|
احذروا سرطانات الحروب
صبحي سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 1976 - 2007 / 7 / 14 - 11:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
**مادمت محترماً حقي فأنت أخي آمنت بالله أم أمنت بالحجر ************ أولاًّ: بصدق وأمانة، أنا أشكر السيدة ماغي خوري على اهتمامها بحواري معها. و أتمنى أن يبقى هذا الحوار نقيَّا، و في مرتبة فكرية إنسانية رفيعة..فأنا أدعو إلى حوار بين عشاق الحقيقة، التي تخصنا جميعاً. وآمل أن يمضي الحوار بعيداً عن الاتهامات، التي أرى أنها لغة رخيصة لا يستخدمها إلاَّ أبناء الشوارع والجهلة.. ونأمل أن نؤسس لحوار متمدن، يحترم كل منا فيه، رأي الآخر. وأنا لم أتَّهم السيدة ماغي، ولا أشكك في نواياها، إنما أذكِّر من يعتبر، ولا أدَّعي أن الحقائق كلها ملكي وحدي، إنما هي ملكنا جميعاً، لأنني مؤمن بالأسرة البشرية، وبأهمية تنوع واختلاف الألوان والأطياف. ثانياً: كنت أود أن تقدِّم لي السيدة ماغي نفسها، لتعرِّفَني بمنطلقاتها الفكرية والنظرية، بجرأة وشجاعة وصدق، ليبقى الحوار بيننا على بساط أخضر، بعيداً عن الغمز واللمز والاتهامات الصبيانية الرخيصة. فقد قدَّمت نفسي لقرَّاء الموقع، بأنني علماني ولكنني لا أعادي الأديان ـ من البوذية، إلى المسيحية إلى الإسلام، حتى ولو اختلفت مع بعضها؛ ولكن على العكس، فإنني أرى في الأديان قيماً فكرية وروحية عظيمة، إلاَّ أنني لا أنظر إلى هذه المبادئ نظرة لاهوتية، بل أتعامل معها من منطلق فكري، يسعى أصحابه، ومن وجهة نظرهم، إلى إصلاح الإنسان. ثالثاً: إذا كانت السيدة ماغي خوري تنطلق من مبادئ السيد المسيح، الذي أعشقه عشقاً لا تحده حدود، فإننا سنجد لغة مشتركة، تقرِّب بيننا؛ أما إذا كانت منطلقاتها النظرية والفكرية تنبع من مبادئ (المتطهرين) أو من مبادئ ( المتجددين) أو من جماعة( شهود يهوه) أو من (المحافظين الجدد)، أو من (المسيحية الصهيونية) فإننا لن نجد لغة مشتركة، وسينقلب الحوار إلى اتهامات لا تليق بنا، وعندئذ أقول للسيدة ماغي خوري، ولغيرها ممن يدينون بفكرها، ويحملون أحقادها وضغائنها، على كل من يخالفهم: لا لغة مشتركة بيننا. أما إذا كانت ممن يحرص ويدافع ويعشق مبادئ السيد المسيح، فأقول لها بكل محبة وصدق: ضعي يدك بيدي للاستماتة في الدفاع عن تلك المبادئ، التي أرى أنها تشكل أهم حدث إنساني في تاريخ البشرية. هذا المسيح العظيم الذي نادى ودعانا أن (نحب أعداءنا) والحب عند الكائن الوضيع، ينقلب إلى دناءة، ويسمو الحب بالإنسان إلى أرفع درجات الرقي والرفعة. وأنا أدافع عن المسيحي الحقيقي بكل ما أملك من قوة. ولكن الدين ليس كلمات فارغة نتبجح بها، بل هو قبل كلِّ شيء، محبة، وإيمان عميق بالإنسان، يوصلانا إلى الإيمان الذي تحدثت عنه الأديان. رابعاً: أنا لست لا هوتياً، ولكنني أحترم مبادئ الناس، ولا أرى في حرية العبادة، إلاَّ رمزا للسلام والمودة بين الناس.. و لا أدافع عن الإسلام، ولا عن المسيحية، ولا عن أي مبدأ له أنصاره والمؤمنين به بالملايين، ففي هذه الأرض من هو أجدر وأقدر مني في الدفاع عن هذه الأفكار والأديان، التي انقسم البشر في تقويمها، وتعادوا، وتحاربوا منذ قديم الزمان، إلى أن قال فيها فيلسوف الشعراء، المعري: في اللاذقية ضجة ما بين أحمد والمسيح هذا بناقوس يدق، وذا بمأذنة يصيح كلٌّ يعزز دينه، يا ليت شعري ما الصحيح والمشكلة أننا نحن العلمانيون، واقعون بين نارين، أو خنجرين. فـ(المسلم) المتعصب يسعى إلى قتلنا، و(المسيحي) المتعصب يسعى إلى التخلص منا، بأي شكل من الأشكال. وأنا شخصياً لا أريد أن أدخل مع أيٍّ من الأديان في عداء، وأجعل شغلي الشاغل محاربة هذا الدين أو ذاك، فأبحث عما أراه سلبياً أو أظن بأنه مثالب، لأشهِّر بها، وأثير عداء من يخالفني الرأي والاعتقاد. وقد رأيت الحديث في الأديان معقداً إلى أبعد حدود التعقيد، لأنه متصل بتكون الفرد، وبإيمان عميق، من الصعب التأثير عليه. فقد خرَّبت أمريكا بقيادة بوش، ما استطاعت تخريبه في العراق، لكنها لن تستطيع، مهما أوتيت من قوة أن تؤثر على المعتقدات الدينية في العراق، أو في أفغانستان، بل العكس تماماً، فقد أججت التعصب الديني، الذي أعتبره سرطان حروب، تقود البشرية إلى الجحيم. وأنا شخصياً لا أرى المأساة في الدين، بل أراها في حامل الدين. إذ لا يمكن أن أقارن معاوية بن أبي سفيان بعلي ابن أبي طالب، الذي أوصى مالك بن الأشتر حين أرسله إلى مصر، قائلاً: يا مالك، في الناس صنفان، إما أخوك في الدين، أو نظير لك في الخلق، وأوصاه أن يكون عادلاً مع الناس جميعاً. ومع إعجابي الشديد بعلي بن أبي طالب، إلا أنني لا أقبل أن أُأَطِّر نفسي في طائفة ما. وهل يمكن أن أقارن أبا ذر الغفاري، أو ابن عربي، أو السهروردي، أو رابعة العدوية، أو الحلاج (هؤلاء جميعاً كانوا أقرب إلى السيد المسيح في رفضهم لإغراءات الدنيا، بكل ألوانها، وقد جعلوا من المحبة والحب طريقهم إلى الله). هل أقارن هؤلاء بالحجاج بن يوسف الثقفي، الذي أرى أنه كان رائد الميكافيلية، دون منازع، في تأسيسه مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، دون رحمة أو شفقة، وبقلب أقسى من الصخر والفولاذ؟. خامساً: أود أن أسأل: أين هي وصايا السيد المسيح في عالمنا المعاصر؟ فإذا أرادت السيدة ماغي أن تبحث عن الجواب، فأرجوا أن تقرأ مؤلفات الأديب العظيم كازانزاكس ( المسيح يُصلب من جديد) و( فقير الله القديس فرانسيس) وغيرها من الأعمال الأدبية الفذة التي أكد فيها الكاتب ابتعاد الناس عن الجوهر الأصيل للمسيحية. وهذا ينطبق أيضاً على الإسلام، وغيره من الأديان التي أرى أنها ذهبت مع عظمائها. فالمبادئ العظيمة تنبع من العظماء، فيسرقها المتطفلون، ويتاجر بها التجار، كما حدث مع القديس فرنسيس، في رواية كازانزاكس، حيث حارب الناسُ القديسَ، الذي سعى إلى إحياء مبادئ السيد المسيح، فلما فارق القديس الحياة، راح الناس يتصارعون للفوز بجثمانه. فأكثر الناس، مع الأسف، يريدون الدين ميتاً، ليدفنوه ويتباركوا به فقط، إرضاءً لأهوائهم العفنة. لذا أسأل السيدة ماغي عن تعاليم المسيحية، وعن مبادئ الإسلام، التي أعرف منها، على سبيل المثال: (أحب الناس إلى الله أنفعهم لخلقه). أعتقد أنها ضاعت، أو لعلها حُنِّطت داخل جدران قصور العبادة. أين تعاليم السيد المسيح الذي قال للغني: ( اترك أموالك واتبعني!؟) وهل ترك الأغنياء أموالهم، كما دعاهم إلى ذلك السيد المسيح، وساروا يهتدون بمبادئه السامية؟ لقد أفسد المال القلوب والأرواح، فأدرك ابن عربي هذا المرض الخطير، الذي اكتشفه السيد المسيح حين قال للأغنياء عبيد المال:( اترك أموالك واتبعني) ثم أكد الإسلام ذلك في إحدى المبادئ التي أؤمن بها شخصياً: ( ما جُمِعَ مالٌ إلا من شح أو حرام) فكان ابن عربي خير من فهم مقولة السيد المسيح، وأدرك جوهرها السامي، وفي الوقت نفسه، كان ابن عربي مسلماً من أرقى وأرفع النماذج التي عرفها الإسلام. سادساً: لماذا تطالب السيدةُ ماغي خوري الإسلامَ أن يحارب أعداءه بأغصان الزيتون، في الوقت الذي واجهت فيه الدعوة الجديدة، أعتى أنواع الاضطهاد والتعسف؟ ولماذا أقبلُ، من السيد المسيح مقولته: ( إذا ضربك أحد على خدك الأيسر فدر له الأيمن) ولا أقبل منه ما جاء في إنجيل متّى ـ الإصحاح العاشر، الآية 34 : لا تظنوا أني جئت لأرسي سلاماً، بل سيفاً)؟ وأنا شخصياً ـ لستُ لا هوتياً، لكنني مؤمن بالسيف الذي جاء ليرسيه المسيح، لأنه سيف الحق، ولكنني لا أقبل من يهوذا ذهب العالم كله. فذهب العالم يقودني إلى الجحيم، أي إلى (الأنا) المنتفخة المتورمة، بينما يقودني سيف المسيح إلى العدل والأمن والسلام. سابعا: لماذا تحاسب السيدة ماغي خوري، فئة واحدة على حمل السلاح، ولا تحاسب من يملك الآن أكبر ترسانة للأسلحة في العالم..وهذه الأسلحة تمتص ثلاثة أرباع القدرات البشرية، بزعامة الولايات المتحدة..وهذه الأسلحة ارتكبت من الجرائم، ما أصبح وصمة عار في جبين البشرية، وفي مقدمة الجرائم ـ القنابل الذرية التي ألقتها أمريكا على مدينتين يابانيتين آمنتين (هيروشيما و ناكازاكي). والأسلحة التي تملكها أمريكا، قادرة على تدمير العالم مرات عديدة. وأمام هذا الواقع المر المرير، من الصراعات العدائية، تطالب السيدة ماغي خوري (المسلمينَ) فقط التخلي عن سلاحهم، لتجعلهم لقمة سهلة صائغة، على موائد من أحرقوا العالم بأسلحتهم التدميرية الفتّاكة، و لتسوقهم إلى الموت كما تسوق الذئابُ الغنمَ. أرجو أن تسأل السيدة ماغي خوري كم هي تكلفة الدبابة الواحدة، وكم هي تكلفة الصواريخ العابرة للقارات، ومن يملك الأسلحة، ومن هم تجار وصنَّاع الأسلحة، قبل أن تطالب وتحاسب فئة دون سواها من خلق الله. ثامناً: أذكِّر السيدة ماغي خوري بأنه لا يحق لأحد أن يمنع أيَّ إنسان من الدفاع عن نفسه إذا تعرض لأي اعتداء، أو اضطهاد أو ظلم. فلن يختفي السلاح إلاَّ إذا اختفى الظلم، ولن يختفي الظلم، إلاَّ إذا اختفى التعصب، ولن يختفي التعصب ما دامت هناك (أنا) منتفخة، ولن تشفى الأنا المنتفخة إلاَّ إذا نظرنا إلى الآخر كما ننظر إلى أنفسنا، وأحببناه كما نحب أنفسنا، ما دام لم يقترف ذنباً، أو يسبب أذى لأحد. تاسعاً: أمدُّ يدي إلى السيدة ماغي لننادي معاً بتحريم السلاح من كرتنا الأرضية، التي نتمنى أن يعمها السلام، السلام الذي نادى به السيد المسيح، ونتمناه لكلِّ إنسان يؤمن بالمحبة طريقاً للأمن والسلام! عاشراً: أذكِّر السيدة ماغي خوري بما قاله المتنبي لكل من يرى الحقيقةَ خاتمَ سليمان في يده : /كدعواك كلٌّ يدعي صحة العقل فمن ذا الذي يدري بما فيه من جهل؟!/ ويقول أيضاً: /إذا خفيت عني الغبي فعاذر أن لا تراني مقلة حمقاء/ عاشراً والحمق هو داء التعصب الأعمى، الذي يجب أن نحاربه بكل ما نملك من قوة وجهد واهتمام. وأحمق الحمقى هو ذاك الذي يرى نفسه ملاكاً مقدسا نزيها، ولا يرى في الآخر إلاَّ الشرَّ كله. ** أتمنى على السيدة ماغي خوري أن تقرأ بهدوء، بعيداً عن التعصب والأحقاد، والأحكام المسبقة، لأن التعصب والأحقاد يفسد ويحرق البصيرة التي تقودنا إلى الحقيقة بقلوب إنسانية تفيض حباً. وذات يوم حطَّ غراب أمام زهرة بديعة، فعاب عليها عطرها، واحتقر عبيرها، فقالت الزهرة: أتاني غرابٌ عابَ عطري وذمَّه فأدركتُ أني قد بلغت المعـــاليا إذا عابت الغربان شيئاً عشقته وأيقنت أن الحق غرَّد شـــاديا فمن أين للغربان قلبٌ منزهٌ عن الحقد والأضغان يخفق رانيا
**وأخيراً أتمنى على السيدة ماغي خوري أن تبتعد عن لغة الاتهامات لأنها لغة الضعيف، وأذكرها بهذه الأبيات من الشعر لأبي العلاء المعري: فوا عجبا كم يدعي الفضل ناقصٌ ووا أسفا كم يظهر النقص كامل إذا وصف الطائيَّ بالبخل مـادرٌ وعيَّرَ قسّاً بالفـــهاهة باقل وقال السهى للشمس أنت خفية وقال الدجى للصبح لونُك حائل وطاولتِ الأرضُ السماءَ سفاهةً وفاخرت الشهبَ الحصى والجنادل فيا موت زر إن الحياة ذميمة ويا نفــس جدي إن دهرك هازل
#صبحي_سعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اخلعوا تعصبكم قبل أن تحاوروا
-
التعصب شجرة ميتة
-
ردا على مقالة لو كانت السيدة عائشة
-
قصة من وحي الحرب العراقية
المزيد.....
-
وزيرة داخلية ألمانيا: منفذ هجوم ماغديبورغ له مواقف معادية لل
...
-
استبعاد الدوافع الإسلامية للسعودي مرتكب عملية الدهس في ألمان
...
-
حماس والجهاد الاسلامي تشيدان بالقصف الصاروخي اليمني ضد كيان
...
-
المرجعية الدينية العليا تقوم بمساعدة النازحين السوريين
-
حرس الثورة الاسلامية يفكك خلية تكفيرية بمحافظة كرمانشاه غرب
...
-
ماما جابت بيبي ياولاد تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر
...
-
ماما جابت بيبي..سلي أطفالك استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
سلطات غواتيمالا تقتحم مجمع طائفة يهودية متطرفة وتحرر محتجزين
...
-
قد تعيد كتابة التاريخ المسيحي بأوروبا.. اكتشاف تميمة فضية وم
...
-
مصر.. مفتي الجمهورية يحذر من أزمة أخلاقية عميقة بسبب اختلاط
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|