الرق واقع تاريخي عرفته جميع المجتمعات البشرية وفي شتى مراحل تطورها الانساني والحضاري ، وعندما ظهر الاسلام في جزيرة العرب كان أمام واقع اجتماعي معاش في تلك الفترة هو الرق ونظام الاستعباد البشري ..
فكيف تعامل الاسلام مع واقع الرق ؟؟
لا يسع أي منصف أن ينكر الاصلاحات الحضارية التي ادخلها الاسلام على منظومة الرق كما كانت سائدة في العصور السابقة على الاسلام ولعل من اهم هذه الاصلاحات التشجيع على العتق وحصر مصادر الرق في الحروب والغزاوت ..
ولكن ....
لا يسع المنصف ايضا إلا ان يقر بأن الاسلام في واقع الأمر قد اقر مبدأ العبودية وحافظ عليه بالرغم من تضاربه الحاد مع مبادئ الحرية والعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية التي ينادي بها الإسلام ذاته .. صحيح انه اغلق بابا من ابواب الرق ( وهو العجز عن وفاء الدين ) ولكنه فتح باب عريضا للرق وهو الحروب التي شغلت المسلمين قرونا طويلة .. بهذه الطريقة غرق المجتمع الاسلامي بألاف العبيد والاماء ( يروي ابن الأثير ان غنائم موسى بن نصير عام 91 ه بلغت ثلاثمئة الف رأس سبي ( هكذا !!! وكانهم حمير !! ) وأن موسى استقدم معه الى دمشق ثلاثين الف عذراء من الأسر القوطية النبيلة ) ( ابن الأثير : 4/295)
فلماذا لم يحرم الإسلام الرق ؟؟ الا يفترض بالدين والشرع العادل ان يلغي هذه العادة الظالمة ؟؟؟؟
يجيبنا شوقي أبو خليل : ( لم يلغ الإسلام الرق بشكل مباشر، ولكنه وضع نظاما لالغاء الرق بشكل غير مباشر ويتلخص هذا النظام في تضييق مصادر الرق ( وذلك بحصره باسرى الحروب ) وفتح أبواب الحرية الى الرقيق ، ذلك أن للاسلام فلسفة في معالجة الشؤون التي ليست اساسا من أسسه ، ففي معالجة هذه الشؤون تقضي فلسفة الاسلام ان تُعالج برفق وأناة حتى يصل الاسلام الى هدفه بدون أن يحدث اضطرابا بين معتقيه ، فشرب الخمر والرق وتعدد الزوجات للاسلام تجاهها هدف ، ولكنه يصل الى هدفه بيسر وعلى خطوات احيانا ، أما الأمور الرئيسة في الاسلام كتوحيد الله وترك عبادة الأصنام فانه يواجهها مواجهة صريحة مباشرة ليقطع دابرها من أول الشوط ) ( الإسلام في قفص الاتهام : 187 )
اذن فالاسلام – كما نفهم من كلام ابو خليل – يريد أن يقطع دابر الرق على مراحل وبالتدريج وذلك لمراعاة واقع اجتماعي وهو رسوخ الرق في المجتع العربي ، ( اذ لو حرم الاسلام الرق بشكل حاسم من أول الأمر لحدثت هزات اجتماعية واقتصادية كبيرة في عمق المجتمع الاسلامي ولغرق المجتمع باعداد كبيرة من العاطلين عن العمل الذي لا يجدون عملا ) كما يقول محمود السقا في كتابه ( شبهات حول الاسلام : 265 )
لا شك أنه في الحرية لا توجد حلول وسط .. فاما حرية أو رق ، أما قضية التدرج في التحريم والمنع التي يثيرها الاسلاميون في كل مناسبة فلا نجد لها سندا تشريعيا حقيقيا الا في قضية واحدة فقط هي تحريم الخمر ( وان كنا لا ننظر الى مسألة الخمر على أنها تدرج في التحريم قدر ما هي تخبط محمد في حسم الموقف من الخمر ) لكن الاسلاميين يطيب لهم ان يتحدثوا عن التدرج وكأنه قانون اسلامي في كل قضية يشعرون حيالها بالحرج كما يفعلون مع قضية الرق ، فالاسلام لم يحرم الرق ولم يلغه ولا يوجد أي نص يشير الى نية بإلغائه تدريجيا كما يقولون ، ولا ندري من أين اخترعوا ( نظام الغاء الرق بشكل غير مباشر ) الذي يحدثنا عنه أبو خليل وغيره من الاسلاميين !! فالتشجيع الأخلاقي على العتق وجعله كفارة لبعض المعاصي لا يُسمى ( الغاء للرق ) وحتى اذا سلمنا جدلا بوجود سياسة لإلغاء الرق تدريجيا فلم نفهم مبررات هذا التدرج في قضية حاسمة ومصيرية وهي الحرية ؟؟
لقد وجدنا الاسلام يحرم وبشكل فوري ومباشر الكثير من العادات التي كانت متأصلة في عمق المجتمع الجاهلي مثل الربا والميسر وحرمان المرأة من الميراث والتبني وبطلان زواج الرجل من زوجة متبنيه ... بل لقد حسم وبشكل قاطع ونهائي مسألة خطيرة وهي الشرك وكل ما يمت له بصلة .. فلماذا التدرج المزعوم في قضية تحريم الرق ؟؟
و اذا كان الاسلام يحث بالفعل على عتق الرقيق فترى الم يكون باستطاعة محمد ذاته أن يبدأ بنفسه ويعتق اماءه ؟؟ ( تؤكد الروايات انه كان للرسول أربع سراري كما ذكر ابن القيم في زاد المعاد : 1/114)
أما الامام علي فقد كان زاهدا بالفعل .. اذ مات ولم يكن تحت يمينه سوى 19 سرية فقط !!! ( ابن كثير : 7/244- تاريخ الخلفاء : 176)
اذا كان محمد وخلفاؤه جادون في محاربة الرق فلماذا لم يبدؤوا بأنفسهم ؟؟...
والخلاصة ... لقد حافظ الاسلام على نظام الرق الذي يجرد العبد من انسانيته ، فلا يستطيع العبد ان يتزوج الا بأذن سيده ، ولسيده ان يطلقه اذا شاء ، وللسيد أن يطأ أمته بل ويحللها لغيره اذا شاء !! ولا تُقبل شهادة العبد ، ولا يقام حد القذف على من أتهم عبدا بالزنا ، ولا يُطبق مبدأ القصاص اذا كان المجني عليه عبداً ، و حد الزنا على الأمة هو نصف حد الزنا على الحرة ، ودية الحر تختلف عن دية العبد ( راجع الاحكام الخاصة بالعبيد في كتب الفقه لتجد أن الفقه الاسلامي العادل يميز في كل شيء بين العبد والحر .. بل لقد وصل التمييز الى العبادة ايضا ! اذ لا يجب الحج ولا الجهاد ولا صلاة الجمعة على العبد وذلك كي لا يُشغل عن خدمة سيده !!)
والغريب في الأمر أننا نجد اليوم من ينظّر لفقه الرق ويعتبره ( مظهرا من مظاهر عظمة الشريعة الاسلامية ودقة احكامها وبرهانا جديدا على مرونتها وصلاحيتها لكل زمان ومكان !! ) ( هذه مشكلاتهم للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي : 62 )
لماذا ؟؟؟ لأن شريعة الرق توفر للحاكم المسلم الوسيلة التي يرد بها على عدوه اذا فكر باسترقاق المسلمين من باب المعاملة بالمثل !! أي اذا اراد عدونا أن يرتكب جريمة فهذا يبرر أن نرتكب جريمة مماثلة بأبناء جلدته نكاية به !! (في البوسنة اقامت عصابات الصرب معسكرات جماعية لاغتصاب المسلمات البوسنيات .. فهل يصح عقلا وشرعا ان نعامل نساء الصرب بذات الطريقة من باب المعاملة بالمثل التي تجيز لنا استرقاق الكفار ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ )
ترى ....... هل كان الاعلان العالمي لحقوق الانسان اكثر عدلا من الشريعة الاسلامية عندما حرم الرق نهائيا ؟؟ في حين مازال الاسلاميون اليوم يدافعون عن تشريع الرق بحماس شديد ويرونه تشريعا ابديا ابد الدهر ؟؟