|
هل العلمانية ممكنة في بلد واحد؟
ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 1982 - 2007 / 7 / 20 - 10:44
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
يستذكر تساؤل العنوان نظيرا له عن الاشتراكية، جرى تداوله على نطاق واسع أيام الثورة الروسية عام 1917: هل يمكن بناء الاشتراكية في بلد واحد؟ بدا لبعض الوقت أن لينين الذي دافع عن رد إيجابي على السؤال كان محقا، لكن مزيدا من الوقت أظهر أنه على خطأ. واليوم يبدو السؤال منفصلا عن أية ديناميات نظرية وسياسية واقعية، ومن ثم فاقدا للمعقولية والمعنى؛ لقد غدا تراثا. فكأنما التاريخ لا يعيد طرح السؤال نفسه مرتين. وراء السؤال الاشتراكي كان ثمة افتراض يخص وحدة العالم، الرأسمالي منه على الأقل؛ وافتراض آخر يقضي بأن للتاريخ وجهة محددة هي الاشتراكية؛ وافتراض ثالث بأن التحول إلى الاشتراكية ممكن وضروري وراهن في آن معا. وثمة ما يبيح الاستناد إلى هذه الافتراضات لمقارنة المسألة العلمانية الإسلامية بالمسألة الاشتراكية الرأسمالية. فلدينا أولا منظومة سياسية ثقافية متبادلة التأثير تشكل نظاما دوليا فرعيا، بما يسوغ التساؤل عن احتمال انفراد بلد واحد منها بتغير أساسي في تنظيماته السياسية والثقافية والرمزية. وبينما قد نتشكك اليوم في اتجاه محدد للتاريخ، محلي أو عالمي، إلا أن اضطراب أحوال العالم الإسلامي العالم وافتقاره إلى الاستقرار، وسط عالم تنحو تنظيماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية إلى التقارب من وراء تعدد الثقافات، يشير إلى حاجته (العالم الإسلامي) إلى نظام سياسي وثقافي مبتكر وأصيل، يمكّنه من ضمان المساواة والحرية والاستقرار في دياره والتفاعل الإيجابي مع العالم من حوله. ليست هذه التطلعات غاية التاريخ، لكنها أفق لا بديل عن التوجه نحوه كي يكتسب تاريخنا المعاصر معقولية وتماسكا. والاختلاجات العنيفة والمؤلمة جدا التي يعاني منها العالم الإسلامي (استخدم التعبير بمعنى وصفي أو إشاري، لا بمعنى معياري ولا بمعنى ماهوي) قد تشير إلى الحاجة إلى أن تناقضات تفاعل مجتمعاتنا مع عالم اليوم لا مجال لحلها إلا في تاريخ جديد، مختلف كليا عن ما ألفنا خلال القرنين الماضيين. ونعتقد في هذا السياق أن الطرح العلماني الشائع لا يفي بالحاجة النظرية والعملية إلى استيعاب التمخضات الراهنة والمتوقعة، السياسية والروحية والنفسية والأخلاقية والمتصلة بقضايا الهوية..، ولعل مصدر قصوره هو تصوره أن الفصل بين الدين والدولة مسألة عملية فحسب، سياسية أو قانونية أو حتى إجرائية. سنقول في مقال آخر إن العلمانية دون إصلاح ديني هي بمثابة وضع العربة أمام الحصان، أما هنا فسنتطرق إلى بعد مهمل من النقاش في مسألة الدين والدولة، البعد الجيوثقافي، أو إن شئت الجيوديني: هل يمكن قيام نظام علماني في بلد واحد؟
الإسلام نظام دولي جوابنا المبدئي أقرب إلى التحفظ والنفي. ونقدر أنه إما أن يتقلقل أو حتى ينهار النظام بسرعة بتأثير حصار داخلي وخارجي، من محيطه المتآلف دينيا وثقافيا ومن مجتمعه ذاته؛ أو أنه سيحيط نفسه بأسوار أمنية داخلية، وربما بارتباطات حضارية وأمنية لا تتوافق مع مقتضيات الحرية الدينية والمساواة الحقوقية والسياسية بين مواطنيه، فضلا عن تفاعله الإيجابي مع العالم. فإما دولة بوليسية، أو دولة تجنح إلى علمنة كيانها وليس نظامها السياسي وحده كما هو حال تركيا المعاصرة. وفي الحالين ليست هذه هي العلمانية كما عرفت في أوربا. هذا لأن الإسلام المعاصر واقعة دولية وإقليمية، وليست شأنا إيمانيا فحسب. وكان إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي بمبادرة سعودية عام 1969 على شكليتها، و"الجهاد الإسلامي" الأممي ضد الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، وتكون منظمة القاعدة كوريثة لذلك الجهاد وكنموذج لأممية إسلامية محاربة، وموجة "الجهاد" الحالية في العراق،.. كانت مؤشرات على تدويل الإسلام، أو تكون نظام دولي إسلامي متفاعل، يتعذر أن تستقل إحدى دولها بنفسها وتختط نهجا مستقلا كثيرا. ولهذا النظام "فروع" في مختلف بلدان العالم تحاكي بصورة ما الأممية الشيوعية. بلى، حصل مثلا أن انفرد اليمن الجنوبي عن محيطه في نظامه السياسي والإيديولوجي والرمزي، لكنه احتاج من أجل ذلك إلى الالتصاق بالاتحاد السوفييتي وخططه. وتنفرد تونس عن محيطها بنظام علماني أكثر من غيره، لكن فيما عدا أن هذا النظام تأسس مبكرا، وكان مؤسسه هو ذاته قائد حركة الاستقلال التونسي عن الفرنسيين، ولعله أضحى مكونا أصيلا للوطنية التونسية، فإن نظام تونس السياسي يعرض غير قليل من سمات الدولة البوليسية، ويظهر تحسبا شديدا حيال تعبيرات التدين الرمزية وليس السياسية فقط.
إسلام غير قابل للانفصال عن الدولة .. والإسلام الذي "أفرزته" هياكل الأممية الإسلامية تلك سياسي ومحارب وعلى عداء جذري للعلمانية. وتاريخ تكونه يختزن عداوة عنيفة لحركات التحديث الاجتماعي والثقافي والسياسي في العالم الإسلامي. ومعلوم أن السعودية كانت مركز الأممية الإسلامية حتى عام 2001، وأن الإسلام المتشدد هذا كان من أدوات سياستها الخارجية ضد كل من القومية العربية والشيوعية. على أن العائق ضد العلمانية ليس هذا الإسلام الأممي المحارب فقط، وإنما كذلك حال التفكير والتدين الإسلامي النزاعة إلى المحافظة والتشدد، وغير المؤهلة لاتخاذ مبادرات فكرية وسياسية كبرى وانعطافية. هذا يتصل على الأرجح بالأوضاع المتردية للعالم الإسلامي على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والاستراتيجية، الأوضاع التي تدفع نحو تغذية التشدد والاعتصام بالدين فيبدو التجديد مروقا والانفتاح تفريطا. والعلمانية كفرا. في حاله اليوم، "الإسلام" لا يقبل الانفصال عن الدولة. وفصله عنها بالقوة وحدها سيكون علاجا مؤقتا ومضادا للمقصد العلماني ذاته، أي كفالة الحريات الدينية والمساواة بين المواطنين بصرف النظر عن عقائدهم. هل يمكن تطوير إسلام قابل للانفصال عن الدولة؟ نفترض أن هذا غير ممتنع. وهو ما ينتظر أن تتولى القيام به حركة إصلاح الإسلام. وكنا أشرنا في مكان آخر إلى أن المضمون الجوهري للإصلاح الإسلامي هو أن "لا إكراه في الدين"، وقلنا إنه يقتضي تقوية شخصية الدين والسلطة الدينية كي تستقل بنفسها وتعمل هي بالذات على الانفصال عن الدولة. وليس حال التفكير والتدين الإسلامي المنكفئين شأنا عقليا يواجه بالحجج والبراهين المقنعة. ويمكن أن تتمادى المناقشة الراهنة حول ضرورة العلمانية ونقد الإسلامية المعاصرة حتى يوم القيامة دون أن تتمخض عن شيء مثمر. وأخمن أننا بحاجة إلى تجربة تأسيسية كبرى لتدشين تاريخ جديدة تنتظم فيه العلاقة بين الدين والدولة على أسس مختلفة. ولا تبرأ التأسيسات الكبرى في التاريخ من عنف ومآسي وكوارث، ولعلها تقتضيها. بيد أن تجارب كهذه ليست عقلانية (إنها مؤسسة للعقل)، ولا مجال لقول شيئا بصددها.
شروط انعطاف ديني سياسي نرتب على ما سبق أنه في الشأن العلماني (وفي شؤون أخرى كثيرة في الواقع) لا تصلح الدول القائمة وحدات تحليل، ولا حتى وحدات عمل نهائية. سيادة الدولة لا تسري على شؤون العلمانية والديمقراطية والإسلامية، إن كانت تسري على أي شيء. سورية أو العراق أو غيرهما ليست الأطر السياسية التي يكتفى بطرح قضية العلمانية فيها. ويبدو لنا أن نفتقر إلى شيئين كبيرين من أجل تحقيق انعطاف في تفكير الشأن السياسي الديني والنشاط بشأنه: الأول تيار فكري عريض يتماسك حول نواة صلبة من معرفة متطورة، فلسفية وتاريخية وسوسيولوجية، غير اختزالية وغير تلفيقية، حول قضايا الدين الإسلامي والدولة والمساواة والحرية؛ معرفة متسقة ذاتيا وبريئة من الاعتباط، لا تفسر جانبا من الواقع بإغفال جانب آخر منه، كما لا ينحاز التيار المتكون حولها إلى قيمة (المساواة مثلا) مقابل الدوس على قيمة أخرى، الحرية مثلا؛ ولا إلى الحرية مقابل إهمال العلم والتفحص العلمي والنقدي للعقائد وتاريخ الدين. هذا غير متاح. ما نحن على اطلاع عليه من أدبيات علمانية لا تستجيب لهذا المقياس كمعرفة ولا تبدو قادرة على تشكيل تيار فكري واسع ونشط. ولن تسهم الوصفات المختزلة والكتابات النضالية في حل أية مشكلة. ستكون فقط جزءا من المشكلة. الشيء الثاني هو حركة اجتماعية قوية، حاملة لنظام جديد للسياسة والدين، وتكسب معركتها بأن تتكون حولها أكثرية أو "أمة" جديدة. أي بلغة غرامشي، وإن بمعنى مختلف بعض الشيء، حركة مهيمنة. نعني في الواقع حركة يكون حل المشكلة الدينية السياسية نابعا من تكوينها وتعريفها. فهي بهذا المعنى، وبه فقط، مهيمنة. ومن نافل القول إنه ليس ثمة قوى مهيمنة في مجتمعاتنا. بل إن ما نسميها "أزمة الهيمنة" هي ما تفسر في آن وفرة العنف في حياتنا العامة، والطابع التبشيري والمجرد لدعاوينا الفكرية. فبتعريفها تحل الحركة المهيمنة مشكلة العنف لكون نموذجها المتفوق يحوز على رضا واسع وتتكون حوله أكثرية كبيرة بفعل تفوقه وحده؛ وهي كذلك تحل مشكلة التبشير المضني بأفكار وتيارات ومذاهب، نعلم من خبرتنا في القرن العشرين أنه عملية شاقة وعقيمة ولا تعطي ثمارا مهما طال الزمن. والحال إن العنف والتبشير هما ما يتقاسمان العمل العام في بلادنا. وهما معا وجه واحد لأزمة الهيمنة. لكن كيف يمكن أن تتكون حركة اجتماعية مهيمنة وأصيلة؟ وكم من الاستثمارات المادية والفكرية والسياسية، ومن الزمن، لقيام حركة اجتماعية قوية، لا يقف في وجهها خصوم ذوو شأن؟ وما هي الشروط النفسية والمعرفية والتاريخية لنشوء تيار فكري عريض يستقطب أنبه العقول، ويبدع حلولا طريفة ومبتكرة لمشكلتنا الدينية السياسية العويصة؟ أيا يكن، لا نتخيل أن فكرا أصيلا حول السلطة والإسلام يمكن أن يلتزم حدود البلدان والدول. فمن طبيعة الفكر أنه متحرك، ومن طبيعة الفكر الأصيل أنه تركيب، وإن يكن تركيبا تم تمثله وإنضاجه على مهل. ويبدو أن الحلول المبتكرة لمشكلة العلاقة بين الإسلام والدولة لما تولد بعد، تحتاج إلى وقت وصبر. فإن ولدت يوما فالأرجح أنها ستكون ثمرة تفاعل بين أفكار مثقفين مسلمين من شتى البلدان التي يعيش فيها مسلمون. لما تولد أيضا حركة اجتماعية تاريخية يتضمن تكوينها ذاته مقاربة أصيلة للمشكلات المعنية وتتكون حولها تلقائيا أكثرية كبيرة. هذا أيضا يحتاج إلى وقت. عدونا اليوم هو التعجل، وهو العدو الذي لا نستسلم إلى غيره من فرط جزعنا. نحن متأخرون كثيرا منذ الآن، فلنتأخر أكثر قليلا. أين المشكلة؟ هل سيكون الحل الذي قد نبلوره يوما هو علمانية الفصل بين الدين والدولة؟ هل ثمة قيمة لذلك؟ هناك قيمة كبيرة للاسم فقط لأن المسمى يفوتنا. إن أحرزناه يوما فسيولد اسمه معه. لا داعي للقلق. ولا للاستعجال. ولعل من شأن التدرب على التفكير من وجهة نظر المستقبل، أن يخفف عنا وطأة الجزع الذي لا يفتأ يعمق انغرازنا في حاضر مقيت. ولا تصلح حتى التشنجات والتفجرات التي تتناوش بلداننا المشرقية اليوم برهانا على نفع الجزع ووجوب الاستعجال. ستأخذ الأمور مسارها، وقد يكون تحلل تركيبات عقلية واجتماعية وسياسية شرطا للحل، أي لنشوء تركيبات جديدة أكثر اتساقا وأجدر بالحياة. وقد تتولى القياد حكمة التاريخ حيث لا تفيد الحكمة البشرية. وقد يأخذ التحلل شكلا عنيفا. ولعله يأخذه اليوم. ومن المناسب، في هذا الخصوص، أن نعمل على تحرير أذهاننا من موقف تحريمي حيال العنف، قد يكون انبثق من شعور بالإثم تولد عن إخفاق الشيوعية والقومية العربية، وقد شكلتا وعي أكثر المثقفين من جيلنا، وكانتا لا تهابان العنف. ليس فقط لن نحقق شيئا ونحن نستبطن موقفا كهذا من العنف، بل الأرجح أننا لن نفهم شيئا كذلك. هذه ليست دعوة للعنف أو ثناء عليه، إنها رفض للسذاجة ودفاع عن الحق في الفهم. أما الغرض من التركيز على دور الفكر فهو "الاتساق"، صوغ تصور منظم حول المشكلة الدينية السياسية، يتيح للثقافة استيعابها وتملكها وتطويرها. والغرض من الحركة الاجتماعية المهيمنة إنجاز شيء مماثل على الصعيد السياسي والاجتماعي العملي. فلطالما كان تاريخنا غنيا بالقوة المتفجرة نشاطا وعزما وعنفا، وفقيرا بالأشكال الفكرية والسياسية المنظمة. ولطالما وقعت عقولنا ضحية اعتباط لا مخرج منه، وسياستنا أسيرة عنف لا ضوابط له. علمانية إسلامية؟! هل يمكن الكلام على علمانية إسلامية؟ صيغة إسلامية للعلمانية؟ السؤال مهم لأن المطلوب أن يكون ثمة علمانية في بلادنا لا أن تكون بلادنا في العلمانية. أعني أن تتعلمن دولنا كنظم سياسية أو مؤسسات حكم، وليس بالضرورة ككيانات سياسية تاريخية. أي دون المجازفة بقطيعة شاملة مع تاريخنا القديم، تبدو نظيراتها في بلدان أخرى مقترنة بالاستبداد لا بالحرية. سيجيب بالسلب على السؤال طرفان، يتشاركان الاعتقاد بأن العلمانية ودين الإسلام متناقضان بالمطلق، الآن وفي كل آن: الإسلاميون القائلون إن الإسلام دين ودولة، وإن فصل الإسلام عن الدولة يبتره كدين؛ وعلمانيون يرون أن هناك علمانية واحدة متماثلة مع ذاتها في كل آن وحيثما كان. يبدو لنا الموقفان غير سليمين على حد سواء. فالإسلام دين، وارتباطه بالدولة تاريخي وجائز، ولا ينبع من مفهومه بالذات. وانفصاله عن الدولة لا يمس تكامله، بل بالعكس يفتح باب تحرره من الأسر السلطاني الذي منعه من التنفس المستقل طوال تاريخه تقريبا. ستكون هناك صعوبات دون استقلال الإسلام وانتصابه على قدميه لأن الإسلام كان مستتبعا للسلطات في أغلب تاريخه مقابل جزية ولاء رمزي تدفعها هذه له، لكن الخوف من الاستقلال سيبقيه مصابا بالكساح مثل طفل لا يتعرض للشمس. ومن جهة أخرى، ليست العلمانية متماثلة في كل مكان وكل وقت. إنها تختزن تاريخا خاصا وصراعات مختلفة وتسويات متفردة في كل بلد، وهي بنت تاريخ ميلادها النوعي أكثر مما هي بنت مفهومها المجرد. بيد أنه لا غنى عن انفتاح على الكوني، وهذا لا يتأسس على غير النواة الصلبة لمفهوم العلمانية، أي استقلال الدولة عن الدين وقيامها بالنصاب السياسي كشأن بشري ودنيوي وغير مقدس. والأساس الواضح الذي تقوم عليه العلمانية في كل مكان هو أن السيادة والقيادة ليست للدين أو لأهله، إنها للأمة أو للشعب أو للدولة، وهو ما لا يمس استقلال الدين الذاتي التام. على أن استدامة الفعل التمزيقي للحركات الجهادية الإسلامية سنوات أو حتى عقودا قادمة، وهذا أمر غير مستبعد، وبالتضافر مع جمود ومحافظة التيارات الإسلامية الأخرى وعجزها عن التجديد الفكري والرمزي والفقهي، قد يثير رد فعل عنيف ضد الإسلام ذاته لدى قطاعات واسعة من مجتمعاتنا. وبالخصوص الطبقات الوسطى والمتعلمة. وهذا أيضا ليس أمرا مستبعدا. فالموجة الإسلامية الراهنة تاريخية، وستخمد دونما شك كما شبت. وإخفاقها في فتح آفاق ثقافية وسياسية أرقى أمام مجتمعاتنا لن يزداد إلا وضوحا. وقد يولد هذا وضعا أتاتوركيا، يدفع نحو علمنة كيان الدولة وليس نظامها وحده. هل هذا تطور مرغوب؟ قد يكون محتوما. ويغدو مرغوبا حين لا مناص منه. هنا أيضا يتعين أن نفكر من وجهة نظر المستقبل. وقد يثبت في النهاية أن علمانية في بلادنا غير ممكنة إلا كحصيلة لعلمنة بلادنا ذاتها، أي قطيعة واعية مع تاريخها السياسي الديني السابق.
إصلاح ديني؟ دون استقرار مجتمعاتنا على أسس ثقافية وسياسية واجتماعية ذاتية الإصلاح الكثير الكثير من الجهود الشاقة والأوقات العصيبة. ونقدر أن أبرز عناوين هذا الكثير هو الإصلاح الديني. فإذا كانت العلمانية متعذرة في بلد واحد فليس فقط لأن الإسلام نظام دولي، وإنما كذلك لأن تصور الإسلام والثقافة الإسلامية لما يستوعبان عملية إعادة هيكلة للإسلام حول الحرية الدينية ونفي الإكراه ووعي الدين في التاريخ. وقد يلزم مزيج من إخفاق الإسلاميين وجهد فكري تجديدي، ديني وسياسي، من أجل تطوير إسلام قابل للاستقلال عن الدولة والقانون. ولا يمكن لحركة الإصلاح الإسلامي التي يفترض أن تستجيب لتلك التطلعات أن تكون محلية أو تبقى محلية إن كتب لها أن تنجح. فإن قامت يوما، ولا بد لها أن تقوم، فستكون قد حلت مشكلة العلمانية مبدئيا. ووقتها سيكون الحكم الديني هو ما يستدعي العنف كي يقوم أو يبقى.
#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تراجع السياسة الوطنية وصعود السياسة الأهلية
-
تحقيب تاريخي بلا تاريخ: تعقيب على تعقيب بكر صدقي
-
في شأن مشكلات العرب الواقعية ومشكلتهم الثقافية
-
الإصلاح السياسي وإعادة بناء الهوية الوطنية في سورية
-
بصدد بعض الأصول الأخلاقية لعنفنا..
-
نظرات أولى في أطوار التاريخ السياسي الإيديولوجي المشرقي المع
...
-
أية أكثرية جديدة لحل المشكلات الطائفية؟
-
حين تكون المذابح أداة سياسية.. السياسة تموت!
-
في نقد العلمانية والديمقراطية أو مشكلتا الدين والدولة
-
في عقلانية الدول وغبائها المرشح، في أغلب الظن، أن يستمر طويل
...
-
أية دولة تقتضي العلمانية فصلها عن الدين؟
-
هزيمة حزيران: من حدث تاريخي إلى شرط ثقافي
-
في شأن الطائفية والدولة والمثقف: تعقيب على موريس عايق
-
في اندماج الاقتصاد والسياسة وتحولات اللوحة الاجتماعية السوري
...
-
تأملات في السلطة الدينية والسلطة السياسة ومعنى العلمنة في عا
...
-
بحثا عن معنى ثقافي لتحولات سياسية عجماء
-
ضمائر الحداثة المنفصلة والمتصلة و...المعاقة
-
ملحوظات أولية في شأن اللغة والطائفية
-
في العلاقة بين الأوليغارشية والطائفية
-
أقليات وأكثريات: هويات ثقافية، علاقات اجتماعية، أم عمليات اج
...
المزيد.....
-
بعد وصفه بـ-عابر للقارات-.. أمريكا تكشف نوع الصاروخ الذي أُط
...
-
بوتين يُعلن نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا على دنيبرو الأوكرا
...
-
مستشار رئيس غينيا بيساو أم محتال.. هل تعرضت حكومة شرق ليبيا
...
-
كارثة في فلاديفوستوك: حافلة تسقط من من ارتفاع 12 متراً وتخلف
...
-
ماذا تعرف عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات؟ كييف تقول إن
...
-
معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالان
...
-
المؤتمر الأربعون لجمعية الصيارفة الآسيويين يلتئم في تايوان..
...
-
إطلاق نبيذ -بوجوليه نوفو- وسط احتفالات كبيرة في فرنسا وخارجه
...
-
في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنو
...
-
السعودية.. سقوط سيارة من أعلى جسر في الرياض و-المرور- يصدر ب
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|