهر الحداثي، مع أنها تنطوي على كل ما يتناقض مع حرية المواطن. وفي هذا الإطار تستمر المنظومة السلطوية موزعة بين النظم الحاكمة والاستخدام المشوه للدين بالإضافة إلى الذراع الإعلامي. فالنظم تصادر الحرية أو تحجر عليها بذريعة الأمن والاستقرار وحفظ النظام العام والحقيقة أنها تعني استمرار الأمر الواقع ليس عليها فقط بل كل ما يحيط بها من دولٍ وتجربة العراق تؤشر مدى وضوح هذه الرؤية التي أثبتت دول عربية عديدة ومنها دول الجوار ان رياح التغيير في العراق قد تؤثر عليهم والمواطن العربي في هذه الدول تابع بالتأكيد الانتخابات العراقية في كافة مراحلها وأيقن أن الدستور العراقي م يعط صلاحيات مطلقة لرئيس الدولة ورئيس الوزراء بل وحتى غياب صورهم الكبيرة من ساحات المدن العراقية وشوارعها وهذا بلا شك يتعارض مع الخطاب الإعلامي المكثف الموجه لشعب العربي من قبل حكمة والذي جعل الحاكم العربي بمنزلة ألآله الذي يقبل بنسبة تقل عن 99% 0
#حسين_علي_الحمداني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|