|
عقدة نقص الدولة الفلسطينية
راتب شعبو
الحوار المتمدن-العدد: 1974 - 2007 / 7 / 12 - 11:43
المحور:
القضية الفلسطينية
على هامش حدث كبير في فلسطين مر خبر عابر دون ملاحظة ولكنه خبر يثير الكثير من الخيبة ويفرخ في الرأس الكثير من الأسئلة المقلقة. الحدث الكبير هو سيطرة كتائب القسام (الجناح العسكري لحماس) على جميع المقار الحكومية في غزة بما فيها المراكز الأمنية التابعة للرئاسة ورفع علم حماس محل العلم الفلسطيني في حركة تدل على أن الصراعات الداخلية المستعصية بدأت تلتهم القضية الفلسطينية. والخبر الهامشي هو إقدام الرئيس الفلسطيني محمود عباس "أبو مازن" على معاقبة (عزل وتكسير رتب..الخ) المسئولين الأمنيين والعسكريين التابعين له في غزة على تسليمهم المكاتب أو تراخيهم في الدفاع أو عدم تصديهم لعناصر حماس كما يجب. وجه العجب في الخبر أنه ربما كان يتوقع المرء من الرئيس عباس أن يكافئ هؤلاء العناصر والقادة العسكريين والأمنيين الفلسطينيين (الفتحاويين) لعدم تصديهم لعناصر حماس بدلاً من أن يعاقبهم. لأن "التراخي" في الدفاع عن المقار الحكومية في وجه عناصر حماس ساهم على الأقل في الحد من الضحايا والحد بالتالي مما تستجره الضحايا في القتال الأهلي، ولاسيما بين طرفين كل منهما ممتلئ بشرعيته الخاصة، من أحقاد كامنة وحالات ثأر ساخنة أو مبيتة وما يؤدي إليه ذلك من حلقة عنف لا تنتهي. وفي النهاية كتائب القسام ليست عصابة خارجة عن القانون ويجب دحرها لإقامة الأمن الذي هو من مسؤولية السلطة، بل هي جناح عسكري للجهة التي تشكل الحكومة باسم غالبية المجلس التشريعي (شرعية فلسطينية ضد شرعية فلسطينية). أي أن "التراخي" مع "الأخوة الحمساويين" المنفلتين من عقالهم والمندفعين بكل هذه الروح "الجهادية" التي نقلتها الكاميرات، هو في المحصلة امتياز – بغض النظر عن أسبابه في هذه الحالة العيانية حتى ولو كان جبناً وتخاذلاً – ويكون بالتأكيد امتيازاً أكبر حين ينبع من إحساس عال بالمسؤولية، من زاوية نظر حريصة على تغليب الأساسي على الثانوي، أو بالأصح من زاوية نظر ترى إلى الصراع الأساسي على أنه الصراع مع محتل. والواضح أن هذا المحتل استطاع أن يقنع العالم بأنه يحتل دفاعاً عن النفس وبأن أصل المشكلة هي في من يقاتل ليحرر أرضه، وها هم أهل البيت (الأرض) بدؤوا يستسيغون فيما يبدو هذه الفكرة. من الطبيعي أن يغتاظ الرئيس محمود عباس من إقدام حماس على هذا القرار باللجوء إلى الحسم العسكري، وهو قرار غير مقبول بلا شك ولاسيما أنه ترافق فوق ذلك بممارسات انتقامية ضيقة الأفق، ولكن لا بد للمرء أن يتساءل ما الذي أغاظ أبو مازن إلى هذا الحد من "تراخي" عناصره وقادته أمام عناصر حماس؟ ما هي القيمة التي كان يمكن أن يكتسبها استبسال هؤلاء العناصر والقادة الذين يعاقبهم اليوم أبو مازن؟ وما هي الخدمة التي كان يمكن أن يقدمها استبسالهم لقضية بناء دولة فلسطينية ولا نقول لقضية تحرير فلسطين؟ هل كان يريد الرئيس عباس أن يسقط المزيد من القتلى بين الطرفين ليقول إنه لم يكن هناك تراخ من "جانبنا"؟ هل كان سيتعامل، بصفته الرئيس، مع من يسقط في هذه المواجهات كشهيد؟ شهيد أية قضية؟ بديهي أن مثل هذا الاستبسال كان سيقود إلى المزيد من الضحايا والخسائر بين الجانبين ليس أكثر، فلا قيمة في هذا السياق لانتصار طرف على آخر، ولا معنى للانتصار أصلاً في هذا السياق. لكن ليست هذه هي زاوية النظر التي يرى منها الرئيس عباس إلى المسألة، فعباس الحمامة البيضاء والمهادن والكاره للصراع المسلح مع إسرائيل وأمريكا والميال إلى التفاوض، يتكشف هنا عن صقر شديد البأس يصل غيظه إلى حد تكسير رتبة عقيد إلى مجند، وإلى حد رفض مبدأ الحوار مع حماس "هؤلاء القتلة الإرهابيين" – لغة موجهة لها آذان تلتقطها - بلهجة قطعية لا تنبع ممن يرى في نفسه رئيساً للجميع. ولكن طبيعي أن ممارسة دور الحمامة مع "الخارج" يتطلب إتقان دور "الصقر" في الداخل، فما قيمة "حمامة" لا تسيطر على "خمها"؟ فأمام واقع إقدام إسرائيل على اعتقال النواب والوزراء الفلسطينيين لم نجد سورة الغضب هذه من الرئيس عباس ولم نجد رفضاً للتفاوض مع إسرائيل كما نجده اليوم إزاء خطوة حماس. واحتياطاً نقول إن ما قامت به حماس عمل انقلابي لا يغير من طبيعته هذه أن تكون حماس قد دفعت إليه دفعاً بوسائل مثل عدم تمكينها من السيطرة على الأمن الداخلي ونشوء حالة من ازدواجية السلطة والتضييق على نشاطها المقاوم..الخ. ودفعاً لأي التباس أيضاً نقول إننا ممن لا يرحبون بإضفاء طابع ديني على السياسة ولا يرحبون بالحركات السياسية التي تعتمد الدين ورجال الدين مرجعاً لها، بل نجد فيها مشكلة أكثر مما نجد فيها حلاً. ولكن مؤدى كلامنا هو التدليل على مأزق القضية الفلسطينية الحاضر جراء صراع منطقين يتهددان هذه القضية من داخلها بعد أن امتلك كل منطق من القوة ما يمكنه من التصدي الفعال للآخر. المشكلة إذن أن هناك منطقين لا يلتقيان ولا يتعايشان، منطق الدولة ومنطق المقاومة. وربما كان عسل الدولة الذي يصبو إليه عباس أو ما يمكن أن نسميه "عقدة نقص الدولة" هو السم الذي يقتل ميول المقاومة، ولا شك أن حلم الدولة مشروع والنزوع إلى مقاومة الاحتلال مشروع أيضاً، وهذا ما يزيد من استعصاء المشكلة الفلسطينية الداخلية، حين يتقاسم منطق الدولة ومنطق المقاومة الشرعية الفلسطينية بما يمنح كل منطق منهما حق اتهام الآخر بالانقلاب على الشرعية. ومن الواضح أن اشتداد المأزق الفلسطيني بدأ مع استلام حماس الحكومة ووقوعها في دوامة التنازع بين ما يتطلبه منطق السلطة وما يتطلبه منطق المقاومة ولاسيما حين يكون هذا الأخير مبنياً على منطلقات دينية قطعية. إن حدة الصراع بين هذين المنطقين أشد منها بين منطق الدولة ومنطق الاحتلال. أي إن الرئيس عباس هو تعبير عن مشروع هو أقرب في العمق إلى الدولة الإسرائيلية منه إلى الحكومة الفلسطينية التي تتزعمها حماس. الدولة الإسرائيلية ومن ورائها "المجتمع الدولي" هي الأداة التي توصله إلى دولته، في حين أن حماس – فيما يرى – تبعده عن هذه الدولة وتضعفه في "بيته" فتضعف بالتالي موقفه التفاوضي للحصول على دولة. والآن وقد تقاسم المنطقان الشرعية الفلسطينية وامتلك كل منطق القوة والفعالية داخل الساحة الفلسطينية فإن عناصر الاستعصاء باتت متوفرة في الساحة الفلسطينية كما هي متوفرة في الساحة اللبنانية. وأهم مظاهر الاستعصاء هنا وهناك ليس فقط انعدام الثقة بين الأطراف المختلفة وتقاسم الشرعية بل والأهم التراشق بالتهم نفسها "ارتباط خارجي، تعطيل الحوار..الخ)، بما يدل على عقم طرفي الصراع. والآن ربما لا ينفتح طريق الحل إلا بتغليب أحد المنطقين، والواقع أن مثل هذا الحل قد يقوض القضية الفلسطينية التي ظلت حية بفضل القدرة على المواءمة بين هذين المنطقين.
#راتب_شعبو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العلمانية والديمقراطية وفك الاحتكارات
-
عن العلمانية والديموقراطية
-
لماذا الصحوة الإسلامية؟
-
تعليق على مشروع البرنامج السياسي للتجمع الوطني الديموقراطي ف
...
-
في شأن إعدام صدام حسين
-
حول اعتقال علي الشهابي
-
حرب لبنان ومأزق -العقلانية- السياسية
-
سوريا السوريالية
-
عن الداخل والخارج مساهمة في الحوار الجاري
-
الخارج وفق محددات الداخل - المثال السوري
-
الوحدة الوطنية بين السلطة والمعارضة في سورية
-
قبل الرماء تملأ الكنائن
-
أية علمانية وأي إسلام؟
-
مفهموم الوطنية..مقاربة عامة
-
مفارقة السياسة الامريكية في المنطقة
-
إعلان دمشق ..تقدم في الشكل وتراجع في المضمون
-
دنيا الدينالاسلامي الأول - 6
-
دنيا الدين الاسلامي الأول - 5
-
دنيا الدين الاسلامي الأول - 4
-
دنيا الدين الاسلامي الأول - 3
المزيد.....
-
بوغدانوف يبحث مع وفد من حماس المستجدات في غزة ويؤكد أهمية ال
...
-
الجدل حول شراء غرينلاند لم ينته بعد.. ورئيسة وزراء الدنمارك
...
-
بيل غيتس وصورة -الملياردير المثالي-
-
ترامب يعلق رسومه الجمركية على المكسيك -شهرا-
-
الرياض.. برنامج أمل التطوعي لدعم سوريا
-
قطاع غزة.. منطقة منكوبة إنسانيا
-
الشرع لـ-تلفزيون سوريا-: النظام كانت لديه معلومات عن التحضير
...
-
مصراتة.. سفينة مساعدات ثانية إلى غزة
-
جنوب إفريقيا تعلن عن إجراءات محتملة ردا على قرار ترامب وقف ت
...
-
مصر تصدر خرائط جديدة لقناة السويس.. ما أهميتها وتفاصيلها؟
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|