أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عادل الامين - دراسات سودانية:(10)الجبر والاختيار















المزيد.....

دراسات سودانية:(10)الجبر والاختيار


عادل الامين


الحوار المتمدن-العدد: 1981 - 2007 / 7 / 19 - 05:36
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ومسألة الجبر والاختيار ، أو التسيير والتخيير ، تمثل جماع العلاقة بين الفرد والكون ، وهي مشكلة أعيت دقائقها الفكر البشري في جميع عصوره ، وقد أنى لها أن تبرز من جديد ، وأن تستحوذ على كل اهتمام المفكرين ، ذلك بأن ضرورة فهمها ، فهما دقيقا ، لا تجئ من قبيل الترف الذهني ، كما قد يتبادر إلى بعض العقول ، ولا هي مسألة لا تعنينا في أمر معيشتنا اليومية ، أثناء الكسب والصرف ، كما قد يتبادر إلى بعض العقول الأخرى ، وإنما ضرورة فهمها تجئ من الحاجة إلى المنهاج العملي لتحقيق الحريـة الفرديـة المطلقة ، والحرية الفردية المطلقة هي منـذ اليـوم المركز الذي منـه تتفـرع ، وتشـع الحرية الجماعيـة ، بجميع صورها ، وفي كافـة مستوياتهـا ، تدخل في ذلك معيشتنا اليومية ، أثناء الكسب وأثناء الصرف .
والسؤال المزمن هو ، هل الإنسان مسير إلى مصير مبرم ؟ أم هل هو مفوض إليه ليختار في أمر مستأنف ؟
لقد قـرر المعصوم في هـذا تقريرا فيـه لحاجـة المؤمن غناء ، كل الغناء ، وذلك حين قال : (( من آمن فقد آمن بقضاء وقدر ، ومن كفر فقد كفر بقضاء وقدر ، رفعت الأقلام ، وجفت الصحف )) ولما قال بعض الأصحاب (( ففيم التعب إذن يا رسول الله؟ )) قال (( أعملوا فكل ميسر لما خلق له ! )) فانصرف الأصحاب لعملهم ، واعتصموا بإيمانهم ، فعصمهم ووسعهم . (( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم ، تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم )) .
فحاجة المؤمن مكفية بالإيمان نفسه ، ولكن حاجة المسلم هي التي تحتاج إلى مزيد من العلم يدخل بها مداخل اليقين ، ويحرز لها طمأنينة القلب . ألم تر إلى إبراهيم الخليل (( وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى ، قال أولم تؤمن ؟ قال بلى ! ولكن ليطمئن قلبي ! قال فخذ أربعة من الطير ، فصرهن اليك ، ثم اجعل على كل جبل منهن جزءاً، ثم ادعهن ، يأتينك سعيا ، واعلم أن الله عزيز حكيم . ))
ولقد خلف من بعد الأصحاب ، خلف لم يسعهم في هذا الأمر ما وسع الأصحاب ، فبدا لبعضهم ، وهم أصحاب الرأي ، أن التسيير المطلق مع العقاب على الخطيئة يشبه قول من قال :
ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء
وهذا ظلم ، ولما كان الله تبارك وتعالى منزها عن الظلم ، ولما كان العقاب على الخطيئة ثابتا ، في الشريعة وفي الدين ، فلم يبق إلا أن يكون الإنسان متمتعا بشئ من الاختيار ، به يستحق العقاب ، حين يخطئ ، ويستأهل الثواب ، حين يصيب . وكذلك اعتقدوا ، فتورطـوا في الشرك من حيـث أرادوا التنزيه .. ومد لهؤلاء في غيهم أمران : أولهما أن البداهة ، وظاهر الأمر ، توحي بأن للإنسان اختيارا يبدو في حركاته الاختيارية ، فهو يستطيع أن يمشي ، إن شاء ، أو أن يجلس ، أو أن يقف ، هذا إلى جملة حركات أخرى ، وسكنات ، كلها تقع تحت اختياره وإرادته . وثانيهما أن ظواهر القرآن تقر الإنسان على ما أعطته إياه هذه البداهة المعاشة .
وهناك أصحابنا الصوفيـة ، وهـم ، في عمـومهم ، قـد حاولوا أن يكتفـوا ، من هـذا الأمـر ، بما اكتفى به الأصحاب ، ولكـن حكم الوقت ، وإلحاح الفـرق الأخرى ، قد اضطـر بعضهم أن يقـرر أن الإنسان مسير ، في كل صغيـرة وكبيـرة من أمـوره ، وانه مـع ذلك ، معاقـب بالإساءة ، مجـازى بالإحسان . وليس الله ، في كل أولئـك ، بظالم ، لأنـه لم يتصـرف في ملك غيـره . واضطر البعـض الآخر أن يقـرر التسيير المطلق مع العقوبة ، ثم خرج عن مسألة الظلم هذه بقول الله تعالى ، (( لا يسأل عما يفعل ، وهم يسألون . ))
وأجمع كبار عارفيهم على أن التوفيق بين التسيير المطلق ، وهو أمر يوجبه التوحيد ، والعقاب ، والعدل الإلهي ، إنما يلتمس في حكمة العقاب . وذهبوا في البيان مذاهب كانت وافية بحاجة عصرهم ، والعصور التي تلته إلى يومنا هذا ، ولكننا ما نرى أنها تكفي حاجة الفكر الحديث ، منذ اليوم .


القرآن والجبر والإختيار

ولقد بنى أصحاب الرأي رأيهم على القرآن ، وساقوا منه آيات بينات للتدليل على صدقهم ، ولقد بنى الصوفية ، وهم يقفون من أصحاب الرأي موقف النقيض من النقيض ، مذهبهم على القرآن أيضا ، وساقوا منه آيات بينات للتدليل على صدقهم . ولقد ورطت هذه الظاهرة الغريبة كثيرا من المستشرقين ، ممن عنوا بدراسة القرآن ، في خطأ جسيم ، فظنوا أن بعض القرآن يناقض بعضا ، وأسرفوا في ذلك على أنفسهم ، وعلى مواطنيهم ، والحق ، في هذا الأمر ، أن للقرآن ظاهرا وباطنا ، فظاهره عني بظواهر الأشياء ، وباطنه قام على الحقائق المركوزة وراء الظواهر ، ثم اتخذ ، في نهجه التعليمي ، الظواهر مجازا يعبر منها العارف إلى البواطن ، وهو في ذلك يقول (( سنريهم آياتنا ، في الآفاق ، وفي أنفسهم، حتى يتبين لهم أنه الحق ، أولم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد ؟ )) والظـواهر هنا آيات الآفاق ، والبواطن آيات النفوس . وأبواب العقل على آيات الآفاق هي الحواس ، والحواس قد جاءت كلها مثاني ، من يمين وشمال ، على تفاوت في القوة بينهما ، فينتج عن هذا أن ما تؤديه العين اليمنى ، إلى العقل ، من الشئ المرئي ، يختلف عما تؤديه العين اليسرى منه إليه . وليست صحة الأمر بينهما . وهذا يعني أن تجري غربلة في العقل ، بها يتخلص مما يسمى خداع الحواس ، ويخلص إلى الأمر على ما هو عليه في الحق .
وكثير من العقول الساذجة لا تملك القدرة على الإنعتاق من أسر الحواس ، والعقول ، على إطلاقها ، شديدة الاعتماد على معطيات الحواس ، ولما كان القرآن كتاب عقيدة ، وشريعة ، وحقيقة ، ولما لم تكن إلى حقيقته من سبيل إلا عن طريق عقيدته ، فشريعته ، ولما لم يكن من مصلحة العقيدة أن تصادم دعوتها ما تعطيه البداهة المشاهدة بالعين ، فإنه جاءنا بظاهر يجاري الوهم الذي أعطتنا إياه الحواس عن عالم الظاهر ، وبباطن يرتكز على الحق الصراح . وهـو ، بمجاراتنا في وهمنا ، إنما أراد أن يدفع عنا المشقة ، حيث لم يكن موجب للمشقة ، ريثما ينقلنا ، على مكث ، إلى الحق . ولنسق على ذلك مثلين : مثلا في مستوى مجاراة وهم الحواس ، وهو وهم غليظ ، ومثلا في مجاراة وهم العقل ، وهو وهم دقيق : فأما المثل الأول ، فإن القرآن عندما جاء يدعو إلى العقيدة قوما يرون بأعينهم أن الأرض مسطحة ، لم يشأ أن يجمع عليهم ، إلى مشقة الدعوة إلى عقيدة في الإله جديدة ، مشقة الدعوة إلى فكرة جديدة، عن الأرض ، تناقض البديهة المرئية بالعين ، فجاء في سياقه بآيات عن الأرض لم تزعج المدعوين عما ألفوا من أمرها ، فقال (( والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون * والأرض فرشناها فنعم الماهدون )) وقال (( ألم نجعل الأرض مهادا * والجبال أوتادا؟ )) وقال (( والأرض بعد ذلك دحاها * أخرج منها ماءها ومرعاها )) وقال (( والأرض مددناها ، وألقينا فيها رواسي ، وأنبتنا فيها من كل شئ موزون )) ، فإذا دخلوا في العقيدة ، وعملوا بالشريعة ، تبين لهم أن الأرض ليست مسطحة إلا فيما ترى العين ، وليس إلى الحقيقة من سبيل إذا أسقطنا ما تـرى العين ، كل الإسقاط ، من حسابنا ، كما أنه ليـس إلى الحقيقـة وصـول إذا ظللنا أسـرى أوهـام الحواس ، وإنما الـرشد أن نجعـل ما ترى الأبصار مجـازا إلى ما تـرى العقـول ، وما ترى العقـول مجازا إلى ما تـرى القلـوب ، وهو الحـق ، ثم هو الحقيقـة ، في الفينة بعد الفينة .
والمثل الذي يجاري وهم العقل تعطيه هاتان الآيتان ، (( لمن شاء منكم أن يستقيم * وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين )) فإن السالك المجود ، وهو في أول الطريق ، إذا قرأهما فهم من أولاهما أن له مشيئة مستقلة تملك أن تستقيم ، كما تملك أن تلتوي ، ولم يفهم من ثانيتهما إلا ما تعطيه اللغة ، فيجتهد في سبيل الاستقامة في تشمير وجد . حتى إذا نضجت تجربته بالمجاهدة ، ومصابرة النفس ، علم يقينا أنه لا يملك مع الله مشيئة ، وأصبح الخطاب في حقه ، ساعتئذ ، قوله تعالى (( وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين )) ويعرف أن قوله تعالى(( لمن شاء منكم أن يستقيم )) قد أصبح في حقه منسوخا ، بعد أن تخلص من وهم عقله . هذا مع الفهم الأكيد للحكمة التي من أجلها جاءت هذه الآية الكريمة .
فالقرآن ساق معانيه مثاني .. معنى قريبا في مستوى الظاهر ، ومعنى بعيدا في دقائق الباطن ، ولكن أصحاب الرأي لم يفطنوا إلى ذلك ، فجعلوا الآيات التي تجاري أوهام الحواس ، والتي تجاري أوهام العقول ، سندهم ، وبنوا عليها علمهم ، فضلوا كثيرا وأضلوا .
وأما الصوفية فقد تفطنوا إلى ذلك ، وعلموا أن أوهام الحواس ، وأوهام العقول ، يجب التخلص منها بأساليب العبادة المجودة ، التي تبلغ بهم منازل اليقين المحجبة بحجب الظلمات ، وحجب الأنوار .



#عادل_الامين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دراسات سودانية(4)المدنية والحضارة
- سيرة مدينة: ....بيت الشاتي...........
- حدث في معسكر اللاسلكي
- كانوا في زيارة ابنهم ال(ديك..تور)ا
- الغجر..أول دروس الحرية
- فضائية الحوار المتمدن
- ملامح من الفكر السوداني المعاصر(6-7):الاسلام والسلام
- ملامح من الفكرالسوداني المعاصر(5-7):آيات الاصول وآيات الفروع ...
- ملامح من الفكر السوداني المعاصر:(4-7)المجتمع العبودي،المراة، ...
- ملامح من الفكرالسوداني(3_7):الفرد والمجتمع
- ملامح من الفكر السوداني المعاصر(2-7) نشاة المجتمع
- ملامح من الفكر السوداني المعاصر(1_7):تطوير شريعة الاحوال الش ...
- ملامح من الفكر السوداني المعاصر:الرق والراسمالية ليستا اصلا ...
- الديمقراطية والاشتراكية والإسلام ((ملامح من الفكر السودانى ا ...
- سيرة مدينة:الخرطوم 1991
- كلاب بابلوف تعاود النباح من جديد
- الغرب والاسلاميين كمثل العنكبوت اتخذت بيتا
- اساطير النزاعات في ميزوبتميا ووادي النيل
- رسالة الى مواطن عراقي
- السيرة الذاتية ل(شجرة الموسكيت)ا


المزيد.....




- عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي ...
- أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع ...
- الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى ...
- الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي- ...
- استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو ...
- في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف ...
- ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا ...
- فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عادل الامين - دراسات سودانية:(10)الجبر والاختيار