أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبد السلام أديب - التقسيم الدولي الجديد للعمل















المزيد.....

التقسيم الدولي الجديد للعمل


عبد السلام أديب

الحوار المتمدن-العدد: 602 - 2003 / 9 / 25 - 03:02
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


الرباط في 02 مارس 2000

تساؤلات عديدة تطرح بخصوص وضع بلادنا الحالي في إطار ما يسمى بالعولمة؟ وبخصوص الدور المسند لها في إطار العلاقات الاقتصادية الدولية؟ وعن ما إذا كنا  فعلا أحرارا في اختيار مستقبلنا أم أننا لا زلنا نخضع لقوالب وتكييفات تفرض علينا إرادتها من الخارج؟

وترتبط الاجابة عن هذه التساؤلات بما يصطلح عليه بالشكل الجديد للتقسيم الدولي للعمل. فالنظرية التقليدية للتقسيم الدولي للعمل كانت تقوم في إطار ما يسمى بالمزايا النسبية  على تبرير تخصص الدول المتقدمة في إنتاج السلع الصناعية وتخصص  الدول النامية في إنتاج المواد الخام. وكان التحليل ينبني برمته على أساس نظرية للتبادل موضوعها إنتاج السلع وتداولها من أمة إلى أخرى. أي أن الافتراض الأساسي هو تجارة السلع وتداولها بين الأمم.
لكن مع تزايد التدويل، لم يعد من الممكن قبول هذا الافتراض. فالسلعة الواحدة يتم تجزئة مراحل إنتاجها في دول مختلفة، وقد تجمع في دولة أو دول ثانية، وتسوق في دولة أو دول ثالثة. السلعة الواحدة إذن يشارك في إنتاجها أمم مختلفة بقدر ما أسهمت كلية في إنتاج السلعة، بل نحن إزاء مزايا نسبية مختلفة لبلدان متعددة لإنتاج سلعة واحدة. وليس هناك تخصص أو تقسيم للعمل كامل لبلد ما في إنتاج السلعة، بل تخصصات أو تقسيمات مختلفة للعمل لبلدان متعددة لإنتاج السلعة نفسها. وفي ضوء ذلك يمكن الحديث إذن عن تكامل إنتاج عابر للقوميات.

ولعل التقسيم الجديد للعمل الدولي جاء وليدا للتطور الكيفي الذي وصلته قوة الشركات متعددة الجنسيات، فهو تقسيم تقوده هذه الشركات ليعيد تجديد علاقة المركز بالمحيط. إنه تقسيم ينطلق من داخل هذه الشركات.
فلم يعد تقسيم العمل الدولي يقوم اليوم على المواجهة بين الصناعة والزراعة، بل أصبح الأمر يبدو وكأنه قائم داخل نفس المؤسسة بين مستويات العمل. فالتقسيم الرئيسي أصبح يقوم بين رأس المال والعمل وبين الإدارة وأعمال الإنتاج، وبين الدماغ واليدين.

إن ظاهرة العولمة أصبحت تتوسع عبر نوع من التقسيم للعمل داخل الشركات متعددة الجنسيات وعلى أساس ثورة علمية وتكنولوجية هائلة. فآخر الدراسات تؤكد على أننا نعيش ثورة صناعية ثالثة مقابل الثورة الصناعية الأولى التي قامت على اكتشاف البخار والفحم وازدهرت فيها صناعات النسيج والحديد والنقل ... الخ. والثورة الصناعية الثانية التي قامت على اكتشاف الكهرباء والنفط وازدهرت فيها صناعة السيارات والطائرات والسلع الاستهلاكية المعمرة.
فالثورة الصناعية الثالثة التي تقوم حاليا على استخدام الذرة والإلكترونيات والهندسة الوراثية تبشر بأن مجالات تحقق الربح ومن ثم التراكم في الفترة القادمة ستكون من خلال طرح نوعيات جديدة تماما من السلع غير مألوفة حاليا. وستحتاج هذه المرحلة لإعادة تحديد علاقة المركز بالمحيط، مما ينعكس بالضرورة على أشكال التخصص وتقسيم العمل الدوليين.

ويبدو أن نمط الإنتاج الرأسمالي العالمي يتخلى حاليا للبلاد النامية عن الصناعات التقليدية للثورة الصناعية الأولى كصناعة المنسوجات والصناعات التعدينية، وبعض صناعات الثورة الصناعية الثانية كتجميع السيارات والسلع الكهربائية مع التصنيع الهامشي لبعض أجزائها من دون أن يعرض مصالحه للخطر. وهي الصناعات التي تتميز بكثافة عنصر العمل فيها، وبكثافتها في استخدام المواد الخام، واحتياجها للطاقة من نفط وغاز وكهرباء، وتلويثها للبيئة. مما يدفع إلى الاعتقاد بأن التصنيع أخذ ينتشر جنوبا خصوصا مع تجارب البلاد حديثة التصنيع مثل كوريا الجنوبية وتايوان وهونغ كونغ وسانغفورة والبرازيل ...الخ. وهو اتجاه يوفق بين اتجاه الصناعة غير الحيوية للنزوح من الشمال نحو الجنوب ويلبي جزئيا طموحات البلاد النامية للتصنيع والجمع بين مزايا إحلال الواردات وتنمية الصادرات. ومن شأن كل هذا أن يحول البلاد النامية من مواقع لاستخراج الثروات الطبيعية إلى مواقع للتجميع الصناعي الأولي والهامشي.
على أنه في الوقت الذي يتم فيه نقل بعض الصناعات جنوبا، يحرص  الشمال الرأسمالي على أن يمسك بيده مجمل مفاتيح عملية الإنتاج في صعيدها العالمي كالتمويل والتكنولوجيا والتسويق ... بما فيها مسألة التحكم في الغذاء، وهي الأمر الهام في عملية إعادة إنتاج قوة العمل. وقد مكنته ثورة الهندسة الوراثية من تخفيف ذلك. ففي الوقت الذي تدهورت فيه أوضاع الغذاء والزراعة بالأطراف لعدة أسباب، تقوم البلاد الصناعية، حاليا ، بإعادة نشر الزراعة شمالا، وعلى النحو الذي يمكنها من امتلاك فائض غذائي ضخم واحتكار تسوقه، على أن يستمر الجنوب في إنتاج المواد الخام الزراعية المعدة للتصدير.

من هنا إذن تبدو معالم تقسيم عمل دولي جديد داخل القطاع الزراعي، بحيث يصبح الشمال هو المنتج والمصدر الرئيسي للأغذية من قمح وحبوب ولحوم وألبان ومشتقاتها .... على أن يستمر تخصص الجنوب في إنتاج محاصيل التصدير من خامات وغذاء كالقطن والمنتجات الزيتية والفواكه والنباتات الطبية ... لكي تصدر إلى كبريات مصانع إنتاج الغذاء في الشمال ليعاد تصديرها بأسعار احتكارية للجنوب المتخلف.

وسواء تعلق الأمر بما يصدره الجنوب أو يستورده من مواد زراعية من خامات ومواد غذائية ومنتجات معدنية، فإن الشركات الاحتكارية الدولية تتحكم في التجارة الدولية لهذه السلع، إذ تتحكم بضع شركات في النسبة الكبرى من التجارة العالمية للمواد الأولية.

انطلاقا مما سبق، نتساءل عن مصلحة المركز عبر نشاط شركاته متعددة الجنسيات في السماح بنقل وتركيز بعض عمليات الإنتاج في دول المحيط؟ هل هي رغبة المركز في تنمية المحيط وتسريعه لمراحل النمو الاقتصادي من خلال اكتشاف واستغلال المزايا النسبية الموجودة في المحيط؟

لا يبدو أن الأمر يسير في هذا الاتجاه، فالمركز لا يبحث سوى عن تحقيق أعلى معدلات للربح. وهو هدف يجده الآن سهلا في بعض الدول النامية مثل بلادنا التي رحبت بفتح أبوابها للاستثمارات الأجنبية المباشرة، بعد أن أعادت هيكلة اقتصادها في ضوء سياسات التصحيح الاقتصادي. المتوجهة نحو الخارج والتي تعتمد على القطاع الخاص وآليات السوق مع ما يتطلبه ذلك من تحجيم واضح في الملكية العامة وتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي. وهي السياسات التي يتولى الآن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي هندسة أصولها في ضوء برامج التقويم الهيكلي التي تدعن لها بعد انفجار أزمة الديون الخارجية وتراجع مستوى الاقتراض الخارجي.
إن ضحايا هذا الشكل الجديد من التقسيم الدولي للعمل هم العمال وفقراء دول العالم الثالث بدون شك، عبر الإستغلال الوحشي الذي تمارسه الشركات متعددة الاستيطان لفائدة المتحكمين فيها من زعماء العالم المتقدم. فهذا الاستغلال الذي يتم عبر الهيمنة واحتكار مختلف المصادر الاقتصادية الكونية يخصص ريعه لمصلحة 10 % من سكان العالم على حساب 90 % من هذه الساكنة، من هنا تنشأ شرعية مقاومة الأغلبية المستغلة بفتح الغين للأقلية المستغلة بكسر الغين.

الخلاصة هي أن بلادنا كباقي الدول النامية الأخرى تسير في دوامة مخطط لها على أعلى مراكز القوة العالمية التي تحرص على عدم خروج أي كان عن سياستها ولو بالتصدي لذلك بالقوة. والشواهد في هذا الإطار عديدة. لذلك لا يكون على الشعوب المقهورة سوى تكوين جبهة للتوعية والمقاومة والتصدي عبر المنظمات غير الحكومية الثقافية والسياسية والنقابية والاجتماعية على غرار ما تفعله حاليا المنظمات غير الحكومية التي أبهرت الجميع في كل من سياتيل ودافوس. إنها دعوة من أجل إبداع مستقبل أفضل لأبنائنا.



#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تناقضات العولمة الليبرالية
- نقطة نظام الانقلاب التكنولوجي
- التحولات الاقتصادية والسياسية للطبقات الاجتماعية في المغرب ( ...
- التحولات الاقتصادية والسياسية للطبقات الاجتماعية في المغرب ( ...
- أزمة المالية العامة في المغرب
- خوصصة المرافق العمومية أداة تنمية أم أداة نهب للمواطنين
- التجارة الخارجية في زمن العولمة الليبرالية
- البعد المالي في إتفاقية الشراكة المبرمة بين المغرب والاتحاد ...
- مــــأزق البطالــــــة
- التحولات الاقتصادية والسياسية للطبقات الاجتماعية في المغرب - ...
- الاستعمار الأمريكي واستراتيجية المقاومة
- خلفيات الحرب الإمبريالية الأمريكية على العراق
- الاستثمارات الأجنبية الخاصة عامل تنمية أم استعمار جديد؟
- الشراكة الأورومتوسطية بين واقع الهيمنة وأحلام التنمية
- المديونية الخارجية والعولمة
- مقاومة العولمة الليبرالية
- فخ المؤسسات المالية الدولية
- أبعاد التنمية المستدامة


المزيد.....




- مسؤول إسرائيلي: وضع اقتصادي -صعب- في حيفا جراء صواريخ حزب ال ...
- مونشنغلادباخ وماينز يتألقان في البوندسليغا ويشعلان المنافسة ...
- وزير الخارجية: التصعيد بالبحر الأحمر سبب ضررا بالغا للاقتصاد ...
- الشعب السويسري يرفض توسيع الطرق السريعة وزيادة حقوق أصحاب ال ...
- العراق: توقف إمدادات الغاز الإيراني وفقدان 5.5 غيغاوات من ال ...
- تبون يصدّق على أكبر موازنة في تاريخ الجزائر
- لماذا تحقق التجارة بين تركيا والدول العربية أرقاما قياسية؟
- أردوغان: نرغب في زيادة حجم التبادل التجاري مع روسيا
- قطر للطاقة تستحوذ على حصتي استكشاف جديدتين قبالة سواحل ناميب ...
- انتعاش صناعة الفخار في غزة لتعويض نقص الأواني جراء حرب إسرائ ...


المزيد.....

- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبد السلام أديب - التقسيم الدولي الجديد للعمل