معركة بغداد ستكون الأشهر في تاريخ البشرية!
ويوم 9 نيسان 2003 هو اليوم الأول من سقوط أمريكا!
جرت خلال الأيام الأخيرة أحداث بعضها روتيني وبعضها غير عادي، وأحدها كان مباغتا أو لا يمكن الحكم عليه بعد.
ومن الأحداث الروتينية: انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة لمناقشة الموضوع العراقي، وإعلان جانبي عن تدريب السفارة الأمريكية لمجموعة من العراقيين، وتفاعل قضية كيلي. أما الأحداث غير العادية فمنها بيان عرض العراق بالمزاد الذي تلاه وزير المالية ثم نكران مجلس الإمعات له، واغتيال السيدة عقيلة الهاشمي. أما الحدث المباغت فهو إعلان كارتيل النفط - الأوبك تخفيض الإنتاج بمعدل 900000 برميل يوميا أو بما معدله 25 مليون برميل شهريا.
وسابقا، كنا قد اعتدنا على أن تكون قرارات الأوبك، مجرد صدى لما تتخذه وزارة الطاقة الأمريكية. وشأن الأوبك في تبعيتها للإدارة الأمريكية هو شأن مثيلاتها مؤتمرات القمم الإسلامية والعربية ومكافحة الإرهاب، ومؤسسات حوار الحضارات وتلميع الصور ،،الخ.
لكن إعلان الأوبك الأخير خالف النمط المعروف عن الأوبك، ومن حيث توقيته حصرا.
فالنفط العراقي وبقرار من المقاومة العراقية، لا يصدر، أو يتعثر تصديره. وربما يصدر بعض منه عن طريق الكويت حصرا، لكنه تصدير يباع في السوق السوداء ولصالح السمسار المتدين وزير النفط العراقي - بحرالعلوم الابن ولصالح بحرالعلوم الأب وبعض السماسرة من مجلس الإمعات. المهم إن النفط العراقي لا يصدر رسميا وما يباع منه بالسوق السوداء لا يصل إلى الخزانة الأمريكية. ناهيك عن إنه قليل نسبة إلى المعتاد من حصة العراق، فلا يفي باحتياجات السوق ولا يؤثر على العرض والطلب. هذا من جانب.
ومن جانب آخر، فنصف الكرة الأرضية الشمالي – الأكثر سكانا، على أبواب الشتاء – موسم الاستهلاك الأعلى للطاقة.
أي هناك عاملان يرفعان من الطلب على النفط، تعثر التصدير العراقي وموسم الشتاء. وسابقا كانت الأوبك ترفع سقف الإنتاج أما لتغطية الطلب، أو بناءً على حاجة أمريكا – البلد الأكثر استهلاكا للطاقة في العالم.
لكن الذي جرى عكس المتوقع كليا. حيث أعلنت الأوبك خفض الإنتاج بمعدل 900000 برميل يوميا أو ما معدله 25 مليون برميل شهريا.
فمن اتخذ هذا القرار وما هي خلفياته؟!
أولا:
لا خوف أن يدلل الآباء ابنا لهم دون إخوته، ولا خوف أن يكون المدلل عاقلا حليما مسالما عزيز النفس أو جاهلا مخبولا شريرا وضيعا. لكن الخوف كل الخوف، أن يجمع هذا المدلل مصائر إخوته بيده، خصوصا إذا كان من النوع الثاني والذي عمـّق الدلال نوازع الأنانية عنده.
وعلى الصعيد العالمي لازالت تتوارد أخبار عن مناورات مشتركة بين أمريكا وجزر القمر في المحيط، وتدريب خبراء أمريكان للجيش الفلبيني على مكافحة الإرهاب، وتدريب الشرطة الأمريكية لشرطة السواحل اليمنيين على كيفية حماية الحدود المائية لليمن، ومساعدة عسكرية خبراتية من أمريكا للجيش الأندونيسي، ومناورات مشتركة ما بين غواتمالا وأمريكا على مكافحة تهريب المخدرات،، الخ. بل وأغرب ما سمعت، هو خبر: أن السفارة الأمريكية في البحرين استقدمت 47 مواطنا عراقيا من بغداد لتدربهم على الوعي الديمقراطي!
والخبر أذاعته فضائيات عديدة، والمتدربون على أية حال لازالوا في المنامة يتلقون دروسهم من السفارة الأمريكية هذه، وعلى شيء وهمي لم يتدرب شخص قبلهم عليه.
ونحن في العراق أو غيره، نفتقد إلى الممارسة الديمقراطية، أما الوعي الديمقراطي فهو موجود، ولولاه ما شعرنا بالدكتاتورية وعاديناها. وشرطة اليمن كانت ومنذ فجر التاريخ قادرة على حماية سواحلها. واندونيسيا بلاد أحراش وغابات وشعبها وجيشها متعود على بيئة بلاده وهو من يجب أن يدرب الجيش الأمريكي وليس العكس. وترويج المخدرات في العالم عموما وفي أمريكا على وجه الحصر بتزايد مما يدل على بؤس الخبرة الأمريكية أو حاجة الجيش الأمريكي لمن يدربه وليس العكس.
مجملا، فما يعتقد الجيش الأمريكي أنه يمنحه لغيره من خبرات أو معونة أو مشاركة، كل هذا لم يثبت جدواه في بلد، وأغلبه على أية حال دون ما هو موجود عند الممنوحين. ومن هنا فهو إن دل، فعلى شيء واحد فقط وهو التدخل الأمريكي المباشر في الصغيرة والكبيرة للدول لفرض مرجعية واحدة على العالم.
وفرض المرجعية الواحدة على العالم ليس بالأمر السيء في كل الأحوال! فكل الأديان تحاول فرض مرجعيتها الواحدة. لكن السيء في المرجعية الأمريكية هو أن المتحكم بها مجموعة ضيقة جدا من عتاة اليمين الأنجلوصهيوني، مجموعة لا ترى في غير مصالحها الخاصة الضيقة مقدسا. ناهيك أنها تفتقر لكل ما يمت إلى الحكمة والعدالة بصلة. فمن ليس على دين بوش إرهابي ومن لا يعطي كل ما يملك لصهيون لاسامي ومن لا يعتنق اختيارية أمريكا على الناس سلفي متخلف. وهذه المجموعة تجمع كل خيوط اللعبة السياسية في العالم بيديها وعبر شبكة معقدة. والسّيء الأكبر في هذه المجموعة أنها لا تفكر بالعواقب. فالذي يجمع خيوط اللعبة العالمية عنوة في يديه، إذا سقط حلت الفوضى، وإذا بقى هلك الناس، وبالأخص العالم الثالث، من الجوع.
ثانيا:
وقبل أيام جرت تصفية السيدة عقيلة الهاشمي، واتهمت المقاومة الوطنية العراقية بالأمر.
والاتهام تقليدي، ويقال بعد كل عملية من هذا النوع. والحقيقة فقد أعلنت المقاومة الوطنية أن جميع أعضاء مجلس الإمعات وغلمانهم هدفا مشروعا لها، حالها في ذلك حال كل المقاومات الوطنية في العالم التي تحرم التعاون مع المحتل. والراحلة، ومع شديد الأسف، تعاونت وكانت لسانا ناطقا للمحتل.
وعام 1990 أعلن ولي عهد الكويت أن كل من يعمل في دوائر الحكومة الكويتية، بعد 2 أغسطس يعتبر مفصولا عن عمله وبحكم الخائن. وآنها افترض من ادعى المعارضة للنظام العراقي أن هذا عين الحق الذي لا غبار عليه ومشروع بقوانين الأمم وأعراف مقاومة الاحتلال. وبالتالي فإن كانت العملية من فعل المقاومة فهي مشروعة.
على أية حال فقد قتلت السيدة عقيلة الهاشمي وذهبت إلى رحمة الله، ونسأل الله لها المغفرة والعفو.
ومقتلها، إذا ما عولج كحادث أليم، سيلقي حتما بظلاله على فاجعة الصحن العلوي، ويثير حسابا طواه المعنيون. فالفرق الشاسع بين آلية وتوقيت وأداة تنفيذ المحاولتين تظهر براءة المقاومة الوطنية العراقية من فاجعة الصحن. وعموما فلا المقاومة الوطنية بحاجة للتبرؤ من فاجعة الصحن ولا الشعب العراقي بحاجة إلى إيضاح من أحد ليعلم من وراء فاجعة الصحن. فالفاعل هو الموساد وبالتعاون مع عناصر في المجلسين – الإمعات، والأعلى لما يسمى بالثورة الإسلامية. وقد جرى تحقيق أولي أعلن فيه القبض على عناصر من القاعدة وفلول ما، وأعلن أن التحقيق جرى بمساعدة الـ cia وfbi الوكالتين الأكثر مصداقية! وشرفا!! ومهنية!!! في عالم التحقيقات القضائية. بدليل ما كشفتاه!! عن أسلحة الدمار العراقية قبل الغزو!!
ونحن، وانطلاقا من ثقتنا! بشرف ومهنية هاتين الوكالتين! طالبنا ولا زلنا نطالب بكشف مصير التحقيق، ولازلنا نتساءل عن سبب صمت القبور الذي لف قضية فاجعة الصحن.
كما سيلقي اغتيال الراحلة الهاشمي من الجانب بظلاله الآخر على أمر ربما أكثر حساسية، أو لا يمكن إغفاله. ألا وهو سهولة الوصول إلى أعضاء مجلس الحكم رغم ما يلوح من إجراءات أمن مشددة يفرضها الاحتلال حولهم. وهو أمر يحتمِل أن يكون رصد المقاومة الوطنية قويا،، أو أن تكون الإجراءات الأمنية صورية وأن اغتيال السيدة الهامشي سيطوى عاجلا كما طوي ملف فاجعة الصحن قبله.
ثالثا:
في طريقه ليخطب على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة، تراجع بوش قليلا ليتقدمه كوفي عنان، وفي إشارة لا تخلو من مغزى على خلفية سيطرة الموضوع العراقي على اجتماعات هذه الجمعية. ثم ألقى خطابه فتوسل العالم أن يموتوا دفاعا عن المصالح القومية الأمريكية، ثم لم يلبث وإثر لقاء له مع شرودير، أن أعلن بملامح النصر والنشوة، أن الخلاف بين أمريكا وألمانيا بصدد العراق قد تم تجاوزه.
وبوش المتراجع المتذلل إلى العالم اليوم بعد أن مرغ أحرار العراق وأفغانستان وفلسطين أنفه بالتراب، هو ذاته بوش الذي أعلنها قبل عامين حربا صليبية على العرب والمسلمين، وهو عينه الذي حين أعرض عن العالم والشرعية الدولية قال قبيل غزو العراق بيومين فقط، قال وعلى لسان مندوبه في الأمم نجروبونتي أن: (( لقد خصصا مبلغ 350 مليون دولار لمساعدة الشعب العراقي))، وهو الذي أعلن في شهر مايس الماضي نهاية العمليات العسكرية في العراق. وهو الذي لجأ اليوم إلى مجلس الأمم يستجدي المساعدات العسكرية. وبوش هذا هو ذاته التي أقرت محكمة في بلجيكا قبول الدعوى عليه لقيامه بغزو العراق دون أسباب معروفة.
فيا لعبرة القدر؟!
أما النصر الذي اصطنعه أو تخيله بعد لقاء شرودير، فيضحك عليه الدبلوماسيون. لأن الإعلان، حسب العرف الدبلوماسي، عن تجاوز الخلاف في موضوع ما، يعني أن الخلاف حوله مستحكم لذا يجب تجاوزه إلى غيره.
والأزمة التي يعيشها القرار الأمريكي لا يبدو أنها محصورة في العراق وحده. فقد حملت الفضائيات نبأ استيلاء المقاومة الأفغانية على أربعة أقاليم تحاذي باكستان. ناهيك عن تأزم الحالة إلى أقصاها في الشمال الأفغاني إثر خروج دوستم من مواقع المسؤولية في وزارة الدفاع بالتغييرات الجديدة التي أعلنها كرزاي. الأمر الذي حدا ببعض المحللين الأمريكيين، وفي مقابلة له مع كريستيان أمانبور يوم الاثنين الماضي أن يقول من على فضائية الـ cnn أن: (( الحال مظلم جدا ))
وهذا الانتكاس الذي يعيشه الجبروت الأمريكي بدأ يطرق أبواب الإدارة الأمريكية في عقر دارها. فالأصوات بدأت تتعالي مطالبة باستقالة السفاح رامسفليد، وبدأت الأحاديث عن أعداد القتلى الأمريكان في العراق على وجه الخصوص تتزايد، حتى أن طلب رامسفيلد الأخير لمبلغ 87 مليارد دولار صار عرضة للجدل. بل وبدأ بعض السناتوارت يعلن صراحة أن: (( دع العراقيين يعيدوا إعمار بلادهم من نفطهم! )).
(( أي أن نعيد إعمار بلادنا التي دمروها بقنابلهم وصواريخهم ))
والكونجرس وهو يرى الورطة الماثلة قد يقر أقل من المبلغ الذي طلبه رامسفليد أو يقره كاملا. لكن هذا لا يغير من الأمر شيئا. فالخسائر في العراق وأفغانستان ماضية إلى التزايد، بل ووتيرة العمليات اليومية ضد الأمريكان في كلا البلدين تتصاعد، مما سيحتم على البنتاجون الحاجة إلى مزيد من الأموال، وربما بعد أشهر فقط من الآن.
وهكذا ودون أن تلوح نهاية ما في الأفق.
كما لا تبدو أية إمكانية واقعية لتسويق النفط العراقي، لسد التكاليف واستيفاء رأس مال الغزو على الأقل. ولا تبدو أيضا أية إمكانية لاشتراك فعلي ومؤثر لدول العالم في تكاليف الاحتلال.
ومن هنا، فقرار بيع العراق بالمزاد العلني، وإن كان ساريا بشكل أو بآخر، هذا القرار طرح ربما كآخر ورقة لإثارة الفضول.
وورقة بيع العراق بالمزاد التي أعلنها وزير مالية الإمعات، والحق يقال كانت حلا عبقريا لو كتب له النجاح. فهو كحل يشتمل على بيع العراق بالجملة والتخلص منه ومن تبعاته، من جهة، ومن جهة أخرى يجبر المشترين على الذود عن ممتلكاتهم في العراق، أي إرسال جنودهم إليه. وحيث طمح الاحتلال بأكثر عدد من المشترين، فقد قصد من وراء ذلك، أن يجعل المقاومة الوطنية مقابل أكبر عدد من المشترين، ليضيع دم العراق ويتشتت شمل المقاومة.
لكن قرار بيع العراق، كما يبدو لم يلق صدا عند المشترين، أو عند المشتري الأساس – الصهيونية العالمية! فممن سيتم الشراء وما هي قانونية وثائق الشراء وما هي القوانين التي تحكم آلية العمل بعد الشراء؟ ثم من يتورط بأرض تشتعل نارا تحت أقدام المحتلين؟!
رابعا:
أما قضية الأسلحة العراقية وتفاعلاتها في بريطانيا، فأول ما يثير الانتباه هو هذا الترخيص المؤلم لقدر العالم البريطاني الكبير البروفيسور كيلي.
فالبروفيسور كيلي مات مقتولا وليس منتحرا.
والبروفيسور كيلي لم يجار صناع القرار الأنجلوصهيوني لغزو العراق، لذا وحين أوكل إليه أمر التثبت من أسلحة الدمار الشامل، لم يستطع التخلي عن ضميره العلمي والبحثي والعرفي، ويدعي ما ليس موجودا. وكل الدلائل تشير إلى أنه كتب تقريرا مغايرا ولا يصب في توجه بلير أو اليد التي تحركه. وفي تقريره إشارات واضحة وصريحة إلى خلو العراق من أسلحة الدمار أو على الأقل إلى عدم قناعته بوجودها، وعدم قناعته بما طرحه بلير من إمكانية شن العراق لهجوم نووي خلال 45 دقيقة. ناهيك عن اعتراضه الصريح على سرقة المخابرات البريطانية لنصوص من أطروحة طالب عراقي وضمها إلى التقرير الحكومي كمعلومات أكيدة عن أسلحة الدمار. لكن أحدا لم يأخذ بما قال كيلي،، بل زوروا عنه، وصنّعوا الحجج فذهبوا إلى الحرب.
وعلى خلفية العمليات العسكرية لم يعل صوت كيلي. لكن حين انتهت العمليات وعاد المجتمع البريطاني إلى روعه ليكتشف الآثار المدمرة لهذا الغزو إن على بريطانيا أو على الحليف أمريكا، صار الناس يتهامسون ويبحثون في الأوراق، أما عن قناعة وطنية أو انتخابية. وهنا سيكون لملاحظات كيلي القول الفصل، خصوصا وقد بدأت تتسرب إلى الصحافة. لذا قتلوه.
وكي يسفهوا ما قاله مسبقا، وليسفهوا أيضا ما سيظهر عنه من اعتراضات كان قد قالها ولم تأخذ الحكومة بها، لسفهوه في كل هذا ادعوا إنه انتحر. ليعكسوا للمواطن البريطاني والعالم، أن كيلي يعاني من أزمات نفسية، أو أنه قلق بحيث لم يتحمل مجرد ملامة من وزارة الدفاع فذهب وانتحر.
وليتخيل المرء أن رجلا أبا سعيدا لعائلة وناهز الخمسين من عمره ووصل إلى درجة بروفيسور كالسيد كيلي، وكانت له بحوثا علمية عظيمة وأنيطت به مهمة فائقة الخطورة كالبحث عن أسلحة في العراق،، هذا الرجل وبكل عظمة قدره أنتحر لأنه زعل من توبيخ هون أو بلير له!
واللعنة على من يستخف بالموتى وإن كانوا أعداءه!
لكن للموتى حرمة على الباري، خصوصا إذا ماتوا شرفاء أوفياء لما أمنهم الباري عز وجل عليه، وهو الضمير. وبهذا ربما جعل الله سبحانه الحقائق تظهر تباعا. فقد أعلنت الـ bbc يوم الأربعاء (إيلاف) أن: (( الفريق البريطاني الأمريكي الذي يتكون من 1400 عالم وخبير عسكري ومخابراتي، لم يعثر على أي اثر لأسلحة الدمار الشامل في العراق. مثلما لم يعثر على أدنى كمية من المواد النووية أو الجرثومية أو الكيميائية، ولا على أي ناقلة نووية ولا مختبر يهدف إلى تطوير هذا النوع من الاسلحة ))
وإذاعة العبيد من آل الصباح ووزارة إعلامهم التي طبلت وغنت لأسلحة الدمار الشامل، لا ندري ماذا تقول بعد هذا التقرير! وما عساها تقول؟!
هذه هي مفرادات الأحداث التي جرت.
فإذا أعيد ترتيب الأحداث أعلاه مختصرا، فسنجدها تقول:
احتل الأمريكان العراق مفترضين أنه لقمة سائغة، فإذا به عظما واعترض حلقومهم، فتورطوا. فلن يستطيعوا بلعه وقد حمل فتيانه الأحرار السلاح. ولا يستطيعوا الخروج منه، لأن ذلك سيعني نهاية جبروتهم. والأمريكان وهم في هذه الورطة ليسوا في وارد الاهتمام بمجلس الحكم وأمنهم الشخصي. لذا مرت حادثة اغتيال السيدة الهاشمي عابرة، ونسيت قبل أن ينتهي مجلس عزاؤها. وربما، والله أعلم، كان حادث اغتيال الراحلة الهاشمي، مؤشرا على أن أمريكا، وحيث لمست عدم فاعلية هذا المجلس، هجرته أو أباحت دمه فلا هي مسؤولة عن أعضائه ولا أمنهم. وإباحة الدم هذه جاءت أما مؤامرة مدبرة - كشرط ممن تتفاوض الآن معهم في مطار بغداد، لتسلمهم السلطة، وخصوصا الذين منحوا حصانة قضائية كاملة.
أو أباحت دمهم نكاية بما ورطوها به حيث أعلنوا وأكدوا لها مرارا أن الشعب العراقي سيستقبلها بالورود والمزاهر. وهو الاحتمال الأكبر. بدليل التحذير الصريح الذي وجهه باول اليوم إلى مجلس الإمعات لأن ينتهوا من وضع دستور العراق خلال 6 أشهر من الآن.
وهو يعلم إن هذا شرط أكبر من تعجيزي.
فمجلس الإمعات إمعات وليسوا أهلا لدستور أو إصدار قرار. وهو مجلس بلا قوة قانونية ولا تأثير، ناهيك عن أنه مـُكفـّـر من قبل القيادة الدينية العراقية، وهو أيضا هدف مشروع للمقاومة الوطنية. أي مجملا فهو مقيد بأشد ما يمكن، فكيف سيصوغ دستورا، وفي فترة ستة أشهر؟! وأمريكا بجبروتها (الذي كان) عجزت أن تقر شيئا أقل منه – الأمن، وبفترة ستة أشهر أي منذ غزت العراق إلى اليوم!
من هنا، فقراره باول اليوم الذي أعلنه اليوم، هو في حقيقة تبليغ أمريكي صريح إلى مجلس الإمعات وغلمانهم وكل العملاء الذين تعاونوا على غزو العراق، تبليغ مفاده أن الغزاة راحلون خلال الستة أشهر القادمة! وعلى كل فرد أن يتصرف بما ينقذ جلده!
ويبدو أن صاحب القرار في الحكومة السرية العالمية، استعجل أمره، خوفا من القادم المحتوم. فأحرار العالم لابد وترقص قلوبهم فرحا وهم يتابعون أخبار المقاومة الوطنية العراقية الباسلة، ولابدهم يتحفزون ليقوموا بالدور ذاته في بلدانهم. وهي الخسارة الكبرى. ومن هنا فلا بد من جراحة عاجلة يتم التضحية بها بالرأس الأسهل، وهو هنا بوش، ليذهب بالشرور، فتهدأ الخواطر ولو مؤقتا. ولهذا أيضا سكت، أو دفع أو تقبل قرار الأوبك بخفض الإنتاج ليعمق الأزمة فيعجل بسقوط بوش انتخابيا، عسى ولعله يكون كبش الفداء الوحيد، ولا شيء غيره.
ولا يهم من وراء قرار تخفيض النفط حقيقة، ولا يهم إن كان لاعبا جديدا قد ظهر على الساحة الدولية، أم لا ؟! المهم أن لعنة أكد بدأت الفعل على جبروت أمريكا. وسقوط هذا الجبروت بدأ يوم دخلت أمريكا بغداد.
وبغداد ستتحرر عن قريب، رغم أنف بريمر وإمعاته وغلمانهم وأتباعهم العملاء!
بدليل أن كوفي عنان بدأ سحب أعوانه من العراق،، الإجراء الذي فعله يوم 20 مارس لصالح أمريكا، ويفعله اليوم لصالح أحرار العراق!
فليسجل أحرار العالم يوم التاسع من أبريل 2003 كأول يوم بدأ به مسلسل سقوط الجبروت الأمريكي. مسلسل السقوط الذي قضى الله سبحانه وتعالى ولحكمة عنده، أن يؤلفه وبمثله فتيان شنعار الأشداء، وتحت شعار بسيط جدا هو: (( بغداد أو الموت! ))
فتحية لفتيان المقاومة!
وانحناءة إجلال وإكبار لهم وللأرض التي يمشون عليها!