سعد محمد رحيم
الحوار المتمدن-العدد: 1983 - 2007 / 7 / 21 - 08:38
المحور:
حقوق الانسان
تضيق الحدود على العراقي يوماً بعد آخر، حتى تغدو بحجم زنزانة صغيرة، وما أقصده بالحدود، هنا، وقبل أن أفكر بأي مدلول مجازي، هو المعنى المكاني الجغرافي المباشر.
إبان الحرب الأهلية اللبنانية في السبعينيات كنا نسمع عن سيطرات الميليشيات المسلحة الموزعة في كل مكان، في مداخل المدن والأحياء والشوارع، وكل منها ترفع رايتها الخاصة، وتعبّر عن هوية مختلفة، ويا ويل أي عابر لا تطابق هويته هوية الجماعة!!. وكيف أن بعض الأشخاص لم يغادروا أمكنتهم طوال عشر سنين أو خمسة عشر سنة، ومن كان يجازف بدخول منطقة ليست تابعة لطائفته أو حزبه أو ملته يضطر لحمل بطاقة هوية مزورة، وكان بعضهم يمتلك أربع أو خمس هويات ( بطاقات شخصية ) يبرز كل منها حسب الطلب.. كانت مثل هذه الأخبار تصيبنا بالعجب والذهول، لكن من كان يتوقع أن يحصل الأمر نفسه في العراق بعد أكثر من ربع قرن من بدء حصوله في لبنان، وبطريقة أسوأ؟.
قبل أيام تسلمت رسالة من صديق لي عبر البريد الإلكتروني يقول فيها أنه لم يخرج، منذ سنة، عن نطاق كيلو متر واحد هو المسافة بين بيته ودائرته، ولم يلتق أي صديق أو قريب خارج ذلك النطاق خلال هذه المدة.. كم من العراقيين، اليوم، يعيش الحالة نفسها؟ أو قل كم من العراقيين لا يعاني من هذه الحالة؟ والجواب على السؤال الأخير هو؛ ربما لا أحد.
ومن المفارقات المضحكة المبكية بهذا الصدد هو بروز مهنة جديدة اتخذها بعضهم اضطراراَ بسبب البطالة، وهذه المهنة تتلخص في قيام ممارسها بالذهاب إلى العاصمة أو المدن والمحافظات الأخرى، في مقابل مبالغ مغرية، لإنجاز المعاملات الرسمية أو غير الرسمية، ومنها شراء مواد وسلع، للأشخاص الذين يخشون الذهاب بأنفسهم إلى تلك الأمكنة.. وهناك من هؤلاء من خسر حياته ثمناً لمجازفته، أو دفع عشرات ملايين الدنانير ( إن لم نتحدث بلغة الدفاتر ) لخاطفيه مقابل إطلاق سراحه.
ماذا يعني أن لا يستطيع مواطنو بلد ما دخول حي آخر في مدينتهم أو مدينة أخرى في وطنهم لأسباب تتعلق بهويتهم العرقية أو الدينية أو الطائفية أو العشيرية؟ وأنى لنا أن نتحدث في خضم هذه المصيبة عن وحدة الوطن فيما الوطن ممزق وموزع بين الجماعات والفئات المدججة بالسلاح والقسوة، ومعظمها لا تمثل إلاّ نفسها، إذ من يريد أن يظل رهين محبسه القسري من العراقيين الذين لا ناقة لهم في الصراعات الجارية بمختلف مسمياتها ولا جمل؟. ويكون الأمر أدهى وأتعس حين يتبجح ممارسو التمزيق على وفق الهويات الضيقة ( هويات ما قبل الدولة ) منادين بالحفاظ على وحدة البلاد والعباد.
أعتقد أن المعيار الأجدى الذي يجب أن تعتمده الحكومة لمعرفة مقدار تحسن الوضع الأمني هو المدى المكاني الذي يستطيع العراقي أن يتجول فيه من غير قلق، أو خوف من أولئك الذين يمكن أن يوقفوه ليسألوه عن هوية أخرى غير هويته العراقية.
#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟