أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعد محمد رحيم - المثقف الآن















المزيد.....

المثقف الآن


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 1977 - 2007 / 7 / 15 - 06:37
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لا أدري إنْ كان سياسيو اليوم مضطرين إلى وضع أيديهم على مسدساتهم كلما سمعوا بكلمة ( ثقافة ) مثلما كان دأب النازيين والفاشست قبل عقود، أم أن عصر العولمة بإفرازاته وتداعياته أنجز المهمة بدلاً منهم، وهذه المرة لا بضجة عنيفة ولكن بأنين خافت، بحسب تعبير أليوت، فأطاح بالثقافة بمفهومها الذي كان متعارفاً عليه يوم كانت الثقافة حكراً، إلى حد بعيد، على اليسار وامتيازاً له. فيما يبدو أن المناخ العام، الآن، لم يعد يسمح بظهور جان بول سارتر جديد وسيمون دي بوفوار جديدة، ومارتن لوثر كينج جديد، وفرانز فانون جديد، وريجيس دوبريه جديد. وعربياً مصطفى كامل جديد وجواهري جديد. والمقصود بالظهور، ها هنا، هو الحضور الفكري والمعنوي الكاريزمي المؤثر حيث يكون للمثقف والمفكر مريدين فاعلين كثر، ينزلون إلى الشارع، بإلهام أو إشارة منه، يشاركون في صنع الحدث، ويحسب صنّاع القرار حسابهم؟.
وانطلاقاً من هذا، هل كان نيكولا ساركوزي ( الرئيس الفرنسي المنتخب تواً ـ 2007 ـ لفترة رئاسية تمتد لسبع سنوات ) بحاجة إلى التصريح أنه بصدد تصفية إرث ثورة 1968، أم أن مجرى الأحداث كفيل بتصفية ما تبقى من ذلك الإرث؟ فساركوزي ليس الجنرال ديغول، والعقد الأول من القرن الحالي ليس خمسينيات وستينيات القرن المنصرم، ومن هو مثل أندريه مالرو لن يجد له موقعاً عند من هو مثل ساركوزي! وبعبارة أخرى؛ إن حقبة العولمة هي مختلفة، شئنا أو أبينا، عن حقبة الحرب الباردة.
لم يرد ديغول حتى مناقشة أمر اعتقال سارتر يوم كان يهيج الشارع الفرنسي إبان ثورة الطلاب في العام 1968، واكتفى بالرد على المطالبين من أركان حكومته بضرورة اعتقال المفكر الكبير؛ إن سارتر هو فرنسا، أو هو الشمس، أيمكن اعتقال فرنسا أو الشمس ووضعهما وراء القضبان؟. وديغول، على الرغم من المؤاخذات الكثيرة على سياساته، هو بطل تحرير فرنسا من النازية، وقد أنتخب استناداً إلى هذه الواقعة، فيما انتخاب ساركوزي هو صناعة تلفزيونية محض كما يقول تودوروف؟ وهكذا فالعالم الحديث لا تؤسسه الحقائق بل الصور، حتى وإنْ كانت زائفة. مثلما أن الأحداث الكبرى مرهونة بحقائق القوة وليست بالمبادئ.
عرّف سارتر المثقف بأنه ذلك الكائن الذي يدس أنفه في ما لا يعنيه. وقد دس سارتر أنفه في ما يعنيه وفيما لا يعنيه، وعبارته تلك تحمل من التهكم بقدر ما تنطوي على أفق، فالمثقف مثلما يريده يجب أن يكون حراً لكي يدس أنفه في كل شيء، وإلاّ فإن توازن العالم سيختل.
غير أن العالم اختل، واختلاله أكبر، الآن، مقارنة بأي يوم مضى. تضاعف عدد سكان الأرض سبع مرات خلال قرن واحد، وازداد معه عدد الجائعين والمرضى والأميين والعاطلين عن العمل والمقتولين والقتلة والظالمين والمستغلين ( بكسر الغين وفتحها ) والمعتقلين بسبب مواقفهم وآرائهم، والمسجونين لأسباب شتى، والخاطفين والمختطفين، والمنتهكة أعراضهم والغاصبين والمغتصبين والمجانيين واليائسين والمنبوذين والمنفيين والمشردين والمكتئبين والمصابين بالعصّاب والشيزوفرينيا، والذين بلا مأوى. انهارت أجزاء من سلاسل القيم التي حفظت الجماعة البشرية آلاف السنين، وحقق الشر انتصارات لا تنكر، وتعرضت للتلف البيئة الحيوية للإنسان. وبهذا المعنى مات الإنسان الذي ابتكره عصر الأنوار، كما يقول فوكو، الإنسان بعدّه ذاتاً وعقلاً وحرية. وها هو ساراماغو، الروائي البرتغالي الحاصل على جائزة نوبل يصرخ في مؤتمر نظمته جامعة مينينديث بيدال الأسبانية هذا العام؛ "علينا أن نفقد صبرنا وأن نعلن ذلك أمام عالم يهرول صوب الهوة، هذا العالم العاجز عن مناقشة حدود الديمقراطية التي يسيطر عليها الأغنياء والتي يلعب فيها حزب اليسار دور الأحمق". ويقول أيضاً؛ "تذهب حكومة لتأتي أخرى، بينما العالم الديمقراطي تحكمه منظمات غير ديمقراطية. من أجل ذلك حان وقت العواء ضد المنظمات الدولية المختلفة، فلقد أصبحنا في مؤخرة ركب الحضارة، فكل ما سعت إليه فترة التنوير و الثورة الفرنسية أصبح علي وشك الانسياق مع التيار". غير أن ساراماغو لم يفقد الأمل؛ "إن الدنيا لشيء فظيع، والحياة كارثة. لكننا لا نتنبه أن كل شيء يمكن تغييره، وعلينا أن نغيّر العالم. ولنفعل ذلك علينا أن نغيّر حياتنا، بعدها ستتغير الحياة"، لكن ساراماغو لا يخبرنا كيف يمكننا ذلك!.
تبدلت خرائط الواقع، وإزاءه تحولت شبكات المفاهيم والاهتمامات، واتخذت أولويات الدول والحكومات والمؤسسات ترتيباً آخر مختلفاً. وغدت الاتصالات بين البشر أسرع والفرص أكبر والتنقلات أسهل، لكن المشكلات باتت أعقد وأوسع ولم تعد، في الغالب، تحت السيطرة تماماً، حيث برزت قوى جديدة، بعضها لا يخضع للقوانين المتعارف عليها، وبعضها لا يأبه لمسائل الأخلاق والشرف، وكل يوجد لنفسه قوانينه وقواعده التي يحاول فرضها على الآخرين. وبذا صار إنسان هذا العصر أضعف يقيناً وأقل شعوراً بالأمان وأكثر عرضة لعاديات الزمن، وربما أكثر استسلاماً لقدره، وأقل حرية، وأكثر استعداداً للتنكيل بذاكرته والبحث عن النسيان.
حصلت انزياحات عديدة منذ عصر التنوير، بعضها عميق وبعضها سطحي، على صعيدي الفكر والواقع، وانعكست على الذائقة والقناعات والأمزجة والعلاقات الاجتماعية حتى دخلنا ما يُعرف اليوم بعصر العولمة حيث تسلّع الأشياء وتقوّم على وفق حسابات الكلفة والربح بما في ذلك منتجات الثقافة ومؤسسات وقوى وشخصيات الواجهة السياسية. ولم يكن فضاء الثقافة العربية بمنجى من تلك الانزياحات والتبدلات، على الرغم من اختلاف المكوّن والسياق والموجهات والغايات.
لم يكن العالم قبل البدء بتعولمه بأحسن حال، ولم يعد بعده أفضل، على الأقل حتى هذه اللحظة، مع الإقرار أن مشاريع الأمل التي بشرت بها النظريات الطوباوية صارت اليوم جزءاً من مرويات عهد انقضى، وبات الإنسان في أكثر بقاع المعمورة أكثر حيرة وتشاؤماً، وأقل إحساساً بالجدوى والمعنى، وأشد انغماساً في التيار الجارف للعيش، العيش المفقر من السعادة والحرية، هدفا البشرية منذ الخليقة.
والآن، علينا البحث عن مضمون آخر ونحن نسعى لتحديد مفهوم المثقف، عراقياً وعربياً.. مضمون أكثر دقة وواقعية، يجعل له دوراً ووظيفة مختلفين نوعاً، لا أن يكون عضوياً جزءاً من مؤسسة ذات أغراض خاصة، يدافع عن إيديولوجيتها وأدائها ويبشر بمشروعها، بل مستقلاً ناقداً يقول الحق بوجه السلطة، كل سلطة، مثلما أراده إدوارد سعيد، إلى حد تعكير الصفو العام. ويسعى للإطاحة بالممتنع باستعارة تعبير علي حرب. والممتنع مثلما يقصد هو ما "يتعلق بالعوائق الذاتية للفكر، وهي عوائق تتمثل في عادات الذهن وآليات التفكير وقوالب المعرفة".. يستثمر تقنيات عصر العولمة من أجهزة اتصالات ووسائط إعلام حديثة ليدلي برأيه ويصرّح بأفكاره من غير تردد أو مواربة في محاولة، وإن كانت محدودة، لجعل العالم مكاناً طيباً للعيش، ولتشذيب، بأي قدر كان، مسار التعولم، وتأسيس قيم جديدة تستند إلى مقولات الحق والخير والعدالة والجمال، وإعادة الأمل إلى الإنسان. علّ ذلك النسق الذي يعيد إنتاج واقع التخلف عندنا، بصور شتى ومحتوى واحد، يتكسر في نهاية المطاف.
ومثلما تآكل دور المثقف التقليدي تحت ضغط تيار التعولم وتسيد قوانين مجتمع الاستهلاك، فإن من الممكن أن يتكيف هذا المثقف مع مناخ الألفية الجديدة بطبيعتها ومتغيراتها وآفاقها، ولاسيما باستثمار وتوظيف تقنيات عصر العولمة ذاتها التي تتيح فرصة نادرة لمأسسة الفعل الثقافي وتنشيطه، إلى جانب الفعل الثقافي للفرد المثقف. فبقدر ما تحتاج الثقافة جهد الفرد فإنها تزدهر بوجود مؤسسات حاضنة ومنتجة.
عالمنا يعاني الفوضى كذلك، وهي ليست فوضى خلاقة بأي شكل كما يريد أن يقنعنا بذلك المحافظون الجدد في أميركا.. إنها فوضى مدمرة، تنسحق تحت عجلتها الرهيبة حياة وحرية وسعادة ملايين البشر. تبقى واحدة من أهم غايات المثقفين هي استعادة بعض النظام الخلاق لعالمنا من أجل حرية وسعادة البشر ومستقبل أجياله الآتية.




#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبيض وأسود
- البانتوميم نصاً أدبياً: محاولات صباح الأنباري
- ابنة الحظ لإيزابيل الليندي؛ رواية حب ونهوض مدينة
- تحوّل الاهتمامات
- أنا وحماري لخوان رامون خيمينث: بلاتيرو في العالم
- من لا يتغير؟
- مصالح
- الاستشراق والإسلام قراءة أخرى لشؤون الشرق
- -تقنية شهرزاد في -حكايات إيفا لونا
- مروية عنوانها؛ طه حسين
- -حياة ساكنة- لقتيبة الجنابي
- في الروح الوطنية العراقية
- إمبراطورية العقل الأميركي: قراءة أولى
- في الاستثمار الثقافي
- نحو حوار ثقافي عراقي
- بمناسبة بلوغه الثمانين: ماركيز بين روايتين
- حين يُصادر كافكا وبوشكين؛ الإيديولوجيا والإنتاج الثقافي
- فيروسات بشرية
- جحا وابنه والحمار
- الأفضل هو الأسرع


المزيد.....




- كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب ...
- شاهد ما رصدته طائرة عندما حلقت فوق بركان أيسلندا لحظة ثورانه ...
- الأردن: إطلاق نار على دورية أمنية في منطقة الرابية والأمن يع ...
- حولته لحفرة عملاقة.. شاهد ما حدث لمبنى في وسط بيروت قصفته مق ...
- بعد 23 عاما.. الولايات المتحدة تعيد زمردة -ملعونة- إلى البرا ...
- وسط احتجاجات عنيفة في مسقط رأسه.. رقص جاستين ترودو خلال حفل ...
- الأمن الأردني: تصفية مسلح أطلق النار على رجال الأمن بمنطقة ا ...
- وصول طائرة شحن روسية إلى ميانمار تحمل 33 طنا من المساعدات
- مقتل مسلح وإصابة ثلاثة رجال أمن بعد إطلاق نار على دورية أمني ...
- تأثير الشخير على سلوك المراهقين


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعد محمد رحيم - المثقف الآن