|
اليمين واليسار في عهد -الإعلان- والخلاص-*
حسان خالد شاتيلا
الحوار المتمدن-العدد: 1974 - 2007 / 7 / 12 - 11:57
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
بفعل من العجز الذي رافق حركة التحرر الوطني العربية ودولها في كل من مصر وسورية والعراق، ومن ثم السلطة الفلسطينية نفسها، في إحراز أي انتصار في المعركة ضد الأمبريالية والصهيونية، ناهيكم وانحراف ما كان سُمِّي ب"التحويل الاشتراكي" عن مساره وتحوُّله إلى قطاع في خدمة رأس المال، وتحت تأثير الاستبداد الشرقي الذي سَدَّ المنافذ إلى الديمقراطية والعلمانية بحجة أن هذا الحزب أو ذاك من أحزاب حركة الثورة والتحرر العربية هو وحده الدليل نحو التقدم وأداته، وذلك منذ ثورة 23 يوليو 1952 وحتى غاية اتفاق أوسلو في مطلع التسعينات من القرن الماضي، مرورا بظهور سلاطين كانوا موَّهوا ملابسهم العسكرية بـأفكار البعث والناصرية واليسارية ليخفوا نزعاتهم إلى الاستبداد والمال والمساومة مع العدو، بفعل من ذلك كله وتحت تأثيره، فإن المعركة بين اليمين واليسار في تاريخنا اختفت منذ نهاية التسعينات من الخطاب السياسي، أو هي أَخْلَت مكانها للديمقراطية والوحدة الوطنية. وكان أَعْقَب هذه الهزائم أن الستالينيين العرب وفي مقدمتهم السوريين تخلُّوا منذ الثمانينات عن ماركسية لينينية ما هي سوى أداة أيديولوجية لقمع الشيوعيين والعمال قبل غيرهم، وانجرُّوا وراء الديمقراطية الاجتماعية التي تَنبذ الصراع الطبقي وتَرفع شعارات الديمقراطية. لقد خَرَج هؤلاء من فراء ستالين المغمَّسة بدماء الشيوعيين ليَدخلوا تحت عباءة معارضة ليبرالية هجينة ترفع شعارات البورجوازية عبر التاريخ، أي: الوحدة الوطنية وإنقاذ الوطن من أجل الانتقال إلى الديمقراطية. إن هذا اليسارفي حالتيه لم يلتق التاريخ والحداثة، أي بالواقع بكل مستجدّات ومتغيرات الصراع الطبقي فيه، ما أدَّى بالإضافة إلى أسباب كثرِ إلى تلاشي اليسار كأداة عمل وفكر من الساحة السياسية والمجتمعية ، وتقلُّص منظماته إلى الحد الأدنى. لم يعد الصراع بين اليمين واليسار بمفهوم هؤلاء وأولئك يُتَرْجِِم عن أية معركة تُخاض هنا وهناك من أجل حقوق الإنسان والحريات السياسية والديمقراطية والقضية الفلسطينية، فكأن المعركة من أجل حقوق الإنسان والحريات لا صلة لها بمعركة أوسع منها، هي التي تحتضن الحقوق وليست الحقوق هي الحاضنة لها، أي دور اليسار عبر النقابات والحركة الاجتماعية ومعركة التحرر الوطني في انتزاع الحقوق من أجل الحرية وضد الاستغلال. لكن استالينيي الأمس ودعاة الديمثراطية الاجتماعية اليوم يعتقدون حسب المنطق المثالي بالحقوق من أجل الحقوق كقيمة عقلانية وأخلاقية. حتى أن التاريخ، في زمن إعلان دمشق وجبهة الخلاص الوطني والصراع بين فتح وحماس وسيطرة المتاجرين بالإسلام على الساحة في العراق ولبنان وفلسطين، أصبح يتغيَّر بفعل تكتيك الشطَّار والانتحاريين والإرهابيين والأصوليين والوطنيين من كل نحو وصوب والديمقراطيين والأمريكيين والإسرائليين، وليس بفعل تاريخ لا وجود له ما لم يوجد صراع طبقي. ذلك أن الديمقراطية الاجتماعية تعتقد أن الحداثة مَحَت هذا الصراع الذي نشأ عن أيديولوجيات تتذرع بجدل عفا عليه الزمان. لذا فإن المفردات المنتشرة في متن قاموسها السياسي، كما هو الحال في إعلان دمشق وجبهة الخلاص الوطني، تراها موزَّعة ما بين مواطن وإنسان وحق وعدالة وثقافة دينية ونظام (ضد الفوضى) ومجتمع مدني، بل وحتى الأكثرية الإثنية. إن هذا الخطاب يَزعُم بأن القضية الوطنية كما الانتقال الديمقراطي للخلاص من الاستبداد يُملي التعالي فوق هذا الصراع للحيلولة دون نشوب حرب أهلية وللخلاص من النظام الشمولي القمعي. حيث تنعدم الحدود الاجتماعية والثقافية التي تميِّز اليمين عن اليسار في الخطاب السياسي، فإن المجتمع والوطن ينطمس في شكل مسطَّح ومبسَّط بدون تضاريس وجغرافيا وطبوغرافيا. بل والأدهى من ذلك أن اليمين عندما يرفض الاعتراف بالصراع بين اليمين واليسار، فإنه يَسُوق البلاد نحو طغيان للرأسمالية يصل إلى حد أن حزبا واحدا أو حزبين من اليمين ينفرد بالسلطتين التنفيذية والتشريعية ولا يترك لخصومه في المجتمع والسياسة إلاَّ الفتات. ما أشبه هكذا نظام سياسي بالنظام الشمولي. بيد أن هذه الكسور الطبيعية أو الإنسانية المعقَّدة التي تغيب معالمها عن اليمين هي التي توجِّه خطى اليسار على طريق تلمُّسه للواقع بكل ما يحمله في الآن والحاضر من حداثة تصل إلى حد المفاجأة. فاليساري بهذا المعنى هو الذي يدرك أن الصراع الطبقي من حيث هو تجليات لمستجدات الواقع في حداثته كتاريخ متغيِّر وجديد، هو أوسع من الفكر الإنساني، يَستوعب الوعي دون أن يستطيع هذا الأخير أن يملكه. إن التناقض بين اليمين واليسار هو نفسه التباين مابين تجزئة الواقع إلى ظواهر اجتماعية وثقافية منفصلة بعضها عن الآخر في حالة السكون، وما بين اللحاق بالبوادر الأولى لمتغيرات تاريخ حركة الصراع الاجتماعي بكل ما تحمله هذه الحركة من قطيعة بين المراحل وتجديد متصل. حركة تَقسًم المجتمع إلى محورين، أحدهما يميني والآخر يساري. لكن كل محور يتَّسع للتعدُّدية والتنوع. فقد يصل هذا التنوع إلى حالة الاقتتال في ما بين معسكرين اثنين لليمين، أحدها متطرف محافظ معادي للعلمانية والتحرر، حماس وحزب الله والأخوان المسلمين والقاعدة، والآخر ليبرالي "وطني"، فتح والأخطبوط السوري. الأخطبوط السوري الذي يعوِّم اليمين الديني المتطرف في لبنان وفلسطين والعراق، سواء قاتل اليمين واليسار بالكاتيوشا أم هدَّد العالم بالقنبلة النووية، فإنه ينقِّذ سياسة يمينية تريد في نهاية الأمر التفاوض مع العدو الإسرائيلي والمساومة معه. إن كل معسكر ليس بمنأى عن الاقتتال في صراع على السلطة بين أخطبوطين اثنين أو أكثر. أما اليسار فإنه موزَّع مابين باقة من الشيوعيين وسلَّة من الناصريين وحزمة من البعثيين. ولكل من هذه وتلك من الجماعات السياسية مرحلتها التاريخية، مراجعها ومصادرها. ثمة أيضا حالة حرب علنية أو مَضمرة ضمن كل محور من هذين المحورين. ناهيكم وتلك التي بين اليمين واليسار والتي لا تهدأ إلا لتستعر من جديد. لقد أودت الحرب بين الناصريين والبعثيين تحت الأنظار الشامتة للشيوعيين باليسار العربي إلى الانهيار في السبعينات وما بعدها، أو انتهى الأمر بالجيش إلى القذف بهم إلى خارج السلطة وفي غياهب السجون. ولم تتحد بعض أحزابهم في التجمع الوطني الديمقراطي إلا في مطلع الثمانينات. ثم جاء إعلان دمشق في القرن الواحد والعشرين ليذوِّب اليمين المحافظ الديني والليبرالي وما تبقى من اليسار في بوتقة واحدة في محاولة انعتاق من التجمع الوطني الديمقراطي اليساري. ويبدو أن حالة الخلط أو انعدام الحدود ما بين اليمين واليسار بَلغت حدا من الصهر حتى أن الإعلان لحق به الشلل بعدما ألغى الصراع بين اليمين واليسار؛ فكأن الإعلان فاته أن هذا الصراع المجتمعي هو أصل حركة التاريخ، مرجعها السياسي ومصدر الثورة. إلى اكتساح اليمين للساحة يُعزا الاستعصاء عن التغيير وإنجاز الانتقال الديمقراطي. الاستعصاء الذي يتحدث عنه مثقفو الربيع الموهوم* ما هو سوى سيطرة اليمين من الفرات إلى الأطلس الغربي على ساحة العمل السياسي والاجتماعي. إذ إن اليسار حيث يوجد في صراع مع اليمين ويقود معركة التغيير، فإن استعصاء التغيير الديمقراطي يَنعدم، وينتعش الوعي الوطني. حيث يوجد اليسار في موقع متقدم من ساحة المعركة مع اليمين فإن التغيير يكون مستمراً. إلا أن ما يزيد من الاستعصاء تعقيدا أن اليسار أصبح ديمقراطيا اجتماعيا من نمط توني بلير وأمثاله من أحزاب الأممية الثانية أو الاشتراكية الدولية، وألغى من مفرداته عبارة اليسار واليمين. فلا عجب والحال كذلك أن يكون الاستعصاء حالة مستديمة. هذا الاستعصاء لم يبدأ في السبعينات مع حافظ أسد، وإنما هو كان ولايزال يرافق حتى اليوم هزيمة حزيران التي كانت تلت بسنوات قليلة نكسة الوحدة بين مصر وسورية، والتي رجَّحَت موازين القوى منذ شهر الهزيمة في العام 1967 لصالح السياسة السعودية مضاعفةَ من ثقل كفة السياسة الأمريكية والإسرائيلية في موازين القوى بين اليمين واليسار في المشرق العربي. إن للاستعصاء جذورٌ ضاربة في القدم، والأحرى باليسار أن يبحث عنه عبر مقاربته لكبريات الأحداث التي هزت البناء السياسي للدولة والمجتمع. وكانت حلقة اليسار القومي والأممي انكسرت من داخل أجهزة السلطة نفسها بعدما فَصَلَت النكسة اليسار عن المجتمع. فقد قاد الخلل في موازين القوى، بفعل نكسة الوحدة وهزيمة حزيران، إلى إزاحة اليسار جانبا. ما ترك الساحة خالية أمام العسكريتاريا الحاكمة المتحالفة مع البورجوازية الكومبرادورية، والتي سيَّرت السياسة العربية بعيدا عن مراقبة المجتمع لها. لكن اليسار موضع الدفاع عنه هنا كان ولا يزال حتى اليوم يفتقد إلى عبقرية التجديد أو إعادة التأسيس من أجل استعادة زمام السياسة والمجتمع وإنجاز الثورة القومية والاجتماعية. إن العسكريتاريا والبورجوازية شأنها شأن اليسار تدرك الواحدة كالأخرى رغم اختلاف التحليل بين الانتماءات أن السياسة الدولية والإقليمية هي العامل القسري في التحولات الكبرى التي تَظهر عبر أحداث تاريخنا. معاهدة سان ريمون، نكسة الوحدة، هزيمة حزيران، كامب ديفيد، الاحتلال السوري للبنان لتدمير قوى التحرر والديمقراطية فيه، أوسلو، هي الأحداث القسرية المُلزِمة التي تصنع الواقع، وليس المجتمع وصراع المصالح فيه. فالرجعية عوَّلت على الغرب الرأسمالي، فيما عوَّل اليسار على الاتحاد السوفياتي، أما الناصرية فإنها كانت تحاول أن تشق طريقا قوميا للتأثير على الساحة الدولية. ولم يَفْهم قائد الطائرة القاذفة للقنابل حافظ أسد من هذه الحقيقة سوى أن أفضل وسيلة للدفاع عن نفسه هي رمي القنابل على رأس الفلسطينيين والتقدميين في لبنان واستدراج العدو الإسرائيلي إلى لبنان كي يقصف بدوره حركة التحرر الوطني العربية في بيروت نفسها. فالعامل الخارجي هو الذي يمارس دور عامل الحتمية، وليس المجتمع وصراع المصالح فيه، أو بالأحرى الصراع الطبقي على الصعيد العالمي وليس الصراع الطبقي على الصعيد الداخلي. فالمسار الخارجي هو الذي يكتب التاريخ العربي المعاصر، وهو الذي نحَّى باليسار إلى الهامش، وفتح الأبواب أمام نمو ثقافي وسياسي للرجعية بشكليها، العلماني الهجين في ظل ديكتاتورية البورجوازية الجديدة، والسلفي المستلهَم من الوهابية أو الواقع تحت تأثيرها بما في ذلك لدى فرق الشيعة. إن تاريخ الصراع بين اليمين واليسار في سورية موجود على شاطىء إيطاليا حيث مدينة سان ريمون، وفي صحراء نجد التي تأوي صنَّاع السياسة العربية، ووراء جدران البينتاغون، أو على جبهة القتال عند ملتقى الحدود بين مصر وسورية، وعلى امتداد الحدود الفلسطينية، وفي حرب المخيمات ضد الرجعية في لبنان والأردن. وفي هذا المسار نفسه من إبادة اليسار جاءت حرب المخيمات في لبنان والتي كانت بدأت في الأردن مع أيلول الأسود. ثم انتهى اليمين إلى تصفية المقاومة المسلحة وذلك في ما كانت العلاقة بين التحرر القومي والصراع الطبقي تتسلل إلى وعي حركة التحرر الوطني العربية باختلاف انتماءاتها الحزبية. إلى أن انتهت هذه الحركة بعد كامب ديفيد وهجوم القاذفة السورية والإسرائيلية على لبنان إلى اتفاقية أوسلو التي كرَّسَت لهزيمة حزيران. فمنها انبثقت سياسة الحلول السلمية مع إسرائيل وأسطورة الدولتين والتي وجدت تجسيدا لها في القيادات اليمينية للسلطة الفلسطينية في القرن الواحد والعشرين، فتحاوية كانت أم حمساوية. هذه القيادات الدينية التي تعتقد أن الإسلام هو الحل والطريق إلى تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، والعلمانية الهجينة وليدة أوسلو المساومة والمستسلِمة لوهم الدولتين، ما هما على الاختلاف الذي يمِّيز الواحدة عن الأُخرى إلا صورة لانفراد اليمين بالساحة الوطنية بعدما انْتزَع من اليسار قواه وأرداه على الأرض في شبه غيبوبة. فالصراع اليوم بين حماس وفتح صراعٌ بين يمين ليبرالي ويمين آخر ديني، وهو ليس الأول من نوعه في تاريخ من اقتتال حتى النقطة الأخيرة من الدم بين فريقين من اليمين. من صلب هذا الخلل لموازين القوى بين اليمين واليسار تعبث اليوم جماعات يمينية إثنية من الأكثريات والأقليات بمخيم عين البارد وعين الحلوة وساحة رياض الصلح وقطاع غزة، أو تراها تتمترس وراء المحكمة الدولية، فيما تمتد أذرع الأخطبوط السوري هنا وهناك في مشهد استعراضي مثير للشفقة، أخطبوط يريد أن يَخنق المتمترسين، في ما يَخبط ذزراع آخر هذا المخيم، أو يَضرُب أيضا بذراع ثالثة ورابعة في الساحة، وذلك في ما يجلس في الوقت نفسه المخطِّط لأوسلو على باب الاتحاد الأوروبي متسولا. المَنظَر العربي في حالة تردَّي خطير جراء تسلُّط اليمين واختفاء اليسار. هذا في ما يُحقِّق، على هذا النحو، اليمين بجميع أشكاله هذه- الحيوانية منها والثقافية – في لبنان وفلسطين وسورية والعراق ومصر، إلخ، الانتصار تلو الانتصار على اليسار مهتديا بخط السياسة الليبرالية التي كُتبت بقلم العولمة والرجعية العربية. يمين ويسار، دائما وأبدا، والمثال على ذلك أن النظام الحاكم في سورية ليس ديكتاتوريا فقط وإنما هو يميني في المقام الأول، شأنه شأن قيادات فتح وحماس، وهلم جرا، وهكذا دواليك. حماس وفتح والديمقراطيين الاجتماعيين والأخطبوط السوري وحزب الله وفتح الإسلام والقاعدة والملالي يمين على يمين بأشكال متباينة متقاتلة في ما بينها أحيانا أو يجذب أحدها الآخر في أحيان أخرى، هذا إن لم تكن هذه الأشكال في بعض الحالات مجرد زراع لجسم الأخطبوط. فإذا ما امتنعت عن سلطة أسد ومعاصريها في رام الله وغزة وبيروت وبغداد وإعلان دمشق صفة اليمين، فإن التغيير الوطني الديمقراطي سيبقى متعذرا ولن يقوى إعلان دمشق وعشاق الربيع الموهوم على فك حالة الاستعصاء المستديمة منذ استيلاء الجنرال أسد على السلطة، ومحاربته لليساريين الذين أُودعوا السجن أو أُبيدوا فيه. يمين ويسار طالما يَنادي حزب الله وحماس والأخطبوط السوري بحل للصراع مع إسرائيل وأمريكا يتفاوت حسب الظروف التكتيكية ما بين الهدنة الأبدية، وبين تحريك خط المساومة توسيعا وتضييقا ما بين قنيطرة وطبريا أو حتى يبلغ أحيانا المتوسط. ذلكم، على نقيض من بقايا يسارٍ يعتقد أن الدولة الفلسطينية العلمانية والديمقراطية هي الحل الوحيد، وأن فكرة الدولتين أسطورة لإلهاء الوعي لدى العرب ومعاصريهم من أكراد وأمازيغ وإسرائيليين(أنصار الدولة العلمانية الديمقراطية الواحدة) عن خبايا المخطط الليبرالي العالمي الذي يَكسب في هذه الأثناء المواقع الواحدة تلو الأخرى لنهب الأوطان وشعوبها من كردستان العراق إلى مرتفعات البرير في المغرب الكبير مرورا ببيروت وغزة ورام الله. أوسلو أُختٌٌٌٌٌ لشهر الهزيمة الذي يمتد ويمتد على مدى العقود من الزمان، وهي التي احتَجَزت في خبايا القمع الذاتي والقهر مشروع الدولة الواحدة العلمانية الديمقراطية الذي كان بدأ يلَقى النجاح في صفوف حركة التحرر الوطني. إن المُستَهدَف من اليمين العالمي والعربي كان ولايزال اليسار، أي مشروع الدولة الواحدة العلمانية الديمقراطية. كان الأحرى بالديمقراطيين الاجتماعيين الجدد أصحاب "الإعلان" ومؤسِّسيه، قبل أن يشاركوا في خليط مزيج مليط مقيت مع الأخوان المسلمين وزعماء الليبرالية الناهضة من قادة أحزاب جديدة ما هي سوى البوادر الأولية للبورجوازية السياسية في هيئةٍ سُمِّيَت ب"إعلان دمشق"، كان الأحرى بهم أن يعزِّزوا "التجمُّع" ويرصُّوا صفوفه ويُجدِّدوا أفكاره ومنظماته ويوثِّقوا روابطه بالعاملين من أصحاب الأجور. كان الأحرى بالتجمع الوطني الديمقراطي أن يَعْقد تحالفا مع الشيطان بدل أن يختلط في إعلان لن يلبث أن يُذَوِّبَه. ذلك أن مثل هذا التحالف هو أفضل من الإعلان طالما يضمن للتجمع جميع أبعاده ونشاطاته في تحالف هو موضع في كل لحظة للأخذ والرد. نعم، إن التحالف بين اليمين واليسار، لو هو رأى النور بالفعل، لكان أفضل من هكذا إعلان يُذَوِّب اليمين واليسار في مزيج ليبرالي. لكن سورية لم تَشهَد في تاريخها تحالفا يَجْمَع بين اليمين واليسار في برنامج سياسي مُوَحَّد، ناهيكم والتحالف الحكومي، باستثناء التحالف التكتيكي بين قادة البعث والشيوعيين، وبين خالد العظم المُنشَق عن اليمين (حزب الشعب والحزب الوطني) لمدة سنتين (1957-1759). إن صُنَّاع الإعلان لم يفتْهم أن سورية التي لم تَعْرِف في تاريخها حالة من التحالف بين اليمين واليسار لن تََقبل اليوم بتحالف يجمع بين التجمع من جهة، والأخوان ومأمون حمصي، وغير هذا وذاك من أعيان البورجوازية السياسية الناشئة، إلخ..إلخ، من جهة ثانية. لذا، تراهم وجدوا في غياهب الإعلان إياه خير مفر لهم من هذه العقبة التاريخية. نعم، إن المعارضة جزء من الاستعصاء وليست حلا له طالما هي رَمَت باليسار في بوتقة الإعلان لتبخيره فوق نار هادئة لبورجوازية سياسية تطل برأسها من نافذة السلطة ومن باب العولمة المفتوح على مصراعيه.
حزيران/يونيو 2007
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ * إعلان دمشق وجبهة الخلاص الوطني. * ربيع دمشق ابتكار من صنع سجناء يعشقون الحرية، ولما رأوا من كوة الزنزانة الكبيرة طائر سنونو واحد ضل طريقه في سماء سورية ظنوا أنه يُبَشِّر ببوادر الربيع، هيهات هيهات !!
#حسان_خالد_شاتيلا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الضفة الجنوبية لحوض المتوسط مطالبة بانقاذ المنتدى الاجتماعي
...
-
لبنان*
-
المقاومة كمصدر للديمقراطية
-
عن معاني المقاومة العربية في زمن العولمة النيوليبرالية
-
بيان من شيوعي يدعو إلى المقاومة
-
إعلان دمشق تكتيك دفاعي يفتقد إلى جيش مجتمعي
-
من أجل حملة مناهضة للشراكة الأوروبية المتوسطية
-
النداء والأجندة الصادرين عن مجلس الحركات الاجتماعية لبلدان ح
...
-
حركة مناهضة العولمة تنصب أول حاجز لها في حوض المتوسط لمقاومة
...
-
سورية في زمن الأمبراطورية الأمريكية والنيوليبرالية الجديدة:م
...
-
حوض بحر الأبيض المتوسط حيز مركزي في مناهضة العولمة الليبرالي
...
-
منتدى بورتو أليغري 2005 : المقاومة الواسعة لليبرالية على مفت
...
-
دفاع عن المسألة النظرية : قراءة لكتابات نقولا الزهر
-
أسئلة موجهة الى مشروع تقرير المؤتمر السادس للحزب الشيوعي الس
...
-
عن التحالفات في سورية على مشارف المنعطف الانتقالي
المزيد.....
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|