ايمن الحداد
الحوار المتمدن-العدد: 1975 - 2007 / 7 / 13 - 11:34
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
الأخطاء التي ارتكبت في أثناء التطور الاشتراكي :
أن ما يميز الثورات في العادة هو فترات زمنية تسود فيها الطوباوية , يفترض أثناءها المشاركون فيها , من الذين وهبوا حياتهم لتحقيق مهمة نبيلة , إلا وهي تجسيد أحلامهم ومثلهم في الممارسة , يفترض أن الأهداف التاريخية اقرب كثيرا للتحقيق عما هي عليه في واقع الحال , وان أرادة ونوايا الناس قادرة على كل شيء وتتسامي فوق متطلبات الواقع الموضوعي .
ولا نعني بهذا انه لا يجوز أن يكون لدى الثوار أحلام و أرادة صلبة . فبدون هذه الأحلام وتلك الطوباوية لما كان للثوار وجود . ويتوقف الناس أحيانا بسبب اعتقادهم أن ما يواجهونه من عقبات يستحيل التغلب عليها , على حين إنها ليست من المستحيلات .. ويرهن تاريخنا ذاته انه ظهر أن تلك الصعوبات التي واجهتنا وبدت استحالة التغلب عليها , ليست مستحيلة على الحل . غير أن واجب الثوري في أن يكون واقعيا , وان يخضع أفعاله لقوانين التطور التاريخي والاجتماعي , وان ينهل من المعارف اللازمة لقيادة العملية الثورية , ومن معين العلوم السياسية والخبرة العالمية الذي لا ينضب , يجب استخلاص الدروس والعبر من العوامل الموجودة والواقع الحقيقي الملموس الذي يعيشه .
في بعض الأحيان يصاحب المواقف الطوباوية تجاهل معين لخبرة الآخرين وتجارتهم . لقد أدت الثورة الكوبية في واقع الحال أسهاما كبيرا في الحركة الثورية العالمية . وأهميتها التاريخية البارزة سببها أنها كانت أول ثورة اشتراكية في نصف الكرة الأرضية الغربي .ولقد أسهمت بقسطها في مجال التطبيق أيضا .كما وأنها بإعمالها ومبادراتها والمثال الذي ضربته قد أغنت النظرية الثورية .
ولكن الثورة الكوبية لم تتمكن في البداية من أن تنتفع من ألخبره الغنية للشعوب الأخرى في مجال بناء الاشتراكية , تلك الشعوب التي سارت في هذا الطريق قبلنا بزمن طويل .وإذا لم نكن قد بالغنا في تقيم إمكانياتنا , لكنا ,بتحليلنا بالتواضع المميز للثوار . قد تمكنا من البحث الأدق عن كل ما يمكن تعلمه من هذا المصدر وكل ما يمكن تطبيقه في ظروف بلادنا الحسية . لقد أغنت ممارسة البناء الاشتراكي في مختلف بلدان العالم الماركسي ـــ اللينيني غنى بالغا . ونحن الثوار الكوبين باستطاعتنا أيضا أن نغني هذا التراث , ولكننا لا نستطيع تجاهل الآخرين فيه . وحتى في أعسر الأوقات علينا , في ظروف الحصار الاقتصادي وظروف ضعف تطور البلاد , كان لانتفاعنا السليم بهذه الخبرة أن يساعدنا كثيرا لو قمنا بذالك .
ومما لا شك فيه انه احرزت0 خلال سنوات الثورة نجاحات هائلة في تطورنا , فقد نفذت خطط جزئية وأحرز تقدم ملموس في زيادة رفاهية الشعب , وتلبية احتياجاته ., وبناء العديد من منشات الاقتصاد الرئيسية . ويتحقق هذا التقدم في السنوات الأخيرة بوتائر عالية .
ولكن لابد من الاعتراف بان مواردنا لا تستخدم إلى الحد الأقصى في العديد من الحالات , فنشاطنا الاقتصادي لم يكن باستمرار فعالا بالدرجة الكافية , أما أساليب الإدارة التي اتبعت في الاقتصاد فلم تكن الأساليب المثلى دائما , أن ملاكاتنا القيادية لا تتمتع , كقاعدة عامة , بالمعارف الاقتصادية الكافية , ولا تهتم بالدرجة الواجبة بقضايا كلفة الإنتاج وزيادة فعاليته , ويستحيل تحديد الثمن الذي دفعناه وندفعه من ساعات العمل الإضافية , والنفقات المادية الزائدة عن الحد , لعدم كفاية معارفنا الاقتصادية , لقد عانينا , وما في ذالك من شك , في أدارتنا لاقتصادنا من الأخطاء الناتجة عن النظرة المثالية , ولم نحاسب أنفسنا أحيانا على وجود القوانين الاقتصادية الموضوعية التي كان يجب علينا أن نتبعها .
وبتوفيقنا بين الماركسية وبين المواقف المثالية , وبابتعادنا عن ممارسة تطبيق ما اتبعته البلدان الاشتراكية الأخرى وما أحرزته من خبرة , حاولنا أن نجد طرائق خاصة بنا , وتجاهلنا أن مبداء دفع الأجر حسب العمل قد جر وراءه زيادة حادة في التضخم النقدي في الأموال المتداولة مع عدم كفاية المعروض من خيرات وخدمات ,مما خلقي الظروف المؤتية والتربة الخصبة للانقطاع عن العمل بلا سبب وضعف الانضباط في العمل . وخيل لنا أننا نقترب من الإشكال الشيوعية للإنتاج والتوزيع , على حين إننا كنا نبتعد في الواقع عن الطريق السليمة لبناء الاشتراكية .
ولقد ارتكبت في القضايا السياسية اخطأ ء أيضا ففي العام 1962 أخذت تظهر اتجاهات وميول انقسامية ,تعرضنا له بالنقد وقضينا عليها في حينه . ومن بين النقائص التي كانت موجودة, وتم التغلب عليها بعد العام 1970 ضعف الاهتمام بدراسة الماركسية – اللينينة , وبعض الخلط بين وظائف الحزب ووظائف الدولة , وإحلال هيئات حزبية محل هيئات الإدارة , وتقليص دور النقابات وغيرها من المنظمات الجماهيرية .
في العام 1970 طرح على الشعب سؤال يتعلق بما عانيناه من مصاعب . وعقدت اجتماعات هامة في قيادة الحزب , وكذالك اجتماعات واسعة في الأوساط الاجتماعية والإنتاجية شارك فيها ممثلون عن العمال و الإدارة .
وبدأت في العام 1970 أيضا عملية متصلة للنهوض بكافة القطاعات العمل في الثورة , تكللت بالأحداث البارزة التالية :
- انبعاث وتدعيم المنظمات الجماهيرية , وفي مقدمتها النقابات .
- تدعيم الحزب ووضع الحدود لوظائفه ووظائف الدولة والمنظمات الجماهيرية .
- تدعيم جهاز الدولة .
- تنسيق أجور العمل مع معدلاته ومعاييره وغير ذالك من الإجراءات التي خطط لها المؤتمر التاريخي الثالث عشر لاتحاد نقابات الكادحين في كوبا , وهي الإجراءات التي ظهرت نتائجها جلية .
- إلغاء سياسة الاستخدام المجاني لبعض أشكال الخدمات , تلك السياسة التي لم تبرر نفسها , وغير ذالك من إجراءات أدت إلى تحسين الأوضاع المالية الداخلية .
- العودة إلى فرض الرقابة الجزئية على الإنتاج بهدف المحاسبة وتخفيض كلفت الإنتاج .
- البدء بعملية انتزاع الفوائض الموجودة في التداول النقدي عن طريق زيادة أنتاج الخيرات المادية وتحسين الخدمات , والتنوع الكبير في السلع الطويلة الاستخدام , وزيادة أسعار السلع الثانوية الضرورية مثل المشروبات الروحية والسجاير والسيجار .
وإذا ما كانت البلاد قد توصلت في السنوات الأخيرة إلى نجاحات باهرة في المجال الاقتصادي في ظل النظام الإداري الذي طبق في العام 1967, و لا يزال معمولا به حتى ألان رغم ما يتضمن من نواقص , فلد حدث ذالك بالدرجة الرئيسة بفضل ارتفاع مستوى وعي الجماهير الكادحة وحماسها الذي لا ينضب له معين , وبفضل تدعيم جهازي الحزب والدولة والمنظمات الجماهيرية وكذالك بفضل المساندة الواسعة والراسخة التي أبداها شعبنا تجاه نداءات الثورة .
غير انه قد حان الوقت الذي يتوجب فيه تدعيم هذه الحماس بتطبيق نظام إدارة شؤون الاقتصاد كفيل بتشجيع تشكل وتأهيل مواطنين متعلمين اقتصاديا وكفيل بإتاحة الفرصة أمام الوصول إلى أقصى فعالية للاقتصاد كأحد أهم أهداف الدولة .
أن النظام الموضوع والمطروح على المؤتمر للمناقشة ينطلق من الممارسات المتبعة في كل البلدان الاشتراكية واكتفينا في هذا الشأن بالتعميم الواقعي لهذه الخبرة , ونسعى لأتباعها مع اعتبار ظروفنا القائمة.
ونرغب من الاستعانة بهذا النظام لإدارة شؤون الاقتصاد للتوصل إلى زيادة فعالية الاقتصاد , وإنتاجية العمل , كذالك للحصول على المواد التي لدينا , على قدر اكبر بكثير مما نحصل عليه ألان .
وسيساعدنا هذا النظام على تحسين تنظيم الاقتصاد وعلى التزام كل فرد بأجراء المراقبة الواجبة , وسوف يساعد على الوصول إلى مشاركة أوسع من جانب الكادحين في اتخاذ القرارات في قضايا الإنتاج , وعلى تربية ملاكاتنا السياسية والإدارية على الموقف الواعي تجاه مسائل الاقتصاد في المقام الأول .
وبجانب هذا , وكجزء مكون لا ينفصل عن المبادئ التي يقوم عليها هذا النظام لإدارة شؤون الاقتصاد , يجب أن يصبح الحفز المعنوي أكثر اتساعا , ذالك لأننا قد تحدثنا كثيرا عن الحوافز المعنوية , ولكننا في الواقع لم نفعل غير القليل للانتفاع بها . وعلينا أن نزيد كثيرا من دور هذه الحوافز . ويبقى أمامنا الكثير مما يجب عمله في مجال الحفز المعنوي والارتفاع بمستوى وعي الجماهير .
#ايمن_الحداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟