أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يوسف هريمة - إبراهيم النبي وأزمة الثقافة الروائية















المزيد.....

إبراهيم النبي وأزمة الثقافة الروائية


يوسف هريمة

الحوار المتمدن-العدد: 1974 - 2007 / 7 / 12 - 10:07
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لا زالت الثقافة الروائية تحمل الكثير من المفاهيم المتناقضة مع البناء الذي رسمه لها واضعوها والمؤسسين لها. ويبقى السؤال مطروحا على هذه البنية الثقافية من خلال ما تطرحه من نماذج إنسانية، ومشاريع يمكنها أن تؤسس لما قد يحلم به كل واحد منا، مهما كان توجهه أو منطلقه الفكري. ولعل أهم معطى يحاول الدين أن يروج له من قريب أو من بعيد، هو ما يطرحه من نماذج إنسانية، عبر أنبياء وأصحاب رسالات تكون بمثابة المسوق بالمفهوم المعاصر للرسالة الهادية إلى ما ينفع الناس في أي مجتمع من المجتمعات. والناظر إلى هذه النماذج البشرية يجد فيها كل ما تعبر عنه النفس البشرية بدرجة من الدرجات من آمال أو آلام، وما يكتنف هذه الحياة لتكون موضعا للعبور من خلالها إلى كشف السنن والقوانين، التي تحكم هذا الإنسان في تجلياته المختلفة والمعقدة بشكل كبير على الفهم المبسط لقضية في حجم ما نحن بصدده. لكن وللأسف وبسبب الإدماج الخطير في بنية العلوم الإسلامية المتأثرة بواقعها الثقافي اليهودي الحاخامي في تقسيماته للكتب المقدسة، والمشبع بثقافة الأحكام كما مر معنا في مقالة:" العقل الفقهي اللغوي وأزمة الفكر الإسلامي "، كان هناك تمييز في المصادر الرئيسية واعتبار كل واحدة مستقلة على الأخرى، بل قد تفوقها في بعض الأحيان وتقضي عليها حسب فهمهم لطبيعة الأمور.
ومن هنا سنحاول تعميق هذه الفكرة عبر المنزلق الخطير الذي قد توصل إليه ثقافة روائية، لا تراعي في الكثير من الأحيان الأبعاد الحقيقية التي بدأت ملامحها تتكشف في واقعنا المعاصر بشكل من الأشكال. وسيكون منطلقنا نموذج إنساني سوقت له هذه الأخيرة عبر رواياتها وأصولها وقواعدها، وجعلت منه قدوة يمكن التأسي بها في عالم اليوم، مبشرة بالرحمة المهداة لنا عبر هذا النموذج. إنه إبراهيم الأب الأول للديانات التوحيدية والشخصية المثيرة للجدل في العرف والمذاهب الدينية المختلفة وعلى رأسها اليهودية والإسلام.
وحتى لا نسير على درب التعميم والإبهام نبدأ موضوعنا ونتلمسه من خلال النقاط التالية:

1- التفسير النبوي وهمٌ بصري:
قلنا في مقالة سابقة بأن دراسة أي نص كيفما كان انتماؤه أو جنسه، لا بد له أن تكون منطلقة من بنيته الأساسية، وأي خروج عن هذه البنية هو تحريف لهذا النص، والخروج به ليصبح موظفا بطريقة تسمح لتمرير أفكار خارجة بالضرورة عن النص الأصلي. وما يسمى بالتفسير النبوي هو أحد أطراف هذه اللعبة الإيديولوجية التي سمحت بتمرير أفكار من حجم ما سنراه في دراستنا. ولعل الخطأ الكبير في بنية هذه المنظومة الحديثية، هي أنها التجأت للقرآن ليكون خادما لمشروعها مهما اختلفنا في نظرتنا إلى النص القرآني، ولم تكن بأي حال من الأحوال قارئة له من خلال بنيته وسياقاته.
والقرآن نفسه يعلن في الكثير من آياته أنه لا يمكن أن يكون مجزأ إلى جزر متباعدة، إذ من شأن هذا الأمر أن يكون مدعاة للسقوط في مستنقع الأدلجة:" وقل إني أنا النذير المبين كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين "، وهذا طبيعي لأن إخراج النص عن سياقه، وقراءته في سياقات أخرى يكون بمثابة قلب المفاهيم، وتمرير ما يمكن تمريره عبر القنوات المعروفة. كما أن القرآن يعلن بأنه مبين لا يحتاج إلى بيان، فأي إقحام لعنصر آخر بحجة البيان، هو خرق للمنظومة القرآنية واتهام لها بالنقص، وإن لم يعترف المُبَيِّن بذلك. وعليه سنرى كيف كانت هذه القنوات العلمية كما يسمونها، مدعاة لطرح نموذج في حجم نبي من الأنبياء على المحك الحقيقي. وهو ما سنراه لاحقا.
2- كذبات إبراهيم وأزمة الرواية الحديثية:
لا بد لنا من الإشارة في هذا المقام بأن الرواية الحديثية كانت ولا زالت تؤطر عقل المسلم من قريب أومن بعيد، وكانت في مختلف مراحل تشكلها مبشِّرة بما تحمله من مفاهيم عبر أدواتها التصحيحية والتمحيصية. وقد كان الأنبياء ضمن الإطار المبشر به يحملون المفاهيم المختلفة للحياة، ويندرجون تحت السقوف الإنسانية التي تعتبر الرواية نفسها أحد الأعمدة الأساسية لها. ونموذج إبراهيم لم يكن بدعا من النماذج التي ستكشف عن عمق الأزمة الفكرية لثقافة الرواية بكل تجلياتها. ولكن اختيارنا له كان نابعا من عمق المكانة التي يحتلها في الوسط الديني التوحيدي، ولخطورة المفاهيم الكامنة في بنية الرواية حسب التصور التقليدي لها اتجاهه. وقبل السير في تثبيت هذه الخطوات ندع الرواية الحديثية الصحيحة حسب المنهج الحديثي تتكلم عن نفسها لنرفقها بالتحليل لاحقا:
في صحيح البخاري عن أَبِي هُرَيْرَةَ:" قَالَ لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام إِلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ فِي ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَوْلُهُ ( إِنِّي سَقِيمٌ ) وَقَوْلُهُ ( بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا ) وَقَالَ بَيْنَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ وَسَارَةُ إِذْ أَتَى عَلَى جَبَّارٍ مِنَ الْجَبَابِرَةِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ هَا هُنَا رَجُلًا مَعَهُ امْرَأَةٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْهَا فَقَالَ مَنْ هَذِهِ قَالَ أُخْتِي فَأَتَى سَارَةَ قَالَ يَا سَارَةُ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرَكِ وَإِنَّ هَذَا سَأَلَنِي فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّكِ أُخْتِي فَلَا تُكَذِّبِينِي فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ ذَهَبَ يَتَنَاوَلُهَا بِيَدِهِ فَأُخِذَ فَقَالَ ادْعِي اللَّهَ لِي وَلَا أَضُرُّكِ فَدَعَتِ اللَّهَ فَأُطْلِقَ ثُمَّ تَنَاوَلَهَا الثَّانِيَةَ فَأُخِذَ مِثْلَهَا أَوْ أَشَدَّ فَقَالَ ادْعِي اللَّهَ لِي وَلَا أَضُرُّكِ فَدَعَتْ فَأُطْلِقَ فَدَعَا بَعْضَ حَجَبَتِهِ فَقَالَ إِنَّكُمْ لَمْ تَأْتُونِي بِإِنْسَانٍ إِنَّمَا أَتَيْتُمُونِي بِشَيْطَانٍ فَأَخْدَمَهَا هَاجَرَ فَأَتَتْهُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ مَهْيَا قَالَتْ رَدَّ اللَّهُ كَيْدَ الْكَافِرِ أَوِ الْفَاجِرِ فِي نَحْرِهِ وَأَخْدَمَ هَاجَرَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ تِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ ".
وقبل أن نتناول الرواية بالتحليل، ألفِتُ النظر من جديد إلى أن القرآن لم يكن يوما أصلا معتمدا في البناء الروائي، ولكنه كان موظفا بشكل من الأشكال كما سنرى لخدمة أغراض معينة، سينكشف الستار عنها بمجرد الدخول في بنية الرواية السابقة. والرواية التي بين أيدينا أحد أهم الأدلة خطورة منهج التجزيء والتقسيم للنصوص، مهما كان انتسابها وقراءتها في سياقات مباينة لا تمت لها بصلة. وباستخدام آلية التناقض الحاصل بين النظرية والتطبيق في هذه البنية نعالج مكونات هذه الرواية من خلال النقاط التالية:
أ- صادق أم كاذب؟ !!!:
أخذ النموذج البشري لشخصية دينية في حجم نبي، يعتبره كل نسق ديني أبا له تأسيسا ومنهجا مكانا محترما في النص القرآني. لأن المنطق الطبيعي يقتضي على أن الإصلاح لا يجب أن يكون ضربا من التنظير الفكري أو المثالية العبثية، ولكن الإصلاح يقتضي الإيمان بالأفكار المبشر بها في الواقع الفعلي لأي مصلح كان. وأبوة إبراهيم لكل الناس لم تأت من فراغ روحي أو فكري. إنما تأسست لبناتها عبر تراكمات كثيرة لهذه الشخصية على الأقل حسب الطرح القرآني. ولعل أهم معطى قد انبثقت منه هذه الأبوة الإنسانية، هو منهج الصدق في الأقوال والأفعال ومع النفس ومع الآخر. ولهذا قد خلد ذكره في الكتاب كمؤسس للمنهج المقتنع بما يفعل ولو كان مباينا للناس:" واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا "، و الصدق طريق السلم والسلام:" ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل ".
ولكن رواية أبي هريرة تريد أن تنشئ لها خطا موازيا لهذا الخط القرآني، وتجعل ممن كان الصدق منهجا في حياته كاذبا، ليس طول حياته وإنما ثلاث كذبات فقط:" لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام إِلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ ". وتبين هذه الكذبات عن طريق التلفيق والتجزيء مستشهدة بالنص القرآني من أجل الشرعية المزعومة. ولنقرأ معا ما سمته الروايات كذبات:
لقد أكدت سابقا بأن الصدق منهج لا يعرف النفاق النفسي، فأياًّ كانت نتيجة البحث الإنساني يكون الاقتناع والاطمئنان النفسي. وإبراهيم لم يكن بمعزل عن هذا السياق البحثي الكبير في أسرار الكون وطبيعة الحياة، ولو تساءل عن كيفية إحياء الموتى، أو بحث عن الرب بين الكواكب والنجوم:" فنظر نظرة في النجوم قال إني سقيم ". إنه السقم الذي يصيب أي باحث عن الاطمئنان النفسي والقلبي. إنه السقم الموازي لِكُنْهِ الصدق في المنهج. وليس هناك أي مبرر لما تقول الرواية بأنه كذبة من خلال السياقات القرآنية المتنوعة إلا أن نقول بأنه التجزيء المخل، والمحاولة المكشوفة للتمرير الإيديولوجي الذي سنراه في الكذبة الثالثة بزعمهم.
أما عن الكذبة الثانية حسب روايتهم فهي قول القرآن:" بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون ". ولكن الرواية عن طريق رواتها لم يكن لهم هم إلا التوظيف المغرض، ولو كان على حساب القراءة المنفصلة عن سياقها. فعبادة الآلهة والمعبودات الحجرية أمر لا يستسيغه فتى في حجم إبراهيم قد تمرد على سلطة المجتمع والأهل، ولم ير بُدّاً عن طريق البحث والتقصي إلى أن يضع الكل على المحك الحقيقي، فيلجأ إلى أن يجعلهم جذاذا إلا كبيرا منهم. ولما يُسأل عن ذلك يقيم الحجة بأن الفعل هو فهل هذا الكبير:" بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون ". وعندها سيبهت الذي كفر ولم يتبين له حقيقة المنزلق الخطير، حينما يسلم نفسه للأحجار لتتكلم باسمه، أوتصنع له خططه وحياته. فليس هناك أي كذبة ولاهم يحزنون، فالكذب لا يصنع إنسانا بله أن يصنع منهجا للصدق والبحث بين ركام الثقافة المجتمعية بكل تجلياتها. ولو كان كاذبا لما تعرض للاضطهاد والهجر النفسي ولداهن الأهل والأحباب وعاش في عزة نفس ورخاء. ولكن الصدق طريق المتاعب حين يأبى الإنسان أن لا يسقط إلا في ما تؤديه إليه قناعاته وخياراته البحثية. والقرآن سواء اتفق معه الإنسان أو اختلفت رؤيته حوله، يحمل لنا معالم شخصية إنسانية يمكن الترويج لها بشكل مقبول من الناحية الإنسانية، لا كما يريد لنا مشروع الرواية الحديثية المجزئة للقرآن. وعلى الراغب في التعرف على شخصية إبراهيم الباحث عن الحقيقة الإنسانية على حداثة سنه " سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم "، الاطلاع على مخطوطات قمران المسايرة للنَّفَس القرآني في إبراز معالم هذه الشخصية.
ب- جاهر بالحق أم ديوث؟!!!:
أما الكذبة الثالثة فهي مدار هذه الرواية والنقطة المركزية التي وُظِّفَ لها القرآن:" وَقَالَ بَيْنَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ وَسَارَةُ إِذْ أَتَى عَلَى جَبَّارٍ مِنَ الْجَبَابِرَةِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ هَا هُنَا رَجُلًا مَعَهُ امْرَأَةٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْهَا فَقَالَ مَنْ هَذِهِ قَالَ أُخْتِي فَأَتَى سَارَةَ قَالَ يَا سَارَةُ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرَكِ وَإِنَّ هَذَا سَأَلَنِي فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّكِ أُخْتِي فَلَا تُكَذِّبِينِي ". يبدو أن الرواية تتناسى بأن إبراهيم كان صادقا مع نفسه، ولم يخش ذلك الذي آتاه الله الملك في حواره معه، وجهر بالحق أمامه ولم تهمه إلا قناعاته حتى بهت الذي كفر:" ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحي وأميت. قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب. فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين ". إنه إبراهيم الذي يهجر أباه وملة قوم لا يؤمنون بما يقيمه الدليل والحجة:" واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا ". فهل هذا النموذج الإنساني المتكرر في التاريخ في صموده وصلابة موقفه مهما كانت التحديات، يقبل بأن يعطي زوجته لتنام في فراش غيره متذرعا بأنها أخته في الإسلام أو غيره كما تريد أن تمرر لنا الرواية.
لا بد وأن ثمة هناك سر ستكشف عنه الرواية وهو تمرير الفكرة اليهودية المتمثلة في تسليم هاجر الجارية إلى سارة، وإثبات شرف النسل والعنصرية اليهودية التي لا تقبل بأبناء العبيد، والرواية نفسها هي النص الموجود في الكتاب المقدس بصيغة إسلامية:" وحدث جوع في الأرض فانحدر أبرام إلى مصر ليتغرب هناك لأن الجوع في الأرض كان شديدا و حدث لما قرب أن يدخل مصر أنه قال لساراي امرأته إني قد علمت أنك امرأة حسنة المنظر فيكون إذا رآك المصريون أنهم يقولون هذه امرأته فيقتلونني و يستبقونك قولي أنك أختي ليكون لي خير بسببك و تحيا نفسي من أجلك فحدث لما دخل أبرام إلى مصر أن المصريين رأوا المرأة أنها حسنة جدا و رآها رؤساء فرعون و مدحوها لدى فرعون فأخذت المرأة إلى بيت فرعون فصنع إلى أبرام خيرا بسببها و صار له غنم و بقر و حمير و عبيد و إماء و أتن و جمال فضرب الرب فرعون و بيته ضربات عظيمة بسبب ساراي امرأة أبرام. فدعا فرعون أبرام و قال ما هذا الذي صنعت بي لماذا لم تخبرني أنها امرأتك لماذا قلت هي أختي حتى أخذتها لي لتكون زوجتي و الآن هوذا امرأتك خذها و اذهب فأوصى عليه فرعون رجالا فشيعوه و امرأته و كل ما كان له..."
أهذا هو النموذج المبشر به في الرواية؟ عمل لا يقوم به أبسط الناس فكيف بمن كان أمة لوحده؟ هل الرواية الحديثية تواصل الطرح العنصري اليهودي في التفريق بين الأسياد والعبيد؟. حقا لقد كانت هذه الرواية مختلة كامل الاختلال مع نفسها ناهيك مع الطرح القرآني. وقد نلتمس العذر لليهود لقيام دينهم على فكرة العنصر، وهذا ما جسدته القصة التي اقتبسها الرواة من الكتاب المقدس حين قال:" ورأت سارة ابن هاجر المصرية الذي ولدته لإبراهيم يمزح. فقالت لإبراهيم اطرد هذه الجارية وابنها. لأن ابن هذه الجارية لا يرث مع ابني إسحق. فقبح الكلام جدا في عيني إبراهيم لسبب ابنه. فقال الله لإبراهيم لا يقبح في عينيك من أجل الغلام ومن أجل جاريتك. في كل ما تقول لك سارة اسمع لقولها. لأنه بإسحق يدعى لك نسل. وابن الجارية أيضا سأجعله أمة لأنه نسلك ". فما بال رواة الحديث يتسابقون وراء عنصرية بغيضة لا يقرها القرآن ولا شرائع الدنيا؟؟؟. ولكن بالاطلاع على سيرتهم سينكشف المستور، وإذا ظهر السبب بطل العجب؟؟؟.
ج- ثلاث كذبات أم أربع؟ !!!
يبدو أن مسلسل التناقضات لا يريد أن ينتهي:" فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ ذَهَبَ يَتَنَاوَلُهَا بِيَدِهِ فَأُخِذَ فَقَالَ ادْعِي اللَّهَ لِي وَلَا أَضُرُّكِ فَدَعَتِ اللَّهَ فَأُطْلِقَ ثُمَّ تَنَاوَلَهَا الثَّانِيَةَ فَأُخِذَ مِثْلَهَا أَوْ أَشَدَّ فَقَالَ ادْعِي اللَّهَ لِي وَلَا أَضُرُّكِ... ". إن الملك في الرواية إما أحمق أم جاهل يكرر دائما:" ادْعِي اللَّهَ لِي وَلَا أَضُرُّكِ " وهو في كل مرة يشد أكثر ويعترف بقدرتها فبماذا سيضرها يا ترى وهي تملك مفاتيح شده؟. إنها ببساطة سذاجة الرواية حين لا تكون الحبكة القصصية صادقة مع نفسها، وعندما تكون موجهة بشكل مغرض لخدمة هدف كشفت عنه الرواية في الأخير:" فَأَخْدَمَهَا هَاجَرَ فَأَتَتْهُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ مَهْيَا قَالَتْ رَدَّ اللَّهُ كَيْدَ الْكَافِرِ أَوِ الْفَاجِرِ فِي نَحْرِهِ وَأَخْدَمَ هَاجَرَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ تِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ ".
أما عن الكذبات الثلاث فلا ندري هل هي ثلاث أم أربع؟. فإذا كان ما قاله في شأن سارة إلى الفرعون صدقا وهو ما درج عليه المفسرون وشراح الحديث أيضا من كونها أخته. فلم يبق من الرواية إلا كذبتين. وإذا لم يكن ما قاله صدقا بل كذبا فقد أصبح عدد الكذبات أربعا وليس ثلاثا. كذبه على سارة إضافة إلى الفرعون فتأمل !!!
وختاما أقول:
نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى نماذج نرى فيها أنفسنا، سواء كان الدين أحد أطرافها أو الفكر الإنساني عموما. ولا يمكن بحال أن نتحدث عن مشروع إنساني منفتح على الآخر والهادي إلى سبل التواصل المعرفي والحضاري، في ظل روايات متأزمة تصنع من نماذجها أطيافا لا حقيقة لهم في عالم لا يؤمن إلا بالجودة، وفي عولمة تكتسح المستضعفين في الأرض بمشارقها ومغاربها.
إننا نحتاج إلى إبراهيم في دعوته للسلام والهجر الجميل للعقل الجمعي المتأثر بثقافة الماضي، والمشبع بالحمولات الثقافية المختلفة. نحتاج لإبراهيم المؤسس للنظر في الكون والنفس والسائر على خطى التجربة العلمية، غير آبه بما قد تؤدي إليه النتائج. نحتاج إلى إبراهيم الصادع بالحق والجاهر بحججه أمام كل متسلط في الأرض، وكل قامع للحريات الفكرية والثقافية تحت أي مسمى من المسميات. نحتاج لإبراهيم العادل عن كل قراراته حينما يدرك حجم الهوة التي قد تسقطه فيها عصبيته أو تصلب موقفه:" إن إبراهيم لحليم أواه منيب ".
هذا ما نحتاجه فعلا. أما تبشرنا به الرواية فشخص يأباه المنطق السليم، وهو نموذج عند من كان الكذب والدجل على الناس منهجهم، ومن كانت الدياثة تحت اسم الأخوة في الدين سبيلا ممكنا لهم. هذا ليس إبراهيم. وإذا ظهر السبب بطل العجب !!!



#يوسف_هريمة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشفاعة المحمدية والامتداد العقدي المسيحي
- الفكر الإسلامي وأزمة البنيات المُؤَسِّسَة
- حفظ الدين وقصور نظرية مقاصد الشريعة
- ثقافة الاحتكار واختراق منتدى المعراج
- أُميَّة الرسول بين القرآن والمفهوم الثقافي
- التنوع الثقافي والتنمية المنشودة
- علم مصطلح الحديث وتأسيس الثقافة الروائية
- الأديان ومستقبل الإنسانية
- نزول عيسى مسيانية يهودية مسيحية في قالب إسلامي
- القرآن الكريم والتسلط باسم الدين
- ثقافة الشيخ والمريد وأزمة الفكر الديني
- العواصم الثقافية ورهانات المستقبل
- النص الديني بين العلوم الشرعية والعلوم الإنسانية


المزيد.....




- عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي ...
- أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع ...
- الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى ...
- الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي- ...
- استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو ...
- في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف ...
- ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا ...
- فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يوسف هريمة - إبراهيم النبي وأزمة الثقافة الروائية