|
الاستثناء والقاعدة .. غي ثقافة الاختلاف
سلمان النقاش
الحوار المتمدن-العدد: 1985 - 2007 / 7 / 23 - 02:19
المحور:
المجتمع المدني
(( قد اختلف معك في الرأي .. لكني على استعداد ان ادفع حياتي ثمنا حتى تقول رايك )) فولتير ما حدث في نيسان عام 2003 هي بداية المشهد الاخير لتراجيديا الماساة العراقية التي بدأت بمؤامرة اغتيال الحرية في شباط 1963 تلك الحرية المنتزعة بحصيلة نضال جماهيري عنيد امتد بين عامي 1920 -1958 والذي استطاع بها العراقيون ان يتخلصوا من سرابيل الظلمة التي البسها لهم التتابع بين الامبراطورية العثمانية والامبراطورية الفارسية ولتحكي ثورة العشرين قصة الوحدة العراقية في مواجهة اكبر واعتى قوة مشاركة في النزال الكوني انذاك ..((بريطانيا العظمى)) انها فترة المحاولة للعودة الى مجد انسانيتنا ضمن استحقاقات صورة العصر، فحين يطالب جميل صدقي الزهاوي بحرية المرأة والرصافي بمجالس حكم نزيهة والجواهري اذ يرفع راية الثقافة والتأدب ونازك والبياتي والسياب عندما حطموا قيد القديم في الابداع الشعري وتزداد المطالبة بالحقوق المدنية للعمال والفلاحين والنضال في سبيل النهضة الصناعية والزراعية ، اضافة الى تاسيس الاحزاب والنقابات والجمعيات والنوادي الثقافية فان كل هذا يعني ان تموز 1958 هو ثمرة ناضجة قطفها الشعب واضاف الى جسده الطاقة التي استطاع بها ان ينتشل العراق من حلف بغداد وان يصدر قانون رقم 80 للثروة النفطية وقانون الاصلاح الزراعي واسكان الفقراء وانتشالهم من بؤس المخيمات (الصرايف) ولتوضع مشاريع البناء والاعمار بايد وطنية كفوءة .. غير ان الشيطان تربص وكان ثالثا بين من تآلفوا ودنس الحب وارتكبت الخطايا .. و الذي يحدث اليوم مرافقا لمحاولات التفكيك واعادة التركيب للبناء الاجتماعي العراقي هو استثناء حقيقي لقاعدة الاختلاف الخلاق والمنتج انه نكوص متعمد ذات دلالات حركية بعيدة كل البعد عن النمط الحضاري المتجذر في تاريخيتنا المتأصلة بالنبل الانساني باعلى درجاته وارقى قيمه ، انه يتعدى مفهوم الاختلاف في اعلى درجات مواجهته مع الاخر ((الحرب)) التي رغم طابعها المدمر لكنها ايضا تحوي قيم الفروسية والشجاعة والتضحية في سبيل الاخر.. الذي يحدث هنا هو استخدام بشع لاساليب العنف والارهاب والغدر لا لاجل الضغط لتحقيق وقفة مراجعة الى مرحلة متحضرة غائرة في بطن التاريخ بل انه يستهدف تماما دم الانسان العراقي واراقته امعانا في الجريمة والانحراف، انهم بائعو الاشلاء المتنائرة والرؤوس المقطوعة والجثث الملقاة في الانهر وعلى قارعة الطريق .. انهم لا يفهمون ما الرأي او الرأي الاخر انهم باختصار لا يختلفون مع رأي ما او وجهة ما انهم لا يفهمون ما الاختلاف. فمنذ أن تجاوز الإنسان حالته البدائية وبدأ يدرك أهمية المستقبل بالنسبة لوجوده توصلت ذهنيته إلى جملة من الأشكال المجردة لصورة حياته التي ينبغي ان يعيشها، وإذ تنمو مدركاته الحسية لتتحول إلى أفكار ليتماها مع محيطه الحي والجامد وليكوّن نظاما من العلاقات بينهما تقوده إلى حالة من الاستقرار وضمان البقاء ودرء الأخطار ، غير ان الطريق بين التطلع وتحقيق الهدف يكتنفه الكثير من المتاهات والدهاليز وعليه ان يجتهد ويتحمل ويتنازل ويبحث عن المختصرات والبدائل وعليه أيضا ان يجمع رصيدا معرفيا مقنعا ممكن الرجوع اليه في حالة نفاذ المتاح.. ان هذا الوصف لا يكتمل إلا بتكوين منظومة من الاتصالات بين الأفراد لتتبادل هذه المدركات مواقعها في الاذهان كل حسب درجة انفعاله أمام الظاهرة المثيرة وتبدأ عملية تقسيم تلقائي للعمل ضمن المجموعة التي تسمى لاحقا بالمجتمع الذي يحمل الطابع الديناميكي لنوعية حركته وسرعتها واتجاهها ، وعند كل محطة انجاز ونجاح تتشكل أخلاقيات وعقائد تؤسس لثوابت تحفظ في ذاكرة المجتمع كتراث حضاري وتاريخي يأخذ في الغالب صفة التقديس والعرفان . وعبر المراحل التاريخية وما تحمله من عوامل هدم وبناء متواليين يشتد الاختلاف إزاء التعامل مع المتغيرات الحاصلة ويبرز نوع من الصراع بين مراكز قوى المجتمع المتكئة على حزمة من الثقافات الموروثة والتي رسخت مصالحها بالاعتماد عليها، فتحصل احد هذه القوى على مقدار اكبر من القوة نتيجة حسن استغلالها للواقع الموضوعي وتوافق الظروف معها إذ تستقطب جميع مراكز القوى الأخرى سواء بالإقناع أو الإكراه وتشكل قطبا أوحدا يفرض قيمه وأخلاقياته على الجميع ، وهذا ما يفسر النشوء والانتقال الجغرافي في مراكز الحضارة عبر التاريخ بدءا بالحضارات الشرقية كالكومفوشيوسية في الصين وحضارة وادي الرافدين والحضارة الفرعونية مرورا بالحضارة اليونانية ثم الرومانية وعودة الاستقطاب ثانية إلى الشرق من خلال الحضارة العربية والإسلامية .. وعند كل انتقالة يأخذ المنجز الحضاري طابعا عالميا تراكميا متعديا للحدود والتباينات الثقافية والعرقية جاعلا من الأمم تتجه نحو حتمية قبوله فكان اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914 يمثل انفجار وتيرة التسارع في حركة هذا المنجز والتي أعقبت الثورة الصناعية الكبرى واختراع الآلة الميكانيكية والكهرباء ومحركات الاحتراق الداخلي والاختراعات العلمية الأخرى وكانت نتيجة الحرب هو الإجهاز التام على الإمبراطورية العثمانية التي كانت تمثل العالم القديم بكل ما يحمله من معاني الحركة والإنتاج المادي والعلاقات المترتبة عليه . إذن فنحن إزاء منجز حضاري بالشكل الذي نعيه اليوم قد ساهمت به جميع أمم الأرض منذ ان تشكلت المجتمعات الأولى مع الأخذ بنظر الاعتبار ان هذا المنجز أصبح يمثل قدرة فائقة تجاوزت المدركات الحسية والجسدية للإنسان واصبح من المتعذر اللحاق بالمبتكرات والافكار بدليل ان سرعة الاكتشافات والاختراعات العلمية يقاس تقادمها اليوم بالساعات إذا لم يكن باللحظات واعني بهذا ان جهازا يصنع اليوم يكاد ان يكون قديما في الغد .. ويرافق ذلك تطورا في أساليب إدارة المجتمعات تجعل من الإنسان ذات قيمة فائقة وعظيمة .. ويكفي إشارة لهذا ما حققته بعض المجتمعات اليوم من رعاية للأطفال والمسنين ولذوي الاحتياجات الخاصة وسلسلة طويلة من الضمانات وحقوق الانسان . وكتحصيل حاصل يبرز الاختلاف كوجه من أوجه المنجز الحضاري له قاعدة انطلاق منتجة بالاتجاه التقدمي البناء الذي يرتكز على الثوابت الحضارية التي ساهمت في القضاء على معرقلات تقدم الإنسان ورفاهية حياته ووجوده عبر مراحل تطوره التاريخي على ان لا يأخذ هذا الاختلاف نمطا حركيا يتناقض وحاجة المرحلة بالتمسك بتلك الثوابت واعتبارها هي الطريق الأوحد لتثبيت القيم ذات الدلالة الانتمائية الأولى ، وإلغاء الأخر المختلف معه والدخول في حالة تصادم عدائي لمجرد كونه لا يتفق مع تلك الثوابت .. ولأجل ان ترسخ ثقافة الاختلاف في مجتمعنا علينا ان نعي أولا ان كل ما نعتقد بأنه قيمة نبيلة في منظومتنا الأخلاقية والحضارية ما هي الا دعوة اشتركت بها كل الجهود الفكرية لمن اراد ان يدفع بحياة الانسان نحو الخلاص والانعتاق من البؤس والالم .. وعلينا ان نتقبل الاخر كحالة واقعة ونعزز المشتركات التي بيننا .. وبقي ان تساهم الدولة في بناء المجتمع المدني ومؤسساته القانونية والثقافية والفنية وتقليص الهوة بين الاغنياء والفقراء من خلال استثمار الارض والانسان وان تتقلص شريحة الامية الفعلية وامية النمو المعرفي والفكري لكثير من ابناء الطبقة المتوسطة رغم تحصيلهم الدراسي .. ولنكن كردا وعربا وتركمانا وكلدواشوريين وشبك .. صابئة وايزيديين ومسيحيين ومسلمين شيعة وسنة .. عمالا وفلاحين وكسبة مهندسين واطباء وتكنوقراط وفنانين وادباء ورجال دين عراقيين – عراقيين وسنسدل الستار على نهاية المشهد المأساوي وسنظل ونبقى بهذه الالوان الى حيث مانريد .
#سلمان_النقاش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النزاهة .. طريق اقصر لدولة الرفاه
المزيد.....
-
كاميرا العالم توثّق تفاقم معاناة النازحين جرّاء أمطار وبرد ا
...
-
أمستردام تحتفل بمرور 750 عاماً: فعاليات ثقافية تبرز دور المه
...
-
أوبزرفر: اعتقال نتنياهو وغالانت اختبار خطير للمجتمع الدولي
-
-وقف الاعتقال الإداري ضد المستوطنين: فصل عنصري رسمي- - هآرتس
...
-
الأردن.. مقتل شخص واعتقال 6 في إحباط محاولتي تسلل
-
بورل: أندد بالقرار الذي اعتمده الكنيست الاسرائيلي حول وكالة
...
-
بوريل: اعتقال نتنياهو وغالانت ليس اختياريا
-
قصف الاحتلال يقتل 4 آلاف جنين وألف عينة إخصاب
-
المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا
...
-
المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|