|
لعراق الجديد ..الحقيقة والوهم
ثائر سالم
الحوار المتمدن-العدد: 1979 - 2007 / 7 / 17 - 04:52
المحور:
المجتمع المدني
ا لااعتقد ان احدا ، من المشاركين في "العملية السياسية" او من خارجها، كان بامكانه توقع ماحصل، وان يكون هذا، هو العراق الذي اراده وحلم به. "فالعملية السياسية"، لم تقدم حتى الان منجزا يوازي الثمن الذي لازال يدفعه الشعب. فلا وعود توفير "الدواء والغذاء والعلاج " وتحويل العراق الى واحة الديموقراطية وهونغ كونغ الشرق الاوسط الجديد، ولا احلام الديموقراطية والحرية، ودولة القانون والمؤسسات، وجدت طريقها الى ارض الواقع. حتى اولئك السياسيون الذين لازالوا يتصدرون مشهد العملية السياسية، وتظاهروا بتصديق تلك الوعود، لايجدوا امامهم اليوم غير حصيلة بائسة وكارثية.
والتحرير الذي تغنى به المحتل وزعماء العملية السياسية ، كان تحريرا للمجتمع ، من العلم والعلماء ، الدولة والقانون ، من الامن والاستقرار. من كل مظاهر التمدن والتحضر ، التي ميزت الحياة في المجتمع العراقي. الامر الذي ادى الى حصول نهب لامثيل له للمال وللممتلكات العامة الدولة ، وانتشار الفساد الاداري والمالي. وتحريرا لكل قوى الظلام والتخلف وميليشيات الموت والارهاب من سطوة الدولة والقانون، واحكام سيطرتها على احياء ومدن كاملة ،اطلاق يد عصابات الجريمة المنظمة، في القتل الجماعي والعشوائي، وسرقة اموال المواطنين وممتلكاتهم وتهجيرهم من مناطق سكناهم، والاستحواذ على مساكنهم ، بل وقتل ساكنيها ان اقتضى الامر.
اما الديموقراطية التي وعدنا بها وكانت حجة التحرير بعد افضاح اكذوبة اسلحة الدمار الشامل ، فلم تسفر سوى عن ديموقراطية التوافق والمحاصة الطوائفية، التي غطت كل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، والنظام السياسي، و حتى القضائي والتشريعي. طائفية شرعنها دستور، وجسدها نظام سياسي ، وتحميها دولة. طائفية تركت اثارها الواضحة على مستقبل البلد، كدولة وشعب ووطن ، وعلى علاقة المواطنة والسلم والتعايش بين ابنائه.
وبافتراض ترجيح كفة تأثير الاحتلال والتدخل الاقليمي، على الدور السلبي جدا لاغلب احزاب العملية السياسية، التي كان اكبر سيئاتها قيامها على اسس طائفية ، التي باتت اليوم تهديدا يصعب السيطرة عليه، والتحكم بمداه. ففي اجواء شحن غرائزي او عاطفي، جرى توظيف مظلومية (الطائفة اوالمذهب او القومية) ، بطريقة اساءت لذلك الجزء الحقيقي من تلك المظلومية باثارة نزعات الثأر والانتقام وباشكال ، لم يعرف تاريخ العراق الحديث مثيلا لها في همجيتها وساديتها، فالجثث المفصولة الرؤوس ، او المرمية في اماكن القمامة ، او في الشوارع والطرقات، هي جرائم لم تعرفها حياة العراقيين .
ولاول مرة، غدت الطائفية شيئا معاشا في حياة الناس اليومية ، وفي مناطق سكناهم ، وفي المجتمع والدولة والنظام السياسي. والهدف الحقيقي لم يكن سوى الاستحواذ على السلطة من قبل رجالات العهد الجديد، وضمان مكاسب سياسية، شخصية، حزبية ـ فئوية. ان الاعتقاد بان مظاهرالظلم والتمييز، التي لحقت بقطاعات واسعة من الشعب، رغم عدم موضوعية انكار حدوثها، انما كانت لاسباب طائفية شوفينية، هو اعتقاد لايقوم على ما يكفي من الشواهد لاعتباره سببا اساسيا ، اقوى واوضح، من سبب الاعتبارات والدوافع السياسية التي يقع في مركزها موضوع حماية السلطة والتشبث بها . بمعنى ان السبب السياسي ظل دائما العامل الاساسي. وهذا ما يتجلى اليوم ايضا ، في الصراع السياسي الدائر حول السلطة .
ان الاحزاب السياسية لايمكنها ان تكون احزاب وطنية حقا وهي تقدم هوية اخرى على اولوية هوية المواطنة. والصراع الذي تخوضه انما هو اولا: صراع يخوضه اناس متساوي القيمة والمرتبة البشرية والحقوق المدنية، لا صراع تخوضه تشكيلات تقوم على رعايا وتبٌع مقابل اسياد وشيوخ او بشرا بمراتب غير بشرية..وهو ثانيا صراع يشترط اولوية المصلحة الوطنية والهوية الوطنية على اي انتماء او هوية اخرى ، حتى لو كانت هوية قومية من حقها الاستقلال، ولكنها اختارت البقاء ضمن الوطن.
فالمواطنة كعلاقة، قانونا ،او كثقافة موقفا وممارسة، يرتبط غناها وتطورها، بمدى تطورالدولة والمجتمع. والمواطنة العراقية لا تشذ عن هذه القاعدة ، الا بمقدار خصوصية ظروف الدولة والمجتمع العراقي . فوعي المواطنة العراقية ،ولو بشكله العفوي الضبابي ، وعلى هزالته في بعض المناطق التي لازالت بنى وتكوينات ماقبل الدولة قوية فيها، او اهتزازه في مناطق وبنى اخرى، جراء تصادم اولوياتها، موضوعيا وتاريخيا، وتناقضها مع شرط الوطن والمواطنة. الا ان استمرار الدولة تأدية بعض وظائفها الاساسية ( الخدمية والامنية...الخ)، في الحرب والسلم، وفي كل الظروف السياسية، ونشاطات الاحزاب، السياسية والثقافية، ، ابقى المواطنة ومفاهيم مثل : مواطن ، دولة ، شعب ،وطن ، ثقافة حاضرة في في الوعي الشعبي الجمعي.
فالدولة وقانونها (الذي يفترض خضوع الجميع له) ومؤسساتها (التي تخدم الجميع)، تؤكد وتجدد المواطنه كعلاقة، ينتجها ويشترطها الوطن. وهي اقوى اسس استقراره وتطوره، السياسي والثقافي والاقتصادي. والوطن تنظيم اجتماعي ارقى واغنى من، العشيرة اوالقبيلة اوالطائفة لانه واسرع آهلية للتطور، وأنفع اقتصاديا، وأكفأ سياسيا، واكثر قدرة على التفاعل مع تنظيم وآلية عمل المجتمع الحديث. انه تنظيم اجتماعي اكثر ملائمة للعصر بوصفه انفتاح على فضاء ثقافي وانساني ارحب
.
#ثائر_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حماس: الوسطاء أبلغونا بخطوات ستلزم الاحتلال بما تم الاتفاق ع
...
-
الأورومتوسطي لحقوق الإنسان: الوضع الإنساني في غزة رغم كارثي
...
-
الجامعة العربية تدين قرارات الاحتلال بحق الأونروا وتهجير الف
...
-
مشاهد عودة النازحين السودانيين إلى ولاية الجزيرة تتصدر منصات
...
-
إعلام: ترامب يعتزم توقيع أمر تنفيذي للانسحاب من مجلس حقوق ال
...
-
الأونروا: الأوضاع الصحية بغزة متدهورة.. وأجساد المواطنين لم
...
-
اعتقال البطل المغربي بدر هاري في أمستردام
-
الجامعة العربية تبحث ملف الأونروا
-
بيان عربي جديد ضد قرارات إسرائيل بحق الأونروا وتهجير الفلسطي
...
-
الجزيرة نت تكشف مصير الأسرى الفلسطينيين المبعدين إلى الخارج
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|