|
الديمقراطية في العراق تجربة تحتاج الى فهم وادراك وممارسة
علي جاسم
الحوار المتمدن-العدد: 1982 - 2007 / 7 / 20 - 03:17
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
التجربة الديمقراطية في العراق مع حداثتها وقلة خبرتها استطاعت ان تثبت اسسها بشكل متزن ومدروس بالرغم من وجود بعض الاخطاء والهفوات المؤشرة عليها هنا وهناك . ومن يشخص هذه التجربة بشكلها العام يلاحظ انها تسير نحومحاولتها للحاق بركب الدول الديمقراطية المتقدمة التي تمتلك نضوج واضح في ممارسة الحرية وتطبيقها من خلال امتلاكها الية تغير الحكم وفق اجراء قانوني ديمقراطي تكفله دساتيرها ونظمها القانونية وبالوقت نفسه يمنع قيام جمهوريات الخوف والظلم الاستبدادية ويحول دون استحواذها على دفة الحكم . والمتتبع للمارسة الديمقراطية في العراق يجدها سارت في اتجاهين متضادين الاول منح الشعب العراقي ولاول مرة في تاريخه حرية التعبير السلمي القائم على الاحترام المتبادل بين مكوناته والايمان بحرية المعتقد لدى الاخرين سواء من المسلمين او غير المسلمين والتي تعتبر قفزة نوعية اذا ماقورنت بدول المنطقة التي مازالت تعاني من شبح الرقابة الحكومية والتبعية للسلطة الحاكمة. اما الاتجاه الاخر الذي سارت عليه التجربة فانه جاء بخلاف الممارسة الديمقراطية الموجودة في اوربا وبعض الدول الاسيوية المتقدمة لانها شقت لنفسها طريق اوقعها في تناقض الفهم والادراك الحقيقي لجوهرها بسبب ان الفترة الزمنية الممتدة الى ثمانية عقود والتي عاشها العراقيون تحت سياط الانظمة الحاكمة والتي تنتمي الى فئة واحدة دون اعطاء الفئات الاخرى وهي الاكثر حق في المشاركة الفعلية والحقيقية في الحكم جعلت الفرد العراقي يسير باتجاه واحد لابديل له هو ارضاء الفئة الحاكمة والخضوع لها ، كما انها جعلته يعيش في دوامة نظرية المؤامرة مثله مثل كافة شعوب المنطقة الخاضعة لسلطة الحكام وهذا مااثر على الاستعداد النفسي للفرد العراقي في فهم الديمقراطية الجديدة وهضم مفرداتها . لذلك فان استيعاب الديمقراطية في ذهنية الشعب العراقي سارت ببطئ وحذر شديدين مما نتج عنها الكثير من الممارسات الخاطئة التي مازالت لحد هذه اللحظة مسيطرة على سلوكياتهم وتصرفاتهم اليومية ...وان الفهم الخاطئ للديمقراطية لايتحمل مسؤوليتها الشعب العراقي وحده انما يقع على عاتق القوات الامريكية والاحزاب السياسية العراقية اللذان اطلاقا الحرية الى العنان بشكل عشوائي يفتقر الى التنظيم والتقنين الامر الذي جعل الكثير من الناس يمارسون حرياتهم الشخصية بطريقة غير متحضرة ولاتمت للحرية الحقيقية بصلة بل تحولت الى اعمال هوجاء غير منضبطة وغير مسؤولة. والمراقب للوضع العراقي بعد سقوط النظام البعثي في العراق على يد القوات الامريكية يستطيع تشخيص الكثير من السلبيات في هذا الاتجاه بدءاً من ترك وزارات الدولة ومؤسساتها عرضة للسلب والنهب باسم الحرية وترك الالاف من قطع السلاح في الشوارع لتصبح فيما بعد احدى ادوات القوة لدى المليشيات المسلحة فضلاً عن الليونة والتهاون بالتعامل مع الملف الامني من قبل السلطة الحاكمة اضافة الى البطئ في تكوين جيش وشرطة عراقية قادران على الامساك بزمام الامورالى جانب تجاوزالمواطنين على اراضي الدولة وتحويل مؤسساتها الى دور سكنية فضلاً عن العديد من الممارسات الخاطئة التي مورست باسم الحرية والديمقراطية . كان ينبغي على السلطة الحاكمة انذاك سواء في سلطة الائتلاف المؤقتة او مجلس الحكم ان يدركوا مسالة مهمة تتعلق بحجب الحرية عن العراقيين لفترة مؤقته من الزمن ومن ثم اعطائها على شكل جرعات متقطعة ومتفاوتة. وكان الاجدر بهم قراءة كتب النظم السياسية التي تدرس في كليات القانون والعلوم السياسية لكي تتوضح لهم كيفية التعامل مع الشعوب التي اسقط عنها نظام دكتاتوري حكمها لعقبة من الزمن ، سواء كان اسقاط هذا النظام بواسطة ثورة شعبية وجماهيرية تحركها قوة وطنية خالصة او بمساعدة قوة خارجية تتعاون مع معارضي هذا النطام لاسقاطه كما حدث مع العراق عندما اسقطت الولايات المتحدة الامريكية نظام صدام . وتشير كتب النظم السياسية الى ضرورة ان تمارس السلطة الحاكمة بعد سقوط الدكتاتور اسلوب شديد في الحكم وان تكون سلطة دكتاتورية لمدة لاتقل عن سنتيين ولاتزيد عن اربع سنوات حتى لاتسمح للفوضى الخلاقة ولاللخراب ان يتسيدان الشارع ..وان تسيطر الدولة على منافذها الحدودية وتتعامل بحزم وصرامة مع الخارجين على القانون وحماية ارواح مواطنيها من عبث العابثين وتمنع الثارات الشخصية، وبعدها تقوم وبشكل تدريجي باطلاق حرية تشكيل الاحزاب السياسية وحرية الصحافة وتسهل عمل منظمات المجتمع المدني وتشكيل قوة عسكرية دستورية تحافظ على المنجزالمتحقق وتحمي الديمقراطية ولاترتبط باية جهة سياسية ،وهذا مالم يحدث في العراق الذي وقع فريسة الفهم الخاطئ لمبادئ الحرية . ثمة معوقاً اخر يقف في وجه تطور الحرية في العراق ويحيد من توسيع دائرتها يتجسد في الدول العربية والاقليمة التي اخذ ناقوس الخطر يدق اجراس دكتاتورياتها الازلية والتي جعلتها توسع من نطاق حربها على العراق ابتداءاً من تكريس وسائل الاعلام الماجورة للنيل من الديمقراطية بالعراق وافشالها من خلال التركيز على الجانب السلبي واهمال الجوانب الايجابية المتحققة مروراً بعدم التعاون مع الحكومة العراقية المنتخبة عبر صناديق الاقتراع بل ان مؤشرات الرسم البياني لطبيعة تحركات الدول العربية يدل على ان معظم دول المنطقة ترتبط بعلاقات استراتيجية قوية ومصالح مشتركة مع شخصيات عراقية معارضة للتجربة الديمقراطية في العراق وساعية الى اعادة العملية السياسية الى مربعها الاول . اما الدور الاخطر الذي لعبته الدول الاقليمية في عرقلة الديمقراطية العراقية يكمن في تحويل اراضيها الى قاعدة ينطلق منها الارهاب الى العراق وبتمويل من حكوماتها، واستغلال رجال الدين في تشجيع الشباب من الذين لم تكتمل في ادمغتهم الصورة الحقيقية للاسلام ولم تتضح لديهم مبادئه التسامحية النبيلة على ضرورة الجهاد في العراق، وكذلك عمدت دول المنطقة على فتح ابواب حدودها على مصراعيها لدخول المجاميع الارهابية للعراق من اجل زرع القتل والرعب والخوف داخل المجتمع العراقي وجعله ينبذ الحرية ويتمنى ان يعود الى نظام الدكتاتورية وكأن الامان والاستقرار لاتصنعها الا الانظمة الشمولية والدكتاتورية. كماانها تحقق في الوقت نفسه هدفاً استراتيجياً اخر يتمثل بزرع الخوف لدى شعوبها وتحذرهم بطريقة غير مباشرة من مغبة التفكير في جعل الديمقراطية العراقية انموذجاً يقتادون به . وبالرغم من كل تلك التحديات فان الديمقراطية في العراق شقت طريقها بشكل لايحتمل العودة الى الوراء وان الاستفادة من التجارب الاوربية المماثلة للحالة العراقية يمكن ان تضعنا امام تطور هائل في تطبيق وفهم الممارسة الديمقراطية . ان الدول الاوربية المتطورة لم تصل مرحلة الديمقراطية الكاملة الابعد مخاض عسير من الصراعات الداخلية والخارجية ،والحروب التي حصلت بين بريطانيا وفرنسا والمانيا واسكتلندا وروما في القرنيين السابع عشر والثامن عشر خيرد ليل على ذلك، وكذلك الحربين العالميتين التي تحولت خلالهما قارة اوربا الى مسرحاً للمعارك الطاحنة والتي راح ضحيتها اكثرمن ثمانية ملاين مواطن وهي صنيعة الانظمة الاستبدادية تدل على ان الديمقراطية التي نشأت في اوربا لم تبنى على اغصان الزيتون واعشاش الحمام انما اقيمت بعد ان استدركت الدول الاوربية خطورة بقائها في ديباجة الهمجية وشعورها بان هذه الحروب والاقتتال لاينفعها مماجعلها تفكر في بناء نظم ديمقراطية قائمة على احترام الفرد داخل المجتمع وسارعت على تشكيل نظم سياسية قائمة على الانتخابات الحرة والنزيهة وبفترات زمنية متعاقبة يحددها الدستور. لذلك فان القضية المركزية التي تتمحور حولها اشكالية الحرية في العراق والمتمثلة في الفهم الخاطئ في ممارسة الديمقراطية والمعوقات التي تواجهها يجب حلها داخل حدود الشعب العراقي من خلال الاستفادة من التجارب الاوربية في هذا المجال وتطبيق الديمقراطية بشكلها الصحيح والمقبول عالمياً حتى نستطيع ان نقنع العالم باننا استطعنا ان نصنع شخصية ثابتة لعراق مابعد الدكتاتورية لانسمح من خلالها بالتدخلات الخارجية ونسعى عبرها في الحصول على الاستقلال الكامل وبشكل مدروس ومقنن بحيث لانترك بلدنا عرضة للاقتتال الطائفي المقيت والصراعات الاقليمية والدولية. المطلوب من الحكومة العراقية ومجلس النواب وكذلك منظمات المجتمع المدني واساتذة الجامعات ورجال الدين ان يصححوا مسار الحرية في العراق بشكل ينسجم مع التطورات الحاصلة في الساحة العراقية خصوصاً بعد ان تمادى الكثير وباسم الحرية الى زرع مفاهيم طائفية تعمق التفرقة وتزيدمن وتيرة المحاصصات العرقية والطائفية..كما ينبغي على الجميع ان يساهم في انشاء نظام ديمقراطي قائم على احترام الحرية الشخصية التي لاتضر بالاخرين وبناء مجتمع عراقي قائم على مبدأ المواطنة ويؤمن بالحداثة والتطور العلمي من اجل مواكبة الاخرين من حولنا ووضع حد لكل من يستغل الحرية التي كفلها الدستورالعراقي بشكل لا يضر بالمصلحة العامة .
#علي_جاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل اصبحت كتلة المعتدلين ضرورة سياسية لالغاء المحاصصة الطائفي
...
-
تحديات المالكي وفرصته التاريخية لتشكيل حكومة جديدة قائمة على
...
-
فضيحة دار الحنان لشديدي العوق بين الحقيقة والوهم
-
ليس بالانقلابات والاصطفافات السياسية الضيقة يبنى العراق
-
نقطة ضوء على القضاء العراقي الدساتير والقوانين وحدها لاتكفي
...
-
الحوار المتمدن في كتاب شهري ........العلمانية مطلباً وضرورة
-
من وراء تفجير جسر ديالى........؟
-
نشوة اللذه
المزيد.....
-
-حالة تدمير شامل-.. مشتبه به -يحوّل مركبته إلى سلاح- في محاو
...
-
الداخلية الإماراتية: القبض على الجناة في حادثة مقتل المواطن
...
-
مسؤول إسرائيلي لـCNN: نتنياهو يعقد مشاورات بشأن وقف إطلاق ال
...
-
مشاهد توثق قصف -حزب الله- الضخم لإسرائيل.. هجوم صاروخي غير م
...
-
مصر.. الإعلان عن حصيلة كبرى للمخالفات المرورية في يوم واحد
-
هنغاريا.. مسيرة ضد تصعيد النزاع بأوكرانيا
-
مصر والكويت يطالبان بالوقف الفوري للنار في غزة ولبنان
-
بوشكوف يستنكر تصريحات وزير خارجية فرنسا بشأن دعم باريس المطل
...
-
-التايمز-: الفساد المستشري في أوكرانيا يحول دون بناء تحصينات
...
-
القوات الروسية تلقي القبض على مرتزق بريطاني في كورسك (فيديو)
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|